المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عشرة أيام في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم


ولد صقران
05-30-2009, 08:32 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ثلاثة وستون عاماً عاشها صاحبها العظيم في جلال يبهر الألباب ، ، ،
اصطفاه الله لرسالته ، فكانت أيامه مثالاً بالغ الكمال في التقى والطهر والجلال ، ، ،

ولقد كانت حياته ، ، ولا تزال كتاباً مفتوحاً
فكل مشاهد حياته ، نقلت إلينا بحروف كبار ، موثقة بـأصدق وأعرق ما عرف التاريخ الإنساني من وسائل وبينات . . . !


لقد رحل عن دنيانا منذ قرابة ألف وأربعمائة عام ، ومع هذا فنحن إذ نقرأ سيرته اليوم ، لكأننا نسمعه ونراه ونعيش معه

* * * * *
ومن بين أيام حياته العظيمة التي كانت سواء في السمو والمجد ، نختار هذه الأيام العشرة ، لنرى من خلالها بعض خصائص ذلك التفوق الذي خص به المولى سبحانه رسوله الكريم . . .

* * * * *
ونحن إذ نخصها بالاختيار ، لا يعني المفاضلة بين أيامه ، فحياته بكل أيامها سواء في المجد والفضل والسمو ، ، ،
إنما يعني أننا وجدنا فيها مدخلاً رحباً لتلك الحياة الشاهقة العظيمة ، لنتعرف على أسرارها المضيئة وشمائلها المتأنقة ، وعطائها اللا محدود

* * * * *
وطبيعي أننا لانعني باليوم الوحدة الزمنية ، إنما نعني بها الظرف التاريخي للمناسبة أو الواقعة سواء تمثل هذا الظرف في يوم واحد أو عدة أيام

* * * *

هذه كانت مقدمة ( باختصار وتصرف ) لكتاب ( عشرة أيام في حياة الرسول ) للكاتب الإسلامي / خالد محمد خالد
وهو كتاب بديع الأسلوب ، رائع المحتوى يضم أحداثاُ مهمة من السيرة النبوية
في عشرة أيام

اليوم الأول : يوم التحكيم ، ، ، اليوم الثاني : يوم الوحي
اليوم الثالث : يوم الطائف ، ، ، اليوم الرابع : يوم العقبة
اليوم الخامس : يوم حمزة ، ، ، اليوم السادس : يوم الحديبية
اليوم السابع : يوم الفتح ، ، ، اليوم الثامن : يوم حنين
اليوم التاسع : يوم التخيير ، ، ، اليوم العاشر : يوم الوداع

* * * * *
وسنحاول في هذا القسم المبارك ، معايشة كل يوم من هذه الأيام المباركة
لنسعد بمصاحبة هذه السيرة العطرة ، لعل المولى جل وعلا أن يسعدنا بمصاحبته صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم
آملين منكم أيها الكرام ( أعضاء منتديات قبائل شمران )مصاحبتنا في هذه الرحلة المباركة
ليعم الخير ونحوز الفضل والأجر والثواب جمعياً

ولد صقران
05-30-2009, 08:33 AM
اليوم الأول

يوم التحكيم

" وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ "الأنفال33

إنه اليوم الوحيد بين الأيام العشرة من سنوات قبل الوحي ، سنوات التهيؤ والإعداد

إنه يوم قوي النبض ، باهر السَّمت ، بالغ الدلالة ، يعلمنا بصوت مسموع تفسير الآية الكريمة

"اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ " الأنعام 124، ، ، ، ، ،

ويكشف لنا كل ما زخرت به الأربعون عاماً من أمانة وطهر وعظمة . . .

وإليكم نبأ ذلك اليوم :

* * *

قبل بزوغ الإسلام بسنوات خمس ، والرسول صلى الله عليه وسلم في الخامسة والثلاثين من عمره

المبارك ، لم يأته الوحي بعد ، ، ،

أجمعت قريش أمرها لبناء الكعبة أقدس ما ورثوا وما عرفوا ، ، لقد وقف فيهم

( أبو وهب بن عمر بن عائذ بن مخزوم ) وهوخال والد الرسول قائلاً :

( يا معشر قريش : لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيباً )

ونهضت قريش بالعمل في البناء إلى أن وصلوا إلى الركن الذي يوضع فيه الحجر الأسود ! ! ! !

فمن سينال شرف وضع الحجر في مكانه ؟ ؟ ؟ ؟ ؟

واشتد الجدل ، واحتدم الخصام ، حتى أن بني عبد الدار جاؤا بجفنة مملوءة دماً فوضعوا

هم وبنو عدي أيديهم ، متعاهدين ألا يفوتهم هذا الفضل . . .

بقيت قريش على هذا التوتر خمسة أيام ، ثم أشار عليهم أحد شيوخهم أن يحكموا

بينهم أول داخل عليهم ، ، ، ، ،

فشخصت الأبصار نحو الباب تترقب . . . ! ! !

وفجأة هتفوا قائلين :

هذا الأمين رضينا ، ، ، ، هذا محمد . . . ! ! !

أمر محمد صلى الله عليه وسلم بثوب ، بسطه ، ووضع الحجر في وسطه ، ثم أمر كل قبيلة أن تأخذ

بطرف الثوب ، ورفعوه جميعاً ثم وضعه بيد الشريفة في مكانه وثبته ، ، ،

وواصلت قريش عملية البناء في هدوء . . . .

* * * * *

لقد كان أسلوب الرسول يوم التحكيم أسلوباً توفيقياً ، سيكون لباب منهجه حين يوحى إليه . . ! !

تقول عائشة رضي الله عنها ك " ما خير رسول الله بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثماً " رواه الشيخان

* * *

إن الذي حدث يوم التحكيم إرهاصاً وثيقاًً بالمستقبل القريب لهذا الرجل . .

وأن قوة أعلى من قوة البشر ستصطفيه وتختاره لمهام أجل وأعظم ، ،

ولكأن المولى سبحانه وضع قريشاً أمام هذه الحقيقة لتكون أبلغ حجة عليها ، ، ،

حين يبعث فيهم صلى اله عليه وسلم نبياً ورسولاً . . .



(( نهاية اليوم الأول ))

على امل اللقاء بكم في يوم جديد

تقبلوا تحيتي

ولد صقرااااااااااااااااااااااان

علي الساهري
05-30-2009, 01:49 PM
الله يجزاك خير يابوحسن

ونحن بانتظار الباقي

عبدالله حوفان
05-30-2009, 05:13 PM
الله يجزاك خير

ولد صقران
05-31-2009, 09:14 AM
اليوم الثاني

يوم الوحي

" اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ " ( العلق 3)


كانت مكة تموج بالمباهج والمسرات ، وقوافل التجارة في حركة دائمة ، والأسواق مفعمة بمباريات

الشعر و الرياضة ، ودار الندوة مليئة بزعماء العشائر والقبائل ، ، ،

ومجاثم الأصنام حول الكعبة،وخارجها زاخرة بالوافدين يهتفون باللات والعزى

وتمضي الأيام في مكة هادرة صاخبة ، مليئة بفجورها وتقواها ، وما أندر تقواها . . . . .

* * *

لكن إن كانت مكة يومئذ بلاد الأوثان ، ، فقد كانت من قبل وطن الحنفية السمحة

التي هتف بها إبراهيم عليه السلام . . . .

فبعيداً هن ذلك الصخب وتلك الحياة ، كانت روح نقية ورعة سامية ، تتطلع للحق ، وتبحث عنه ،

تتطلع إلى ملة أبيها ، ،
قال صلى الله عليه وسلم:

{ إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل

كنانة واصطفى من بني كنانة قريشآ واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم } رواه مسلم

كان صلى الله عليه وسلم يدرك عن طريق روحه حاجته وحاجة قومه ، بل وحاجة البشرية كلها إلى دعوة

إبراهيم عليه السلام ، تسمو بهم وترفعهم إلى عبادة الخالق وحده . . . .

ومع كل يوم كانت روحه تسمو وتضيف إلى رصيدها مزيداًمن الصفاء والألق

وأخذت سمات النبوة تظهر عليه ، فكان لا يرى رؤية إلا جاءت كفلق الصبح

* * * *

وذات نهار من شهر رمضان سنة تسع وستمائة للميلاد . . والرسول في الأربعين من عمره ، ،

جاء اليوم الموعود ، ، ، يوم الحي والاصطفاء ،،

وإليكم نبأ ذلك اليوم كما جاءت في الصحيحين :


وقفات مع يوم الوحي


نستطيع أن نستخلص من هذا اليوم العظيم يوم الوحي ما يلي : _



• لماذا كانت أول كلمات الله لرسوله ( اقرأ ) . . ! ! ولم تكن ( صلّ ) ، ( صُمْ ) ولا (تعبّدَ ) . . ! ! ؟ ؟

هذه الكلمة لخصت جوهر الإسلام ، وبينت حقيقة مبادئه ، فهو ليس دين عقيدة فحسب ، وليس دين

سلوكي فقط ، لكنه مع هذا وذاك دين حضارة ، صالح لكل زمان ومكان ، ،

* * *


• لعل الضمات الثلاث التي ذكرها النبي صلى الله علي وسلم " فغطني حتى ظننت أنه

الموت " تدبيراً مقصوداً حتى يتسع جسده وروحه للقوة الجديدة ، ليحتمل عبء الرسالة والجهاد

* * *

• إن انقطاع الوحي عنه لفترة كان فرصة ليستوعب الجسد هذه القوة الجديدة

، وفرصة له صلى الله عليه وسلم ليتعود الصبر والاحتمال في سبيل الدعوة

* * *


• كان موقف السيدة خديجة جديراً بما اختاره المولى لها لتكون زوج رسول الله صلى الله عليه

وسلم، فقد تلقت المفاجأة بثبات فريد ، وموقف عظيم

* * *

هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً


(( نهاية اليوم الثاني ))

عايض الشمراني
05-31-2009, 01:27 PM
بارك الله فيك ونفع بك

بن صهبان
05-31-2009, 10:10 PM
الله يجزاك خير اخوي ابو حسن
والله يجعل ذلك في موازين حسناتك

بن صهبان
05-31-2009, 10:11 PM
يثبت الموضوع

عبدالله حوفان
05-31-2009, 11:54 PM
الله يجزاك خير

ولد صقران
06-01-2009, 12:42 PM
اليوم الثالث

يوم الطائف

" وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ " ( يونس109 )

* * *

استمر نزول الوحي على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، بعد أن انقطع عنه فترة من ا لزمن ، جاءه في البداية بـ " يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ " و " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ "ُ ثم " ‏وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ "( الشعراء 214 )
ومنذ تلك اللحظة التاريخية الجيدة بدأت قافلة الأسلام رحلتها في سر وأناة ، ، وكان في مقدمة هذه القافلة ( خديجة بنت خويلد – علي بن أبي طالب – أبوبكر الصديق – زيد بن حارثة )

* * *
ثم جاء الأمر الإلهي بالجهر بالدعوة " فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ " " 0 الحجر 94 ) ،
فأخذ صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله على نور وهدى ، ومعه القلة المؤمنة من أوائل الصحب الكرام
قائلاً قولته المشهورة ( يا معشر قريش ، أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم . . . ؟ ؟ ؟
صاحوا جميعاً :
نعم . . فما جربنا عليك كذباً قط
قال : إذاً فأنا رسول الله إليكم جميعاً )

