المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فوائد منتقاة من برنامج مجالس الفقه الاثنين ٧-١١-١٤٤٦هـ


الحمدان
05-12-2025, 03:25 PM
فوائد منتقاة من برنامج مجالس الفقه لفضيلة الشيخ أ.د سعد بن تركي الخثلان وفقه الله الاثنين ٧-١١-١٤٤٦هـ(تكملة نواقض الوضوء+ الشك في الطهارة+ ما يترتب على الحدث الأصغر والحدث الأكبر):

١/مرق لحم الإبل لا ينقض الوضوء حتى لو اكتسب المرق طعم اللحم، وذلك لأن من تناول مرق اللحم لا يصدق عليه أنه أكل لحم الإبل لا لغةً ولا شرعًا ولا عرفًا. ثم إن جمهور الفقهاء كما سبق يرون أن أكل لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وأن القول بأنه ينقض الوضوء من المفردات عند الحنابلة. وإن كنا قد رجحنا هذا القول إلا أنه ينبغي ألا نتوسع في التفريع عليه.

٢/ألبان الإبل شربها لا ينقض الوضوء أيضًا، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، وإن كان هناك رواية أخرى بأن شربها ينقض، لكن القول الراجح أن شرب ألبان الإبل أنه لا ينقض الوضوء، ولأن النص إنما ورد في أكل لحم الإبل فقط. ولهذا قال النووي رحمه الله: قال مذهبنا يعني الشافعية ومذهب العلماء كافة: لا وضوء من لبنها. فكأنه يحكي الاتفاق على ذلك.

٣/ الحكمة من كون أكل لحم الإبل ناقضًا للوضوء:
أولًا، إذا صح الحديث فحكم الله ورسوله هو حكمة الحكم وغاية الحكم. فالمسلم على يقين بأن الله حكيم عليم. ولذلك، إن تيسر معرفة الحكمة فهذا خير، وإن لم يتيسر فلا ضير. والله تعالى لا يشرع شيئًا إلا لحكمة، ولا يأمر بشيء إلا لحكمة، ولا ينهى عن شيء إلا لحكمة. وهذا هو مقتضى العبودية لله عز وجل، أن المسلم يمتثل لأوامر الشرع سواء عرف الحكمة أم لم يعرفها. أما من كان لا يمتثل الأمر إلا إذا عرف الحكمة، فهذا عبد لهواه وليس عبدًا لله عز وجل. فمِن مقتضى العبودية أن المسلم يستسلم لحكم الله ورسوله: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}. فهذا هو مقتضى العبودية لله عز وجل.
-ومع ذلك العلماء استنبطوا الحكمة من كون أكل لحم الإبل ناقضًا للوضوء. فقال بعضهم: إن أكل لحم الإبل يهيج الأعصاب، والوضوء بعد ذلك يهدئها. وقيل: إن أكل لحم الإبل يورث قوة شيطانية، كما جاء في حديث عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل، فإنها خلقت من الشياطين". أخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان وصححه ابن عبد البر. وهذه القوة الشيطانية تزول بالوضوء، لأن الغضب من الشيطان، والشيطان من النار، وإنما تطفأ النار بالماء. ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: من توضأ من لحمها اندفع عنه ما يصيب المدمنين لأكلها من غير وضوء من الحقد وقسوة القلب التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "إن الغلظة وقسوة القلوب في الفدادين أصحاب الإبل، وإن السكينة في أهل الغنم". متفق عليه.

