د.قصرغصاب
07-15-2008, 04:16 AM
كتبها/ د.قصرغصاب
منذ زمن ليس بالقريب و نفسي العزيزة غضبى مني .. قاسية في تعاملها معي.. هاجرة لي.. معرضة عني.. رغم أنني الوحيد الذي لطالما تحمل أوزار حماقاتها و دفع فاتورة تصرفاتها في هذا الكون الفسيح , و الحق يقال .. أن لها الحق في الزعل هذه المرة فلكم منيتها ثم منيتها و مازلت كذالك ممنياً لها بزيارة صديق لنا عزيز عرَّفتها عليه في سنوات مضت, فعلقته و تعلقت به و لطالما هتفت باسمه في أذني لتذكرني به و تدعوني لزيارته , و أنا لا ألومها على حنينها لصاحبي هذا فلطالما تسامرنا أنا و نفسي و الذكريات و هوَ .. و لطالما جمعنا قاسم البوح و الجوى.. فلم يفشي لي سراً إئتمنته عليه ولم يخن لي عهداً استوثقته به.. ولَكم محضني رأياً حصيفاً أحوجني زماني إليه .. و كم.. وكم بحت له بأسرار و أخبار و حكايا .. لكنه كان يدفنها في أعماقه السحيقة و يسربلها بسرابيل كتمانه العميقة .. كم من الأثقال التي كانت ترهق ظهري و تضني قلبي قد وضعها عن كاهليَّ فأراحَ منها روحي ونفَّسها عن نفسي... فيا له من صديق وفيِّ .. و خليلٍ صفيِّ .. أراح روحي.. و سمع بَوحي.. و مسح عن وجنتيَّ دموع نَوحي ...
فهل ترغبون في أن تعرفوه.. أكاد أجزم أن كلكم يعرفه.. صديقي هذا هو البحر .. فمَن أكتم منه للسر .. و مَن أحمل منه للوزر.. و مَن أصبر منه على تقلب الدهر.. و مَن أمهر منه في الكر و الفر ..
و هو أنيس أهل السَهَر.. و القاذف من جوفه أجمل الدرر.. و أحلى الفِكَر..
فما أغلاك أيها البحر ..
و لما حانت لحظة اللقاء.. و جدته كالعادة في انتظاري .. كنتُ و أنا أمشي مقبلاً عليه.. ألمحه من بعيد يضرب بأمواجه صخور الشاطيء .. و كأنه يحاول فك قياده لينطلق نحوي و يحضنني احتضان الأم لفلذة كبدها بعد أن أيقنت أنه قد ضاع منها.. و هام عنها.. فإذا بها تراه مقبلاً عليها.. فاتحاً ذراعيه إليها .. كل همه أن يرتمي في أحضانها و يحكي لها قصة ضياعه بالدموع و العويل ...
فما أجمل أحاسيس الطفولة و ما أشد برائتها .. حتى نفسي..حينما ترائته من بعيد .. طارت نحوه كالطفل الذي اِفْتَكَ يده من معصم أبيه راكضاً نحو بائع الحلويات في شوق و فرح ....
يالها من نفس ..لقد ابصرتها من بعيد و هي ترتمي في أحضانه.. تتقلَّب على صدر أمواجه .. تسكر بدفء عناقه... و كأنها لم تعش إلا تلك اللحظة..و لتلك اللحظة.. و بتلك اللحظة...
و عندما وطأت أقدامي تراب الشاطيء الندي .. لم تمكث حتى استقبلتها أمواجه بالعناق و القُبَل.. فما كان مني إزاء هذا اللقاء .. إلا أن طأطئت برأسي نحو هذه الأمواج لأقبلها .. و لقد طال ذلك التقبيل و استمر برهةً من الليل.. و كأني لا أرغب إلا أن يجود علي البحر بقبول عذري في تأخري عن وصله .. فكان وفياً كما عهدته.. محباً كما ألفته.. باقياً على عهدي كما ألفيته .. قلتُ له-بصوتي الذي أكلت حباله أغنيات الشوق- :أيها البحر ليت أن الناس أوفياء بوفائك !! لا يتغيرون بِكَرِّ الجديدين مثلك.
فإذا به يسكن للحظات ثم يرسل موجة طويلة دافئةً هادئة .. و كأنه يريد أن يواسيني بها ..
نظرتُ إليه .. ابتسمتُ .. قلتُ له : أجل لقد فهمتُ ما تقول يا صديقي..
وصلت رسالتك .. و فهمت قصدك و غايتك..
وعلى هذا النمط مضى بنا حديث لا ينتهي .. كانت لغته أبلغ من كل لغة و مصداقيته أقوى من أي مصداقية.. كان حديثاً يخلو عن المجاملات.. مملوء بهمهمات العشاق.. و تأوهات سكارى الوجد .. و حيارى السُهد...
