الحمدان
08-03-2025, 03:20 PM
فوائد منتقاة من برنامج مجالس الفقه
لفضيلة الشيخ أ.د سعد بن تركي الخثلان وفقه الله
الاثنين ٣-٢-١٤٤٧هـ ( شروط الصلاة):
١/ الشروط جمع شرط، والشرط معناه في اللغة العلامة، ومنه قول الله عز وجل: {فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها}، أي علاماتها.
٢/تعريف الشرط عند الأصوليين: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته. فلا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة، فقد يتطهر الإنسان ولا يصلي.
٣/الشرط والركن إذا فقد واحد منهما لم تصح العبادة، والفرق بينهما أن الركن جزء من ماهية العبادة بينما الشرط خارج عنها.
فمثلًا تكبيرة الإحرام جزء من الصلاة، بينما استقبال القبلة خارج عن الصلاة.
من الفروق كذلك: الشروط تكون قبل العبادة وتستمر إلى الفراغ منها، بينما الأركان تكون في أثناء العبادة وقد ينتقل الإنسان فيما بينها.
مثلًا شرط استقبال القبلة يكون قبل الدخول في الصلاة ويستمر إلى الفراغ منها، أما تكبيرة الإحرام فهي ركن فتكون في أثناء الصلاة، وينتقل المصلي من تكبيرة الإحرام إلى قراءة الفاتحة إلى بقية الأركان.
٤/شروط صحة الصلاة تعرف بالاستقراء، وهي في الجملة تسعة شروط.
الشرط الأول والثاني والثالث: الإسلام والعقل والتمييز.
وهذه شروط التكليف. وهي لكل عبادة، ما عدا الحج، فيصح الحج من غير المميز، وإن كان المطلوب خاصة في وقتنا الحاضر ألا يحجج الصغير وأن تتاح الفرصة للكبار.
٥/بناءً على شرط الإسلام، لا تصح الصلاة من كافر؛ لأن من شرط صحتها النية، والنية لا تصح من الكافر. والله تعالى يقول: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}. ولا تجب عليه، فلا يطالب بها. فإذا رأينا كافرًا فلا نأمره بالصلاة؛ لأنها لا تجب عليه ولا تصح منه لو صلى.
٦/الكفار مخاطبون بفروع الشريعة على القول الراجح، ويدل لذلك قول الله عز وجل: {ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين}. يدل على أنهم كفار، ومع ذلك عوقبوا على ترك الصلاة، قالوا: {لم نك من المصلين}. وإذا عوقبوا على ترك الصلاة، فإنهم يعاقبون على ترك جميع العبادات الواجبة.
ولو قيل إن الكافر حرم الله عليه الجنة وأن مأواه النار، فنقول: النار دركات كما أن الجنة درجات. وكما أن المسلم يعاقب على ترك الصلاة، فالكافر كذلك من باب أولى.
٧/الصلاة لا تصح من المجنون بإجماع العلماء.
٨/الصلاة تصح من غير البالغ بشرط أن يكون الصبي مميزًا، بل يؤمر بها: “مروا أبناءكم بالصلاة لسبع”، والأقرب في حده: بلوغ تمام سبع سنين.
أما ما دون ذلك فلا تصح منه، ويكون وجوده في الصف فرجة بين المصلين.
ولهذا ينبغي ألا يحضر المسجد؛ لأنه دار عبادة، وليس محل حضانة، يصان عن كل ما يشوش على المصلين ويخل بخشوعهم.
إلا إذا اضطر والده لإحضاره، فهذا ورد عن بعض الصحابة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: “إني لأسمع بكاء الصبي فأخفف من الصلاة مخافة أن تفتن أمه”. فإذا اضطر فعلى والده أن يكون في آخر الصف وأن ينتبه لطفله ويراقبه بحيث لا يشوش على الناس ولا يؤذيهم ولا يزعجهم.
٩/الشرط الرابع: الطهارة من الحدث بالإجماع؛ لقول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ”. (متفق عليه).
١٠/ الشرط الخامس وهو أهم الشروط: دخول الوقت. لقول الله عز وجل: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} أي مفروضًا في الأوقات.
والله عز وجل يقول: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر}.
