الحمدان
02-23-2025, 06:51 PM
فوائد منتقاة من برنامج مجالس الفقه لفضيلة الشيخ أ.د سعد بن تركي الخثلان وفقه الله
الاثنين ١٨-٨-١٤٤٦هـ (تابع أحكام وآداب قضاء الحاجة- السواك):
١/ حكم استقبال واستدبار القبلة أثناء قضاء الحاجة اختلف العلماء فيها على أقوال:
القول الأول: التفريق بين الصحراء وبين البنيان فيحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء دون البنيان، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة .
-استدلوا بما جاء في الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري له أن النبي ﷺ قال: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها، ولكن شَرِّقُوا أو غَربُوا قَالَ أبو أيوب: فقدمنا الشام، فوجدنا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ القبلة، فننحرفُ ونستغفر الله تعالى"، قالوا: فهذا دليل على أن القبلة لا تستقبل ولا تستدبر في حال الفضاء، وأما في حال البنيان فقد ورد ما يدل على الجواز وهو ما جاء في الصحيحين عن عبدالله بن عمر قال: "لقد ارتقيتُ يوماً على ظهر بيت لنا، فرأيت رسول الله ﷺ على لبنتَيْنِ، مُستقبلاً بيت المقدس لحاجته"، قالوا: فهذا يدل على أن النهي الوارد في حديث أبي أيوب إنما هو محمول على الفضاء لا على البنيان.
-قالوا: إن النهي في حديث أبي أيوب للكراهة، والصارف له من التحريم إلى الكراهة هو حديث ابن عمر .
القول الثاني: يجوز الاستدبار في البنيان خاصة دون الاستقبال، وهو رواية عن الإمام أحمد ، قالوا: إن الأصل في حديث أبي أيوب التحريم، لكن يخص منه ما ورد في حديث ابن عمر أن النبي ﷺ كان مستدبر الكعبة فيجوز الاستدبار فقط دون الاستقبال.
القول الثالث: لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها لا في الفضاء ولا في البنيان، وهو مذهب الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها الإمام ابن تيمية"، وابن القيم، وجمع من المحققين من أهل العلم.
-واستدلوا بحديث أبي أيوب ، قالوا: وهو صريح الدلالة في التحريم، واستدلوا كذلك بما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: «إذا جلس أحدكم على حاجته، فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها» .
-قالوا: وأما حديث ابن عمر فلا يصح أن يكون صارفاً للنهي من التحريم إلى الكراهة، لا في الفضاء ولا في البنيان؛ لأن ما ذكره ابن عمر عن النبي ﷺ إنما هي حكاية فعل وواقعة عين ترد عليها احتمالات كثيرة،
-فيحتمل أن تكون رؤية ابن عمر للنبي ﷺ كانت قبل النهي عن استقبال القبلة واستدبارها.
-ويحتمل أن المكان كان ضيقاً فكان النبي ﷺ معذوراً في استدبار الكعبة.
-ويحتمل أن هذا خاص بالنبي ﷺ؛ لأن عنده من التعظيم للقبلة ما ليس عند غيره.
-والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال لم يصح الاستدلال به.
-قالوا: وعلى تقدير التعارض بينه وبين حديث أبي أيوب فحديث أبي أيوب مقدم؛ لأنه من قول النبي ﷺ وحديث ابن عمر من فعله، ومن المقرر عند الأصوليين أن القول مقدم على الفعل؛ لأن القول أصرح، ولهذا لو رأيت عالماً من العلماء يقرر مسألة بقوله، ثم رأيته يفعل خلاف ما قرر فالذي ينسب إليه القول دون الفعل؛ لأن الفعل ترد عليه احتمالات، فيحتمل أن يكون ناسياً، ويحتمل أن يكون ذاهلاً، ويحتمل أن يكون معذوراً، أما القول فإنه صريح، ولو كان حديث ابن عمر من قول النبي ﷺ لاحتجنا للتوفيق بينه وبين حديث أبي أيوب ، لكنه حكاية فعل.
وهذا القول الأخير هو القول الراجح - والله أعلم - وهو أنه يحرم استقبال القبلة واستدبارها مطلقا في الفضاء وفي البنيان.