٤/من تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو العكس تيقن الحدث وشك في طهارته، فما الحكم هنا في هذه الحال؟
هذه المسألة من المسائل المهمة التي يحتاج إليها كثير من الناس، وإذا ضبطها المسلم وعرفها جيدًا تزول عنه إشكالات كثيرة ويرتاح كثيرًا، وأيضًا يكون هذا سببًا لقطع دابر الوسواس. هذه المسألة ترجع إلى قاعدة كبرى معروفة عند أهل العلم، وهي قاعدة: اليقين لا يزول بالشك. والأصل في هذه القاعدة ما أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم شُكي إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، وقال عليه الصلاة والسلام: "لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا". فأخذ العلماء من هذا الحديث قاعدة عظيمة، وهي أن اليقين لا يزول بالشك. فمن تيقن الطهارة وشك في الحدث، فالأصل هو الطهارة، لأن هذا هو المتيقن، والحدث مشكوك فيه، والقاعدة أن اليقين لا يزول بالشك. ونوضح هذا بالمثال: رجل توضأ وأتى للمسجد، ثم في أثناء الصلاة شك هل خرج منه ريح أم لا، أو أنه شك هل خرجت منه قطرات بول أم لا. فنقول: اليقين أنك على طهارة، وقد أتيت المسجد وأنت متوضئ، وقد طرأ الشك في الحدث، فالحدث مجرد شك، والقاعدة تقول: اليقين لا يزول بالشك. فأنت على طهارتك ما لم تتيقن أنك أحدثت. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "لا ينصرف" يعني لا يقطع صلاته حتى يتيقن. لكنه عبر عن اليقين بمثالين: المثال الأول يسمع صوتًا، والمثال الثاني يجد ريحًا. يعني كأنه قال: لا يقطع صلاته إلا بيقين. وحتى غلبة الظن لا تكفي في هذا، بل لا بد من اليقين. ويقول بعض أهل العلم إنه لا يقطع صلاته إلا إذا تيقن بحيث لو قيل له احلف أنه خرج منك شيء لحلف. فإذا وصل إلى هذه المرحلة نقول: نعم، اقطع صلاتك وتوضأ. أما مجرد شكوك أو حتى غلبة الظن في هذه المسألة، فهذا لا يكفي، بل يستصحب الأصل وهو الطهارة. وهذا في الحقيقة يريح المسلم ويقطع دابر الوسواس. فعلى هذا، من أتى للمسجد وقد توضأ وأتته شكوك هل خرجت منه قطرات بول، هل خرج منه ريح، فنقول: استمر في صلاتك ولا تلتفت لهذه الشكوك، لا تلتفت لها، وابنِ على الأصل وهو أن اليقين لا يزول بالشك، والأصل هو الطهارة.
-إذا كانت المسألة بالعكس؟ يعني رجل أتى المسجد مثلًا وشك هل توضأ أو لم يتوضأ. اليقين أنه لم يتوضأ، وهذا هو الأصل، ولكنه شك هل توضأ أم لا. فنقول: اليقين لا يزول بالشك، فالأصل أنك لم تتوضأ، فيؤمر بالوضوء، لأن الأصل أنه لم يتوضأ.
-وهكذا لو شك مثلًا في الإتيان بركن، قام للركعة الثانية فشك هل سجد السجدة الثانية أم لم يسجد إلا سجدة واحدة. نقول: الأصل أنه لم يأتِ بالركن، هذا هو اليقين، كونه أتى بالركن هذا أمر مشكوك فيه. ولهذا قال الفقهاء: من شك في ترك ركن فهو كتركه. فهذه القاعدة، قاعدة اليقين لا يزول بالشك، قاعدة عظيمة وتفيد المسلم.

٥/ إذا أحدث حدثًا أصغر فيحرم عليه:
-أولًا الصلاة. لا يجوز أن يصلي وهو محدث. حتى إن بعض فقهاء الحنفية شددوا في هذه المسألة واعتبروا أن من يصلي وهو محدث أو على غير وضوء أنه مستهزئ. ولكن أكثر العلماء على أنه لا يصل لتلك الدرجة، لأن الاستهزاء كفر، لكن لا يصل إلى هذه الدرجة. ولكن صاحبه يأثم إذا تعبد لله عز وجل بالصلاة على غير وضوء. وهذا القول ينبغي أن يشاع وأن يبين خطورة المسألة، لأن هناك بعض الناس وربما بعض طلاب المدارس قد يأتي أحيانًا ويصلي بغير وضوء عندما يطلب منه ذلك، فربما بعضهم يتساهل في هذه المسألة. فنقول: المسألة فيها خطورة، لا يجوز للمسلم أن يصلي بغير وضوء.
-الأمر الثاني مما يحرم على المحدث الطواف عند جمهور الفقهاء.
فجمهور الفقهاء على اشتراط الطهارة لصحة الطواف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت: "افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت". وقال بعض أهل العلم إن الطهارة ليست بشرط لصحة الطواف. وهذا القول قول قوي، وهو الأظهر والله أعلم في هذه المسألة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد حج معه قرابة مئة ألف، وهؤلاء فيهم من فيهم من العامة ومن البادية ومن الفلاحين ومن غيرهم. فيبعد أن هؤلاء كلهم لم يقع من أحدهم حدث قبل الطواف أو أثناءه. فلو كانت الطهارة شرطًا لصحة الطواف لبين هذا النبي عليه الصلاة والسلام للأمة واشتهر ذلك واستفاض كما استفاض منع الحائض من الطواف. -فالأحوط إذًا أن المسلم لا يطوف إلا وهو على طهارة. لكن لو أنه طاف على غير طهارة وشق عليه أن يعيد الطواف، أو أنه خرج من مكة ويصعب عليه العودة، فيمكن أن يأخذ بالقول الآخر وهو أن الطهارة ليست بشرط لصحة الطواف. فهي من المسائل التي يراعى فيها الخلاف قبل الوقوع وبعد الوقوع فهذا مثال لهذه القاعدة. فقبل الوقوع نقول للناس: لا تطوفوا إلا على طهارة، لأن جماهير الفقهاء يشترطون ذلك. لكن إذا وقع هذا، فننظر لوجاهة القول بعدم اشتراط الطهارة لصحة الطواف.
-الأمر الثالث فيما يحرم على المحدث مس المصحف بلا حائل. وهذا هو الذي عليه المذاهب الأربعة، أنه يجب الوضوء عند مس المصحف. واستدلوا بكتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن، وجاء فيه: "لا يمس القرآن إلا طاهر". وهو وإن كان في سنده مقال، إلا أنه قد تلقاه العلماء بالقبول. قال ابن عبد البر: هو كتاب مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة تستغنى بشهرتها عن الإسناد، لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة.
-وهناك من يستدل بقول الله عز وجل: {لا يمسه إلا المطهرون}. وهذا الاستدلال محل نظر، لأن المقصود بقوله المطهرون في الآية الملائكة، بدليل قول الله تعالى في الآية الأخرى: {كلا إنها تذكرة * فمن شاء ذكره * في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرام بررة}. لكن مع ذلك، الإمام ابن تيمية رحمه الله يقول: الآية تدل بإشارتها على أنه لا يمس المصحف إلا طاهر، لأنه إذا كانت تلك الصحف لا يمسها إلا المطهرون من الملائكة لكرامتها على الله، فهذه الصحف أولى ألا يمسها إلا طاهر من البشر.