* * *

وهنا اشتد أذى قريش على النبي وصحبه ، وازداد الهجوم عليه وتولى كِبْرَه أبو لهب في شدة وبأس
وبعد أن بلغ الأذى والتنكيل بالنبي وصحبه مبلغه ، شد رحاله إلى الطائف
فقد كان خروج النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف في شوال سنة عشر من البعثة بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجته أم المؤمنين خديجة- رضي الله عنها
وحين وصل إليها عمد الى سادة ثقيف ، ودعاهم إلى عبادة الله ، وبلغهم دعوته ،
وهو يأمل منهم النصرة ، لكنهم تخلوا عن أبسط مظاهر الخلق العربي ، من إكرام للضيف
وفاجأوه بغلظة الرد وسوء القول ، بل وأغروا به سفهاءهم ليشيعوه بالحجارة فشج رأسه وأدميت قدمه ( بأبي أنت وأمي يا رسول الله )

* * *
حتى وصل صلى الله عليه وسلم إلى بستان لعتبة بن ربيعة ، وقد بلغ منه التعب مبلغه فجلس تحت شجرة عنب يستظل بظلها ، فتندت بالدمع عيناه ، وبسط كفه مناجياً ربه :

" اللهم أشكو إليك ضعف قوتى ’ وقلة حيلتى ’ وهوانى على الناس ’ يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربى الى من تكلنى ؟ الى بعيد يتجهمنى أم الى عدو ملكته أمرى ؟ إن لم يكن بك علىّ غضب فلا أبالى ’ ولكن عافيتك أوسع لى أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات ’ وصلح عليه أمر الدنيا و الآخرة ’ من أن ينزل بى ىغضبك أو يحل علىّ سخطك ’ لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك )

* * *
فماذا حل به صلى الله عليه وسلم بعد ذلك . . . ؟ ؟ ؟

* * *

حينما رأى ابني عتبة ( عتبة بن ربيعة – وشيبة بن ربيعة ) صاحبي البستان
ما حل بالنبي صلى الله عليه وسلم ،
تحركت الشفقة في قلبيهما ، فأرسلا غلاماً لهما نصرانياً يدعى ( عداس ) بقطف من العنب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
فلما وضع عداس العنب بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : كل ’ مد رسول الله يده قائلا : بسم الله ’ ثم أكل ، ، ودار بينهما هذا الحوار ، ، ، ،

* * *

قال عداس متعجباً : والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد ’
فقال له الرسول : من أى البلاد أنت ؟ وما دينك ؟
قال : نصرانى ’ وأنا رجل من أهل نينوى ( قرية بالموصل ) ’
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : من قرية الرجل الصالح يونس ابن متى ؟
فقال عداس وما يدريك ما يونس ابن متى ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذلك أخى ’ كان نبياً وأنا نبى .....
فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه .

* * *

ثم قفل الرسول صلى الله عليه وسلم عائداً إلى مكة فماذا حصل له صلى الله عليه وسلم أثناء عودته . . . . ؟ ؟ ؟

* * *
قال ابن اسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنصرف من الطائف راجعاً الى مكة ’

حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلى ’ فمر به النفر من الذين ذكرهم الله تعالى فاستمعوا له
’ فلما فرغ من صلاته ولوّا الى قومهم منذرين قد آمنوا وأجابوا الى ما سمعوا وقد قص الله خبرهم عليه صلى الله عليه وسلم فى قوله :

" وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي
إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ (30)
يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) الأحقاف
وقوله تعالى " قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) الجن ..... الآيات

* * *

ثم عاد رسول اله صلى الله عليه وسلم - ومعه زيد ابن حارثة - يريد دخول مكة
فقال له زيد كيف تدخل عليهم يا رسول الله وهم أخرجوك ؟
فقال : يا زيد إن الله جاعل لما ترى فرجاً ومخرجاً وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه .
ثم أرسل رجلاً من خزاعة الى مطعم ابن عدىّ يخبره أنه داخل مكة فى جواره ’ فاستجاب مطعم لذلك .
وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة

* * *

وقفة مع يوم الطائف

وقفة مع يوم الطائف إنما هي عبرة وعظة نستخلصها من موقف النبي صلى الله عليه سلم

مع مشركي ثقيف ، ، ، ،

* * * *

ربما يتوهم البعض ويظن: أنه صلىالله عليه وسلم إستعظم المحن التي مربها ،
أوأنه قد غلب على أمره ’ ولذلك توجه الى الله تعالى بذلك الدعاء في بستان بني ربيعة

ولكن الحقيقة أنه عليه الصلاة و السلام قد إستقبل تلك المحنة راضياً ’ صابراً محتسباً ’
وقد كان بوسعه - لو شاء - أن ينتقم ممن آذوه ولكنه عليه الصلاة و السلام لم يشأ ذلك .

* *
ودليل ذلك ما رواه البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال: لقد لقيت من قومك ’ وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسى على ابن عبد ياليل ابن عبد كلال ’ فلم يجبنى الى ما أردت ’ فانطلقت وأنا مهموم على وجهى ’ فلم أستفق إلا بقرن الثعالب فرفعت رأسى فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى فنظرت فإذا فيها جبريل فنادانى فقال إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت ’ قال فنادانى ملك الجبال وسلم علىّ ثم قال يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك ’ وأنا ملك الجبال ’ وقد بعثنى ربك إليك لتأمرنى بأمرك فما شئت ’ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ’فقال رسول الله : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً .

إذاً فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه وأمته فن الصبر على جميع الشدائد

و المكاره فى سبيل الله عز وجل . . . .


(( نهاية اليوم الثالث ))

ولد صقران
06-02-2009, 01:25 PM
اليوم الرابع



يوم العقبة



وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ

" ( الأنفال 62 )

* * *

إن يوم العقبة كان هو البداية الصادقة لعصر الغلبة والنصر والتمكين من الله سبحانه وتعالى لرسوله وللمؤمنين ، ،


واصل صلى الله عليه وسلم مسيرته الدعوية ، وأخذ يدعو قبائل العرب إلى الإسلام ، منتهزاً فرصة موسم الحج نظراً لتجمع القبائل في مكة

* * *

، وفي العام العاشر من بعثته صلى الله عله وسلم ، وفي موسم الحج التقى النبي بنفر من الخزرج إحدى أكبر قبائل المدينة المنورة ( يثرب في ذلك الوقت )
وبلغهم الرسالة في يسر وإيجاز ، ، وترك لهم الفرصة ليفكروا ، ، ،

وكان من سعادة أهل يثرب أنهم كانوا يسمعون من حلفائهم من يهود المدينة أن نبياً من الأنبياء مبعوث في هذا الزمان سيخرج

وفيما هم يتشاورون قال أحدهم :
" يا قوم . . .
" والله إنه للنبي الذي توعدتنا به يهود
" فلا يسبقنكم إليه أحد . . "
فعادوا إلي النبي ، يخبرونه بقبول دعوته ، وليعلنوا إسلامهم وكانوا ستة وهم :


1- أسعد بن زرارة (من بني النجار )
2- عون بن الحارث بن رفاعة، ابن عفراء (من بني النجار )
3- رافع بن مالك بن العجلان (من بني زريق )
4- قطبة بن عامر بن حديدة (من بني سلمة )
5- عقبة بن عامر بن نابي (من بني حرام بن كعب )
6- جابر بن عبد اللَّه بن رئاب (من بني عبيد بن غنم )
،

* * *

قال ابن إسحاق: (( فلما قدموا المدينة ذكروا رسول الله، ودعوا إلى الإسلام حتى فشا فيهم، حتى كان العام المقبل وافى الموسم اثنا عشر رجلاً، فبايعوا بالعقبة على بيعة النساء )).
وكانت بيعة العقبة الأولى


العقبة الأولى



:

قال ابن إسحاق:
(( قال عبادة بن الصامت: كنت فيمن حضر العقبة الأولى، وكنا اثنى عشر رجلاً، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء -وذلك قبل أن يفترض علينا الحرب- على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرج لنا، ولا نعصيه في معروف، فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك شيئاً فأمركم إلى الله عز وجل إن شاء غفر وإن شاء عذب ))


روى مسلم :
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: (( أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَخَذَ عَلَى النِّسَاءِ: أَنْ لا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلا نَسْرِقَ، وَلا نَزْنِيَ، وَلا نَقْتُلَ أَوْلادَنَا، وَلا يَعْضَهَ بَعْضُنَا بَعْضًا، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدًّا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ، وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ )) متفق عليه


* * *

فماذا حصل بعد ذلك . . ؟ ؟ وما هي بيعة العقبة الثانية . . ؟ ؟ ؟

* * *

ولد صقران
06-02-2009, 01:26 PM
يوم العقبة الثانية



في الحج من العام التالي ، دخل مصعب بن عمير إلى مكة ( وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أختاره ليصحب وفد الأنصار إلى المدينة )
ومعه ثلاثة وسبعون رجلاً ، وامرأتان كلهم يشهد ان لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
وهاتان المرأتان العظيمتان هما :



• أم عمارة : نسيبة بنت كعب
• أم منيع : أسماء بنت عمرو


* * *


وهنا لنا وقفة مع دور المرأة المسلمة الفعال ، في بداية عصر الأسلام ،
فها هنا نجدها سباقة للمشاركة في أمر مهم من أمور دينها ودنياها ، ألا وهو ملاقاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومبايعته على السمع والطاعة ،
وهذا ما يجب أن تكون عليه المرأة المسلمة من علو الهمة ، والمشاركة الإيجابية في أمر دينها ودنياها على هدي من الكتاب والسنة



* * *


وإليكم أيها الكرام قصة العقبة كاملة كما يرويها كعب بن مالك في سيرة ابن هشام


قال كعب: ثم خرجنا إلى الحج، وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق قال:
فلما فرغنا من الحج، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر، سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، أخذناه معنا، وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا، فكلمناه وقلنا له:
يا أبا جابر، إنك سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطباً للنار غداً، ثم دعوناه إلى الإسلام، وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة قال:
فأسلم وشهد معنا العقبة، وكان نقيباً. قال:
فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نتسلل تسلل القطا مستخفين، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً، ومعنا امرأتان من نسائنا: نسيبة بنت كعب، أم عمارة، إحدى نساء بني مازن من النجار، وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي، إحدى نساء بني سلمة، وهي أم منيع.


* * *


قال: فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له، فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبد المطلب، فقال:
يا معشر الخزرج - قال: وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار: الخزرج، خزرجها وأوسها - إن محمداً منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا، ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم، فمن الآن فدعوه، إنه في عز ومنعة من قومه وبلده. قال: فقلنا له: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت.



* * *
قال: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلا القرآن، ودعا إلى الله، ورغب في الإسلام، ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم. قال: فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال:
نعم، والذي بعثك بالحق نبياً، لنمنعنك مما نمنع منه أُزُرنا، فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب، وأهل الحلقة، ورثناها كابراً عن كابر. قال:
فاعترض القول - والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم - أبو الهيثم بن التيّهان فقال:
يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالاً، وإنا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم


وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال:


أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيباً، ليكونوا على قومهم بما فيهم، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا، تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس.


