ابو نعيم الشمراني
08-06-2024, 02:30 PM
ليتني مثل فلان اجتماعيًّا!!
بقلم / محمد العتيبي
نسمعُ بينَ الحينِ والآخرِ، مثلَ هذهِ العبارةِ فِي العنوانِ، وغيرهَا مِن العباراتِ (فلانٌ شخصٌ اجتماعيٌّ)، و(فلانٌ يعرفُ يدخلُ معَ النَّاسِ ويعرفُ يتكلَّمُ معهُم)، و(فلانٌ علاقاتُهُ كثيرةٌ) ... الخ! الحقيقةُ كلنَا نريدُ أنْ نكونَ ذلكَ الشخصَ ويكونَ عندنَا قبولٌ لتحقيقِ أهدافِنَا، ولتكونَ حياتنَا أفضلَ ممَّا هِي عليهِ، صحيحٌ أنَّ هذَا الشَّخصَ قدْ يعرفُ النَّاسَ، ولديهِ القدرةُ لبناءِ علاقاتٍ معهُم، وتنجحُ أمورهُ كمَا يريدُ، ولكنَّ أنماطَ البشرِ تختلفُ، وربَّما هَذَا الشخصُ يفتقدُ للحسِّ الإنسانيِّ، وحُسنِ التَّعاملِ. نتَّفقُ جميعًا أنَّ تبادلَ المصالحِ والمنافعِ أمرٌ طبيعيٌّ، ولكنْ هناكَ أشخاصٌ نفعيُّونَ بشكلٍ كبيرٍ ومبالغٍ فيهِ، همُّهُم فقطْ مصالحهُم بالدرجةِ الأُولَى حتَّى لوْ تجاوزُوا كلَّ الخطوطِ والمبادئِ والقيمِ، ربَّما هناكَ مَن ليسَ لديهِ مانعٌ بالتعاملِ معهُم وهناكَ فِي الجانبِ الآخرِ آخرُونَ لا يستطيعُونَ تقبُّلهُم، ولا يفضِّلُونَ التعاملَ معهُم؛ لأنَّ معاييرَهُم عاليةٌ جدًّا، ويفضِّلُونَ المحترمِينَ أصحابَ الشخصيَّاتِ اللطيفةِ ممَّن يتمتعُونَ بحُسنِ الخُلُقِ والتواصلِ الإنسانيِّ الرَّاقِي، ولذلكَ فإنَّ مَن يفتقدُونَ لمكارمِ الأخلاقِ ولينِ الجانبِ -حتَّى لو نجحُوا فِي علاقاتِهِم بنفعيَّةٍ مُطلقةٍ- فهُم لا يزالُونَ يفتقدُونَ لمهاراتٍ تجعلهُم أصحابَ كاريزمَا وأكثرَ ذكاءً في التعاملِ مِن وضعهِم الحاليِّ.
