المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فوائد منتقاة من برنامج مجالس الفقه


الحمدان
07-02-2024, 04:17 PM
فوائد منتقاة من برنامج مجالس الفقه لفضيلة الشيخ أ.د سعد بن تركي الخثلان وفقه الله الاثنين ٢٥-١٢-١٤٤٥هـ
الأحكام والمسائل المتعلقة بالنذور

١/النذر في اللغة: الإيجاب، يُقال: نذر دم فلان؛ أي: أوجب على نفسه قتله .
واصطلاحا: إلزام مكلف مختار نفسه لله تعالى بالقول شيئا غير واجب عليه بأصل الشرع.
- (إلزام مكلف) :خرجه به غير المكلف كالصبي والمجنون فلا ينعقد نذره.
-(مختار) :خرج به المكره، فلا ينعقد نذره.
-(بالقول): يدل على أن النذر إنما يصح بصيغة قولية .
-(غير واجب عليه بأصل الشرع) كأن يلزم نفسه بشيء مباح أو مستحب أو غير ذلك.

٢/ حكم إنشاء النذر، هذه المسألة من غرائب المسائل فهي محل خلاف فمنهم من قال بالتحريم ومنهم من قال بالاستحباب فالفرق بين الاستحباب والتحريم كبير، وقول الجمهور وهو الراجح أنه مكروه، وإلى هذا ذهب الشافعية والحنابلة، واستدلوا بحديث ابن عمر قال: نهى النبي ﷺ عن النذر، وقال: «إنه لا يرد شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل ) . وحملوا النهى على الكراهة، قال الموفق بن قدامة - رحمه الله - معلقا على هذا الحديث: «هذا نهي كراهة لا نهي تحريم؛ لأنه لو كان حراما لما مدح الموفين به - يعني في قوله تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ﴾؛ لأن ذنبهم في ارتكاب المحرم أشد من طاعتهم في وفائه؛ ولأن النذر لو كان مستحبا، لفعله النبي - ﷺ - وأفاضل أصحابه».

٣/ جاء في الحديث أن النذر لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ أي: لا يجلب الخير للإنسان ولا يرد عنه قضاء قضاه الله تعالى عليه، وهذا مأخوذ من قول النبي ﷺ في حديث ابن عمر : «إنه لا يرد شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل»، وجاء في حديث أبي هريرة، أن النبي ﷺ قال: «إن النذر لا يقرب من ابن آدم شيئا لم يكن الله قدره له، ولكن النذر يوافق القدر، فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يُخرج ،ومعنى قوله : «لا يأتي بخير»: أي: إن عقباه لا تحمد وقد يتعذر على الناذر الوفاء به فيندم، وقد يكون معناه لا يكون سببا لخير لم يقدر كما في الحديث .

٤/معنى قوله: «وإنما يُستخرج به من البخيل» أن الناذر لا يأتي بهذه القربة تطوعًا محضا ابتداء وإنما يأتي بها في مقابلة شفاء المريض وغيره مما علق النذر عليه، بخلاف الإنسان الكريم فإنه لا يحتاج إلى نذر، بل يأتي بالأعمال الصالحة من الصيام والصدقة متطوعا بها ابتداء .

٥/قوله: «وَلَا يَصِحُ إِلَّا بِالْقَوْلِ» أي: ولا ينعقد النذر إلا بالقول الدال عليه، والنذر ليس له صيغة معينة، بل ينعقد بكل قول يدل على الالتزام بالشيء لله، ومن ذلك أن يقول : لله علي نذر، أو أن يقول: لله علي
أن أفعل كذا، أو أن يقول: أعاهد الله على أن أفعل كذا، لقول الله – عز وجل - : ﴿وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ فهذه كلها من صيغ النذر.

٦/ للنذر أقسام متعددة:
* القسم الأول: النذر المطلق، كأن يقول: «لله علي نذر» ولا يُسمي شيئا، وحكمه أنه يلزمه أن يكفّر كفارة يمين؛ لحديث عقبة بن عامر ، قال: قال رسول الله ﷺ: «كفارة النذر إذا لم يُسم كفارة يمين». لكنه ضعيف بهذا اللفظ ، والمحفوظ في هذا الحديث: «كفارة النذر كفارة اليمين لكن صح عن ابن عباس أنه قال: «من نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة يمين وعلى هذا . فالواجب في النذر المطلق كفارة يمين.