قال ابن هشام: ويقال: الهدم الهدم: يعني الحرمة، أي ذمتي ذمتكم، وحرمتي حرمتكم.
قال كعب: كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور، ثم بايع بعد القوم.


* * *

ولد صقران
06-02-2009, 01:26 PM
تابع اليوم الرابع


فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط: يا أهل الجباجب - والجباجب: المنازل - هل لكم في مذمم والصباة معه، قد اجتمعوا على حربكم.
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أزبّ العقبة، هذا ابن أَزْيَب - قال ابن هشام: ويقال ابن أُزَيب - أتسمع أي عدو الله، أما والله لأفرغن لك.
قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارفضوا إلى رحالكم.
قال: فقال له العباس بن عبادة بن نَضْلة: والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منى غداً بأسيافنا؟
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم قال: فرجعنا إلى مضاجعنا، فنمنا عليها حتى أصبحنا.
قال: فلما أصبحنا غدت علينا جِلّة قريش، حتى جاءونا في منازلنا، فقالوا: يا معشر الخزرج، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه على حربنا، وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم.
قال: فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء وما علمناه.
قال: وقد صدقوا، لم يعلموه، قال: وبعضنا ينظر إلى بعض، قال: ثم قام القوم، وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، وعليه نعلان له جديدان، قال: فقلت له كلمة - كأني أريد أن أَشْرك القوم بها فيما قالوا: يا أبا جابر، أما تستطيع أن تتخذ، وأنت سيد من ساداتنا، مثل نعلي هذا الفتى من قريش؟
قال: فسمعها الحارث، فخلعهما من رجليه ثم رمى بهما إلي، وقال: والله لتنتعلنهما.
قال: يقول أبو جابر: مه، أحفظت والله الفتى، فاردد إليه نعليه، قال: قلت: والله لا أردهما، فأل والله صالح، لئن صدق الفأل لأسلبنه ))


* * *

قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: (( أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري، أخو بني سالم بن عوف: يا معشر الخزرج، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم. قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نُهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلاً أسلمتموه فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نَهْكة الأموال، وقتل الأشراف فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخرة، قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف، فمالنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا بذلك؟ قال: الجنة، قالوا: ابسط يدك، فبسط يده فبايعوه ))

* * *

عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: (( دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ قُلْنَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ دَعَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ )

* * *

هذا والله أعلم


* * *

(( نهاية اليوم الرابع ))

ولد صقران
06-03-2009, 01:12 PM
يوم حمزة ( اليوم الخامس )

" وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ " (166 آل عمران)

* * * * *

( يوم حمزة ) إنما نقصد به هنا يوم استشهاد حمزة رضي الله عنه ، ، ، ، ،
وهو ذلك اليوم العصيب الذي يصعب وصفه . . . ! ! !
اليوم الذي شاهد فيه نبينا الحبيب عمه مضرجاً بدمائه ، ، مبقور البطن . . ! !

* * *
إنه يوم ( أحد ) . . . . ! ! !

وإليكم يا كرام نبأ ذلك اليوم :-

بعد انتهاء معركة بدر الكبرى ، حيث علا صوت الإسلام وانتشر ضوءه ، ، ،
ودحر الكفر وخبت نوره ، ، ،
عادت قريش تحمل حقداً أكبر وبغضاً أشد للنبي صلى الله عليه وسلم وصحبه
وانتظم جيشها القرشي في ثلاثة آلاف ، يقود المشاة أبو سفيان ، ويقود الفرسان خالد بن الوليد ( قبل إسلامه ) . . .
في حين خرج الرسول صلى الله عليه وسلم على رأس ألف من المسلمين ، تناقص عددهم إلى سبعمائة عندما عاد عبد الله بن أبي زعيم المنافقين . . . .

* * *
نظم الرسول جيش المسلمين جاعلاً ظهورهم إلى جبل أحد ، ، ،
واضعاً خمسين من الرماة فوق إحدى الروابي العالية ليحموا ظهور المسلمين ، ،
واحتدمت المعركة ، ، ودارت الدائرة على الكافرين ، وولوا هاربين ، ، ،
وراح المسلمون يجمعون الغنائم التي خلفها الكافرون ، ، وترك الرماة أماكنهم
ليشاركوا إخوانهم في جمع الغنائم متناسين أمر الرسول لهم ألا يبارحوا أماكنهم
مهما تكن نتيجة القتال . . . ! ! !
*
*
وفجأة . . . . ! ! ! ! !

ماذا حصل يا ترى . . . . ؟ ؟ ؟


وفجأة عاد خالد بن الوليد – وهو قائد فرسان قريش يومئذ – ونفذ كالسهم من الفتحة التي تركها الرماة ،

هو والمشركين ، وباغتوا المسلمين ، ودارت المعركة من جديد ولكن هذه المرة لحساب قريش ،

التي أعملت في المسلمين القتل والضرب


* * *

ولكن أين كان حمزة في ذلك الوقت . . . ؟ ؟ ! !

لقد كان وسط الصحابة يقاتل في استبسال وشجاعة ، ، فقد راى لواء قريش ، يحمله (عثمان بن أبي

طلحة )، وهو ينشد مباهياً مفتخراً ، فشق الصفوف إليه ، وأرداه قتيلاً ،

ومرة أخرى يبصر لواء قريش يرتفع بيد ( أرطأة بن عبد شرحبيل ) ، فيرديه قتيلاً ،

ويسقط لواء قريش ، ويعود إلى قلب المعركة ويبلي أروع البلاء ، ثم لا يلبث أن يلحظ مشركاً ينحني فوق

راية قريش يريد أن يحملها ، فيكون أسرع إليه من أنفاسه ، فيسكتها . . ! !


* * *


حقاً إنه ( أسد الله وأسد رسوله ) كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم

إذاً كان كان هذا شأنه رضي الله عنه فمالذي حصل . . . ؟ ؟ ؟

كانت هند بنت عتبة زوج أبي سفيان بن حرب قد حرضت ( وحشي ) ، وأغرته بالمال والعتق إن هو قتل

حمزة ، فقد فقدت يوم بدر أباها وأخاها ، وابنها ، فكانت تحمل الحقد على المسلمين ،

وأقسمت على الثأر ،و وقد قالت في أهلها :

أبكي عميد الأبطحين كليهما * * * وحاميهما من كل باغ يريدها
أبي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي * * * وشيبة و الحامي الذمار وليدها
أولئك آل المجد من آل طاالب * * * وفي العز منها حين ينمي عديدها

* * *

ونفذ وحشي ، ما طلبت هند بنت عتبة ، . . . . واستشهد حمزة رضي الله عنه ، ، ،

وأقبلت هند ، وحمزة رضي الله عنه مضرجاً بدمائه ، فشقت بطنه وأخرجت كبده ، ،

فلاكتها ولفظتها وعلت فوق صخرة ، وصرخت بأعلى صوتها :

نحن جزيناكم بيوم بدر * * * والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر * * * ولا أخي وعمه وبكري
شفيت نفسي وقضيت نذري * * * شفيت وحشي غليل صدري
فشكر وحشي علي عمري * * * حتى ترم أعظمي في قبري

* * *

وهكذا رآه الرسول صلى الله عليه وسلم حين رآه ، ، ، مضرجاً بدمائه ، مبقور البطن ، مجدوع الأنف ،

وكان صلى الله عليه وسلم قد أصيب إصابات بالغة فكسرت رباعيته وشج في وجهه وكُلِمت شفتاه

( بأبي أنت وأمي يارسول الله )

لكن كل ذلك كان أهون عليه من أن يرى عمه وأخاه من الرضاعة على هذه الصورة . . . ! ! !

* * * * *

وقفة :-


وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِريِنَ " [النحل: 126]. "

_ أسلم خالد بن الوليد بعد ذلك بعامين ، وقبل فتح مكة بستة أشهر ،، فكان سيف الله المسلول ،

وعلى يديه توالت الفتوحات والانتصارات

* * *

_ كما أسلمت هند بنت عتبة ، في اليوم الثاني بعد فتح مكة وحسن إسلامها ;

و اشتركت في الجهاد مع زوجها أبي سفيان في غزوة اليرموك، وأبلت فيها بلاء حسنا ، وكانت تحرض

المسلمين على قتال الروم فتقول: "عاجلوهم بسيوفكم يا معشر المسلمين". كما روت عن النبي-

صلى الله عليه وسلم- وروى عنها ابنها معاوية بن أبي سفيان وعائشة أم المؤمنين. وظلت هند بقية

حياتها مسلمة مؤمنة مجاهدة حتى توفيت سنة أربع عشر للهجرة.

* * *

(( نهاية اليوم الخامس ))

ولد صقران
06-05-2009, 10:58 AM
( اليوم السادس )


صلح الحديبية

لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا " ( الفتح 27 )

* * *

إنه يوم تتجلى فيه حكمة الله البالغة التي تبهر ذوي الألباب وتدهش أصحاب النهى
إنه يوم امتحان لإيمان الصحابة وصبرهم . . .
كان من أهم مزايا هذا اليوم " يوم الحديبية " أنه يأتي في أعقاب غزوة الخندق التي حققت نصراً مذهلاّ للمسلمين ، وهزيمة قاهرة للمشركين . .

ولم تزل مشاعر المسلمين تتأجج شوقاً لمكة ، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي دخل فيه النبي على أصحابه
ليخبرهم برؤياه ، ، ، ! ! !

