الحمدان
12-16-2024, 08:16 PM
فوائد منتقاة من برنامج مجالس الفقه لفضيلة الشيخ أ.د سعد بن تركي الخثلان وفقه الله الاثنين ٨-٦-١٤٤٦هـ
(ميراث المفقود- ميراث الغرقى):
١/ المفقود لغة: من الفقد وهو ما يختفي بعد أن كان موجوداً
واصطلاحا: الآدمي الذي غاب وانقطع خبره فلم يعلم له حياة ولا موت
٢/ حالات المفقود:
للمفقود من حيث غلبة السلامة أو الهلاك حالتان:
الحال الأولى: أن يغلب على سفره السلامة كمن سافر لدراسة أو تجارة أو نزهة ونحو ذلك.
الحال الثانية: أن يغلب على حاله الهلاك كمن فُقد في معركة أو كان في طائرة تحطمت أو سفينة غرقت ونحو ذلك
٣/ المفقود من قديم الزمان كان يوجد لكن في الوقت الحاضر كثرت حالاته لأسباب كثيرة، فإذا وجد المفقود فإنه ترتبط به أحكام شرعية وليس بصحيح أن تبقى أمور الورثة معلقة لأجل هذا لابد من حل لمشكلته
٤/ المدة التي ينتظر فيها المفقود:
اتفق الفقهاء على ضرب مدة معلومة للمفقود ينتظر فيها فإن رجع خلال هذه المدة وإلا حكم بموته ولكنهم اختلفوا في مقدار هذه المدة على اتجاهين:
الاتجاه الأول: تحديد المدة وهو مذهب المالكية والحنابلة وقول عند الحنفية والشافعية، ثم اختلفوا في مقدار هذه المدة على أقوال:
-قيل: ينتظر ستين سنة منذ ولد وقيل: سبعون سنة وقيل: خمس وسبعون وقيل: ثمانون وقيل غير ذلك، ومستند هذه الأقوال هو قول النبي عليه الصلاة والسلام
" أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك "
-ووجه الدلالة: أن متوسط أعمار هذا الأمة هو ما بين الستين إلى السبعين، لذا كان عمره عليه الصلاة والسلام وأبو بكر وعمر ثلاثاً وستين ففيه إشارة إلى أن المفقود لا يعيش في الغالب أكثر من هذه المدة فيعمل بهذا الغالب في تحديد مدة المفقود.
-أما من قال بتحديد المدة بخمس وسبعين أو ثمانين سنة، فقال: إن ما زاد ع السبعين يكون احتياطا.
-وأجيب عن الاستدلال بهذا الحديث: بأنه ليس نصاً في أن الأعمار لا تتجاوز السبعين وقد عاش كثير من الأمة أكثر من ذلك ويحتمل أن يكون المفقود من جاوز السبعين.
-وأما الحنابلة فقالوا: ينتظر أربع سنين منذ فقد إن كان الغالب عليه الهلاك وينتظر تسعين سنة منذ ولد إن كان الغالب عليه السلامة، أما انتظاره أربع سنين منذ فقده إن كان الغالب عليه السلامة فلأنها أكثر مدة الحمل ولأن هذا هو قضاء عمر رضي الله عنه في قصة الرجل الذي فقد في زمنه.
ولأنها مدة يتكرر فيها تردد المسافرين والتجار فانقطاعه عن أهله مع غيبته على هذا الوجه يغلب فيها ظن الهلاك إذ لو كان باقياً لم ينقطع خبره هذه المدة.
