تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مسائل وأحكام الطهارة


الحمدان
02-02-2025, 09:30 PM
فوائد منتقاة من برنامج مجالس الفقه لفضيلة الشيخ أ.د سعد بن تركي الخثلان وفقه الله
الاثنين ٢٧-٧-١٤٤٦هـ
(مسائل وأحكام الطهارة):

١/ نجد كثيراً من الفقهاء عندما يصنفون في الفقه يبدؤون بكتاب الطهارة؛ وذلك لأنها مفتاح الصلاة، وهي شرط من شروط صحتها، والصلاة آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، ولأن الطهارة تخلية من الأذى، والأولى البدء بالتخلية قبل التحلية.

٢/ الطهارة لغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار، ومنه قول الله تعالى:(وَثِيَابَكَ فَطَهرْ) [سورة المدثر، الآية ٤].
-واصطلاحاً: هِيَ: ارَتفْاعُ الْحَدَثِ وما في معناه وَزَوَالُ الْخَبَثِ
-الحدث: وصف معنوي يقوم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها، فليس حسياً يُرى كالنجاسة.
-وما في معناه: لإدخال الأشياء المستحبة كغسل الجمعة وتجديد الوضوء ونحوهما، فلا يقال إن فيها رفعاً للحدث مع أنها داخلة في معنى الطهارة.
-وَزَوَالُ الْخَبَثِ ولم نقل: إزالة؛ حتى يشمل ما زال بنفسه وما زال بمزيل، فإن كل ذلك داخل في معنى الطهارة.
-والخبث هو النجاسة، وهي: كل عين يحرم تناولها لا لضررها ولا لاستقذارها ولا لحرمتها.
لا لضررها: احترازاً من السم، فإنه يحرم تناوله لضرره.
وقولنا: ولا لاستقذارها احترازاً مما يستقذر، كالمخاط ونحوه.
وقولنا: ولا لحرمتها: احترازاً من الصيد في الحرم أو للمحرم ونحوه.

٣/ أهمية التطهر للمسلم:
الحرص على الطهارة والتطهر من الأمور المحمودة والله عز وجل يقول: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}؛ فينبغي على المسلم أن يجعل هذه الآية نصب عينيه، فيكون متطهراً عند الصلاة، كذلك في أغلب أوقاته يكون متطهراً، ويتأكد قبل النوم، وعند الإتيان بنافلة كتلاوة القرآن ونحو ذلك، وبالتالي يصدق عليه الوصف في الآية.

٤/ اختلف الفقهاء في تقسيم الماء على قولين:
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة في الرواية المشهورة عندهم إلى أن الماء ينقسم إلى ثلاثة أقسام: طهور، وطاهر، ونجس.
-قالوا: الطهور: هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره، مثل مياه الأمطار والأنهار والعيون.
-والطاهر: هو الطاهر في نفسه غير المطهر لغيره، -والنجس ما عدا ذلك، وهو ما تغيرت أحد أوصافه لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة، أو لاقاها وهو يسير.
القول الثاني: أن الماء ينقسم إلى قسمين: طهور، ونجس، وأنه لا وجود لقسم طاهر غير مطهر، وهو رواية عن الإمام أحمد، وقال به بعض المالكية والشافعية، وهو اختيار الإمام ابن تيمية، وقال أبو العباس بن تيمية عن رواية الإمام أحمد: إنها التي نص عليها الإمام أحمد في أكثر أجوبته، والذي نص عليه فقهاء الحنابلة هو أن الماء ينقسم إلى ثلاثة أقسام.

٥/ استدل الجمهور بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب"، وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده».
-وجه الاستدلال في الحديث الأول: أنه نهى الجنب عن الاغتسال في الماء الراكد، ومعلوم أن هذا ماء طاهر غير نجس، فدل على أن اغتسال الجنب فيه يجعله طاهرا غير مطهر.
-وفي الحديث الثاني: نهى المستيقظ من النوم عن أن يغمس يده في الإناء قبل غسلها، مع أن اليد طاهرة وليست نجسة، فلولا أن هذا الغمس يفيد منعاً في الماء لم ينه عنه، فدل على أن الماء يكون طاهراً غير مطهر.