ولنتابع تسلسل أحداث ذلك اليوم العظيم كما جاءت في كتاب ( الرحيق المختوم )

لصفي الرحمن المباركفوري رحمه الله

* * * * * * *

عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة 6 هـ

سبب عمرة الحديبية‏

ولما تطورت الظروف في الجزيزة العربية إلى حد كبير لصالح المسلمين، أخذت طلائع الفتح الأعظم ونجاح الدعوة الإسلامية تبدو شيئاً فشيئاً، وبدأت التمهيدات لإقرار حق المسلمين في أداء عبادتهم في المسجد الحرام، الذي كان قد صد عنه المشركون منذ ستة أعوام‏.‏

أري رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو بالمدينة، أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وأخذ مفتاح الكعبة، وطافوا واعتمروا، وحلق بعضهم وقصر بعضهم، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا، وحسبوا أنهم داخلو مكة عامهم ذلك، وأخبر أصحابه أنه معتمر فتجهزوا للسفر‏.‏


استنفار المسلمين‏

واستنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي ليخرجوا معه، فأبطأ كثير من الأعراب، أما هو فغسل ثيابه، وركب ناقته القَصْواء، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم أو نُمَيْلَة الليثي‏.‏ وخرج منها يوم الإثنين غرة ذي القعدة سنة 6 هـ، ومعه زوجته أم سلمة، في ألف وأربعمائة، ويقال‏:‏ ألف وخمسمائة، ولم يخرج معه بسلاح، إلا سلاح المسافر‏:‏ السيوف في القُرُب‏.‏


المسلمون يتحركون إلى مكة‏

وتحرك في اتجاه مكة، فلما كان بذي الحُلَيْفَة قَلَّد الهدي وأشْعَرَه، وأحرم بالعمرة؛ ليأمن الناس من حربه، وبعث بين يديه عيناً له من خزاعة يخبره عن قريش، حتى إذا كان قريباً من عُسْفَان أتاه عينه، فقال‏:‏ إني تركت كعب بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش ، وجمعوا لك جموعاً، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، واستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وقال‏:‏ ‏(‏أترون نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم‏؟‏ فإن قعدوا قعدوا موتورين محزونين، وإن نجوا يكن عنق قطعها الله، أم تريدون أن نؤم هذا البيت فمن صدنا عنه قاتلناه‏؟‏‏)‏ فقال أبو بكر‏:‏ الله ورسوله أعلم، إنما جئنا معتمرين، ولم نجئ لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فروحوا‏)‏، فراحوا‏.‏

محاولة قريش صد المسلمين عن البيت‏

وكانت قريش لما سمعت بخروج النبي صلى الله عليه وسلم عقدت مجلساً استشارياً قررت فيه صد المسلمين عن البيت كيفما يمكن، فبعد أن أعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأحابيش، نقل إليه رجل من بني كعب أن قريشاً نازلة بذي طُوَي، وأن مائتي فارس في قيادة خالد بن الوليد مرابطة بكُرَاع الغَمِيم في الطريق الرئيسي الذي يوصل إلى مكة‏.‏ وقد حاول خالد صد المسلمين، فقام بفرسانه إزاءهم يتراءي الجيشان‏.‏ ورأي خالد المسلمين في صلاة الظهر يركعون ويسجدون، فقال‏:‏ لقد كانوا على غرة، لو كنا حملنا عليهم لأصبنا منهم، ثم قرر أن يميل على المسلمين ـ وهم في صلاة العصر ـ ميلة واحدة، ولكن الله أنزل حكم صلاة الخوف، ففاتت الفرصة خالداً‏.‏

تبديل الطريق ومحاولة اجتناب اللقاء الدامي‏‏

وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم طريقاً وَعْرًا بين شعاب، وسلك بهم ذات اليمين بين ظهري الحَمْض في طريق تخرجه على ثنية المُرَار مهبط الحديبية من أسفل مكة، وترك الطريق الرئيسي الذي يفضي إلى الحرم ماراً بالتنعيم، تركه إلى اليسار، فلما رأي خالد قَتَرَة الجيش الإسلامي قد خالفوا عن طريقه انطلق يركض نذيراً لقريش‏.‏

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بثنية المرار بركت راحلته، فقال الناس‏:‏ حَلْ حَلْ، فألَحَّتْ ، فقالوا‏:‏ خلأت القصواء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل‏)‏، ثم قال‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها‏)‏، ثم زجرها فوثبت به، فعدل حتى نزل بأقصي الحديبية، على ثَمَد قليل الماء، إنما يتبرضه الناس تبرضاً، فلم يلبث أن نزحوه‏.‏ فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهماً من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا‏.‏

( بُدَيْل يتوسط بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش‏‏)


ولما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بديل بن وَرْقَاء الخزاعي في نفر من خزاعة،

وكانت خزاعة عَيْبَة نُصْح لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تُهَامَة،

فقال‏:‏ إني تركت كعب ابن لؤي، نزلوا أعداد مياه الحديبية، معهم العُوذ المطَافِيل ،
وهم مقاتلوك وصادَوك عن البيت‏.‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم، ويخلوا بيني وبين الناس،

وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جَمُّوا ،
وإن هم أبوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ، ، ،
أو لينفذن الله أمره‏)‏‏.‏ . . .

قال بديل‏:‏ سأبلغهم ما تقول، فانطلق حتى أتي قريشاً، فقال‏:‏ إني قد جئتكم من عند هذا الرجل،

وسمعته يقول قولا، فإن شئتم عرضته عليكم‏.‏

فقال سفهاؤهم‏:‏ لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء‏.‏ وقال ذوو الرأي منهم‏:‏ هات ما سمعته‏.‏

قال‏:‏ سمعته يقول كذا وكذا، فبعثت قريش مِكْرَز بن حفص، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال‏:‏ هذا رجل غادر، فلما جاء وتكلم قال له مثل ما قال لبديل وأصحابه، فرجع إلى قريش وأخبرهم‏.‏


(رسل قريش‏ )

ثم قال رجل من كنانة ـ اسمه الحُلَيْس بن علقمة‏:‏ دعوني آته‏.‏ فقالوا‏:‏ ائته،
فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏(‏هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها‏)‏، فبعثوها له، واستقبله القوم يلبون،

فلما رأي ذلك‏.‏ قال‏:‏ سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت،

فرجع إلى أصحابه، فقال‏:‏ رأيت البدن قد قلدت وأشعرت،

وما أري أن يصدوا، وجري بينه وبين قريش كلام أحفظه‏.‏

فقال عروة بن مسعود الثقفي‏:‏ إن هذا قد عرض عليكم خطة رُشْد فاقبلوها، ودعوني آته
،
فأتاه، فجعل يكلمه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم نحواً من قوله لبديل‏.‏

فقال له عروة عند ذلك‏:‏ أي محمد أرأيت لو استأصلت قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك،
وإن تكن الأخري فوالله إني لا أري وجوها، وإني أري أوباشا من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك،

قال له أبو بكر‏:‏ امصص بَظْر اللات، أنحن نفر عنه‏؟‏ قال‏:‏ من ذا‏؟‏ قالوا‏:‏ أبو بكر، قال‏:‏ أما والذي نفسي بيده

لولا يد كانت عندي لم أجْزِكَ بها لأجبتك‏.‏ وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم،

وكلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه السيف وعليه المِغْفَرُ،

فكلما أهوي عروة إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف،

وقال‏:‏ أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع عروة رأسه، وقال‏:‏ من ذا‏؟‏

قالوا‏:‏ المغيرة بن شعبة، فقال‏:‏ أي عُذَر، أو لستُ أسعي في غَدْرَتِك‏؟‏ وكان المغيرة صَحِبَ قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم،

فقال النبـي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أما الإسلام فأقبلُ، وأما المال فلست منـه فـي شيء‏)‏
‏(‏وكان المغيرة ابن أخي عروة‏)‏‏.‏

ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمهم له،
فرجع إلى أصحابه، فقال‏:‏ أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، على قيصر وكسري والنجاشي،

والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً، والله إن تَنَخَّمَ نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه،
وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدُّون إليه النظر تعظيماً له،

وقد عرض عليكم خطة رُشْدٍ فاقبلوها‏.‏

ولد صقران
06-05-2009, 10:59 AM
( هو الذي كف أيديهم عنكم‏‏ )


ولما رأي شباب قريش الطائشون، الطامحون إلى الحرب، رغبة زعمائهم في الصلح
فكروا في خطة تحول بينهم وبين الصلح، فقرروا أن يخرجوا ليلاً، ويتسللوا إلى معسكر المسلمين،

ويحدثوا أحداثاً تشعل نار الحرب، وفعلاً قد قاموا بتنفيذ هذا القرار، فقد خرج سبعون أو ثمانون منهم ليلاً فهبطوا

من جبل التنعيم، وحاولوا التسلل إلى معسكر المسلمين، غير أن محمد بن مسلمة قائد الحرس اعتقلهم جميعاً‏.‏

ورغبة فـــي الصلــح أطلـق سراحهم النبي صلى الله عليه وسلم وعفا عنـهم،

وفي ذلك أنزل الله‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ‏}‏
‏[‏الفتح‏:‏ 24‏]‏


( عثمان بن عفان سفيراً إلى قريش‏‏ )

وحينئذ أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث سفيراً يؤكد لدي قريش موقفه وهدفه من هذا السفر،

فدعا عمر بن الخطاب ليرسله إليهم، فاعتذر قائلاً‏:‏ يا رسول الله، ليس لي أحد بمكة من بني عدي بن كعب

يغضب لي إن أوذيت، فأرسل عثمان بن عفان، فإن عشيرته بها، وإنه مبلغ ما أردت،

فدعاه، وأرسله إلى قريش، وقال‏:‏ أخبرهم أنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عماراً،

وادعهم إلى الإسلام، وأمره أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين، ونساء مؤمنات، فيبشرهم بالفتح،

ويخبرهم أن الله عز وجل مظهر دينه بمكة، حتى لا يستخفي فيها أحد بالإيمان‏.‏

فانطلق عثمان حتى مر على قريش بِبَلْدَح، فقالوا‏:‏ أين تريد‏؟‏
فقال‏:‏ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، قالوا‏:‏ قد سمعنا ما تقول، فانفذ لحاجتك،
وقام إليه أبان ابن سعيد بن العاص، فرحب به ثم أسرج فرسه، فحمل عثمان على الفرس، وأجاره وأردفه حتى جاء مكة، وبلغ الرسالة إلى زعماء قريش، فلما فرغ عرضوا عليه أن يطوف بالبيت،

فرفض هذا العرض، وأبي أن يطوف حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏


( إشاعة مقتل عثمان وبيعة الرضوان )‏

واحتبسته قريش عندها ـ ولعلهم أرادوا أن يتشاوروا فيما بينهم في الوضع الراهن، ويبرموا أمرهم،

ثم يردوا عثمان بجواب ما جاء به من الرسالة ـ وطال الاحتباس، فشاع بين المسلمين أن عثمان قتل،

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغته الإشاعة‏:‏ ‏(‏لا نبرح حتى نناجز القوم‏)‏،

ثم دعا أصحابه إلى البيعة، فثاروا إليه يبايعونه على ألا يفروا، وبايعته جماعة على الموت،

وأول من بايعه أبو سنان الأسدي، وبايعه سلمة بن الأكوع على الموت ثلاث مرات، في أول الناس ووسطهم وآخرهم، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد نفسه وقال‏:‏ ‏(‏هذه عن عثمان‏)‏‏.‏

ولما تمت البيعة جاء عثمان فبايعه، ولم يتخلف عن هذه البيعة إلا رجل من المنافقين يقال له‏:‏ جَدُّ بن قَيْس‏.‏

أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه البيعة تحت شجرة،
وكان عمر آخذا بيده، ومَعْقِل بن يَسَار آخذا بغصن الشجرة يرفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،

وهذه هي بيعة الرضوان التي أنزل الله فيها‏:‏ ‏{‏لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ‏}‏الآية ‏

[‏الفتح‏:‏ 18‏]‏

ولد صقران
06-05-2009, 11:00 AM
إبرام الصلح وبنوده‏‏

وعرفت قريش ضيق الموقف، فأسرعت إلى بعث سُهَيْل بن عمرو لعقد الصلح،
وأكدت له ألا يكون في الصلح إلا أن يرجع عنا عامه هذا، لا تتحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبداً، فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه \ قال‏:‏ ‏(‏قد سهل لكم أمركم‏)‏، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل، فجاء سهيل فتكلم طويلاً، ثم اتفقا على قواعد الصلح، وهي هذه‏:‏