-وأجيب عن ذلك: أما القول: بأنها أكثر مدة الحمل، فأكثر مدة الحمل مختلف فيها والراجح فيها أنها سنة كاملة إلا إذا ادعي غير ذلك، فيعرض على لجنة طبية شرعية تتحقق من هذا ولا يصح بناء الاستدلال على أمر مختلف فيه ثم إنه ليس هناك تلازم بين أكثر مدة الحمل والمدة التي يغلب على الظن فيها الهلاك
-وأما قضاء عمر رضى الله عنه في قصة المفقود في زمنه فهذه قضية عين خاصة بهذا المفقود لا عموم لها، وعمر رضي الله عنه لم يضرب هذه المدة لكل مفقود وإنما لهذا الرجل خاصة ثم إن الغالب على حال هذا الرجل المفقود في هذه القصة السلامة وهم يستدلون به على ما إذا كان الغالب عليه الهلاك
-وأما القول: بأنها مدة يتردد فيها التجار والمسافرون: فأجيب عن ذلك بأن تردد التجار والمسافرين يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة وقد يتم في أقل من هذه المدة بكثير كما هو الواقع في عصرنا الحاضر
-وأما انتظاره تسعين سنة منذ ولد إن كان الغالب عليه السلامة فقد عللوا له بأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من ذلك فيعتبر هذا الغالب في تقدير المدة
وأجيب عنه بأن الغالب في هذه المسألة غير منضبط بدليل وقوع الخلاف فيه ثم إن هذا القول كما أنه غير منقول فهو غير معقول لأن من فقد وعمره تسع وثمانون سنة وأحد عشر شهرًا فينتظر بناءً على هذا القول شهرًا واحدًا والشهر لا يكفي للبحث عن المفقود وتحري خبره بل إنه بناء على هذا القول لو فقد وعمره تسعون سنة أو أكثر فإنه لا ينتظر ولا يخفى ما في هذا من الضعف
-الاتجاه الثاني: يرجع في تقدير المدة إلى اجتهاد القاضي: وهذا هو ظاهر مذهب الحنفية والصحيح من مذهب الشافعية ورواية عند الحنابلة وعللوا لذلك بما يأتي:
أنه لم يرد الشرع بتحديد مدة انتظار المفقود والتحديد بابه التوقيف وإذا لم يرد الشرع بتحديد مدة معينة فالأصل عدم التحديد.
إن الأصل حياة المفقود فلا يحكم بوفاته بمجرد مرور المدة من غير تحرٍ ولا اجتهاد
إن المدة التي يغلب على الظن أن يعيشها المفقود تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمنة والأمكنة فيرجع في تحديدها لاجتهاد القاضي
-الراجح: هو الاتجاه الثاني لقوة الأدلة ولأن الشرع لم يرد بالتحديد فالمرجع في ذلك إلى اجتهاد القاضي وهذا الذي عليه الفتوى والعمل في الوقت الحاضر
٥/ وجود وسائل البحث والتواصل والمواصلات لها أثر في تقصير مدة انتظار المفقود
٦/ مال المفقود في مدة الانتظار يبقى موقوفاً إلى أن تعلم حياته أو موته أو يحكم بموته لأن الأصل حياة المفقود فلا يتصرف بماله قبل معرفة خبره أو الحكم بموته
٧/ إذا مضت مدة الانتظار ولم يعرف خبر المفقود من حياة أو موت:
حكم بموته وقسم ماله على ورثته الأحياء حين الحكم بموته
(لحظة النطق بالحكم)
دون من مات منهم قبل ذلك، وإن تبين بعد الحكم بموته أنه قد مات في مدة الانتظار فماله لورثته الموجودين ساعة موته
(ساعة موته الحقيقية)
دون من مات منهم قبل ذلك أو وجد بعد موته ولو قبل الحكم بموته
٨/ لو حكم بموته ثم تبينت حياته: فأتى وقد قسمت أمواله فهنا تنقض القسمة وترجع إليه أمواله فلو صرف الورثة الأموال فإنها تبقى ديوناً عليهم
٩/ إذا مات مورث المفقود في مدة الانتظار فله حالتان:
الحال الأولى: ألا يكون له وارث غير المفقود ففي هذه الحالة يوقف جميع المال حتى يتبين أمر المفقود أو يحكم بموته لأنه لا يتضرر أحد بوقفه
الحال الثانية: أن يكون له ورثة غير المفقود، فيعامل بقية الورثة باليقين ويوقف الباقي حتى يتبين أمر المفقود أو يحكم بوفاته
١٠/ صفة العمل في هذه الحال:
-يجعل مسألتان: مسألة يقدر فيها المفقود حيا، ومسألة يقدر فيها ميتا، وتقسم كل مسألة وتؤصل وتصحح إن احتاجت إلى تصحيح.