٦/ مس المصحف من شاشة الجوال هل يأخذ حكم مس المصحف الورقي؟
الآن الهواتف المنقولة أو الهاتف الجوال أصبح يوجد فيه المصحف، وهناك تطبيقات كثيرة لعدد من المصاحف. وهذا من نعم الله تعالى علينا في هذا الزمان، أن المصحف يكون موجودًا في الهاتف المنقول، تستطيع أنك تقرأ من كتاب الله عز وجل في أي مكان وفي أي زمان. فأصبح متيسرًا، ولم يكن هذا الأمر موجودًا من قبل. فيما سبق، إن لم يكن الإنسان حافظًا فإنه لا يستطيع أن يقرأ شيئًا من القرآن إلا إذا كان المصحف الورقي موجودًا. الآن بمجرد أنه يفتح الجوال ويفتح على تطبيق المصحف يستطيع أن يقرأ القرآن، وبل حتى ينظر إلى تفسير الآية ومعنى الآية، وربما أيضًا إذا أراد أن يستمع للنطق الصحيح للآية من بعض القراء المتقنين. هذا من نعم الله تعالى علينا في هذا الزمان.
-الذي يظهر، والله أعلم، أنه يجوز مس المصحف من شاشة الهاتف المنقول ولو على غير طهارة. وذلك:
- أولًا، ما يظهر من المصحف على شاشة الهاتف الجوال هو مجرد ذبذبات إلكترونية تظهر على شكل صورة المصحف، فهو أشبه بمس صورة المصحف في المرآة.
-ثم على تقدير أنه يأخذ حكم المصحف المكتوب على الورق، فهو مس له من وراء حائل، وذلك لأن الهاتف المنقول له شاشتان: شاشة داخلية وشاشة خارجية. والذي يمس المصحف من شاشة الهاتف المنقول إنما يمس الشاشة الخارجية، والتي تعتبر كالحائل. والمصحف يجوز مسه من وراء حائل. وعلى هذا، فالذي يمس المصحف من شاشة الهاتف المنقول هو في الحقيقة يمس المصحف من وراء حائل، فيجوز ذلك. هذا إذا اعتبرنا أصلًا أنه يأخذ حكم المصحف الورقي. وإلا هو في الحقيقة مجرد ذبذبات وإشارات كهربائية تظهر على شكل صورة المصحف.