1‏.‏ الرسول صلى الله عليه وسلم يرجع من عامه، فلا يدخل مكة، وإذا كان العام القابل دخلها المسلمون فأقاموا بها ثلاثاً، معهم سلاح الراكب، السيوف في القُرُب، ولا يتعرض لهم بأي نوع من أنواع التعرض‏.‏

2‏.‏ وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض‏.‏

3‏.‏ من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وتعتبر القبيلة التي تنضم إلى أي الفريقين جزءاً من ذلك الفريق، فأي عدوان تتعرض له أي من هذه القبائل يعتبر عدواناً على ذلك الفريق‏.‏

4‏.‏ من أتي محمداً من قريش من غير إذن وليه ـ أي هارباً منهم ـ رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد ـ أي هارباً منه ـ لم يرد عليه‏.‏

ثم دعا علياً ليكتب الكتاب، فأملي عليه‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏
فقال سهيل‏:‏ أما الرحمن فوالله لا ندري ما هو‏؟‏ ولكن اكتب‏:‏ باسمك اللّهم‏.‏
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك‏.‏ ثم أملي‏:‏ ‏(‏هذا ما صالح عليه محمد رسول الله‏)‏
فقال سهيل‏:‏ لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك،
ولكن اكتب‏:‏ محمد بن عبد الله فقال‏:‏ ‏(‏إني رسول الله وإن كذبتموني‏)‏،
وأمر علياً أن يكتب‏:‏ محمد بن عبد الله، ويمحو لفظ رسول الله، فأبي على أن يمحو هذا اللفظ‏.‏
فمحاه صلى الله عليه وسلم بيده، ثم تمت كتابة الصحيفة،
ولما تم الصلح دخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وكانوا حليف بني هاشم منذ عهد عبد المطلب، كما قدمنا في أوائل الكتاب،
فكان دخولهم في هذا العهد تأكيداً لذلك الحلف القديم ـ ودخلت بنو بكر في عهد قريش‏.‏


رد أبي جندل‏‏

وبينما الكتاب يكتب إذ جاء أبو جَنْدَل بن سهيل يَرْسُفُ في قيوده، قد خرج من أسفل مكة حتى رمي بنفسه بين ظهور المسلمين، فقال سهيل‏:‏ هذا أول ما أقاضيك عليه على أن ترده
فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنا لم نقض الكتاب بعد‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ فوالله إذا لا أقاضيك على شيء أبداً‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فأجزه لي‏)‏‏.‏ قال‏:‏ ما أنا بمجيزه لك‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏بلى فافعل‏)‏، قال‏:‏ ما أنا بفاعل‏.‏ وقد ضرب سهيل أبا جندل في وجهه، وأخذ بتلابيبه وجره ؛ ليرده إلى المشركين، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته‏:‏ يا معشر المسلمين، أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يا أبا جندل، اصبر واحتسب،
فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً، وأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عهد الله فلا نغدر بهم‏)‏‏.‏

فوثب عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أبي جندل يمشي إلى جنبه
ويقول‏:‏ اصبر يا أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب، ويدني قائم السيف منه،
يقول عمر‏:‏ رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه، فضن الرجل بأبيه، ونفذت القضية‏.‏


النَّحْر والحَلْق للحِلِّ عن العمرة‏‏

ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قضية الكتاب قال‏:‏ ‏(‏قوموا فانحروا‏)‏، فوالله ما قام منهم أحد حتى قال ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت‏:‏ يا رسول الله، أتحب ذلك‏؟‏ اخرج، ثم لا تكلم أحداً كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فقام فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بُدْنَه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأي الناس ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً، وكانوا نحروا البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم جملاً كان لأبي جهل، كان في أنفه بُرَةٌ من فضة، ليغيظ به المشركين، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثاً بالمغفرة وللمقصرين مرة‏.‏ وفي هذا السفر أنزل الله فدية الأذي لمن حلق رأسه، بالصيام، أو الصدقة، أو النسك، في شأن كعب بن عُجْرَة‏.‏


الإباء عن رد المهاجرات‏

ثم جاء نسوة مؤمنات فسأل أولياؤهن أن يردهن عليهم بالعهد الذي تم في الحديبية، فرفض طلبهم هذا ؛ بدليل أن الكلمة التي كتبت في المعاهدة بصدد هذا البند هي‏:‏ ‏(‏وعلى أنه لا يأتيك منا رجل، وإن كان على دينك إلا رددته علينا‏)‏ ، فلم تدخل النساء في العقد رأساً‏.‏
وأنزل الله في ذلك‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ‏}‏، حتى بلغ ‏{‏بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ‏}‏ ‏[‏الممتحنة‏:‏ 10‏]‏ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ إلخ ‏[‏الممتحنة‏:‏ 12‏]‏، فمن أقرت بهذه الشروط قال لها‏:‏ ‏(‏قد بايعتك‏)‏، ثم لم يكن يردهن‏.‏

وطلق المسلمون زوجاتهم الكافرات بهذا الحكم‏.‏ فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، تزوج بإحداهما معاوية، وبالأخري صفوان بن أمية‏.‏


* * * *

(( نهاية اليوم السادس ))

ولد صقران
06-07-2009, 11:08 AM
اليوم السابع


يوم الفتح :


"جاء الحق و زهق الباطل"





...بعد توقيع المعاهدة و رجوع "الرسول" الى المدينة ، تفرغ عليه الصلاة و السلام لتوسيع مجال الدعوة الى الله ، فأرسل رسله الى اقطار الارض حاملين كتبه الى رؤساء الدول و اباطرتها و ملوكها يدعوهم الى الايمان بالله الواحد الأحد. و لقد حافظ "الرسول " على عهد الحديبية محافظة وثقى ، فلم يخل بحرف منها، وحاشاه أن يخل بعهد أو التزام....


و هنا ، في" يوم الفتح" نلتقي بواحد من الأيام العظيمة لرسول الله .. يوم تألقت فيه شمائل" بن عبد الله" و شخصيته الفريدة.


يوم الحساب هذا يحوله" الرسول" الى آية كبرى من اخلاقيات النصر .آية كبرى في السمو و التسامح و الرحمة على الانسان و على الحياة . ها هو ذا يدخل عليه في خيمته الرجل الذي قاد كل حروب قريش ضد الاسلام ، يدخل عليه و هو يرتجف اذ رأى سيف "عمر بن الخطاب" يتلمظ به يريد ان يخطف راسه.. و هو وحيد اعزل ، لم يعد معه و لم يعد له جيش العرمرم ، ها هو ذا و لا مطمح له أكثر من ان يحقن الرسول دمه و يحفظ له حياته ..فاذا "رسول الله "تتجلى انسانيته و تتألق في اجراء ما نعرف له نظير.. لقد عز عليه ما بدا عليه "أبو سفيان" من ذلة و مهانة فامر بعض اصحابه أن ينادي :" من دخل المسجد الحرام فهو آمن " "و من دخل دار ابي سفيان فهو آمن " " و من دخل داره فهو آمن" . أي تكريم هذا الذي ما كان ليطوف بخاطر قائد قريش و لو في الأحلام. أين في تاريخ البشر ، جميع البشر ، تسامح كهذا ، سمو كهذا ، جلال كهذا ؟؟ صدق ربنا الأعلى :" انك على خلق عظيم"...


كان "رسول الله" قد تكتم نبا خروجه الى مكة و دعا ربه قائلا :" اللهم خذ العيون و الأخبار عن قريش، حتى نبغتها في بلادها .."و كان حرصه على نجاح المفاجأة مظهرا لرحمته الوارفة ، فهو يعلم انه اذا استيقظت قريش على أخبار الفتح قبل انجازه ، فسوف تستعد للحرب و تتهيا ، و عندئذ يكون الصدام المسلح .. الأمر الذي لا يريده "الرسول"و لا يتمناه . و لقد كتب الله للخطة توفيقا و نجاحا باهرين. و فوجئت مكة بعشرة آلاف مسلم ... وفي وهج هذا الانتصار الساحق ، تطل علينا المعجزة بضياء جديد يبهر الالباب .فهذا هو" الرسول " المنتصر تواتيه الفرصة لكي يفرض دينه و تعاليمه ، فاذا هولا يصنع ذلك ابدا .انه كان معنيا بامر واحد ، هو ازاحة مظاهر الوثنية و الشرك و نسف ما وراءهما من باطل و ضلال...


كانت قريش لا تزال ترتجف .فصحيح ان الجيش دخل مكة في سلام ، و لكن ماذا بعد ؟؟ ماذا سيصنع" الرسول" و المسلمون بأولئك الذين طاردوهم بالاضطهاد ثم بالحرب طوال عشرين عاما ؟؟ هل سيعاملهم كمجرمي حرب ؟ و على أي شاكلة سيكون القصاص ؟ و نودي الناس ليسمعوا خطاب "رسول الله" .. وعلى باب الكعبة و قف "رسول الله" و استهل خطابه فقال :" لا اله الا الله وحده ، لا شريك له ، صدق و عده ، و نصر عبده ، و أعز جنده ، و هزم الأحزاب و حده "


و بعد أن يهلل لله و يكبر و يوحد و يمجد ، يبدأ خطاب النصر الذي ارهقت لسماعه القلوب : "يا معشر قريش ، ان الله قد اذهب عنكم نخوة الجاهلية ، و تعظمها بالآباء ، الناس من آدم ، و آدم من تراب .. ثم تلا الآية الكريمة "يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر و أنثى ، و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ، ان اكرمكم عند الله أتقاكم " ثم عاد يقول : "يا معشر قريش ، ما تظنون أني فاعل بكم ؟" و هدرت الجموع الوجلة ، بكلمة واحدة ، كأنما كانوا على اتفاق بترديدها :" خيرا ، أخ كريم ، و بن اخ كريم "و تهلل ثغر "المصطفى ، و قال : "اذهبوا فأنتم الطلقاء"


هذا هو خطاب النصر في يوم النصر العظيم .لم يستغرق سوى دقيقتين أو ثلاث . مجد الله فيها و حمد .. و أعلنت كرامة الانسان الجديد الذي ينشئه الاسلام ، و غمر المذنبون الذين كانوا ينتظرون القصاص و يستحقونه ، بانبل عفو ، و اجمل صفح . هذا هو سلوك "الرسول" و مسلك الاسلام.


ان روعة التسامح الذي شهده "يوم الفتح" تتمثل في انه لم يكن مجرد مبدا يقرر و يعلم و يبشر ، بل كان تطبيقا و ممارسة داخل ظروف تكافأت فيها عوامل النجاح و عوامل الاخفاق ..لكن النبوة كانت هناك في شخص "خاتم النبيين "و "امام المتقين" فربح التسامح الموقف بغير منافسة و بغير عناء. و استطاع" الرسول" بتوفيق ربه و نعمته ، ثم بعظمة نفسه و نبل شمائله أن يجعل من "يوم الفتح " هذا شرفا للانسان و نورا للحياة.