-ينظر بين أصلي المسألتين بالنسب الأربع وحاصل النظر هو الجامعة
-تقسم الجامعة على أصل كل مسألة من أجل استخراج جزء سهمها.
-تضرب سهام كل وارث من كل مسألة في جزء سهمها فمن ورث في المسألتين متساويًا أخذ نصيبه كاملًا ومن ورث متفاضلاً أعطى الأقل ومن ورث في حال دون حال لم يعط شيئًا، ويوقف الباقي إلى أن يتبين أمر المفقود أو يحكم بموته
١١/ يوجد تطبيقات وأمثلة عليها في كتب الفرضيين ومنها كتاب الشيخ وفقه الله
(تسهيل حساب الفرائض).
١٢/ تعريف الغرقى:
الغرقى جمع: غريق والغريق: هو من مات بالغرق
والمراد بهم عند الفرضيين جماعة متوارثون التبس زمن موتهم فلم يعلم أيهم مات أولاً كأن يموتوا بحادث عام كالغرق والهدم والحرق ومثله في الوقت الحاضر: حوادث السيارات وتحطم الطائرات وقتلى المعارك، ونحو ذلك
١٣/ حالات الغرقى:
للغرقى ونحوهم من حيث العلم بترتيب موتهم وعدمه خمس حالات:
الحال الأولى: أن يعلم موتهم جميعا في آن واحد، فلا توارث بينهم بالإجماع لعدم تحقق شرط الإرث، وهو:
(تحقق حياة الوارث بعد موت المورث)
الحال الثانية: أن يُعلم المتأخر بعينه ولا ينسى، فالمتأخر يرث المتقدم بالإجماع لتحقق شرط الإرث
الحال الثالثة: أن يُعلم المتأخر بعينه ثم يُنسى
الحال الرابعة: أن يُعلم المتأخر لا بعينه
الحال الخامسة: أن يجهل الأمر فلا يعلم المتأخر من المتقدم
١٤/ تحرير محل الخلاف في المسألة:
لا خلاف بين العلماء في الحال الأولى والثانية؛ وإنما الخلاف في الحالات الثلاث الأخيرة على قولين مشهورين:
القول الأول: أنهم يتوارثون وقد روي عن عمر، وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وهو الصحيح من مذهب الحنابلة وهو من المفردات عند الحنابلة
القول الثاني: أنهم لا يتوارثون فيما بينهم وإنما يكون ميراثهم لورثتهم الأحياء وقد روي هذا القول عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت،وابن عباس رضي الله عنهم وإليه ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة
١٥/ أدلة القول الأول (أنهم يتوارثون):
-ما روى الشعبي قال: وقع الطاعون بالشام عام عمواس فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم، فكتب إلى عمر رضي الله عنه، فكتب عمر: أن ورثوا بعضهم من بعض
وأجيب عن هذا: بأن الأثر ضعيف لانقطاعه أشار إليه البيهقي ثم لو صح فيحمل على الحال الثانية وهي أن يعلم المتأخر بعينه ولا ينسى لأن هذا هو الظاهر عند الموت بالطاعون
وأيضًا روي عن عمر خلافه، وليس أحد قوليه بأولى من الآخر
-أن الأصل حياة كل منهما وموته بعد صاحبه مشكوك فيه فلا يترك الأصل المتيقن لأمر مشكوك فيه
وأجيب عن هذا: بأن هذا الأصل معارض بأصل آخر وهو أن الأصل عدم التوارث وسبب التوارث وهو تأخر حياة أحدهما عن الآخر مشكوك فيه فلا يعدل عن الأصل المتيقن لأمر مشكوك فيه، وليس أحد الأصلين بأولى من الآخر
-أن في منع التوارث قطع توريث المتأخر موتاً من المتقدم موتاً.