٧/ المصاحف المكتوبة بطريقة برايل أو المكتوبة بالحروف البارزة، وهذه تكون للمكفوفين بحيث يقرأون القرآن عن طريق هذا المصحف. هل تشترط الطهارة أو تجب الطهارة لمن يمس المصحف المكتوب بطريقة برايل أو بالحروف البارزة؟ هذا محل خلاف بين علماء المعاصرين. فمنهم من ذهب إلى أن المصحف المكتوب بطريقة برايل يأخذ حكم المصحف المكتوب بالحروف العربية، فيحرم على المحدث مسه. وقالوا إن المقروء في المصحف المكتوب بالحروف العربية والمصحف المكتوب بطريقة برايل واحد، وهو كلام الله بلفظه ومعناه. وأما الكتابة فما هي إلا وسيلة لقراءة ذلك الكلام المعظم. والمعتبر هو المقصد لا الوسيلة.
-وقالوا أيضًا: القرآن المكتوب بهذه الطريقة يسمى في العرف مصحفًا. فإنك لو سألت مكفوفًا بيده نسخة من مصحف برايل عن هذا الذي في يده: ما الذي بيدك؟ سيقول: مصحف. فيلحق بالمصحف المعروف، فتجب الطهارة عند مس المصحف المكتوب بطريقة برايل.
-ومن العلماء المعاصرين من قال إن المصحف المكتوب بطريقة برايل لا يأخذ حكم المصحف المكتوب بالحروف العربية، فيجوز مسه للمحدث. واستدلوا بقول الله عز وجل:{وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين}. قالوا: دلت الآية على أن القرآن هو اللفظ العربي المكتوب باللسان العربي. والمصحف إنما يعتبر باللغة التي نزل بها، وهي اللغة العربية. أما طريقة برايل فليست حروفًا، وإنما هي رموز يتعرف من خلالها على الحروف من خلال اللمس. فلا يأخذ المصحف المكتوب بها حكم المصحف المعروف لاختلافهما في هيئة الكتابة. ولكن هذا محل نظر. فليس في الآية، وهي قوله: {بلسان عربي مبين}، ما يدل على أن القرآن إذا كتب بغير العربية لا يسمى قرآنًا. بل غاية ما تدل عليه الآية أن القرآن نزل بلغة العرب. وكتابته بطريقة برايل لا يخرج عن هذه الخاصية، بل يظل عربيًا. فلا فرق في احترام كلام الله بين أن يكون مكتوبًا بالعربية أو بغيرها.
-وأيضًا استدلوا بالقياس على التفسير وترجمة معاني القرآن للغة أخرى، وهي لا يحرم على المحدث مسها. وهذا القياس قياس مع الفارق، لأن التفسير لم يتجرد فيه كلام الله عز وجل عن كلام غيره. كذا الترجمة، فإنها لا تتضمن ألفاظ القرآن، وإنما تتضمن معانيها. بخلاف المصحف المكتوب بطريقة برايل، فإن فيه القرآن بلفظه ومعناه خالصًا ليس معه غيره من كلام الناس. وعلى هذا، فالقول الراجح والله أعلم هو القول الأول، وهو أن المصحف المكتوب بطريقة برايل يأخذ حكم المصحف المكتوب بالحروف العربية، فتجب الطهارة عند مسه، لأن اسم المصحف يصدق على القرآن المكتوب بطريقة برايل لغةً وشرعًا وعرفًا. فالمصحف في اللغة والشرع هو الجامع للصحف المكتوبة من القرآن بين دفتين. وهذا يصدق على المصحف المكتوب بطريقة برايل. وعرفًا، فلأن الشائع عند المسلمين عامتهم وخاصتهم إطلاق اسم المصحف عليه من غير نكير. فالأظهر والله أعلم هو أن المصحف المكتوب بطريقة برايل تجب الطهارة عند مسه كالمصحف المطبوع.