{لدلوك الشمس} يعني لزوال الشمس،{إلى غسق الليل} أي لشدة ظلمته، هذا يشمل الظهر والعصر والمغرب والعشاء. ثم قال: {وقرآن الفجر} يعني صلاة الفجر، فشملت الآية الأوقات الخمسة.
١١/ قد تسقط جميع الشروط مراعاة لشرط الوقت.
فلو كان مريض في المستشفى وعاجز عن بقية شروط الصلاة وأركانها لكن عقله معه، لا تسقط عنه الصلاة، وليس له أن يؤخر الصلاة، بل نقول: صل على حسب حالك. إلا إذا كانت الصلاة تجمع مع غيرها، فله أن يجمع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء، إما جمع تقديم أو جمع تأخير. ما عدا ذلك ليس له أن يؤخر الصلاة عن وقتها.
١٢/مما يدل على آكدية شرط الوقت أن الشريعة أتت مبينة ومفصلة لأوقات الصلاة بقول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله. بل قال الموفق بن قدامة رحمه الله: “من شك في دخول الوقت لا يحل له أن يصلي حتى يتيقن دخول الوقت
أو يغلب على ظنه دخوله”.
١٣/عند الشك في كون الصلاة تجمع مع غيرها أم لا، نقول: لا تجمع، بل تصلى الصلاة في وقتها؛ لأن هذا أمر محكم، ولا ننتقل عن هذا الأمر المحكم الواضح المؤكد في الشريعة إلا بشيء واضح يبيح تقديم الصلاة أو تأخيرها. وأكثر ما تكون هذه المسألة عند نزول المطر، يحصل الإشكال في تحقيق المناط: هل يلحق الناس حرج بترك الجمع أم لا؟ ونقول إن الأصل أن الصلاة تصلى في وقتها، فإذا شك هل الحرج موجود أم لا، نبقى على الأصل، نقول: أصلًا لا تجمع الصلاة إلا إذا غلب على الظن وجود الحرج، فلا بأس أن يجمع بين الصلاتين لأجل المطر.
١٤/أوقات الصلوات جاءت موضحة في الكتاب على سبيل الإجمال وبالسنة على سبيل التفصيل.
مما ورد في القرآن قول الله عز وجل: {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون}. فقوله {حين تمسون} المراد به المغرب والعشاء، و{حين تصبحون} الفجر، و{عشيا} العصر، و{حين تظهرون} الظهر، فشملت الأوقات الخمسة. كذلك أيضًا قول الله عز وجل: {أقم الصلاة.. } الآية كما تقدم.
١٥/ كل إنسان وكل به ملكان حافظان وملكان كاتبان، هؤلاء أربعة.
فيستمران إلى العصر، ثم يأتي غيرهما ملكان حافظان وكاتبان من العصر إلى الفجر، وهكذا. فالملائكة تجتمع إذًا في صلاة الفجر وصلاة العصر، وهذا يبين عناية الله بابن آدم. قال تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه} هذان الحافظان.
والكاتبان: {إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}. وهو الوارد في حديث: {يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار}.
١٦/وقت صلاة الظهر، جبريل عليه السلام بدأ بها حين أمّ النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعض الفقهاء يبدأ بالفجر لأنه أول وقت صلاة النهار، والأمر في هذا واسع.
الظهر اشتقاقها من الظهور؛ لأنها أظهر الأوقات، فهي في وسط النهار، فهي ظاهرة.
ويبدأ وقتها بزيادة الظل بعد تناهي قصره.
ويقال إنها أول صلاة فرضت في الإسلام، وتسمى أيضًا صلاة الهجير كما جاء في حديث أبي برزة الأسلمي قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير وهي التي تدعونها الأولى - يعني صلاة الظهر - حين تدحض الشمس”. (أخرجه البخاري). أي حين تميل الشمس وتزول. وتسمى أيضًا الصلاة الأولى كما في الحديث السابق، ولكن الاسم المشهور لها صلاة الظهر.
١٧/معنى الزوال: ميل الشمس إلى جهة المغرب من الشرق إلى الغرب.
ويعرف بزيادة الظل بعد تناهي قصره. فحين تطلع الشمس من جهة الشرق يكون ظل الأشياء إلى جهة الغرب، ولاحظ أن الظل يكون طويلًا، ثم يبدأ الظل في التناقص شيئًا فشيئًا، وفي الميل إلى جهة الشمال. وعند منتصف النهار يتجه الظل إلى الشمال الحقيقي مباشرة. فإذا مال الظل من جهة الشمال إلى جهة الشرق ولو بشعرة، فقد زالت الشمس. فهذه علامة الزوال.