٧/ القسم الثاني: نذر الطاعة أو التبرر:
ومعناه: أن ينذر الإنسان فعل طاعة كصلاة وصيام وصدقة واعتكاف وحج ونحو ذلك، كأن يقول:* لله علي نذر إن شفى الله مريضي أن أصوم اسبوعاً، فَهَذَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لحديث عمران أن النبي ﷺ: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه) .

٨/يدخل في نذر الطاعة أن يعاهد الإنسان ربه، فيقول: أعاهد الله على أن أفعل كذا، أو يقول: أعاهد الله إن شفاني أن أتصدق بكذا، وقد ورد الوعيد من نذر طاعة ولم يفِ بها ، قال الله . عزَّ وجلَّ: ﴿وَمِنْهُم مَنْ عَهَدَ اللَّهَ لَئنْ ءَاتَنَا مِن فَضْلِهِ ، لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) فَلَمَّا ءَاتَنهُم مِّن فَضْلِهِ، بَخِلُوا بِهِ، وَتَوَلَّوا وَهُم مُّعْرِضُونَ فَأَعْقِبهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾، فهؤلاء نذروا نذر طاعة أنهم إن أعطاهم الله من فضله سوف يتصدقون ويكونون من الصالحين، فلما أعطاهم الله من فضله لم يفوا بالنذر، فكانت عقوبتهم أن ألقى الله في قلوبهم النفاق إلى أن يموتوا، وهذا من أشد أنواع العقوبات أن يلقى النفاق في قلب الإنسان ولا يُوفّق للتوبة منه.

٩/ إن عجز عن الوفاء بنذر الطاعة كأن ينذر أن يصوم يوماً ويفطر يوما، فما استطاع أن يصوم لمرض أو كبر ونحو ذلك، فيكفر كفارة يمين، أما إذا لم يعجز وإنما يصعب عليه كأن يكون نذر أن يصوم شهرين متتابعين ،وهو يستطيع صوم رمضان، فهنا كذلك يستطيع صوم شهرين متتابعين ؛ لأنه هو الذي ضيق على نفسه، فالكفارة لا تخرجه من التبعة.

١٠/ القسم الثالث نذر اللجاج والغضب؛ وهو تعليق النذر بشرط يقصد منه المنع من شيء أو الحض على فعله أو التصديق أو التكذيب، ومثال ما قصد به المنع أن يقول: إن كلمتك فلله على نذر أن أصوم شهراً ، يريد منع نفسه من تكليمه، ومثال ما قصد به الحضُّ على الفعل أن يقول: إن لم أعطك دينك فلله علي نذر أن أتصدق بكذا ، يريد حثّ نفسه على سداد الدين، ومثال ما قصد به التصديق أن يقول: إن كان هذا الخبر غير صحيح فلله علي نذر أن أتصدق بعشرة آلاف، ومثال ما قصد به التكذيب أن يقول: إن لم يكن هذا الخبر كاذباً فلله علي نذر أن أتصدق بعشرة آلاف.
فَيُخَيَّرُ الناذر بين الوفاء بنذره وبين أن يكفر كفارة يمين، لأن هذا النذر أشبه باليمين، فهو لم يقصد به إلا المنع أو الحض أو التصديق أو التكذيب، وقد قال -عليه الصلاة والسلام : «إنما الأعمال بالنيات ، وروى عن عمران بن حصين رضى الله أنه قال: سمعت رسول الله ، يقول: «لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين " ،وفي سنده مقال لكن معناه صحيح.

١١/ القسم الرابع: النذر المباح، كأن يقول: لله علي نذر أن ألبس هذا الثوب، أو لله علي نذر ألا أركب هذه السيارة، أو أن أركب هذه السيارة، ونحو ذلك من الأمور المباحة، فهذا يخير بين أن يفي بالنذر، أو أن يكفر كفارة يمين، فإن شاء وفى بالنذر وليس عليه شيء، وإن شاء كفر كفارة يمين، ويدل لذلك حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن امرأة، أنت النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله، إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، قال: «أوفي بنذرك» .

١٢/ القسم الخامس: نذر المعصية : لايجوز الوفاء به* وفيه كفارة يمين على الراجح. كأن يقول: لله علي نذر ألا أدخل بيت أبي أو أخي؛ وهذا فيه عقوق للوالدين ، وقطيعة رحم* ؛ لحديث عائشة مرفوعا: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه"؛ ولأن معصية الله تعالى لا تباح في حال من الأحوال.