و انتصف الليل بنا ونحن في سمر .. كنا أربعة أنا و نفسي و البحر و الذكريات
منذ زمن ليس بالقريب و نفسي العزيزة غضبى مني .. قاسية في تعاملها معي.. هاجرة لي.. معرضة عني.. رغم أنني الوحيد الذي لطالما تحمل أوزار حماقاتها و دفع فاتورة تصرفاتها في هذا الكون الفسيح , و الحق يقال .. أن لها الحق في الزعل هذه المرة فلكم منيتها ثم منيتها و مازلت كذالك ممنياً لها بزيارة صديق لنا عزيز عرَّفتها عليه في سنوات مضت, فعلقته و تعلقت به و لطالما هتفت باسمه في أذني لتذكرني به و تدعوني لزيارته , و أنا لا ألومها على حنينها لصاحبي هذا فلطالما تسامرنا أنا و نفسي و الذكريات و هوَ .. و لطالما جمعنا قاسم البوح و الجوى.. فلم يفشي لي سراً إئتمنته عليه ولم يخن لي عهداً استوثقته به.. ولَكم محضني رأياً حصيفاً أحوجني زماني إليه .. و كم.. وكم بحت له بأسرار و أخبار و حكايا .. لكنه كان يدفنها في أعماقه السحيقة و يسربلها بسرابيل كتمانه العميقة .. كم من الأثقال التي كانت ترهق ظهري و تضني قلبي قد وضعها عن كاهليَّ فأراحَ منها روحي ونفَّسها عن نفسي... فيا له من صديق وفيِّ .. و خليلٍ صفيِّ .. أراح روحي.. و سمع بَوحي.. و مسح عن وجنتيَّ دموع نَوحي ...
فهل ترغبون في أن تعرفوه.. أكاد أجزم أن كلكم يعرفه.. صديقي هذا هو البحر .. فمَن أكتم منه للسر .. و مَن أحمل منه للوزر.. و مَن أصبر منه على تقلب الدهر.. و مَن أمهر منه في الكر و الفر ..
و هو أنيس أهل السَهَر.. و القاذف من جوفه أجمل الدرر.. و أحلى الفِكَر..
فما أغلاك أيها البحر ..
و لما حانت لحظة اللقاء.. و جدته كالعادة في انتظاري .. كنتُ و أنا أمشي مقبلاً عليه.. ألمحه من بعيد يضرب بأمواجه صخور الشاطيء .. و كأنه يحاول فك قياده لينطلق نحوي و يحضنني احتضان الأم لفلذة كبدها بعد أن أيقنت أنه قد ضاع منها.. و هام عنها.. فإذا بها تراه مقبلاً عليها.. فاتحاً ذراعيه إليها .. كل همه أن يرتمي في أحضانها و يحكي لها قصة ضياعه بالدموع و العويل ...
فما أجمل أحاسيس الطفولة و ما أشد برائتها .. حتى نفسي..حينما ترائته من بعيد .. طارت نحوه كالطفل الذي اِفْتَكَ يده من معصم أبيه راكضاً نحو بائع الحلويات في شوق و فرح ....
يالها من نفس ..لقد ابصرتها من بعيد و هي ترتمي في أحضانه.. تتقلَّب على صدر أمواجه .. تسكر بدفء عناقه... و كأنها لم تعش إلا تلك اللحظة..و لتلك اللحظة.. و بتلك اللحظة...
و عندما وطأت أقدامي تراب الشاطيء الندي .. لم تمكث حتى استقبلتها أمواجه بالعناق و القُبَل.. فما كان مني إزاء هذا اللقاء .. إلا أن طأطئت برأسي نحو هذه الأمواج لأقبلها .. و لقد طال ذلك التقبيل و استمر برهةً من الليل.. و كأني لا أرغب إلا أن يجود علي البحر بقبول عذري في تأخري عن وصله .. فكان وفياً كما عهدته.. محباً كما ألفته.. باقياً على عهدي كما ألفيته .. قلتُ له-بصوتي الذي أكلت حباله أغنيات الشوق- :أيها البحر ليت أن الناس أوفياء بوفائك !! لا يتغيرون بِكَرِّ الجديدين مثلك.
فإذا به يسكن للحظات ثم يرسل موجة طويلة دافئةً هادئة .. و كأنه يريد أن يواسيني بها ..
نظرتُ إليه .. ابتسمتُ .. قلتُ له : أجل لقد فهمتُ ما تقول يا صديقي..
وصلت رسالتك .. و فهمت قصدك و غايتك..
وعلى هذا النمط مضى بنا حديث لا ينتهي .. كانت لغته أبلغ من كل لغة و مصداقيته أقوى من أي مصداقية.. كان حديثاً يخلو عن المجاملات.. مملوء بهمهمات العشاق.. و تأوهات سكارى الوجد .. و حيارى السُهد...
و انتصف الليل بنا ونحن في سمر .. كنا أربعة أنا و نفسي و البحر و الذكريات