٨/ الأمور التي تحرم على المحدث حدثًا أصغر فإنها تشمل كذلك المحدث حدثًا أكبر.
فالمحدث حدثًا أكبر يحرم عليه الصلاة، والطواف عند الجمهور، ومس المصحف من وراء حائل. ويزيد المحدث حدثًا أكبر كذلك بأنه:
- ليس له قراءة القرآن سواء كان جنبًا أو حائضًا. فليس له أن يقرأ القرآن عند جمهور الفقهاء. واستدلوا بحديث علي رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته ثم يخرج فيقرأ القرآن، ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة". أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وهذا الحديث صححه الترمذي. وقال الشافعي: أهل الحديث لا يثبتونه. أي في سنده مقال. وذكر الخطابي أن الإمام أحمد يوهن هذا الحديث. ثم على تقدير ثبوته، هو مجرد حكاية فعل، وليس فيه نهي للجنب عن قراءة القرآن. والنبي صلى الله عليه وسلم لما سلم عليه وهو يبول لم يرد عليه وقال: "كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة". ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن الجنب يجوز له أن يقرأ القرآن. قال البخاري في صحيحه: قال إبراهيم: لا بأس أن تقرأ الآية. ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأسًا. كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه.
-وذهب بعض أهل العلم إلى أن الجنب أو المحدث حدثًا أكبر، خاصة ، يكره له أن يقرأ القرآن، يكره ولا يحرم. فهذا قول وسط بين القولين، يعني بين قول من قال إنه يحرم، وبين قول من قال إنه يباح، جمعًا بين أدلة القول الأول والثاني. فإن أدلة القول الأول لا تقوى على الجزم بالتحريم، فإنه لم يثبت في ذلك إلا حديث علي على تقدير ثبوته أيضًا، وهو مجرد فعل. لكن قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سلم عليه وهو يبول: "كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة" يدل على كراهة قراءة الجنب للقرآن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قد كره أن يرد السلام على غير طهارة، فقراءة القرآن من الجنب أولى بالكراهة. هذا هو الأقرب والله أعلم، أن الجنب يكره له أن يقرأ القرآن، لكن لا تصل المسألة إلى درجة التحريم.
-أما الحائض، فهل تقرأ القرآن أم لا؟ الحائض لا تمس المصحف مباشرة من غير حائل كما سبق. لكن هل تقرأ القرآن عن ظهر قلب، أو تقرأ القرآن مثلًا من وراء حائل؟ هذا محل خلاف بين الفقهاء. فمنهم من قال إنها لا تقرأ، وهو المذهب عند الحنفية والشافعية والحنابلة. واستدلوا بحديث: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن". أخرجه الترمذي. لكنه حديث ضعيف. بل قال ابن تيمية رحمه الله: هذا حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث. ولهذا ذهب بعض الفقهاء إلى أن الحائض يجوز لها أن تقرأ القرآن من غير أن تمس المصحف. وهذه هي الرواية المشهورة عند أصحاب الإمام مالك، وهو أيضًا قول عند الحنابلة. وهو القول الراجح أن الحائض يجوز لها أن تقرأ القرآن من غير أن تمس المصحف، لأنه لم يرد دليل صحيح صريح يدل على منع الحائض من قراءة القرآن. والحديث المروي في ذلك ضعيف، بل نُقل الاتفاق على ضعفه كما سبق. ومما يدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت في الحج، قال: "افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت". وجاء في رواية عند البخاري: فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تكمل المناسك كلها غير أنها لا تطوف ولا تصلي حتى تطهر. فالنبي عليه الصلاة والسلام نهاها عن أمرين فقط: عن الطواف والصلاة. ومعلوم أن قراءة القرآن من أفضل أعمال الحاج. ولو كانت الحائض ممنوعة من قراءة القرآن لبين لها النبي صلى الله عليه وسلم. ثم إن هذه المسألة مما تحتاج الأمة إلى بيانها. فلو كانت الحائض ممنوعة من قراءة القرآن لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك للأمة بيانًا واضحًا، ولاشتهر ذلك كما اشتهر منع الحائض من الصلاة والصيام. ثم إن من حكمة الشريعة ألا تنقطع الحائض عن قراءة القرآن في هذه المدة الطويلة. ومعلوم أن بعض النساء قد يستمر حيضها من سبعة إلى عشرة أيام، ربما أكثر. فكونها طوال هذه المدة لا تقرأ شيئًا من القرآن، وربما تكون من الحافظات، هذا لا يتفق مع حكمة الشريعة. والحديث المروي في منعها من قراءة القرآن ضعيف. وقياسها على الجنب أيضًا قياس مع الفارق، لأن الجنب يمكن أن يرفع الجنابة عن نفسه بالاغتسال، بخلاف الحائض. ولأن مدة الحيض تطول غالبًا، بخلاف مدة الجنابة. فعلى هذا، فالقول الراجح أن الحائض يجوز لها أن تقرأ القرآن من غير أن تمس المصحف. لكن تقرأ القرآن مما عن ظهر قلب أو من وراء حائل.
-أيضًا مما يحرم على المحدث حدثًا أكبر، اللبث في المسجد بغير وضوء، لقول الله عز وجل: {ولا جنبا إلا عابري سبيل}. فنهى الله الجنب عن المكث في المسجد إلا أن يكون عابر سبيل، يعني يمر مرورًا. والحائض والنفساء في معنى الجنب، فيحرم عليهما اللبث في المسجد كذلك.