١٨/العلامة الأخرى للزوال التي هي أظهر أن الظل يكون في جهة الغرب طويلًا، ثم يبدأ بالتناقص شيئًا فشيئًا، ثم يقف هذا التناقص ويقف الظل، ثم يزيد. لاحظ الظل يكون جهة الغرب طويلًا، يبدأ ينقص، ثم يقف، ثم يزيد.
إذا بدأ الظل بالزيادة ولو بشعرة، فهذه هي علامة الزوال. ويمكن معرفة الزوال بمراقبة ظل الأشياء، لكن هذا الأمر يحتاج إلى تمرن وملاحظة ودقة.
١٩/قبل زوال الشمس بنحو عشر دقائق تقريباً ينبغي للمسلم ألا يصلي فيه صلاة نافلة، وحتى يوم الجمعة عند جمهور العلماء؛ لأن الأدلة عامة في النهي تشمل الجمعة وغيره، وقول من قال بأن الجمعة مستثناة قول مرجوح.
٢٠/ وقت الظهر يبدأ بزوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد ظل الزوال، فيصبح طول ظل الشاخص مثل طوله بعد ظل الزوال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله”. وقولنا “بعد ظل الزوال” هذا قيد مهم؛ لأن بعض كتب الفقه ربما لا تشير لهذا القيد فيشكل هذا على بعض الناس؛ لأن الظل لا ينعدم عند الزوال في كثير من البلدان كالرياض مثلًا .
فإذا كان ظل الشخص مثلًا وقت الزوال مترًا، وأردنا أن نعرف نهاية وقت صلاة الظهر، نحسب طول ظل الشخص مضافًا إليه متر.
٢١/وقت صلاة العصر يبتدئ من نهاية وقت صلاة الظهر، فليس هناك فاصل بين الظهر والعصر. وهذا هو الذي عليه أكثر العلماء.
وما قاله بعض المالكية من أن هناك وقتًا مشتركًا بقدر أربع ركعات بين الظهر والعصر قول ضعيف، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو: “وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر”.
٢٢/ المساجد التي ينتشر فيها المذهب الحنفي، يرون أن نهاية وقت الظهر وبداية العصر حين يصبح طول ظل كل شيء مثليه بعد ظل الزوال. فهذا هو نهاية الظهر وبداية العصر.
والخلاف في هذه المسألة كبير؛ لأن جزءًا من وقت الظهر عند أبي حنيفة داخل في وقت العصر عند الجمهور.
والجمهور استدلوا بحديث عبد الله بن عمرو السابق، أما الحنفية فاستدلوا بقول النبي عليه الصلاة والسلام: “إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا إلى صلاة العصر ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين…” إلى آخر الحديث.
ووجه الدلالة: أن عمل هذه الأمة أقل من عمل النصارى، فيجب أن يكون وقت العصر أقل من وقت الظهر، ولا يكون ذلك إلا إذا كان ابتداء وقت العصر وآخر وقت الظهر حين يصبح ظل كل شيء مثليه.
لكن هذا محل نظر؛ إذ إن المراد بهذا الحديث بيان كثرة العمل، وكثرة العمل لا تستلزم كثرة الزمن لجواز أن بعض الناس يعمل عملًا كثيرًا في زمن قليل.
ثم إن المراد ضرب المثل لا تحديد وقت الصلاة، وهذا حديث مجمل، والأحاديث الدالة على تحديد آخر وقت الظهر وابتداء وقت العصر أحاديث صريحة وواضحة. فالصواب هو قول الجمهور.
٢٣/وقت العصر له وقت اختياري ووقت ضروري. أما الوقت الاختياري للعصر فيمتد إلى أن يصبح ظل كل شيء مثليه عند بعض الفقهاء، وقال آخرون إلى اصفرار الشمس، وهذا القول أرجح. لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو: “وقت العصر ما لم تصفر الشمس”. (رواه مسلم).