٢/ مما يدل لذلك أيضاً أن يقال لمن فرق بين الفضاء والبنيان ما هو الضابط في البنيان؟ هل هو الجدار؟ إذا كان كذلك ففي الفضاء ما هو أعظم من الجدار من الجبال والأودية والأشجار والأحجار وغيرها، ولهذا ذكر ابن القيم فائدة تؤيد ترجيح هذا القول، قال ابن القيم: "إن النهي تكريم لجهة القبلة وذلك لا يختلف بفضاء ولا بنيان، وليس مختصاً بنفس البيت، فكم من جبلٍ وأَكَمَةٍ حائل بين البائل وبين البيت بمثل ما تحول جدران البنيان وأعظم، وأما جهة القبلة فلا حائل بين البائل وبينها، وعلى الجهة وقع النهي لا على البيت نفسه، فتأمله" ، ومراده أن الأحاديث تدل على أن المراد جهة القبلة وهي لا تختلف بكونها في الفضاء أو البنيان، وليس المقصود الكعبة نفسها؛ لأن بين الإنسان وبين الكعبة أبنية كثيرة ، فالمنهي عنه جهة القبلة وليس عين الكعبة.
وبناء على ذلك ينبغي أن تبنى دورات المياه والمراحيض إلى غير القبلة.
٣/ حكم دخول الخلاء ومعه شي فيه ذكر الله تعالى؟
هذا مكروه وقد نص الفقهاء على ذلك كما ذكر النووي وغيره، وقالوا إذا لم يكن معه ثمة حاجة، لكن إذا احتاج لذلك فتزول الكراهة، كأن يخشى على الذي معه وفيه ذكر الله من السرقة أو الضياع فتزول الكراهة في هذه الحال.
٤/ السواك: يطلق على الآلة، وهي العود الذي يُستاك به، فيقال: هذا سواك من أراك، ويقال: مسواك. ويطلق على الفعل الذي هو دلك الفم بالعود لتنظيفه.
٥/ الآلة التي يستاك بها، أشهرها وأفضلها عود الأراك، وهو معروف من قديم الزمان، ولا ينحصر السواك في عود الأراك، بل كل عود يُستاك به ويحصل به تنظيف الفم والأسنان يدخل في معنى السواك، فلو اتخذت أعواد من غير عود الأراك يستاك بها كعود زيتون مثلاً فيقال: إن هذا سواك، وبعض العامة يحصر السواك في عود الأراك، وهذا فهم غير صحيح.
٦/ بناء على ما تقدم فإن فرشاة الأسنان تدخل في مسمى السواك؛ فمقصود الشارع من السواك ظاهر وهو تنظيف الفم والأسنان؛ لأنه يحصل بها الإنقاء، بل ربما يكون تنظيف الأسنان والفم بها أبلغ من التنظيف بعود الأراك خاصة إذا اقترنت بمعجون، ولو جرب إنسان الاستياك بعود الأراك ثم بفرشاة الأسنان لعرف الفرق بينهما، وما كان كذلك فإنه يحقق مقصود الشارع وهو تنظيف الفم والأسنان، ولهذا ينبغي لمن ينظف فمه بالفرشاة أن ينوي أنه يطبق السنة بذلك، لأجل أن يحصل على الأجر والثواب.
٧/ ما تقدم يدل على عظمة دين الإسلام؛ فقد شمل جميع الأمور حتى تنظيف الفم والبدن والشعر، كل هذه الأمور قد ورد الأمر بها، كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال : "حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام، يوماً يغسل فيه رأسه وجسده"، فالإسلام يدعو إلى النظافة وإلى البعد عن القذر والوسخ، وعن كل ما يضر بصحة الإنسان.
٨/ السواك سنة، يدل على ذلك أحاديث كثيرة، منها ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «لولا أن أشق على أَمْتي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسَّوَاكِ مع كل صلاة» ، وقال البخاري في صحيحه وقال أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ: "لولا أن أَشُقَّ على أمتي لأمَرْتُهُمْ بالسَّوَاكِ عند كل وضوء" .. وقالت عائشة عن النبي ﷺ "السواك مَطْهَرَةٌ للفم، مَرْضَاة للرب".
٩/ قد ورد في فضل السواك أكثر من مائة حديث حتى عُد من المتواتر، بل جاء في صحيح البخاري عن أنس أن النبي ﷺ قال: "أَكْثَرْتُ عليكم في السَّوَاكِ "، وقال الموفق بن قدامة: واتفق أهل العلم على أنه سنة مؤكدة، فهو إذا سنة مؤكدة، ولولا خشية المشقة لأمر النبي ﷺ به الأمة أمر إيجاب كما في حديث أبي هريرة السابق.