وأجيب عن هذا: بأن تأخر موت أحدهما عن الآخر على فرض وجوده مجهول والمجهول كالمعدوم فلا يعمل به
١٦/ أدلة القول الثاني (أنهم لا يتوارثون):
-أن قتلى اليمامة وصفين والحرة لم يورث بعضهم من بعض بل جعل إرثهم لورثتهم الأحياء
-أن أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب توفيت هي وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في يوم واحد ولم يدر أيهما مات قبل فلم ترثه ولم يرثها
-أن من شروط الإرث تحقق حياة الوارث بعد موت المورث وهذا الشرط ليس بمتحقق هنا بل هو مشكوك فيه ولا توريث مع الشك
-أن توريث بعضهم من بعض يلزم منه التناقض؛ إذ مقتضى كون أحدهما وارثاً أن يكون متأخراً ومقتضى كونه مورثاً أن يكون متقدماً فيكون كل واحد منهما متأخراً متقدمًا
١٧/ الراجح من القولين - والله أعلم ـ هو القول الثاني وهو أن الغرقى لا يتوارثون واختار هذا القول جمع من المحققين من أهل العلم كالموفق ابن قدامة وابن تيمية وذلك لقوة أدلته ولما أحاط بواقع الغرقى ونحوهم من الجهالة التي تمنع من التوارث
وهذا الذي عليه الفتوى والعمل
بمعنى لو قدر أن أقارب ماتوا في حادث سيارة وهؤلاء الأقارب يتوارثون كابن وأب وزوج أو زوج وزوجة ونحو ذلك لكن التبس زمن موت الأول من الآخر فلا يتوارثون أما لو علم المتقدم من المتأخر ولو بأقل من دقيقة فيتوارثون
١٨/ من وسائل معرفة المتقدم من المتأخر: شهادة الشهود كذلك من القرائن التي ربما لو اجتمعت أصبحت دليلاً التقرير الطبي فالوسائل لا تنحصر في وسيلة واحدة
١٩/ صفة العمل في مسائل الغرقى ونحوهم عند من قال بالتوارث هي طريقة عمل المناسخات نفسها وبناء على القول الراجح وهو قول الجمهور أنهم لا يتوارثون فلا حاجة لذلك
(ميراث المفقود- ميراث الغرقى):
١/ المفقود لغة: من الفقد وهو ما يختفي بعد أن كان موجوداً
واصطلاحا: الآدمي الذي غاب وانقطع خبره فلم يعلم له حياة ولا موت
٢/ حالات المفقود:
للمفقود من حيث غلبة السلامة أو الهلاك حالتان:
الحال الأولى: أن يغلب على سفره السلامة كمن سافر لدراسة أو تجارة أو نزهة ونحو ذلك.
الحال الثانية: أن يغلب على حاله الهلاك كمن فُقد في معركة أو كان في طائرة تحطمت أو سفينة غرقت ونحو ذلك
٣/ المفقود من قديم الزمان كان يوجد لكن في الوقت الحاضر كثرت حالاته لأسباب كثيرة، فإذا وجد المفقود فإنه ترتبط به أحكام شرعية وليس بصحيح أن تبقى أمور الورثة معلقة لأجل هذا لابد من حل لمشكلته
٤/ المدة التي ينتظر فيها المفقود:
اتفق الفقهاء على ضرب مدة معلومة للمفقود ينتظر فيها فإن رجع خلال هذه المدة وإلا حكم بموته ولكنهم اختلفوا في مقدار هذه المدة على اتجاهين:
الاتجاه الأول: تحديد المدة وهو مذهب المالكية والحنابلة وقول عند الحنفية والشافعية، ثم اختلفوا في مقدار هذه المدة على أقوال:
-قيل: ينتظر ستين سنة منذ ولد وقيل: سبعون سنة وقيل: خمس وسبعون وقيل: ثمانون وقيل غير ذلك، ومستند هذه الأقوال هو قول النبي عليه الصلاة والسلام
" أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك "
-ووجه الدلالة: أن متوسط أعمار هذا الأمة هو ما بين الستين إلى السبعين، لذا كان عمره عليه الصلاة والسلام وأبو بكر وعمر ثلاثاً وستين ففيه إشارة إلى أن المفقود لا يعيش في الغالب أكثر من هذه المدة فيعمل بهذا الغالب في تحديد مدة المفقود.