٦/ استدل أصحاب القول الثاني :بأن النصوص من الكتاب والسنة إنما وردت بذكر هذين القسمين: الطهور والنجس، وأنه لا وجود في كتاب الله ولا في سنة رسوله لقسم ثالث يكون الماء فيه طاهراً غير مطهر، وأن هذا القسم - الطاهر غير المطهر - إذا اختلط بشيء طاهر ولم يغلب على اسمه ويسمى ماءً فهو في الحقيقة طهور؛ لأنه يسمى ماءً ولم يتغير بنجاسة، أما إن تغيرت أجزاؤه بشيء طاهر غلب على اسمه فلا يسمى ماء وإنما يسمى لبناً أو مرقاً أو غير ذلك بحسب ما تغير به فهذا ليس بماء أصلاً ولا يدخل في تقسيم الماء.

٧/ الراجح في المسألة: أن الماء ينقسم إلى قسمين طهور ونجس وقد اختاره كثير من المحققين من أهل العلم، ومن أبرزهم الإمامان: أبو العباس بن تيمية وابن القيم - رحمهما الله-، وهو الأقرب للأصول والقواعد الشرعية؛ لقوة دليلة، ولأنه ليس هناك دليل ظاهر يدل على وجود قسم ثالث من الماء يكون فيه طاهراً غير مطهر.
-أما حديث نهي الجنب عن الاغتسال في الماء الراكد، لا يقتضي أن يصبح طاهراً غير مطهر، وإنما هذا من الآداب التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأجل ألا يقذر الجنب الماء الراكد بالاغتسال فيه.
-كذلك نهي المستيقظ عن النوم أن يغمس يده في الإناء، فليس فيه ما يدل على أن الماء أصبح طاهراً غير مطهر، لكن العلة هي قوله: "فإنه لا يدري أين باتت يده"، وعليه فأدلة الجمهور غير صريحة.

٨/ عند الجمهور: قسم الطَاهِرُ، ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر كالزعفران وماء الورد ونحو ذلك، وكذلك الماء المستعمل يدخل عندهم في هذا القسم.
والقول الراجح - كما سبق - أن هذا الماء طهور يجوز التطهر به ويرفع الحدث ويزيل الخبث ما لم يغلب عليه اسم الطاهر، فإن غلب عليه اسم الطاهر فلم يعد يسمى ماء بل أصبح يسمى مرقاً أو قهوة أو غير ذلك من أسماء الطاهرات فهذا ليس بماء أصلاً، ولا يتطهر إلا بالماء قال ابن المنذر: «أجمعوا على أن الوضوء لا يجوز بماء الورد وماء الشجر، وماء العصفر، ولا تجوز الطهارة: إلا بماء مطلق يقع على اسم الماء».

٩/ مسألة تقسيم الماء إلى قليل وكثير: اختلف الفقهاء فيها:
القول الأول: أن الماء ينقسم إلى قليل وكثير، فإذا كان دون القلتين فهو قليل، وأما إن بلغ قلتين فأكثر فإنه كثير، وإليه ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية وهو الصحيح من مذهب الحنابلة.
القول الثاني: أن الماء لا ينقسم إلى قليل وكثير، بل الأصل في الماء أنه طهور، ولا ينجس إلا بتغير أحد أوصافه الثلاثة: طعمه. أو لونه، أو ريحه، وإليه ذهب المالكية، وهو رواية عند الحنابلة اختارها أبو العباس بن تيمية، وابن القيم، وجمع من المحققين من أهل العلم.

١٠/ استدل الجمهور بحديث أخرجه أصحاب السنن «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث».
-‏وفي سنده مقال، وليس صريحاً، واستدلوا بمفهومه وهو أن الماء إذا لم يبلغ قلتين حمل الخبث، فينجس بمجرد ملاقاته النجاسة ولو كانت كرأس الذباب، وإن لم يتغير طعمه أو ريحه أو لونه، وأنه إذا بلغ القلتين فأكثر لا ينجس إلا إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه.