١٠/ السواك للصائم، محل خلاف:
القول الأول: مكروه للصائم بعد الزوال، وهو المذهب عند الشافعية والحنابلة، واستدلوا لذلك بحديث علي وخباب أن النبي ﷺ قال: "إذا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ، ولا تَسْتَاكُوا بالعشي..."، والغداة: هي أول النهار والعشي: بعد الزوال، واستدلوا أيضاً بحديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "والذي نفس محمد بيده لَخُلُوفُ فم الصائم أطيب عند الله... من ريح الْمِسْكِ"
-قالوا: والخُلُوف: هو الرائحة الكريهة التي تخرج من الفم عند خلو المعدة من الطعام، وهذا لا يظهر غالباً إلا بعد الزوال ويكره إزالة هذه الرائحة؛ لأنها أطيب عند الله من ريح المسك.
والقول الثاني في المسألة: أن السواك سنة للصائم مطلقاً قبل الزوال وبعده، وهو مذهب الحنفية والمالكية ورواية عن الإمام أحمد واختاره الإمام ابن تيمية وابن القيم"، واستدلوا: بعموم الأحاديث الدالة على سنية السواك، فيشمل ذلك قبل الزوال وبعده، وهو المروي عن جماعة من الصحابة ، والتابعين، كابن عمر والحسن وعروة وعطاء ومجاهد والنخعي وغيرهم .
-وهذا هو القول الصحيح في المسألة.
-وأما الأدلة التي استدل بها أصحاب القول الأول فهي إما أدلة صحيحة غير صريحة، أو صريحة غير صحيحة، فإن حديث علي ضعيف لا يصح، كما ذكر ابن حجر.
وأما حديث أبي هريرة فليس فيه دلالة على كراهة السواك بعد الزوال؟
لأن سبب رائحة الخلوف خُلو المعدة من الطعام، والسواك ليس له أثر في إزالة هذه الرائحة؛ لأن هذه الرائحة الكريهة تنبعث من المعدة وليس من الفم، فالسواك لا أثر له في إزالتها، وحينئذ لا وجه للقول بكراهة السواك لأجل ذلك، بل أخرج أبو داود والترمذي عن عامر بن ربيعة قال: «رأيت رسول الله الله ما لا أ أُحْصِي يَتَسَوَّك وهو صائم ، لكن هذا الحديث ضعيف، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله : ويستحب للمُفطِر والصائم في كل وقت؛ لعموم الأحاديث فيه، ولحاجة الصائم إليه، ولأنه مَرْضاة للرب، ومرضاته مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر، ولأنه مطهرة للفم، والطهور للصائم من أفضل أعماله... وأجمع الناس على أن الصائم يتمضمض وجوباً واستحباباً، والمضمضة أبلغ من السواك، وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة، ....، بل الصائم أحوج إلى السواك من المفطر ) .
-ولهذا فالقول الراجح أن السواك مسنون للصائم ولغيره قبل الزوال وبعده مطلقاً، وأن القول بكراهته للصائم بعد الزوال قول ضعيف.
١١/ ذكر الموفق بن قدامة حكم الاستياك بالإصبع وبالخرقة، وقال: والصحيح أنه يصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء.
١٢/ المواضع التي يتأكد فيها السواك.
الموضع الأول:
عند الصلاة؛ لما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «لولا أن أَشُقَّ على أمتي أو على الناس لَأَمَرْتُهُمْ بِالسَّوَاكِ مع كل صلاة» .
الموضع الثاني :
عِنْدَ الوُضُوء؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «لولا أن أَشُقَّ على أمتي لأمَرْتُهُمْ بِالسَّوَاكِ مع كل وضوء» ، قالوا: ومحله عند المضمضة.
الموضع الثالث:
عند قِرَاءَةِ القرآن؛ لحديث علي أن رسول الله ﷺ قال: «إن العبد إذا تَسَوَّكَ ، ثم قام يصلي قام الْمَلَكُ خلفه، فَتَسَمَّعَ لقراءته فيدنو منه أو كلمة نحوها - حتى يضع فاه على فيه، فما يَخْرُجُ من فيه شيء من القرآن إلا صار في جَوْفِ الْمَلَكِ، فَطَهَّرُوا أفواهكم للقرآن» واستماع الملائكة لقراءة القرآن ودنوها من القارئ ثابت في السنة، خاصة إذا كان حسن الصوت، ففي الصحيحين عن أسيد بن حضير وقال: «بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوط عنده إذ جالت الفرس، فسكت فسكتت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت وسكتت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريباً منها فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي ﷺ فقال: «اقرأ يا ابن حضیر، اقرأ يا ابن حضير». قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى، وكان منها قريبا، فرفعت رأسي فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح ، فخرجت حتى لا أراها. قال: وتدري ما ذاك؟ قال: لا. قال: «تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبَحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم، لكن حديث علي فيه القرب البالغ من قارئ القرآن حتى إن الملك ربما يضع فاه على فيه، ولهذا ينبغي للقارئ أن يستاك ويطهر فمه لأجل ذلك.