-أما من قال بتحديد المدة بخمس وسبعين أو ثمانين سنة، فقال: إن ما زاد ع السبعين يكون احتياطا.
-وأجيب عن الاستدلال بهذا الحديث: بأنه ليس نصاً في أن الأعمار لا تتجاوز السبعين وقد عاش كثير من الأمة أكثر من ذلك ويحتمل أن يكون المفقود من جاوز السبعين.
-وأما الحنابلة فقالوا: ينتظر أربع سنين منذ فقد إن كان الغالب عليه الهلاك وينتظر تسعين سنة منذ ولد إن كان الغالب عليه السلامة، أما انتظاره أربع سنين منذ فقده إن كان الغالب عليه السلامة فلأنها أكثر مدة الحمل ولأن هذا هو قضاء عمر رضي الله عنه في قصة الرجل الذي فقد في زمنه.
ولأنها مدة يتكرر فيها تردد المسافرين والتجار فانقطاعه عن أهله مع غيبته على هذا الوجه يغلب فيها ظن الهلاك إذ لو كان باقياً لم ينقطع خبره هذه المدة.
-وأجيب عن ذلك: أما القول: بأنها أكثر مدة الحمل، فأكثر مدة الحمل مختلف فيها والراجح فيها أنها سنة كاملة إلا إذا ادعي غير ذلك، فيعرض على لجنة طبية شرعية تتحقق من هذا ولا يصح بناء الاستدلال على أمر مختلف فيه ثم إنه ليس هناك تلازم بين أكثر مدة الحمل والمدة التي يغلب على الظن فيها الهلاك
-وأما قضاء عمر رضى الله عنه في قصة المفقود في زمنه فهذه قضية عين خاصة بهذا المفقود لا عموم لها، وعمر رضي الله عنه لم يضرب هذه المدة لكل مفقود وإنما لهذا الرجل خاصة ثم إن الغالب على حال هذا الرجل المفقود في هذه القصة السلامة وهم يستدلون به على ما إذا كان الغالب عليه الهلاك
-وأما القول: بأنها مدة يتردد فيها التجار والمسافرون: فأجيب عن ذلك بأن تردد التجار والمسافرين يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة وقد يتم في أقل من هذه المدة بكثير كما هو الواقع في عصرنا الحاضر
-وأما انتظاره تسعين سنة منذ ولد إن كان الغالب عليه السلامة فقد عللوا له بأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من ذلك فيعتبر هذا الغالب في تقدير المدة
وأجيب عنه بأن الغالب في هذه المسألة غير منضبط بدليل وقوع الخلاف فيه ثم إن هذا القول كما أنه غير منقول فهو غير معقول لأن من فقد وعمره تسع وثمانون سنة وأحد عشر شهرًا فينتظر بناءً على هذا القول شهرًا واحدًا والشهر لا يكفي للبحث عن المفقود وتحري خبره بل إنه بناء على هذا القول لو فقد وعمره تسعون سنة أو أكثر فإنه لا ينتظر ولا يخفى ما في هذا من الضعف
-الاتجاه الثاني: يرجع في تقدير المدة إلى اجتهاد القاضي: وهذا هو ظاهر مذهب الحنفية والصحيح من مذهب الشافعية ورواية عند الحنابلة وعللوا لذلك بما يأتي:
أنه لم يرد الشرع بتحديد مدة انتظار المفقود والتحديد بابه التوقيف وإذا لم يرد الشرع بتحديد مدة معينة فالأصل عدم التحديد.