نهاية اليوم السابع

بن صهبان
06-08-2009, 01:27 AM
بارك الله فيك اخوي ولد صقران

ولد صقران
06-08-2009, 09:12 AM
اليوم الثامن

يوم حنين :

"أعجبتكم كثرتكم ، فلم تغن عنكم شيئا"


لعل اصدق وصف لهذا اليوم ان نقول انه كان "يوم الله" ..كان يوم آياته .. و يوم معجزاته.. و يوم التمحيص الذي رد المؤمنين الى ربهم خشعا عارفين . و"يوم الله" الذي تجلت فيه حكمته سبحانه و تعالى في اختيار "محمد بن عبد الله" للرسالة ، و لقيادة البعث الجديد و المجيد الذي اراده الله للعرب خاصة و للبشر كافة.

الى الجانب الشرقي من مكة ، كانت تقيم قبيلة من كبريات قبائل العرب ، و من أشدها بأسا و اكثرها تمرسا في الحرب و ضراوة في القتال .تلك هي قبيلة "هوازن" ..نادت اليها قبائل ثقيف و نصر و جشم ، و قرروا أن يبطشوا بالمسلمين بطشة كبرى ، ظانين أنهم اذا قدروا عليهم و انزلوا الهزيمة بهم ، فانهم يرثون كل امجاد مكة و قريش...

و تحت إمرة رجل طموح اسمه "مالك بن عوف النصري" خرجت تلك القبائل في اعداد لجبة هائلة من المقاتلين الأشداء و معهم اموالهم و نساءهم و ابناءهم ، ليوحي اليهم انها معركة مصير ...

و أرسل "الرسول" أحد أصحابه ليعرف له أنباء القوم و جدية استعدادهم و نواياهم. .و عاد رسوله بصورة واضحة عن الموقف كله وهو موقف قوم يصممون على شن حرب عاتية ضد المسلمين.

كان مع "رسول الله" عشرة آلاف ، هم الذين سار بهم الى فتح مكة ، و انضم اليهم ألفان من أهل مكة ، منهم من أسلم يوم الفتح و منهم من بقي على دينه ... كان تعداد الجيش اذن اثني عشر ألفا . عدد كبير يبعث الزهو ، لاسيما و المسلمون قد فتحوا بالامس القريب البلد الذي كان عاصمة الوثنية في الجزيرة كلها و مركز المقاومة الضارية للاسلام و جماعته . هنالك ازدهاهم النصر و العدد الكبير و قالوا :" لن نغلب اليوم من قلة" .

قلة و كثرة ، ما لجند الله و هذا الحساب ؟ لقد و ضعوا قوتهم لذاتية في الميزان ، بينما الميزان كله بيد الله ، وليس في كفته الراجحة سوى فضل الله على رسوله و على المؤمنين .

كان وادي "حنين" الذي دارت فيه المعركة كثير الأغوار و المضايق و المنحدرات . ولقد سبقت "هوازن" و حلفاؤها الى الوادي ، و كمنوا في شعابه . و جاء المسلمون ليحتلوا الوادي ، دون ان يعرفوا أن عدوهم قد سبقهم اليه . و حين بلغوه ، كان الصبح يتنفس و يبعث بشائر ضوئه في خفوت .

و بينما المسلمون ينسابون باعدادهم الكثيرة فوق منحدرات الوادي ، اذا النبال و الحراب و السيوف ترشهم في بغتة مزلزلة ، اوقعت في صفوفهم من الفزع و الهلع ما لم يصابوا به في "يوم احد" الرهيب . و هكذا اراهم الله الخبير العليم أن كثرتهم لم تغن عنهم شيئا و أنه ليس من حقهم أن ينسوا ما نزل به الوحي على رسولهم " و ما النصر الا من عند الله" .

لقد لقنهم هذا الدرس في أوانه ، وانتقل بهم في نفس اللحظة الى درس آخر جديد .ذلك أنه حين اضطربت صفوفهم ، و ولوا راجعين بعيدا عن المنحدر العريض الذي فاجأتهم "هوازن" من مكامنه ، وقف "الرسول" و حده في ثبات يصعب تصوره ، و قف ينادي بأعلى صوته غير محاذر أن يدل الصوت اعداءه عليه : "الى أين أيها الناس ، هلموا الي ، أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله ، أنا النبي لاكذب أنا بن عبد المطلب" .لم يكن معه و لاحوله آنئذ سوى "أبي بكر" و "عمر بن الخطاب" و "عمه العباس" و ابن عمه "علي" و "اسامة بن زيد" و "أبي سفيان بن الحارث" و "ابنه" و "الفضل بن العباس" و أخيه "قثم" و "ربيعة بن الحارث" و "أيمن بن عبيد".

أجل بقي الرسول وحده ، وسط هؤلاء العشرة او الاحد عشر من اصحابه ، في قلب المنحدر الرهيب الذي برزت منه فجأة مئات المحاربين من هوازن تخفق فوق رؤوسهم راياتهم السوداء ، و تمتلىء أيديهم بسيوف الموت و حراب المنايا .

ثبت "الرسول "في الموقف الرهيب ليكون ثباته آية يزجيها القدر على انه في كل غزواته ، لم يكن يستمد شجاعته من جيشه ، بل الجيش هو الذي يستمد الشجاعة و الثبات منه.هذه الحقيقة التي عبر عنها أصدق تعبير الامام "علي " كرم الله و جهه حين قال :" كنا اذا اشتد القتال و حمي الوطيس ، احتمينا" برسول الله" .

و أمر "الرسول "عمه "العباس" و كان جسيما جهوري الصوت أن ينادي ، فصاح : "يا معشر الأنصار ، يا اصحاب البيعة" . و صدحت نداءات "الرسول "و عمه في آذان الذين شتتهم مفاجاة هوازن ، فانقلبوا راجعين كالجبال يطحنون المنحدر طحنا ، و راحت سيوفهم و نبالهم و رماحهم تحاصر هوازن و حلفاءها بالموت و الاسر ، و صاح "الرسول " في حماس و ابتهاج :" الآن حمي الوطيس" .

و راحت خيل الله تصهل و هي تطا بأظلافها القاهرة خيل االلات و خيل هوازن.و تم الدرس الثاني من دروس "حنين" بنجاح .. و بعد حين قريب سيسجل الوحي ببعض أياته هذه الظاهرة فيقول :" و يوم حنين ، اذ اعجبتكم كثرتكم ،فلم تغن عنكم شيئا، و ضاقت عليكم الأرض بما رحبت ، ثم وليتم مدبرين . ثم انزل الله سكينته على رسوله ، و على المؤمنين ، و انزل جنودا لم تروها ، و عذب الذين كفروا ، وذلك جزاء الكافرين" .

لقد تجلى في هذا المشهد من أي جوهر فريد يختار الله رسله.. و يتجلى ثبوت الإلهية و عملها .. فمن ذا الذي عصم "رسول الله" من موت محقق و قد صارو حيدا بين مئات السيوف و النبال و الرماح؟...

لقد أسفر القتال عن كثرة كاثرة من قتلى المشركين و ستة آلاف اسيرو بحر زاخر من الغنائم و الأسلاب و فر قائد الجيش ومعه مجموعة من المنهزمين حيث احتموا وراء حصون الطائف ، فلحق بهم جيش الإسلام و ضرب حول الطائف حصارا محكما ...

و لم يكد "الرسول يدرك انهم قد ملوا سلاحهم ، و أمسوا اعجز من ان يعودا للقتال حتى اتخذ موقفا جديدا ينقلنا الى المكرمة الثالثة من مكارم "يوم حنين "و دروسه و امجاده..لقد أمر برفع الحصار عن الطائف بعد ان لبث قرابة عشرين يوما ...

اهذا رسول حرب و عنف ؟ إن "يوم حنين " يعطينا أصدق تبيان و تفسير لقضية الإسلام و الحرب و لأخلاقيات الإسلام في الحرب ، ليس فقط لما شهده ذلك اليوم من مشاهد الصفح و النبل و السمو ، بل قبل ذلك لموقف المشركين في ذلك اليوم المثير..

ويوشك "يوم حنين "ان يشارف نهايته التي نلتقي عندها بعجيبة أخرى من عجائبه العظام .

لقد كان "الرسول "مصمما ان يجعل من هذا اليوم "يوم الله" .لقد رأى نصر الله يتجسد امام عينيه فلم يدركيف يشكر ربه العلي الكبير .لقد انتهت معركة حنين بنصر و كل حرب تنتهي بنصر تطرح على الفور مشاكل السلام و أولى هذه المشاكل " غنائم الحرب" ... و كان هناك آلاف من الإبل و الغنم ، تملا الاعين وتسيل اللعاب ..

و بينما المسلمون الاوائل يتطلع كل منهم الى قسمه و نصيبه اذا "برسول الله" ينادي المؤلفة قلوبهم من مسلمة الفتح الذين لا يزال إسلامهم على شفة المنفعة والنكوص، فيعطيهم من الغنائم بغير حساب ، حتى اذا بقي منها القليل ،راح يوزعها على فقراء المهاجرين .

اما الأنصار و المسلمون الأوائل و الكبار ، فقد فوجئوا بالغنائم تزاور عنهم الى الآخرين.وكانت مفاجأة لم يعودهم "الرسول" على مثلها من قبل، و في زحمة النصر و الناس و الغنائم، لم تأت الفرصة ليـعطي تفسيرا لما حدث ،فكان طبيعيا ان يكون الموقف موضع تساؤل ،بل و احساس بالأسف و المرارة لاسيما من الأنصار الذين لم تصب الغنائم منهم أحدا ...

ودخل زعيم الأنصار"سعد بن عبادة" خيمة "رسول الله" فقال :" يا رسول الله ، ان هذا الحي من الأنصار قد و جدوا عليك في انفسهم لما صنعت في هذا الفيء" .قال الرسول :" فأين أنت من ذلك يا سعد ؟" قال سعد : " ما أنا الا من قومي ". فأمره "الرسول ان يجمع له الأنصار ، فجمعهم "سعد "حيث خرج اليهم "الرسول" و قام فيهم يحدثهم ، فحمد الله و أثنى عليه ، ثم قال : "يا معشر الانصار ، مقالة بلغتني عنكم ، وجدة و جدتموها علي في أنفسكم ؟ .. الم آتيكم ضلالا ، فهداكم الله ، و عالة فأغناكم الله ، و أعداء ، فألف الله بين قلوبكم ؟ "أجاب الأنصار هاتفين :" بلى الله و رسوله امن و أفضل " و استأنف "الرسول" حديثه فقال :" ألا تجيبوني أيها الأنصار ؟ "قالوا و قد بلغهم الحياء : "بماذا نجيبك يا رسول الله ؟ فلله و لرسوله المن و الفضل " قال "الرسول " : "أما و الله ، لو شئتم لقلتم ، فلصدقتم و وصدقتم ، أتيتنا مكذبا ، فصدقناك ، و مخذولا ، فنصرناك ، و طريدا ، فآويناك ، و عائلا ، فآسيناك.

اوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم من أجل لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا و وكلتكم الى اسلامكم ؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة و البعير ، و ترجعوا أنتم الى رحالكم برسول الله ؟ . فوالذي نفس محمد بيده ، لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار . و لو سلك الناس شعبا ، و سلكت الأنصار شعبا ، لسلكت شعب الأنصار . اللهم ارحم الأنصار ، و ابناء الأنصار ، و ابناء أبناء الأنصار.."
لم يكد الأنصار يستمعون الى هذه التحية الماجدة ، ينثر عليهم زهورها الصادق الأمين عليه صلاة الله و سلامه ، حتى فاضت أعينهم من الدمع ،و علا نشيبهم و بكاؤهم...