الموضع الرابع:
عند الانْتِبَاهِ مِنْ النَوْم؛ ويدل لذلك ما جاء في الصحيحين عن حذيفة قال: «كان النبي ﷺ إذا قام من الليل يَشوصُ فَاهُ بالسواك ، ومعنى يَشُوص: أي: يدُلك، وهذا فيه معنى التنظيف للفم، وفيه معنى آخر وهو التنشيط؛ وذلك لأن الإنسان إذا قام من النوم واستاك فإن ذلك له أثر في طرد النوم وتنشيط الإنسان.
الموضع الخامس:
عند تَغَيرِ رَائِحَةِ الفَم؛ يدل لذلك حديث عائشة أن النبي ﷺ قال: "السواك مطهرة للفم، مَرْضَاةٌ للرب" ومقتضى هذا أنه متى احتاج الفم إلى تطهير تأكد تطهيره بالسواك.
الموضع السادس:
عِنْدَ دُخُولِ المَسْجِدٍ، وَالمَنْزِل؛ أما عند دخول المنزل فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة «أن النبي ﷺ كان إذا دخل بيته بَدَأَ بِالسِّوَاكِ»؛ فالسنة إذا دخل الإنسان بيته أن يبدأ بالسواك.
-وأما عند دخول المسجد فقالوا : إذا كان يسن السواك عند دخول المنزل، فعند دخول المسجد الذي هو بيت الله تعالى من باب أولى.
الموضع السابع :
عند إِطَالَةِ السُكُوتِ قالوا: لأن إطالة السكوت مظنة لتغير الفم، فيتأكد السواك عند ذلك.
الموضع الثامن :
عند صُفْرَةِ الأَسْنَانٍ؛ لأن وجود الصفرة في الأسنان مظنة لتغير الفم.
١٣/ ننبه إلى مسألة وهي: أن من كان يستاك بعود الأراك فينبغي أن يتعاهده وذلك بأن يقص أعلاه من حين لآخر، وذلك لأنه إذا استاك بعود الأراك مدة طويلة فإن رأس هذا العود سيكون مع مرور الوقت وكراً للأذى والقذر، ولا يحقق المقصود حينئذ، فبدلاً من أن ينظف به الفم يصبح مرتعا للميكروبات والبكتيريا، فينبغي أن يلاحظ المسلم هذا فيقضم رأس عود الأراك من حين لآخر، ويدل لذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «دخل عبدالرحمن بن أبي بكر على النبي ﷺ وأنا مُسْندَتُهُ إلى صدري، ومع عبدالرحمن سِوَاكَ رَطْبٌ يَسْتَن به، فأخذت السَّوَاكَ فَقَضَمْتُهُ وَنَفَضْتُهُ وطيبته، ثم دفعته إلى النبي ﷺ فَاسْتَنَّ به، فما رأيت رسول الله ﷺ اسْتَنَّ
استناناً قط أحسن منه .
١٤/ هل الأفضل أن يستاك باليمين أم باليسار؟
اختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال:
القول الأول: الأفضل الاستياك باليد اليمنى، واستدلوا بما جاء في الصحيحين عن عائشة قالت: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ، فِي طهُورِهِ، وَتَرَجُلِهِ، وَتَنْعَلِهِ "، ولأن السواك عبادة، ومن شأن العبادة تكريمها باليد اليمنى.
القول الثاني: أن الأفضل الاستياك باليد اليسرى؛ لأنه من باب إزالة الأذى، وما كان كذلك فيكون باليد اليسرى.
القول الثالث: التفصيل، فإن قصد بالسواك التنظيف فيكون باليد اليسرى، أما إن قصد مجرد التعبد فيكون باليد اليمني.
