المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قلب السيف


سيف الملـوك
05-03-2010, 04:15 PM
قلب السيف

قصة قصيرة



كتبها : أحمد كمال

( فيلسوف القصة )


أنا سيّاف ، مهمتي قطع الرقاب ، وتنفيذ القصاص ، في كل متكبر جبار ، أو خارج على النظام ، أو قاتل النفس ، أو مهتك الأعراض ، ولي سيف ورثته عن الأجداد ، صنعه حداد ، من أمهر الصناع ، معدنه من خليط الذهب ، الفضة ، وبعض الحديد ، وقليلاً من القصدير ، صهر كل هذا في فرن ناره برداً وسلام .
في هذا الصباح سأنفذ القصاص في مجرم من أعداء الناس ، دائماً ما يذكرهم بالماضي ، ويكشف الأستار ، ويقيّم الرجال ، وينصف من ينصف ، لكنه سليط اللسان ، قوي الكلمات ، أنا لم أعرفه ، ولا أكرهه ، لكني في النهاية سيّاف مهمتي قطع الرقاب ؟! .
عبر الممر الطويل الموصل إلى غرفتي كنت أسير ، وأنا أسمع صوت أنين ، لا أدري ما مصدره ، لكنه أخترق أذني ، وأحزن قلبي ، وبات يفسد فرحتي التي أنتظرها مع كل قصاص ! وصلت إلى غرفتي وبدلت ثيابي ، مرتدياً ملابسي الرسمية ، بكل زهو وافتخار ، فأنا أظن نفسي من الأبطال ! ولما فتحت صندوق الزمان لإخراج السيف الهندام ، رأيته يهتز بشدة ، فزعت ، تراجعت حتى التصقت بالجدار ، فما رأيته أمراً محال ! شببت على مشط قدمي ، ومددت رقبتي ، ورنوت ببصري لآخر مدى ، أرقب السيف ، لأتيقن مما رأيت ، وإذا بالضابط يناديني عبر الممر بصوته الجهوري الأجش :-
- عجل أيها السياف !
فأسرعت نحو السيف وأنا أخاف ، وأمسكت به وجذبته إلي بقوة واقتدار ، وهو لا يزال يخفق ، وأسمع من داخله دقات ، وركضت عبر الممر ، نحو ساحة القصاص ، تدوي خطواتي بفعل حذائي الغليظ ، وكأن الأرض تبصق عليه وتغتاظ ، والأنين يزداد ، من نحيب السقف ، وبكاء الجدار ، وخرجت إلى الساحة ووجدتها قد اكتظت بالناس ، ينتظرون القصاص ، وكثيراً من الكبار جالسين على المنصة في الانتظار ، بينهم قاضي غلبه النعاس ؟! وبقى المجرم واقفاً يتلفت باستغراب ، رحت أخطوا نحوه باهتزاز ، من فعل خفقان سيفي ، وأنين الأرض ، كأنني في زلزال ، ولكني تصنعت الثبات ، وبصرت الرجل من قريب ، وقد غطى رأسه الشيب ، وذبلت عيناه من البكاء ، وشحب وجهه من العناء ، وتدلت شفتاه من الدعاء ، وانحنى ظهره من طول البقاء ، كان في قيده مغلولاً ، لكنه راح ببصره يصول ، ويجول ، ثم نظر إلي بثقة وارتسمت على شفتيه ابتسامة الرضا، فأمسكت به متصنعاً الغلظة ، ودفعت به ليجثوا على ركبتيه ، ويسلمني عنقه ، ولما فعل ، إذا بسيفي يزداد خفقانه ، وباتت يدي تعجز عن إمساكه ، وتفصد جسدي عرقاً غزيراً ، ولكني بقيت متماسكاً ، أدعي العدل ، وبداخلي ثورة من الشك ، وأهمس في نفسي قائلاً :
- يا ويلك من هذا القصاص !!
ورفعت سيفي ملوحاً به في الهواء ، بيدي التي أصابها العناء ، ورحت أهوي به على عنقه أدقها، فإذا بالسيف يجهش في البكاء ، وتغيب الشمس ، وتنتحب السماء ، ويصيح الناس ، ويهب الكبار واقفين بهمة ونشاط ، وإذا بالرجل لا يزال حياً ، ونجت عنقه بسلام ؟! أصابني هياج ، وآلمتني عزة نفسي ، وشعرت باختناق ، فرحت أشحذ عزيمتي ، وأستجمع قوتي ، وأرفع سيفي من جديد ملوحاً به في الهواء ، بيدي التي أصابها العناء ، وهويت بت على عنقه أدقها ، فإذا بالسيف يئن ويخيم على الساحة ظلام ، ويلمع السيف من برق السماء ، وساد الساحة صمت وسكون ، وجلس الكبار على المنصة بكل خنوع ، وقد أصاب الجميع ذهول ، فقد نجت عنق الرجل من جديد ؟! فأصابني عناد ، ورحت بكبرياء ، أرفع سيفي من جديد ملوحاً به في الهواء ، بيدي التي كاد أن يشلها الإعياء ، ورحت أهوى به على عنقه أدقها ، فإذا بالسيف يثور ويصرخ قائلاً :
- هذا الرجل مظلوم !!
ويداهم الساحة ضباب ، أعمى الأبصار ، وترعد السماء كأنها ترسل إنذار ، فرميت السيف من يدي وقد ولد في قلبي نور ، جعله يثور ، ورحت أقول غاضباً وأنا أنظر إلى لا شيء ، ولصوتي صدى ، ورنين :
- أيها الناس إن للسيف قلب لا يخطيء ..... وللسياف عقل لا بد أن يدرك ... فأين القاضي ؟! وقد غلبه النعاس !!
فهدأت السماء ، وثبتت الأرض ، وتبدد الضباب ، وانقشع الظلام ، وأصاب الساحة ضياء ، وإذا بالرجل غير موجود ، والساحة زلزلها الذهول ، وأصبح سيفي مسرور !

،،،، تمت ،،،،

محمد مزهر
05-03-2010, 07:24 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

بنت رجال
05-03-2010, 08:42 PM
طرح رائــع

سلمت يداك سيدي...

الحيــــــــــاة
05-04-2010, 08:40 AM
ياما في السجن مظاليم

وياما طارت رقاب مظلوووووووووووومين

حسبي الله ونعم الوكيل

مع التحية

غـلـيـل
05-07-2010, 04:32 PM
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

أمل الشرق
05-07-2010, 09:11 PM
يا سبحان الله العظيم الذي قال لكل أجل كتاب وهذا الرجل قد بقي في حياته بقية

فبعظمة الخالق أبت السيوف وقوة السياف أن يطيح برقبته لانه مظلوم ودعوة المظلوم لا ترد

حسبي الله ونعم الوكيل في كل ظالم

شكرا لك على طرحك