وهكذا ، ترك الغنائم التي تفتن الألباب تذهب الى المؤلفة قلوبهم من حديثي الإسلام ، بينما ترك للسابقين الاولين من المهاجرين و الأنصار مثوبة الله و رضوانه ، و فردوس الإيمان و جنانه...



نهاية اليوم الثامن

حسن بن عبدالله
06-08-2009, 04:39 PM
الله يجزاك خير يايوحسن
والله يجعل ذلك في موازين حسناتك

ولد صقران
06-09-2009, 08:19 PM
اليوم التاسع

يوم التخيير :

"يا ايها النبي ، قل لأزواجك"


هنا تنداح مفاتح الزمن ، لتقدم بين الأيام العظيمة في حياة "رسول الله" ، هذا اليوم الاغر الجليل.و هو يوم ، تعودنا ان نمر بوقائعه مسرعين ، لا نكاد نعي منها الا ان"الرسول" غاضب أزواجه ، لأنهن أردن منه أن يوفر لهن شيئا من مناعم الحياة،فأبى" الرسول" ذلك ، و نزل الوحي مؤيدا موقف "الرسول" ، ومعاتبا زوجاته في لهجة التانيب و التهديد. ولكن ، وقبل ان نواجه الموضوع، علينا أن نقف قليلا مع كلمة " ازواج" حيث اعتاد نفر من المريبين و المستربين أن يتخذوا منها موضوع غمز ، أو في احسن مواقفهم ، موضوع تساؤل."لماذا كان لرسول الله هذه الكثرة من الزوجات ؟؟" و الجواب عن تساؤلهم ، كتبت فيه كتب كثيرة ، و أسفرت الحقيقة في هذه القضية اسفارا مبينا .

لقد بعث "الرسول عليه السلام" في سن الاربعين ، وهاجر الى المدينة بعد ثلاثة عشر عاما من بعثته ، أي و هو في الثالثة والخمسين . و طوال هذه المدة المباركة من عمره ، لم تكن له سوى زوجة واحدة وهي السيدة "خديجة" رضي الله عنها . وبعد موتها ، لم يتخذ لنفسه سوى زوجة واحدة هي "سودة بنت زمعة" رضي الله عنها ، ولبث على ذلك حتى هاجر الى المدينة و هناك اعرس "بعائشة بنت الصديق" رضي الله عنها.

ان هذه الحقيقة وحدها تدحض كل تساؤل ، وتظهر في و ضوح كامل أن تعدد الزوجات في حياة "الرسول" ، كان وليد أغراض أخرى أبعد ما تكون عن الرغبة في اشباع جنسي .

و تاتي الحقيقة الثانية ، لتؤكد الأمر ، تلك هي أن جميع زوجاته عدا "عائشة" كن ثيبات و نصفهن عجائز.

و تأتي حقيقة ثالثة ، هي أن كل نسائه بعد "خديجة" تزوج بهن عدا "سودة" في المدينة بعد الهجرة ،أي في السنوات التي قضى ليلها و نهارها في صراع مستمر لا يهدا مع المنافقين في المدينة و المشركين في قريش و هوازن و ثقيف بعد فتح مكة ، ثم مؤامرات الروم بعد أن دانت الجزيرة كلها للإسلام . اذن فما سر هذا التعدد ؟؟

لقد كان النبل و الابوة و الإحساس العميق بالمسؤولية وراء تعدد الزوجات في حياة "الرسول" . و يمكن القول أن الزواج الذي وقع في حياة "الرسول" بقصد الزواج ذاته ، انما حدث مرتين : أولهما زواجه ب"خديجة "و ثانيهما زواجه ب "عائشة" بعد موت "خديجة".اما بقية الزوجات ، فقد كان وراء الزواج منهن سبب غير قصد الزواج...

ف "حفصة" مثلا استشهد زوجها في غزوة" بدر" ، و بقيت مترملة زمنا ليس بالقصير ، و كان "النبي" يرى في ترملها مشكلة ترهق مشاعر ابيها "عمر بن الخطاب" الذي عرضها على "ابي بكر "ليتزوجها فاعتذر ثم على "عثمان" فاعتذر ايضا .هنالك آواها "الرسول" الى عصمته.

و "سودة" ، أسلمت هي و زوجها "السكران بن عمرو" و هاجرا الى الحبشة ، و في طريق عودتهما منها ، توفي زوجها ، وتمنت أن تقضي حياتها في بيت "رسول الله" فتزوجها.و "أم حبيبة" بنت" أبي سفيان " أسلمت و زوجها "عبيد الله بن جحش" و هاجرا الى الحبشة و هناك غير زوجها دينه و اعتنق النصرانية ، و بلغ أمره "رسول الله" فشغلته مأساة الزوجة الوحيدة في بلاد الغربة و الهجرة ، هذه التي اسلمت مبكرة في الوقت الذي كان ابوها و أسرتها يتزعمون اضطهاد المسلمين ...

"زينب "بنت عمة" الرسول" ، ذات الحسب و الجمال ، خطبها "الرسول " لزيد بن حارثة" ، لكن "زينب "لم تظهر ارتياحها لهذا الزواج و كذلك اخوها ، بيد انهما أمام رغبة "الرسول" وافقا لكن حياتهما الزوجية اتسمت بفقدان التفاهم و الانسجام و كان لابد من الطلاق .

وبعد الطلاق ، رغبت "زينب "ان تكون زوجة" للرسول" و رأى" الرسول" نفسه مسؤولا عن الزج بها في زواج لم تكن تريده ، فلم يكن هناك تعويض لها أقل من تحقيق رغبتها ، و هكذا ضمت الى أمهات المؤمنين.

و "صفية بنت حيي بن أخطب" زعيم اليهود في بني النضير و في معركة "خيبر "التي دارت بين المسلمين و اليهود ، فقدت أباها و زوجها و أخاها ، و وقعت في ايدي المسلمين بين السبي و الأسرى . ونقل بعض أصحاب "الرسول "اليه نبأها و هو عليه السلام كان وافر الأسى و الرحمة لكل عزيز قوم يذل ، دعا "صفية" و خيرها بين امرين : أن يعتقها ، و يردها الى من بقي من أهلها ، أو تسلم ، وتكون له زوجة و أما للمؤمنين . وصاحت "صفية "مغتبطة و شاكرة :"اخترت الله و رسوله" و تزوجها الرسول.


على هذا النمط ، كان تعدد الزوجات في حياة "الرسول" ... و بعد هذه الوقفة ، نعود الى موضوعنا ، موضوع التخيير و المفاضلة اللذين نزل بهما الوحي في حسم شديد و أكيد "يا أيها النبي" قل لأزواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا و زينتها ، فتعالين أمتعكن و اسرحكن سراحا جميلا ، و ان كنتن تردن الله و رسوله و الدار الآخرة ،فان الله أعد للمحسنات أجرا عظيما".

ولد صقران
06-09-2009, 08:20 PM
ماذا كان حدث حتى يتنزل الوحي بهذه الآيات التي تحمل طابع الاحتجاج و الرفض؟
ان الذي حدث يومها لعجيب . كانت الجزيرة العربية قد دانت كلها بالاسلام ، و كان المسلمون قد انتعشت معايشهم بما افاء الله عليهم من غنائم و مغانم ، و كانت ضريبة الزكاة تحمل الى المدينة من شمالي الجزيرة و جنوبها الحصاد و العطاء ، و من الابل و الغنم و الاموال ، و أخذ الرغد النسبي طريقه الى كل دار و كل اسرة .

لكن اسرة واحدة ظلت مثابرة على شظف العيش لا تتحول عنه و لا تريم ، يمر الشهر و الشهران و الثلاثة دون أن توقد هذه الأسرة نارا تطهو عليها شيئا من الوان الطعام .. تلك هي اسرة "رسول الله" أسرته جميعها.كانت زوجاته يقمن في حجرات منفصلة الى جوار المسجد ،و كن في شظف العيش سواء .ليس هذا فحسب ، بل امتد الى بنت "الرسول " "فاطمة الزهراء" التي تعيش بعيدا مع زوجها الامام "علي" فكانت كلما ذهبت الى ابيها تسأله من العطاء الذي يعطي منه الناس جميعا ، تسمع منه هذا الجواب:"لا اعطيك و أدع فقراء المسلمين " .ثم يضمها الى صدره حين يرى الدمع يترقرق في مآقيها و يقول لها:" الا ادلك على خير من ذلك ، سبحي الله ثلاثا و ثلاثين ، و احمدي الله ثلاثا و ثلاثين ، و كبري الله أربعا و ثلاثين " .

كان "عليه السلام "يعرف تماما مكانه و آل بيته من الدنيا ، و مكان الدنيا منهم ، كان يعلم أنه جاء الحياة ليعطي لا ليأخذ ، و من ثم عاش و حمل اهله على العيش معه في مستوى الكفاف ، و الكفاف كثير .

و حين فتحت الدنيا على المسلمين ، و زف اليهم الكثير من أطايب الطعام و اللباس و الفراش ،بدا لزوجاته أن يسالنه من ذلك النعيم حظا .. لم يطلبن ، بل لم يرغبن في اكثر مما يتاح للناس العاديين .و تحدثت بعضهن مع "الرسول "في ذلك .

كان "الرسول "يقدر فيهن طبيعة البشر ، و ما كان ليضن عليهن بتلبية رغباتهن المتعففة اليسيرة ، لكن أين القدوة اذن؟ و اين حقوق القدوة على من جعلتهن الأقدار أمهات للمؤمنين ؟ .

ان القدوة هنا لا تطلب من "الرسول "وحده ، بل و من كل من تربطه ب "الرسول "صلة نسب أو قرابة ...
هاهو ذا يعيش و يعيشون معه على التمر و الماء ، بينما ريح الشواء تفوح من اكثر البيوت . ها هو ذا ينام على حصير يترك أثاره الضاغطة على جسده الكريم ، حتى ان "عمر بن الخطاب "ليبكي حين يراه ، و يسأله أن يتخذ له فراشا لينا أ فيكون جوبه "عليه السلام" : "يا عمر ، انها لنبوة ، لا ملك " .

ألا ان يوم التخيير هذا ، وان مسلك "الرسول" بعد أن فتح الله له و لدينه الجزيرة العربية كلها ، و بعد أن صارت خيراتها و حاصلاتها تحت امره ، لأصدق البراهين لمن شاء برهانا على صدق نبوته و رسالته...

وهكذا رأيناه يغضب حين رأى زوجاته يردن الخروج الى الدنيا ، الى نعيمها ، و مباهجها و زينتها ، و يتنزل الوحي بتاييد موقفه و يرفض موقف الزوجات .