وهذا هو الأقرب - والله أعلم؛ لأنه يجمع المعنيين الذين ذكرهما أصحاب القول الأول والثاني، فعندما تأتي للصلاة لا تقصد إزالة الأذى، وإنما تقصد طلب التقرب إلى الله بهذا الاستياك، فالأفضل أن يكون باليد اليمنى، لكن إن قصدت تنظيف الفم فيكون باليد اليسرى، والأمر في هذا واسع
الاثنين ١٨-٨-١٤٤٦هـ (تابع أحكام وآداب قضاء الحاجة- السواك):
١/ حكم استقبال واستدبار القبلة أثناء قضاء الحاجة اختلف العلماء فيها على أقوال:
القول الأول: التفريق بين الصحراء وبين البنيان فيحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء دون البنيان، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة .
-استدلوا بما جاء في الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري له أن النبي ﷺ قال: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها، ولكن شَرِّقُوا أو غَربُوا قَالَ أبو أيوب: فقدمنا الشام، فوجدنا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ القبلة، فننحرفُ ونستغفر الله تعالى"، قالوا: فهذا دليل على أن القبلة لا تستقبل ولا تستدبر في حال الفضاء، وأما في حال البنيان فقد ورد ما يدل على الجواز وهو ما جاء في الصحيحين عن عبدالله بن عمر قال: "لقد ارتقيتُ يوماً على ظهر بيت لنا، فرأيت رسول الله ﷺ على لبنتَيْنِ، مُستقبلاً بيت المقدس لحاجته"، قالوا: فهذا يدل على أن النهي الوارد في حديث أبي أيوب إنما هو محمول على الفضاء لا على البنيان.
-قالوا: إن النهي في حديث أبي أيوب للكراهة، والصارف له من التحريم إلى الكراهة هو حديث ابن عمر .
القول الثاني: يجوز الاستدبار في البنيان خاصة دون الاستقبال، وهو رواية عن الإمام أحمد ، قالوا: إن الأصل في حديث أبي أيوب التحريم، لكن يخص منه ما ورد في حديث ابن عمر أن النبي ﷺ كان مستدبر الكعبة فيجوز الاستدبار فقط دون الاستقبال.
القول الثالث: لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها لا في الفضاء ولا في البنيان، وهو مذهب الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها الإمام ابن تيمية"، وابن القيم، وجمع من المحققين من أهل العلم.
-واستدلوا بحديث أبي أيوب ، قالوا: وهو صريح الدلالة في التحريم، واستدلوا كذلك بما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: «إذا جلس أحدكم على حاجته، فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها» .
-قالوا: وأما حديث ابن عمر فلا يصح أن يكون صارفاً للنهي من التحريم إلى الكراهة، لا في الفضاء ولا في البنيان؛ لأن ما ذكره ابن عمر عن النبي ﷺ إنما هي حكاية فعل وواقعة عين ترد عليها احتمالات كثيرة،
-فيحتمل أن تكون رؤية ابن عمر للنبي ﷺ كانت قبل النهي عن استقبال القبلة واستدبارها.
-ويحتمل أن المكان كان ضيقاً فكان النبي ﷺ معذوراً في استدبار الكعبة.
-ويحتمل أن هذا خاص بالنبي ﷺ؛ لأن عنده من التعظيم للقبلة ما ليس عند غيره.
-والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال لم يصح الاستدلال به.
-قالوا: وعلى تقدير التعارض بينه وبين حديث أبي أيوب فحديث أبي أيوب مقدم؛ لأنه من قول النبي ﷺ وحديث ابن عمر من فعله، ومن المقرر عند الأصوليين أن القول مقدم على الفعل؛ لأن القول أصرح، ولهذا لو رأيت عالماً من العلماء يقرر مسألة بقوله، ثم رأيته يفعل خلاف ما قرر فالذي ينسب إليه القول دون الفعل؛ لأن الفعل ترد عليه احتمالات، فيحتمل أن يكون ناسياً، ويحتمل أن يكون ذاهلاً، ويحتمل أن يكون معذوراً، أما القول فإنه صريح، ولو كان حديث ابن عمر من قول النبي ﷺ لاحتجنا للتوفيق بينه وبين حديث أبي أيوب ، لكنه حكاية فعل.
وهذا القول الأخير هو القول الراجح - والله أعلم - وهو أنه يحرم استقبال القبلة واستدبارها مطلقا في الفضاء وفي البنيان.