١١/ استدل أصحاب القول الثاني بحديث بئر بضاعة «أنه قيل لرسول الله ﷺ: أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يُطرح فيها الحيض ولحم الكلاب وَالنَّتَ؟ فَقَالَ رسول الله ﷺ: «إن الماء طهور لا ينجسه شَيْءٌ»، قالوا: فهذا الحديث دليل على أن الماء طهور، ويستثنى من ذلك ما إذا تغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة فإنه ينجس بالإجماع.
-ومن جهة النظر قالوا: إن علة النجاسة هي الخبث، فمتى وجد الخبث في الشيء فهو نجس، ومتى لم يوجد فليس بنجس، فالماء يخبث ويصبح نجساً إذا تغير بنجاسة، وإلا فالأصل أنه طهور.

١٢/ القول الراجح هو عدم تقسيم الماء إلى قليل وكثير، وأنه طهور إلا إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه بنجاسة، ولا ينقسم إلى قليل وكثير، وهذا الذي عليه عامة مشايخنا كشيخنا عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين، وعليه أكثر المحققين من أهل العلم رحمهم الله تعالى.

١٣/ أما ما استدل به أصحاب القول الأول من حديث القلتين:
- فهذا الحديث في سنده مقال
-وعلى تقدير ثبوته فهذا الحديث له منطوق ومفهوم، فمنطوقه أن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث ومفهومه: إذا لم يبلغ القلتين حمل الخبث، لكن هذا المفهوم ليس على إطلاقه؛ وذلك لأن الماء إذا كان دون القلتين ولم يقع فيه خبث فإنه لا يحمل الخبث، -وحديث القلتين لم يذكره النبي ﷺ ابتداء، وإنما ذكره جواباً لسؤال؛ فقد جاء في سنن أبي داود: سئل رسول الله ﷺ عن الماء وما يَنُوبُهُ من الدواب والسباع، فقال : "إذا كان الماء قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ"، قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: "إن النبي ﷺ لم يذكر هذا التقدير ابتداء، وإنما ذكره في جواب من سأله عن مياه الفلاة التي تردها السباع والدواب، والتخصيص إذا كان له سبب غير اختصاص الحكم لم يبق حجة"
-ثم إن قوله عليه الصلاة والسلام: «لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ فيه إشارة إلى أن مناط التنجيس هو حمل الخبث والخبث هو النجاسة، فحيث كان الخبث موجوداً في الماء كان نجساً، وحيث كان مستهلكا غير محمول في الماء كان باقياً على طهارته.
- ثم أيضاً على تقدير التعارض بين حديث القلتين: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلْتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ»، وحديث بئر بضاعة: «إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»، فحديث بئر بضاعة مقدم؛ لكونه أصح من جهة الإسناد، كما قال الإمام أحمد وجماعة، ثم إن حديث بئر بضاعة يدل على طهارة الماء بمنطوقه، أما حديث القلتين فإنما يستدل به على تنجيس ما دون القلتين إذا لاقى نجاسة بمفهومه، وعند التعارض المنطوق مقدم على المفهوم كما هو مقرر عند الأصوليين.
-ومن جهة النظر: يترتب على القول الأول أن كل ماء دون القلتين لو وقع فيه نجاسة كرأس الذباب فإنه يكون هذا الماء كله نجساً، وهذا فيه مخالفة للحس؛ إذ أنه قد يحمل الخبث وقد لا يحمله، وحمل الخبث أمر حسي يعرفه الناس، فكيف نقول لو أصابه نجاسة كرأس الذباب يكون هذا الماء كله نجسا؟!

١٤/ الفقهاء السابقون قدروا القلتين: بخَمْسمِئَةِ رِطْلٍ عِرَاقِيِّ، وَثَمَانينَ رِطْلًا وَسُبْعَينِ وَنِصْفُ سُبْعِ رِطْلِ بِالْقُدْسِي، وهذه التقديرات الآن لا تكاد تعرف.
-وتقديرها المعاصر، يساوي ۱۹۱ لتراً.
-وبناء على القول الراجح لا نحتاج لهذا التقدير