أجل ، لا مكان للدنيا في بيت النبوة ، و الله لا يريد لهن ارغاما ، فمن شاءت الدنيا و زينتها فلتغادر بيت النبوة و لتتخل عن مكان القدوة ، و لتأخذ من طيبات الدنيا بعد ذلك ما يأخذ بقية الناس.أما من كانت تريد الله ، و رسوله ، و الدار الآخرة ،فلها ذلك ، و لها الأجر العظيم من الله ، شريطة أن تنبذ الدنيا و راءها ظهريا ، و ان تتقبل في غبطة و راحة، شظف الحياة في بيت النبوة و الوحي و اليقين . و نهض" الرسول " الى زوجاته يتلو عليهن واحدة بعد واحدة كلمات الله ، و يبلغهن حكمه و تخييره .و بدأ ب "عائشة" ، ثم بقية الزوجات ، و ما منهن واحدة تسمع آي الله الا تصيح : "بل اختار الله و رسوله" .

و هل كان ينتظرمنهن غير ذلك ؟ أفئن وضع رضوان الله و رسوله في كفة ، و وضعت مباذخ الدنيا في الكفة الأخرى ، يكون ثمة مكان للإختيار و للخيار ، و ممن ؟ من زوجات "الرسول " و أمهات المؤمنين!!

لقد اراد الله سبحانه و تعالى أن يجعل من "يوم التخيير" و وقائع المفاصلة مزيدا من الإيضاح لجوهر الحياة اللائقة برسله و صفوته من خلقه . و مزيدا من التوكيد على هوان الدنيا و هوان ما يقتتل عليه الحمقى من زخرفها الباطل و أمجادها الكاذبة ، ثم درسا بليغا للناس في كل عصر و زمان ، لكي يبصروا طريق الرشد ، و يختاروا بين عالم الله و دنيا الناس.

نهاية اليوم التاسع

ولد صقران
06-10-2009, 10:49 PM
مع آخر يوم من أيام الرسول صلى الله عليه و سلم و لعله أصعب يوم على الإطلاق


اليوم العاشر


يوم الوداع :

"فسبح بحمد ربك و استغفره ، انه كان توابا"


أتم الله على رسوله نعمته و أمسى قرير العين و الفؤاد ، اذ رأى الشرك و الوثنية قد كنسا من الجزيرة العربية ، و طهر بيت الله للطائفين و العاكفين و الركع السجود ، فلم يعد يطوف بالبيت مشرك ، و لم تعد هناك مناة و عزى و لا هبل و لا اللات..

عاد دين "ابراهيم " عليه السلام الى وطنه مسبحا بحمد الله مقدسا له ، وبلغت كلمات الله الى ملوك الارض عن طريق الرسل الذين انتدبهم "الرسول" الكريم لهذه المهمة الجليلة.

وعلى قمة ثلاث و عشرين عاما قضاها و صحبه الأبرار في معاناة و نضال ، ترتكز الآن سارية النصر حاملة راية الله التي تغطي أرض الجزيرة كلها بمجدها و سناها و هداها ...

و في أواخر "ذي القعدة" من السنة العاشرة للهجرة ، شد "الرسول "رحاله الى بيت الله الحرام ، وشد المسلمون معه الرحال. و في "عرفات" ينزل عليه الوحي بهذه الآية الكريمة : "اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ، و رضيت لكم الإسلام دينا" .كمل الدين و تمت النعمة و ساد الإسلام ، اذن فالمهمة قد انتهت ، و الرحلة قد شارفت مداها .. و من دار " الأرقم" الى "مدينة رسول الله" الى دنيا الناس و عالم البشر ، يواصل النور سيرته و مسراه.

لقد أوقد "محمد" و أصحابه الشعلة المباركة ، و كتب الله ألا يخفت أبدا لها ضياء. لقد أديت الرسالة ، و بلغت الأمانة ، و أصبحت كلمة الله هي العليا. أترى الرحيل قد آن أوانه ؟ و حان للمسافر ان يعود الى داره ؟ بلى .. آن موعد العودة و الرحيل .

و في "منى" ، بعد ان تمت شعائر الحج ، و أذنت أيام التشريق ، جاءه الوحي بهذه الآيات : "إذا جاء نصر الله و الفتح ، و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ، فسبح بحمد ربك و استغفره إنه كان توابا" . و تلا "الرسول " على أصحابه كعادته هذا الوحي الجديد ، فازدادوا به طمأنينة و فرحا ، لما يحمله من توكيد لاستمرار نصر الله و فتحه .. لكن "أبا بكر "و "عمر "و " العباس" فاضت أعينهم بالدمع ، اذ وجدوا فيه نعيا "لرسول الله "و ايذانا بقرب رحيله..و لقد صدق "الرسول "فهمهم هذا ، و أنباهم أن هذه الآيات تنعي اليه نفسه.

هكذا يومىء الوحي و ينيء بقرب وفاة "الرسول" ..
لم يعد "للرسول" مكان في دنيا الناس بعد أن انتهت مهمته ، انه لا يعطى و لو بضع سنوات يحتفل خلالها بالنصر و يحيا في بحبوحته و رفاهه. ولقد كانت هذه النهاية السريعة تعني أعظم التكريم و التمجيد "لرسول رب العالمين".

ذلك أنها تكشف مقام "النبي" عند الله ، انه "رسوله" و مبعوثه الى دنيا البشر ، انه خلقه و اصطفاه لهذه المهمة لا غير ، مهمة التبليغ عنه ، و الدعوة اليه ، و غرس رايته في الارض . فاذا انتهى دوره ذاك ، صعد على الفور الى الرفيق الاعلى ، حيث هناك وطنه الحق و مقامه الابدي. ولكن ، لماذا و الوحي ينبئه بقرب رحيله ، يدعوه لأن يسبح و يستغفر؟

انه برهان جديد و لعله سيد البراهين على أن "محمدا" عليه الصلاة و السلام كان "رسول الله "، يتلقى عنه ، و يدعو اليه باذنه ..فلو أنه يعمل في نطاق شخصي ، و تدفعه حوافز ذاتية مهما يكن نبلها ، ثم احس بدنو أجله و أراد أن يعبر عن احساسه بكلمات ينعي بها نفسه ، لما جاءت على هذا النحو أبدا ..دعوة الى الاستغفار و المتاب...


من أجل هذا ، رأيناه "عليه السلام " على الرغم من تفانيه الدائب في عبادة ربه يزداد بعد نزول هذه الآيات امعانا في النسك و اقبالا على التعبد..يقول "أبو هريرة" رضي الله عنه : "اجتهد النبي صلى الله عليه و سلم بعد نزولها ، حتى تورمت قدماه ، و نحل جسمه ، و قل تبسمه ، و كثر بكاؤه" ...

هذه أولى نفحات "يوم الوداع" ، نلتقي بها في بواكير صباحه . و الآن ، فالى ذلك الجمع المشهود ، لنسمع و نرى ..

هناك فوق المنبسط الفسيح من "منى" وقف مئة و عشرون ألفا من المسلمين ، و قفوا حافين حول "رسولهم الكريم" الذي تهيا ليلقي عليهم من حديثه المضيء بعض النصائح و الكلمات.

كان الفرح و البشر و الأمل و الثقة تشيع في الزمان و المكان و تملأ الانفس حيوية و انبهارا.. لم يكونوا يعلمون أن "الرسول" نعي الى نفسه .. فحتى الذين تليت عليهم سورة "النصر" و سمعوها لم يفهموا منها ما فهمه" أبو بكر "و "عمر" و "العباس" رضي الله عنهم و عن الصحابة أجمعين .. لم يكونوا يدرون الا أنهم في مهرجان عظيم ، يحتفلون فيه بانتهاء مناسك الحج ، كما ينعمون بنصر الله و فضله . فهؤلاء المائة و العشرون ألفا من المسلمين ، من يمثلون الجزيرة العربية كلها بكل قبائلها و مواطنها.


وهم "الرسول " بالحديث ، بينما وقف قريبا منه بعض اصحابه ليبلغوا عنه ، حتى تصل كلماته الى جميع المسلمين.

لم يعد "الرسول " خطابه و لم ينمقه حتى يجيء في الصورة المحسوبة لخطبة الوداع ، و أي وداع !!
بل لعله لم يكن في حسبانه أن يقف اليوم خطيبا ، فقد جاءه ما يشغله : التهيؤ للقاء ربه.

وكعادته دائما في ايثاره البساطة ، و نبذه التكلف و التعاظم ، وقف يذكر أصحابه ، و يزودهم ببعض وصاياه ، و تحدث فجمع و أوعى .. و اشرأبت الأعناق ، و أصغت القلوب ، و أرهفت العيون أحداقها.. و أشرق في الأفق الساكن ، صوت " الرسول" :

"أيها الناس ..اسمعوا قولي ، فإني لا أدري ، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ، في هذا الموقف أبدا .
أيها الناس .. ان دماءكم و أموالكم عليكم حرام ، الى ان تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا ، و كحرمة شهركم هذا ..و انكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، و قد بلغت . فمن كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها .

و إن كل ربا موضوع .. لكم رؤوس أموالكم، لا تظلمون و لا تظلمون .. قضى الله أنه لا ربا .. و أول ربا أضع ، ربا العباس بن عبد المطلب، و إن كل دم كان في الجاهلية موضوع ..و أول دمائكم أضع دم بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.

أيها الناس .. إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ، و لكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من اعمالكم ، فاحذروه على دينكم .


أيها الناس.. انما النسيء زيادة في الكفر ، يضل به الذين كفروا ، يحلونه عاما و يحرمونه عاما ، ليواطئوا عدة ما حرم الله، فيحلوا ما حرم الله ، و يحرموا ما أحل الله .. و إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات و الأرض .. و إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا منها اربعة حرم..

و استوصوا بالنساء خيرا ، فإنهن عندكم عوان ، لا يملكن لأنفسهن شيئا ..وٌإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله .. و استحللتموهن بكلمات الله ..
قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به ، فلن تضلوا أبدا .. كتاب الله و سنة نبيه .

تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم .. و أن المسلمون إخوة ، فلا يحل لامرىء من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه .. فلا تظلمن أنفسكم "".

ثم احتوى الجموع الحاشدة بعينيه الثاقبتين ، ونادى : "اللهم هل بلغت؟؟"

و ارتج السهل العريض بالأصوات العالية ، تنبعث من حناجر مائة و عشرين ألفا ، تجيب "الرسول" :

"اللهم نعم" ...

ومضى على ذلك اليوم المجيد ألف وأربعمائة عام.. و ستمر ألف و أربعمائة عام أخرى .. ستمر آلاف الأعوام ، ما أذن الله لهذه الأرض أن تبقى و تدوم .

و خلال ذلك الزمان ، ما بقي الزمان ، سيظل رشد الإنسان و ضمير الحياة ينبضان بسؤال "الرسول" "هل بلغت؟؟" و سيظل كل شيء في لدنيا الناس يؤوب ، و يشهد ، و يجيب : "اللهم نعم . اللهم نعم""

نهاية اليوم العاشر

تم بحمد الله

م ن ق و ل

بن صهبان
06-11-2009, 02:53 AM
بارك الله فيك اخوي ولد صقران
سعدنا بهذه الراحله الرائعه العطره عن المصطفى صلى الله عليه وسلم
الله يكتب لك الاجر والمثوووبه

علي سعد آل رائد
07-02-2009, 09:52 PM
كتب الله لك الأجر
وجزاك الله خير

@الفيصل@
07-14-2009, 09:25 PM
اللهم صلي وسلم عليه

جزاك الله خيرا