هناكَ مفهومُ أو نظريَّةُ «الذكاءِ المتعدِّدِ» كمَا يذكرهَا بعضُ المختصِّينَ، فهناكَ الذكاءُ الوجدانيُّ، والذكاءُ المنطقيُّ والحركيُّ واللغويُّ، والذكاءُ العلميُّ والبصريُّ، والذكاءُ الاجتماعيُّ الذِي هُو محورُ حديثنَا هنَا، فعلَى سبيلِ المثالِ هناكَ أشخاصٌ عمليُّونَ، ولديهِم ذكاءٌ علميٌّ وعمليٌّ بمَا يقومُونَ بهِ، ومستعدٌّ أحدهُم أنْ يجلسَ فِي مختبرٍ أو ورشةٍ وقتًا طويلًا يتجاوز ١٢ ساعةً وأكثرَ مِن ذلكَ يعرفُ الأدواتِ والوسائل التِي بينَ يديهِ، ويعرفُ طريقةَ استخدامِها، ولكنْ لو طلبتَ منهُم إظهارَهَا للنَّاسِ والتَّعريفَ بهَا والتحدُّثَ عنهَا وعَن ما يقومُونَ بهِ مِن عملٍ، لا يستطيعُونَ شرحَهَا وتوصيلهَا للآخرِينَ، ولا التأثير عليهِم، ومثلهُم أولئكَ الأشخاص المفوَّهِينَ الذِينَ يتحدَّثُونَ أمامَ الجماهيرِ والحشودِ الغفيرةِ ويستطيعُونَ التأثيرَ عليهِم بطريقةِ حديثهِم مِن خلالِ تنميقِ اللغةِ، وتزويقِ الألفاظِ، والتلاعبِ بالمفرداتِ، وهي طريقةٌ ربَّما تكونُ ذكيَّةً فِي اختيارِ العباراتِ لجذبِهِم، وهذَا ذكاءٌ ولكنْ ليسَ ذكاءً اجتماعيًّا؛ لأنَّ دائرةَ التأثيرِ تبقَى محدودةً، ولا تؤثِّرُ في شريحةٍ كبيرةٍ مِن النَّاسِ، ومثالٌ آخرُ لشخصَينِ يعملانِ فِي نفسِ المكانِ، أحدُهم مجتهدٌ ويحرقُ نفسَهُ بشكلٍ كبيرٍ، وربَّما عملَ فوقَ طاقتِهِ ومَا هُو مطلوبٌ منهُ، والآخرُ يعملُ بجهدٍ أقل، الأولُ قدْ تكونُ فرصُ ترقيتهِ ضئيلةً جدًّا، وقدْ تتأخَّر لوقتٍ طويلٍ وقدْ تنعدمُ، أمَّا الآخرُ الذِي يعملُ بأقلِّ مجهودٍ عكسهُ تمامًا فتكونُ فرصُ ترقيتهِ فِي عملهِ أكبرَ وأسرعَ! والسَّببُ هُو أنَّه استطاعَ التسويقَ لنفسهِ ولمهاراتهِ وللأعمالِ التِي يقومُ بهَا لمديرهِ وللقياداتِ العُليا، وذلكَ بإبرازِهَا لهُم، ومِن خلالِ التواصلِ المكثَّفِ بهِم بأيِّ وسيلةٍ ممكنةٍ، فأصبحَ مَا يقومُ بهِ واضحًا ومؤثِّرًا بنتائجهِ.
وهذَا هُو الذكاءُ الاجتماعيُّ الذِي يتمثَّلُ بالقدرةِ علَى إظهارِ أفضلِ مَا لديكَ مِن مهاراتٍ وقدراتٍ للمجتمعِ، ولكلِّ دائرةٍ قابلةٍ لأنْ تؤثِّرَ عليهَا، والقدرة علَى تحسينِ علاقاتِكَ وتعاملاتِكَ فِي البيئاتِ المختلفةِ بشكلٍ أكثرَ فاعليةً لتستمرَ، وبحسنِ إدارةٍ للمواقفِ بشكلٍ أفضلَ وبكلِّ هدوءٍ وغالبًا تكونُ هذهِ المهاراتُ مكتسبةً لتجعلنَا ننجحُ في حياتِنَا بشكلٍ أسهلَ وفِي وقتٍ أقل.
ختامًا.. فقدْ لاحظتُ أنَّ المبالغةَ فِي تفسيرِ المواقفِ فِي العلاقاتِ، وردَّاتِ الأفعالِ تجاههَا والمبالغةَ فِي التوقُّعاتِ الإيجابيَّةِ مِن الآخرِينَ ليقبلونَا ويحبونَا هِي مِن أهمِّ أسبابِ حدوثِ الخذلانِ المُسببِ لفقرِ العلاقاتِ الاجتماعيَّةِ، وليستْ مِن الذكاءِ الاجتماعيِّ؛ لأنَّها خرجتْ من دائرةِ إدراكِ وتحليلِ مَا يحدثُ مِن مواقفَ وأحداثٍ بشكلٍ متزنٍ ومعتدلٍ وبتغافلٍ أو تجاهلٍ إلى التطرُّفِ في فهمِهَا بسوءِ ظنٍّ وبشكلٍ سلبيٍّ.