إن الأصل حياة المفقود فلا يحكم بوفاته بمجرد مرور المدة من غير تحرٍ ولا اجتهاد
إن المدة التي يغلب على الظن أن يعيشها المفقود تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمنة والأمكنة فيرجع في تحديدها لاجتهاد القاضي
-الراجح: هو الاتجاه الثاني لقوة الأدلة ولأن الشرع لم يرد بالتحديد فالمرجع في ذلك إلى اجتهاد القاضي وهذا الذي عليه الفتوى والعمل في الوقت الحاضر
٥/ وجود وسائل البحث والتواصل والمواصلات لها أثر في تقصير مدة انتظار المفقود
٦/ مال المفقود في مدة الانتظار يبقى موقوفاً إلى أن تعلم حياته أو موته أو يحكم بموته لأن الأصل حياة المفقود فلا يتصرف بماله قبل معرفة خبره أو الحكم بموته
٧/ إذا مضت مدة الانتظار ولم يعرف خبر المفقود من حياة أو موت:
حكم بموته وقسم ماله على ورثته الأحياء حين الحكم بموته
(لحظة النطق بالحكم)
دون من مات منهم قبل ذلك، وإن تبين بعد الحكم بموته أنه قد مات في مدة الانتظار فماله لورثته الموجودين ساعة موته
(ساعة موته الحقيقية)
دون من مات منهم قبل ذلك أو وجد بعد موته ولو قبل الحكم بموته
٨/ لو حكم بموته ثم تبينت حياته: فأتى وقد قسمت أمواله فهنا تنقض القسمة وترجع إليه أمواله فلو صرف الورثة الأموال فإنها تبقى ديوناً عليهم
٩/ إذا مات مورث المفقود في مدة الانتظار فله حالتان:
الحال الأولى: ألا يكون له وارث غير المفقود ففي هذه الحالة يوقف جميع المال حتى يتبين أمر المفقود أو يحكم بموته لأنه لا يتضرر أحد بوقفه
الحال الثانية: أن يكون له ورثة غير المفقود، فيعامل بقية الورثة باليقين ويوقف الباقي حتى يتبين أمر المفقود أو يحكم بوفاته
١٠/ صفة العمل في هذه الحال:
-يجعل مسألتان: مسألة يقدر فيها المفقود حيا، ومسألة يقدر فيها ميتا، وتقسم كل مسألة وتؤصل وتصحح إن احتاجت إلى تصحيح.
-ينظر بين أصلي المسألتين بالنسب الأربع وحاصل النظر هو الجامعة
-تقسم الجامعة على أصل كل مسألة من أجل استخراج جزء سهمها.
-تضرب سهام كل وارث من كل مسألة في جزء سهمها فمن ورث في المسألتين متساويًا أخذ نصيبه كاملًا ومن ورث متفاضلاً أعطى الأقل ومن ورث في حال دون حال لم يعط شيئًا، ويوقف الباقي إلى أن يتبين أمر المفقود أو يحكم بموته
١١/ يوجد تطبيقات وأمثلة عليها في كتب الفرضيين ومنها كتاب الشيخ وفقه الله
(تسهيل حساب الفرائض).
١٢/ تعريف الغرقى:
الغرقى جمع: غريق والغريق: هو من مات بالغرق
والمراد بهم عند الفرضيين جماعة متوارثون التبس زمن موتهم فلم يعلم أيهم مات أولاً كأن يموتوا بحادث عام كالغرق والهدم والحرق ومثله في الوقت الحاضر: حوادث السيارات وتحطم الطائرات وقتلى المعارك، ونحو ذلك
١٣/ حالات الغرقى:
للغرقى ونحوهم من حيث العلم بترتيب موتهم وعدمه خمس حالات:
الحال الأولى: أن يعلم موتهم جميعا في آن واحد، فلا توارث بينهم بالإجماع لعدم تحقق شرط الإرث، وهو:
(تحقق حياة الوارث بعد موت المورث)
الحال الثانية: أن يُعلم المتأخر بعينه ولا ينسى، فالمتأخر يرث المتقدم بالإجماع لتحقق شرط الإرث
الحال الثالثة: أن يُعلم المتأخر بعينه ثم يُنسى
الحال الرابعة: أن يُعلم المتأخر لا بعينه
الحال الخامسة: أن يجهل الأمر فلا يعلم المتأخر من المتقدم
١٤/ تحرير محل الخلاف في المسألة:
لا خلاف بين العلماء في الحال الأولى والثانية؛ وإنما الخلاف في الحالات الثلاث الأخيرة على قولين مشهورين:
القول الأول: أنهم يتوارثون وقد روي عن عمر، وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وهو الصحيح من مذهب الحنابلة وهو من المفردات عند الحنابلة
القول الثاني: أنهم لا يتوارثون فيما بينهم وإنما يكون ميراثهم لورثتهم الأحياء وقد روي هذا القول عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت،وابن عباس رضي الله عنهم وإليه ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة
١٥/ أدلة القول الأول (أنهم يتوارثون):
-ما روى الشعبي قال: وقع الطاعون بالشام عام عمواس فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم، فكتب إلى عمر رضي الله عنه، فكتب عمر: أن ورثوا بعضهم من بعض
وأجيب عن هذا: بأن الأثر ضعيف لانقطاعه أشار إليه البيهقي ثم لو صح فيحمل على الحال الثانية وهي أن يعلم المتأخر بعينه ولا ينسى لأن هذا هو الظاهر عند الموت بالطاعون
وأيضًا روي عن عمر خلافه، وليس أحد قوليه بأولى من الآخر
-أن الأصل حياة كل منهما وموته بعد صاحبه مشكوك فيه فلا يترك الأصل المتيقن لأمر مشكوك فيه
وأجيب عن هذا: بأن هذا الأصل معارض بأصل آخر وهو أن الأصل عدم التوارث وسبب التوارث وهو تأخر حياة أحدهما عن الآخر مشكوك فيه فلا يعدل عن الأصل المتيقن لأمر مشكوك فيه، وليس أحد الأصلين بأولى من الآخر
-أن في منع التوارث قطع توريث المتأخر موتاً من المتقدم موتاً.
وأجيب عن هذا: بأن تأخر موت أحدهما عن الآخر على فرض وجوده مجهول والمجهول كالمعدوم فلا يعمل به
١٦/ أدلة القول الثاني (أنهم لا يتوارثون):
-أن قتلى اليمامة وصفين والحرة لم يورث بعضهم من بعض بل جعل إرثهم لورثتهم الأحياء
-أن أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب توفيت هي وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في يوم واحد ولم يدر أيهما مات قبل فلم ترثه ولم يرثها
-أن من شروط الإرث تحقق حياة الوارث بعد موت المورث وهذا الشرط ليس بمتحقق هنا بل هو مشكوك فيه ولا توريث مع الشك
-أن توريث بعضهم من بعض يلزم منه التناقض؛ إذ مقتضى كون أحدهما وارثاً أن يكون متأخراً ومقتضى كونه مورثاً أن يكون متقدماً فيكون كل واحد منهما متأخراً متقدمًا
١٧/ الراجح من القولين - والله أعلم ـ هو القول الثاني وهو أن الغرقى لا يتوارثون واختار هذا القول جمع من المحققين من أهل العلم كالموفق ابن قدامة وابن تيمية وذلك لقوة أدلته ولما أحاط بواقع الغرقى ونحوهم من الجهالة التي تمنع من التوارث
وهذا الذي عليه الفتوى والعمل
بمعنى لو قدر أن أقارب ماتوا في حادث سيارة وهؤلاء الأقارب يتوارثون كابن وأب وزوج أو زوج وزوجة ونحو ذلك لكن التبس زمن موت الأول من الآخر فلا يتوارثون أما لو علم المتقدم من المتأخر ولو بأقل من دقيقة فيتوارثون
١٨/ من وسائل معرفة المتقدم من المتأخر: شهادة الشهود كذلك من القرائن التي ربما لو اجتمعت أصبحت دليلاً التقرير الطبي فالوسائل لا تنحصر في وسيلة واحدة
١٩/ صفة العمل في مسائل الغرقى ونحوهم عند من قال بالتوارث هي طريقة عمل المناسخات نفسها وبناء على القول الراجح وهو قول الجمهور أنهم لا يتوارثون فلا حاجة لذلك