١٣/ اختلف الفقهاء في وجوب الكفارة في نذر المعصية على قولين:
القول الأول: تجب عليه الكفارة، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو من المفردات ، واستدلوا بحديث عائشة أن النبي ﷺ قال: لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين)، أخرجه أصحاب السنن ،والحديث في سنده مقال،وقالوا: الأصول والقواعد الشرعية تقتضي وجوب الكفارة في نذر المعصية، لأن الناذر نذر معصية ارتكب إثما بمجرد نذره، فهو أحوج إلى الكفارة لمحو الإثم وإزالته، ولأن الأمر مقدم على الإباحة للاحتياط في الخروج من عهدة الطلب، فمن أخرج كفارة فقد برئ من المطالبةواحتاط عند الجميع.
القول الثاني: أن نذر المعصية ليس فيه كفارة، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة، وقالوا: الأصل براءة ذمة المكلف، وحديث عائشة الذي احتج به أصحاب القول الأول حديث ضعيف.

١٤/الراجح القول الأول وهو أن عليه كفارة ، لأن من العلماء من صحح حديث عائشة كما نقل الحافظ ابن حجر كالطحاوي وابن السكن، ولو قلنا بضعف هذا الحديث فهناك من الصحابة من ذهب إلى وجوب الكفارة في نذر المعصية، قال الموفق بن قدامة رحمة الله - : روي نحو هذا عن ابن مسعود، وابن عباس، وجابر، وعمران بن حصين، وسمرة بن جندب ، ولأن الناذر نذر معصية وقد ارتكب إثماً فهو أحوج للكفارة من غيره كما سبق.

١٥/الخلاصة: الناذر لايمكن أن يخرج سالماً في جميع الأقسام السابقة على القول الراجح إما أن يفي بنذره أو يكفر كفارة يمين، حتى لو كان نذر معصية ففيها كفارة يمين.

١٦/من نذر أن يصوم شهرًا معينا، كأن يقول: لله عليَّ أن أصوم شهر محرم، لزمه أن يصوم هذا الشهر متتابعا؛ لأن إطلاق الشهر يقتضي التتابع، ولا يتحقق
صيام شهر معين إلا بأن يكون صومه متتابعا.

١٧/ لو نَذَرَ صوم شهر مطلقا من غیر تعيين الشهر،
لا يلزمه التتابع إلا إذا نواه أو شرطه على الراجح، وإليه ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة.
أما المذهب عند الحنابلة فيشترطون التتابع إذا نذر صوم شهر مطلقا أو نَذَرَ صوما متتابعاً غير مقيد بزمن.

١٨/من نذر نذراً ثم أراد أن ينتقل إلى ما هو أفضل منه فلا بأس بذلك، كمن نذر أن يصلي صلاة تطوع جالسًا، فله أن يصليها قائما ؛ لأن ذلك أفضل مما نذره، فإن الصلاة قائما أفضل منها جالسا؛ لحديث عمران بن حصين لها قال: سألت رسول الله له عن صلاة الرجل قاعدا، فقال: «إن صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد»* ، ولأن النذر يجوز الانتقال منه لما هو أفضل منه مما هو من جنسه؛ لحديث جابر بن عبدالله أن رجلا جاء يوم الفتح فقال: يا رسول الله: إني نذرتُ إن فتح

الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين، قال: «صل هاهنا»، ثم أعاد عليه فقال: صل هاهنا»، ثم أعاد عليه فقال: «شأنك إذن».

١٩/ لا ينعقد النذر إذا نذر الإنسان في أمر لا يملكه؛ ويكون لغواً، كما جاء في بعض الأحاديث: " لا نذر فيما لا يملك"
ومعنى فيما لا يملكه أي ليس له سلطة عليه كأن ينذر أن يطلق زوجته وهو لم يتزوج أصلاً؛ إنما الطلاق لمن أخذ بالساق.

٢٠/لو قال: لله علي نذر إن لم تفعل هذا الشيء ثم لم يفعله هنا يكون عليه كفارة يمين ؛ لأنه يشبه اليمين.

٢١/ من نذر قبل اسلامه فينبغي له أن يفي به بعد اسلامه لقصة عمر رضي الله عنه فقال يارسول الله إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له أوف بنذرك.

٢٢/ النذر لا يجوز أن يكون لغير الله عز وجل كالذين ينذرون للقبور والأضرحة والأولياء ويضعون القرابين لها، فهذه أمور تؤدي إلى الشرك، وإنما ما تقدم من أحكام إذا كان النذر لله عز وجل فعلى الأقسام الخمسة سابقة الذكر.