٢/ مما يدل لذلك أيضاً أن يقال لمن فرق بين الفضاء والبنيان ما هو الضابط في البنيان؟ هل هو الجدار؟ إذا كان كذلك ففي الفضاء ما هو أعظم من الجدار من الجبال والأودية والأشجار والأحجار وغيرها، ولهذا ذكر ابن القيم فائدة تؤيد ترجيح هذا القول، قال ابن القيم: "إن النهي تكريم لجهة القبلة وذلك لا يختلف بفضاء ولا بنيان، وليس مختصاً بنفس البيت، فكم من جبلٍ وأَكَمَةٍ حائل بين البائل وبين البيت بمثل ما تحول جدران البنيان وأعظم، وأما جهة القبلة فلا حائل بين البائل وبينها، وعلى الجهة وقع النهي لا على البيت نفسه، فتأمله" ، ومراده أن الأحاديث تدل على أن المراد جهة القبلة وهي لا تختلف بكونها في الفضاء أو البنيان، وليس المقصود الكعبة نفسها؛ لأن بين الإنسان وبين الكعبة أبنية كثيرة ، فالمنهي عنه جهة القبلة وليس عين الكعبة.
وبناء على ذلك ينبغي أن تبنى دورات المياه والمراحيض إلى غير القبلة.
٣/ حكم دخول الخلاء ومعه شي فيه ذكر الله تعالى؟
هذا مكروه وقد نص الفقهاء على ذلك كما ذكر النووي وغيره، وقالوا إذا لم يكن معه ثمة حاجة، لكن إذا احتاج لذلك فتزول الكراهة، كأن يخشى على الذي معه وفيه ذكر الله من السرقة أو الضياع فتزول الكراهة في هذه الحال.
٤/ السواك: يطلق على الآلة، وهي العود الذي يُستاك به، فيقال: هذا سواك من أراك، ويقال: مسواك. ويطلق على الفعل الذي هو دلك الفم بالعود لتنظيفه.
٥/ الآلة التي يستاك بها، أشهرها وأفضلها عود الأراك، وهو معروف من قديم الزمان، ولا ينحصر السواك في عود الأراك، بل كل عود يُستاك به ويحصل به تنظيف الفم والأسنان يدخل في معنى السواك، فلو اتخذت أعواد من غير عود الأراك يستاك بها كعود زيتون مثلاً فيقال: إن هذا سواك، وبعض العامة يحصر السواك في عود الأراك، وهذا فهم غير صحيح.
٦/ بناء على ما تقدم فإن فرشاة الأسنان تدخل في مسمى السواك؛ فمقصود الشارع من السواك ظاهر وهو تنظيف الفم والأسنان؛ لأنه يحصل بها الإنقاء، بل ربما يكون تنظيف الأسنان والفم بها أبلغ من التنظيف بعود الأراك خاصة إذا اقترنت بمعجون، ولو جرب إنسان الاستياك بعود الأراك ثم بفرشاة الأسنان لعرف الفرق بينهما، وما كان كذلك فإنه يحقق مقصود الشارع وهو تنظيف الفم والأسنان، ولهذا ينبغي لمن ينظف فمه بالفرشاة أن ينوي أنه يطبق السنة بذلك، لأجل أن يحصل على الأجر والثواب.
٧/ ما تقدم يدل على عظمة دين الإسلام؛ فقد شمل جميع الأمور حتى تنظيف الفم والبدن والشعر، كل هذه الأمور قد ورد الأمر بها، كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال : "حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام، يوماً يغسل فيه رأسه وجسده"، فالإسلام يدعو إلى النظافة وإلى البعد عن القذر والوسخ، وعن كل ما يضر بصحة الإنسان.
٨/ السواك سنة، يدل على ذلك أحاديث كثيرة، منها ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «لولا أن أشق على أَمْتي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسَّوَاكِ مع كل صلاة» ، وقال البخاري في صحيحه وقال أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ: "لولا أن أَشُقَّ على أمتي لأمَرْتُهُمْ بالسَّوَاكِ عند كل وضوء" .. وقالت عائشة عن النبي ﷺ "السواك مَطْهَرَةٌ للفم، مَرْضَاة للرب".
٩/ قد ورد في فضل السواك أكثر من مائة حديث حتى عُد من المتواتر، بل جاء في صحيح البخاري عن أنس أن النبي ﷺ قال: "أَكْثَرْتُ عليكم في السَّوَاكِ "، وقال الموفق بن قدامة: واتفق أهل العلم على أنه سنة مؤكدة، فهو إذا سنة مؤكدة، ولولا خشية المشقة لأمر النبي ﷺ به الأمة أمر إيجاب كما في حديث أبي هريرة السابق.