والقائلون بأنه إلى أن يصبح ظل كل شيء مثليه استدلوا بقصة جبريل لما أمّ النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أمه في المرة الأولى حين أصبح ظل الشيء مثله، وفي المرة الثانية حين أصبح ظل كل شيء مثليه سوى ظل الزوال. لكن القائلين بأن نهاية وقت العصر الاختياري اصفرار الشمس استدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام: “وقت العصر ما لم تصفر الشمس”. والقول الأول هو مشهور مذهب الحنابلة، والقول بأن نهاية وقت العصر الاختياري حين اصفرار الشمس هو رواية عن الإمام أحمد قال عنها الموفق بن قدامة هي الأصح عنه، وإن كان المشهور عند المتأخرين هو القول الأول.
والقول الراجح والله أعلم أن نهاية وقت العصر الاختياري اصفرار الشمس؛ لحديث عبد الله بن عمرو، وهو أصح من حديث جابر في إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، وأصرح منه دلالة؛ ولأنه من قول النبي عليه الصلاة والسلام وليس من فعله، ودلالة القول أقوى وأصرح من دلالة الفعل.
الموفق بن قدامة، قال إنهما وقتان متقاربان، وتبعه على ذلك بعض العلماء المعاصرين، ولكن الواقع أن بينهما فرقًا كبيرًا، فهذا القول محل نظر.
وعلى هذا فلا بد من الترجيح. فالراجح والله أعلم أن نهاية وقت صلاة العصر الاختياري إلى اصفرار الشمس.
٢٤/ نهاية وقت صلاة العصر الضروري إلى غروب الشمس. وهذا باتفاق العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر”.
٢٥/وقت الاختيار يجب على المسلم أن يصلي في هذا الوقت إلا إذا كان مضطرًا، فله أن يصليها بعد اصفرار الشمس إلى غروب الشمس. كأن يصاب إنسان بجرح وينشغل بتضميده، أو ينشغل بإنقاذ مصاب فيؤخر الصلاة عن وقتها الاختياري، أو تطهر حائض قبيل غروب الشمس، أو يكون الإنسان في الطائرة مثلًا ويعلم أن الطائرة سوف تهبط وتصل للمطار قبل غروب الشمس، أو يكون مثلًا في حافلة أو في قطار ويعلم أنها سوف تصل قبل غروب الشمس. كل هذه الأحوال يباح فيها تأخير صلاة العصر عن وقتها الاختياري إلى الوقت الضروري، وهو أن يصليها قبل غروب الشمس.
لفضيلة الشيخ أ.د سعد بن تركي الخثلان وفقه الله
الاثنين ٣-٢-١٤٤٧هـ ( شروط الصلاة):
١/ الشروط جمع شرط، والشرط معناه في اللغة العلامة، ومنه قول الله عز وجل: {فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها}، أي علاماتها.
٢/تعريف الشرط عند الأصوليين: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته. فلا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة، فقد يتطهر الإنسان ولا يصلي.
٣/الشرط والركن إذا فقد واحد منهما لم تصح العبادة، والفرق بينهما أن الركن جزء من ماهية العبادة بينما الشرط خارج عنها.
فمثلًا تكبيرة الإحرام جزء من الصلاة، بينما استقبال القبلة خارج عن الصلاة.
من الفروق كذلك: الشروط تكون قبل العبادة وتستمر إلى الفراغ منها، بينما الأركان تكون في أثناء العبادة وقد ينتقل الإنسان فيما بينها.
مثلًا شرط استقبال القبلة يكون قبل الدخول في الصلاة ويستمر إلى الفراغ منها، أما تكبيرة الإحرام فهي ركن فتكون في أثناء الصلاة، وينتقل المصلي من تكبيرة الإحرام إلى قراءة الفاتحة إلى بقية الأركان.
٤/شروط صحة الصلاة تعرف بالاستقراء، وهي في الجملة تسعة شروط.
الشرط الأول والثاني والثالث: الإسلام والعقل والتمييز.
وهذه شروط التكليف. وهي لكل عبادة، ما عدا الحج، فيصح الحج من غير المميز، وإن كان المطلوب خاصة في وقتنا الحاضر ألا يحجج الصغير وأن تتاح الفرصة للكبار.