محمد العتيبي
*******************************************
بقلم / محمد العتيبي
نسمعُ بينَ الحينِ والآخرِ، مثلَ هذهِ العبارةِ فِي العنوانِ، وغيرهَا مِن العباراتِ (فلانٌ شخصٌ اجتماعيٌّ)، و(فلانٌ يعرفُ يدخلُ معَ النَّاسِ ويعرفُ يتكلَّمُ معهُم)، و(فلانٌ علاقاتُهُ كثيرةٌ) ... الخ! الحقيقةُ كلنَا نريدُ أنْ نكونَ ذلكَ الشخصَ ويكونَ عندنَا قبولٌ لتحقيقِ أهدافِنَا، ولتكونَ حياتنَا أفضلَ ممَّا هِي عليهِ، صحيحٌ أنَّ هذَا الشَّخصَ قدْ يعرفُ النَّاسَ، ولديهِ القدرةُ لبناءِ علاقاتٍ معهُم، وتنجحُ أمورهُ كمَا يريدُ، ولكنَّ أنماطَ البشرِ تختلفُ، وربَّما هَذَا الشخصُ يفتقدُ للحسِّ الإنسانيِّ، وحُسنِ التَّعاملِ. نتَّفقُ جميعًا أنَّ تبادلَ المصالحِ والمنافعِ أمرٌ طبيعيٌّ، ولكنْ هناكَ أشخاصٌ نفعيُّونَ بشكلٍ كبيرٍ ومبالغٍ فيهِ، همُّهُم فقطْ مصالحهُم بالدرجةِ الأُولَى حتَّى لوْ تجاوزُوا كلَّ الخطوطِ والمبادئِ والقيمِ، ربَّما هناكَ مَن ليسَ لديهِ مانعٌ بالتعاملِ معهُم وهناكَ فِي الجانبِ الآخرِ آخرُونَ لا يستطيعُونَ تقبُّلهُم، ولا يفضِّلُونَ التعاملَ معهُم؛ لأنَّ معاييرَهُم عاليةٌ جدًّا، ويفضِّلُونَ المحترمِينَ أصحابَ الشخصيَّاتِ اللطيفةِ ممَّن يتمتعُونَ بحُسنِ الخُلُقِ والتواصلِ الإنسانيِّ الرَّاقِي، ولذلكَ فإنَّ مَن يفتقدُونَ لمكارمِ الأخلاقِ ولينِ الجانبِ -حتَّى لو نجحُوا فِي علاقاتِهِم بنفعيَّةٍ مُطلقةٍ- فهُم لا يزالُونَ يفتقدُونَ لمهاراتٍ تجعلهُم أصحابَ كاريزمَا وأكثرَ ذكاءً في التعاملِ مِن وضعهِم الحاليِّ.
هناكَ مفهومُ أو نظريَّةُ «الذكاءِ المتعدِّدِ» كمَا يذكرهَا بعضُ المختصِّينَ، فهناكَ الذكاءُ الوجدانيُّ، والذكاءُ المنطقيُّ والحركيُّ واللغويُّ، والذكاءُ العلميُّ والبصريُّ، والذكاءُ الاجتماعيُّ الذِي هُو محورُ حديثنَا هنَا، فعلَى سبيلِ المثالِ هناكَ أشخاصٌ عمليُّونَ، ولديهِم ذكاءٌ علميٌّ وعمليٌّ بمَا يقومُونَ بهِ، ومستعدٌّ أحدهُم أنْ يجلسَ فِي مختبرٍ أو ورشةٍ وقتًا طويلًا يتجاوز ١٢ ساعةً وأكثرَ مِن ذلكَ يعرفُ الأدواتِ والوسائل التِي بينَ يديهِ، ويعرفُ طريقةَ استخدامِها، ولكنْ لو طلبتَ منهُم إظهارَهَا للنَّاسِ والتَّعريفَ بهَا والتحدُّثَ عنهَا وعَن ما يقومُونَ بهِ مِن عملٍ، لا