١٠/ السواك للصائم، محل خلاف:
القول الأول: مكروه للصائم بعد الزوال، وهو المذهب عند الشافعية والحنابلة، واستدلوا لذلك بحديث علي وخباب أن النبي ﷺ قال: "إذا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ، ولا تَسْتَاكُوا بالعشي..."، والغداة: هي أول النهار والعشي: بعد الزوال، واستدلوا أيضاً بحديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "والذي نفس محمد بيده لَخُلُوفُ فم الصائم أطيب عند الله... من ريح الْمِسْكِ"
-قالوا: والخُلُوف: هو الرائحة الكريهة التي تخرج من الفم عند خلو المعدة من الطعام، وهذا لا يظهر غالباً إلا بعد الزوال ويكره إزالة هذه الرائحة؛ لأنها أطيب عند الله من ريح المسك.
والقول الثاني في المسألة: أن السواك سنة للصائم مطلقاً قبل الزوال وبعده، وهو مذهب الحنفية والمالكية ورواية عن الإمام أحمد واختاره الإمام ابن تيمية وابن القيم"، واستدلوا: بعموم الأحاديث الدالة على سنية السواك، فيشمل ذلك قبل الزوال وبعده، وهو المروي عن جماعة من الصحابة ، والتابعين، كابن عمر والحسن وعروة وعطاء ومجاهد والنخعي وغيرهم .
-وهذا هو القول الصحيح في المسألة.
-وأما الأدلة التي استدل بها أصحاب القول الأول فهي إما أدلة صحيحة غير صريحة، أو صريحة غير صحيحة، فإن حديث علي ضعيف لا يصح، كما ذكر ابن حجر.
وأما حديث أبي هريرة فليس فيه دلالة على كراهة السواك بعد الزوال؟
لأن سبب رائحة الخلوف خُلو المعدة من الطعام، والسواك ليس له أثر في إزالة هذه الرائحة؛ لأن هذه الرائحة الكريهة تنبعث من المعدة وليس من الفم، فالسواك لا أثر له في إزالتها، وحينئذ لا وجه للقول بكراهة السواك لأجل ذلك، بل أخرج أبو داود والترمذي عن عامر بن ربيعة قال: «رأيت رسول الله الله ما لا أ أُحْصِي يَتَسَوَّك وهو صائم ، لكن هذا الحديث ضعيف، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله : ويستحب للمُفطِر والصائم في كل وقت؛ لعموم الأحاديث فيه، ولحاجة الصائم إليه، ولأنه مَرْضاة للرب، ومرضاته مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر، ولأنه مطهرة للفم، والطهور للصائم من أفضل أعماله... وأجمع الناس على أن الصائم يتمضمض وجوباً واستحباباً، والمضمضة أبلغ من السواك، وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة، ....، بل الصائم أحوج إلى السواك من المفطر ) .
-ولهذا فالقول الراجح أن السواك مسنون للصائم ولغيره قبل الزوال وبعده مطلقاً، وأن القول بكراهته للصائم بعد الزوال قول ضعيف.
١١/ ذكر الموفق بن قدامة حكم الاستياك بالإصبع وبالخرقة، وقال: والصحيح أنه يصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء.
١٢/ المواضع التي يتأكد فيها السواك.
الموضع الأول:
عند الصلاة؛ لما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «لولا أن أَشُقَّ على أمتي أو على الناس لَأَمَرْتُهُمْ بِالسَّوَاكِ مع كل صلاة» .
الموضع الثاني :
عِنْدَ الوُضُوء؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «لولا أن أَشُقَّ على أمتي لأمَرْتُهُمْ بِالسَّوَاكِ مع كل وضوء» ، قالوا: ومحله عند المضمضة.
الموضع الثالث:
عند قِرَاءَةِ القرآن؛ لحديث علي أن رسول الله ﷺ قال: «إن العبد إذا تَسَوَّكَ ، ثم قام يصلي قام الْمَلَكُ خلفه، فَتَسَمَّعَ لقراءته فيدنو منه أو كلمة نحوها - حتى يضع فاه على فيه، فما يَخْرُجُ من فيه شيء من القرآن إلا صار في جَوْفِ الْمَلَكِ، فَطَهَّرُوا أفواهكم للقرآن» واستماع الملائكة لقراءة القرآن ودنوها من القارئ ثابت في السنة، خاصة إذا كان حسن الصوت، ففي الصحيحين عن أسيد بن حضير وقال: «بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوط عنده إذ جالت الفرس، فسكت فسكتت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت وسكتت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريباً منها فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي ﷺ فقال: «اقرأ يا ابن حضیر، اقرأ يا ابن حضير». قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى، وكان منها قريبا، فرفعت رأسي فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح ، فخرجت حتى لا أراها. قال: وتدري ما ذاك؟ قال: لا. قال: «تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبَحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم، لكن حديث علي فيه القرب البالغ من قارئ القرآن حتى إن الملك ربما يضع فاه على فيه، ولهذا ينبغي للقارئ أن يستاك ويطهر فمه لأجل ذلك.