٥/بناءً على شرط الإسلام، لا تصح الصلاة من كافر؛ لأن من شرط صحتها النية، والنية لا تصح من الكافر. والله تعالى يقول: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}. ولا تجب عليه، فلا يطالب بها. فإذا رأينا كافرًا فلا نأمره بالصلاة؛ لأنها لا تجب عليه ولا تصح منه لو صلى.
٦/الكفار مخاطبون بفروع الشريعة على القول الراجح، ويدل لذلك قول الله عز وجل: {ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين}. يدل على أنهم كفار، ومع ذلك عوقبوا على ترك الصلاة، قالوا: {لم نك من المصلين}. وإذا عوقبوا على ترك الصلاة، فإنهم يعاقبون على ترك جميع العبادات الواجبة.
ولو قيل إن الكافر حرم الله عليه الجنة وأن مأواه النار، فنقول: النار دركات كما أن الجنة درجات. وكما أن المسلم يعاقب على ترك الصلاة، فالكافر كذلك من باب أولى.
٧/الصلاة لا تصح من المجنون بإجماع العلماء.
٨/الصلاة تصح من غير البالغ بشرط أن يكون الصبي مميزًا، بل يؤمر بها: “مروا أبناءكم بالصلاة لسبع”، والأقرب في حده: بلوغ تمام سبع سنين.
أما ما دون ذلك فلا تصح منه، ويكون وجوده في الصف فرجة بين المصلين.
ولهذا ينبغي ألا يحضر المسجد؛ لأنه دار عبادة، وليس محل حضانة، يصان عن كل ما يشوش على المصلين ويخل بخشوعهم.
إلا إذا اضطر والده لإحضاره، فهذا ورد عن بعض الصحابة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: “إني لأسمع بكاء الصبي فأخفف من الصلاة مخافة أن تفتن أمه”. فإذا اضطر فعلى والده أن يكون في آخر الصف وأن ينتبه لطفله ويراقبه بحيث لا يشوش على الناس ولا يؤذيهم ولا يزعجهم.
٩/الشرط الرابع: الطهارة من الحدث بالإجماع؛ لقول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ”. (متفق عليه).
١٠/ الشرط الخامس وهو أهم الشروط: دخول الوقت. لقول الله عز وجل: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} أي مفروضًا في الأوقات.
والله عز وجل يقول: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر}.
{لدلوك الشمس} يعني لزوال الشمس،{إلى غسق الليل} أي لشدة ظلمته، هذا يشمل الظهر والعصر والمغرب والعشاء. ثم قال: {وقرآن الفجر} يعني صلاة الفجر، فشملت الآية الأوقات الخمسة.
١١/ قد تسقط جميع الشروط مراعاة لشرط الوقت.
فلو كان مريض في المستشفى وعاجز عن بقية شروط الصلاة وأركانها لكن عقله معه، لا تسقط عنه الصلاة، وليس له أن يؤخر الصلاة، بل نقول: صل على حسب حالك. إلا إذا كانت الصلاة تجمع مع غيرها، فله أن يجمع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء، إما جمع تقديم أو جمع تأخير. ما عدا ذلك ليس له أن يؤخر الصلاة عن وقتها.
١٢/مما يدل على آكدية شرط الوقت أن الشريعة أتت مبينة ومفصلة لأوقات الصلاة بقول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله. بل قال الموفق بن قدامة رحمه الله: “من شك في دخول الوقت لا يحل له أن يصلي حتى يتيقن دخول الوقت
أو يغلب على ظنه دخوله”.
١٣/عند الشك في كون الصلاة تجمع مع غيرها أم لا، نقول: لا تجمع، بل تصلى الصلاة في وقتها؛ لأن هذا أمر محكم، ولا ننتقل عن هذا الأمر المحكم الواضح المؤكد في الشريعة إلا بشيء واضح يبيح تقديم الصلاة أو تأخيرها. وأكثر ما تكون هذه المسألة عند نزول المطر، يحصل الإشكال في تحقيق المناط: هل يلحق الناس حرج بترك الجمع أم لا؟ ونقول إن الأصل أن الصلاة تصلى في وقتها، فإذا شك هل الحرج موجود أم لا، نبقى على الأصل، نقول: أصلًا لا تجمع الصلاة إلا إذا غلب على الظن وجود الحرج، فلا بأس أن يجمع بين الصلاتين لأجل المطر.
١٤/أوقات الصلوات جاءت موضحة في الكتاب على سبيل الإجمال وبالسنة على سبيل التفصيل.