يستطيعُونَ شرحَهَا وتوصيلهَا للآخرِينَ، ولا التأثير عليهِم، ومثلهُم أولئكَ الأشخاص المفوَّهِينَ الذِينَ يتحدَّثُونَ أمامَ الجماهيرِ والحشودِ الغفيرةِ ويستطيعُونَ التأثيرَ عليهِم بطريقةِ حديثهِم مِن خلالِ تنميقِ اللغةِ، وتزويقِ الألفاظِ، والتلاعبِ بالمفرداتِ، وهي طريقةٌ ربَّما تكونُ ذكيَّةً فِي اختيارِ العباراتِ لجذبِهِم، وهذَا ذكاءٌ ولكنْ ليسَ ذكاءً اجتماعيًّا؛ لأنَّ دائرةَ التأثيرِ تبقَى محدودةً، ولا تؤثِّرُ في شريحةٍ كبيرةٍ مِن النَّاسِ، ومثالٌ آخرُ لشخصَينِ يعملانِ فِي نفسِ المكانِ، أحدُهم مجتهدٌ ويحرقُ نفسَهُ بشكلٍ كبيرٍ، وربَّما عملَ فوقَ طاقتِهِ ومَا هُو مطلوبٌ منهُ، والآخرُ يعملُ بجهدٍ أقل، الأولُ قدْ تكونُ فرصُ ترقيتهِ ضئيلةً جدًّا، وقدْ تتأخَّر لوقتٍ طويلٍ وقدْ تنعدمُ، أمَّا الآخرُ الذِي يعملُ بأقلِّ مجهودٍ عكسهُ تمامًا فتكونُ فرصُ ترقيتهِ فِي عملهِ أكبرَ وأسرعَ! والسَّببُ هُو أنَّه استطاعَ التسويقَ لنفسهِ ولمهاراتهِ وللأعمالِ التِي يقومُ بهَا لمديرهِ وللقياداتِ العُليا، وذلكَ بإبرازِهَا لهُم، ومِن خلالِ التواصلِ المكثَّفِ بهِم بأيِّ وسيلةٍ ممكنةٍ، فأصبحَ مَا يقومُ بهِ واضحًا ومؤثِّرًا بنتائجهِ.
وهذَا هُو الذكاءُ الاجتماعيُّ الذِي يتمثَّلُ بالقدرةِ علَى إظهارِ أفضلِ مَا لديكَ مِن مهاراتٍ وقدراتٍ للمجتمعِ، ولكلِّ دائرةٍ قابلةٍ لأنْ تؤثِّرَ عليهَا، والقدرة علَى تحسينِ علاقاتِكَ وتعاملاتِكَ فِي البيئاتِ المختلفةِ بشكلٍ أكثرَ فاعليةً لتستمرَ، وبحسنِ إدارةٍ للمواقفِ بشكلٍ أفضلَ وبكلِّ هدوءٍ وغالبًا تكونُ هذهِ المهاراتُ مكتسبةً لتجعلنَا ننجحُ في حياتِنَا بشكلٍ أسهلَ وفِي وقتٍ أقل.
ختامًا.. فقدْ لاحظتُ أنَّ المبالغةَ فِي تفسيرِ المواقفِ فِي العلاقاتِ، وردَّاتِ الأفعالِ تجاههَا والمبالغةَ فِي التوقُّعاتِ الإيجابيَّةِ مِن الآخرِينَ ليقبلونَا ويحبونَا هِي مِن أهمِّ أسبابِ حدوثِ الخذلانِ المُسببِ لفقرِ العلاقاتِ الاجتماعيَّةِ، وليستْ مِن الذكاءِ الاجتماعيِّ؛ لأنَّها خرجتْ من دائرةِ إدراكِ وتحليلِ مَا يحدثُ مِن مواقفَ وأحداثٍ بشكلٍ متزنٍ ومعتدلٍ وبتغافلٍ أو تجاهلٍ إلى التطرُّفِ في فهمِهَا بسوءِ ظنٍّ وبشكلٍ سلبيٍّ.
محمد العتيبي
*******************************************