الموضع الرابع:
عند الانْتِبَاهِ مِنْ النَوْم؛ ويدل لذلك ما جاء في الصحيحين عن حذيفة قال: «كان النبي ﷺ إذا قام من الليل يَشوصُ فَاهُ بالسواك ، ومعنى يَشُوص: أي: يدُلك، وهذا فيه معنى التنظيف للفم، وفيه معنى آخر وهو التنشيط؛ وذلك لأن الإنسان إذا قام من النوم واستاك فإن ذلك له أثر في طرد النوم وتنشيط الإنسان.
الموضع الخامس:
عند تَغَيرِ رَائِحَةِ الفَم؛ يدل لذلك حديث عائشة أن النبي ﷺ قال: "السواك مطهرة للفم، مَرْضَاةٌ للرب" ومقتضى هذا أنه متى احتاج الفم إلى تطهير تأكد تطهيره بالسواك.
الموضع السادس:
عِنْدَ دُخُولِ المَسْجِدٍ، وَالمَنْزِل؛ أما عند دخول المنزل فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة «أن النبي ﷺ كان إذا دخل بيته بَدَأَ بِالسِّوَاكِ»؛ فالسنة إذا دخل الإنسان بيته أن يبدأ بالسواك.
-وأما عند دخول المسجد فقالوا : إذا كان يسن السواك عند دخول المنزل، فعند دخول المسجد الذي هو بيت الله تعالى من باب أولى.
الموضع السابع :
عند إِطَالَةِ السُكُوتِ قالوا: لأن إطالة السكوت مظنة لتغير الفم، فيتأكد السواك عند ذلك.
الموضع الثامن :
عند صُفْرَةِ الأَسْنَانٍ؛ لأن وجود الصفرة في الأسنان مظنة لتغير الفم.
١٣/ ننبه إلى مسألة وهي: أن من كان يستاك بعود الأراك فينبغي أن يتعاهده وذلك بأن يقص أعلاه من حين لآخر، وذلك لأنه إذا استاك بعود الأراك مدة طويلة فإن رأس هذا العود سيكون مع مرور الوقت وكراً للأذى والقذر، ولا يحقق المقصود حينئذ، فبدلاً من أن ينظف به الفم يصبح مرتعا للميكروبات والبكتيريا، فينبغي أن يلاحظ المسلم هذا فيقضم رأس عود الأراك من حين لآخر، ويدل لذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «دخل عبدالرحمن بن أبي بكر على النبي ﷺ وأنا مُسْندَتُهُ إلى صدري، ومع عبدالرحمن سِوَاكَ رَطْبٌ يَسْتَن به، فأخذت السَّوَاكَ فَقَضَمْتُهُ وَنَفَضْتُهُ وطيبته، ثم دفعته إلى النبي ﷺ فَاسْتَنَّ به، فما رأيت رسول الله ﷺ اسْتَنَّ
استناناً قط أحسن منه .
١٤/ هل الأفضل أن يستاك باليمين أم باليسار؟
اختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال:
القول الأول: الأفضل الاستياك باليد اليمنى، واستدلوا بما جاء في الصحيحين عن عائشة قالت: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ، فِي طهُورِهِ، وَتَرَجُلِهِ، وَتَنْعَلِهِ "، ولأن السواك عبادة، ومن شأن العبادة تكريمها باليد اليمنى.
القول الثاني: أن الأفضل الاستياك باليد اليسرى؛ لأنه من باب إزالة الأذى، وما كان كذلك فيكون باليد اليسرى.
القول الثالث: التفصيل، فإن قصد بالسواك التنظيف فيكون باليد اليسرى، أما إن قصد مجرد التعبد فيكون باليد اليمني.
وهذا هو الأقرب - والله أعلم؛ لأنه يجمع المعنيين الذين ذكرهما أصحاب القول الأول والثاني، فعندما تأتي للصلاة لا تقصد إزالة الأذى، وإنما تقصد طلب التقرب إلى الله بهذا الاستياك، فالأفضل أن يكون باليد اليمنى، لكن إن قصدت تنظيف الفم فيكون باليد اليسرى، والأمر في هذا واسع