مما ورد في القرآن قول الله عز وجل: {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون}. فقوله {حين تمسون} المراد به المغرب والعشاء، و{حين تصبحون} الفجر، و{عشيا} العصر، و{حين تظهرون} الظهر، فشملت الأوقات الخمسة. كذلك أيضًا قول الله عز وجل: {أقم الصلاة.. } الآية كما تقدم.
١٥/ كل إنسان وكل به ملكان حافظان وملكان كاتبان، هؤلاء أربعة.
فيستمران إلى العصر، ثم يأتي غيرهما ملكان حافظان وكاتبان من العصر إلى الفجر، وهكذا. فالملائكة تجتمع إذًا في صلاة الفجر وصلاة العصر، وهذا يبين عناية الله بابن آدم. قال تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه} هذان الحافظان.
والكاتبان: {إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}. وهو الوارد في حديث: {يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار}.
١٦/وقت صلاة الظهر، جبريل عليه السلام بدأ بها حين أمّ النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعض الفقهاء يبدأ بالفجر لأنه أول وقت صلاة النهار، والأمر في هذا واسع.
الظهر اشتقاقها من الظهور؛ لأنها أظهر الأوقات، فهي في وسط النهار، فهي ظاهرة.
ويبدأ وقتها بزيادة الظل بعد تناهي قصره.
ويقال إنها أول صلاة فرضت في الإسلام، وتسمى أيضًا صلاة الهجير كما جاء في حديث أبي برزة الأسلمي قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير وهي التي تدعونها الأولى - يعني صلاة الظهر - حين تدحض الشمس”. (أخرجه البخاري). أي حين تميل الشمس وتزول. وتسمى أيضًا الصلاة الأولى كما في الحديث السابق، ولكن الاسم المشهور لها صلاة الظهر.
١٧/معنى الزوال: ميل الشمس إلى جهة المغرب من الشرق إلى الغرب.
ويعرف بزيادة الظل بعد تناهي قصره. فحين تطلع الشمس من جهة الشرق يكون ظل الأشياء إلى جهة الغرب، ولاحظ أن الظل يكون طويلًا، ثم يبدأ الظل في التناقص شيئًا فشيئًا، وفي الميل إلى جهة الشمال. وعند منتصف النهار يتجه الظل إلى الشمال الحقيقي مباشرة. فإذا مال الظل من جهة الشمال إلى جهة الشرق ولو بشعرة، فقد زالت الشمس. فهذه علامة الزوال.
١٨/العلامة الأخرى للزوال التي هي أظهر أن الظل يكون في جهة الغرب طويلًا، ثم يبدأ بالتناقص شيئًا فشيئًا، ثم يقف هذا التناقص ويقف الظل، ثم يزيد. لاحظ الظل يكون جهة الغرب طويلًا، يبدأ ينقص، ثم يقف، ثم يزيد.
إذا بدأ الظل بالزيادة ولو بشعرة، فهذه هي علامة الزوال. ويمكن معرفة الزوال بمراقبة ظل الأشياء، لكن هذا الأمر يحتاج إلى تمرن وملاحظة ودقة.
١٩/قبل زوال الشمس بنحو عشر دقائق تقريباً ينبغي للمسلم ألا يصلي فيه صلاة نافلة، وحتى يوم الجمعة عند جمهور العلماء؛ لأن الأدلة عامة في النهي تشمل الجمعة وغيره، وقول من قال بأن الجمعة مستثناة قول مرجوح.
٢٠/ وقت الظهر يبدأ بزوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد ظل الزوال، فيصبح طول ظل الشاخص مثل طوله بعد ظل الزوال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله”. وقولنا “بعد ظل الزوال” هذا قيد مهم؛ لأن بعض كتب الفقه ربما لا تشير لهذا القيد فيشكل هذا على بعض الناس؛ لأن الظل لا ينعدم عند الزوال في كثير من البلدان كالرياض مثلًا .
فإذا كان ظل الشخص مثلًا وقت الزوال مترًا، وأردنا أن نعرف نهاية وقت صلاة الظهر، نحسب طول ظل الشخص مضافًا إليه متر.
٢١/وقت صلاة العصر يبتدئ من نهاية وقت صلاة الظهر، فليس هناك فاصل بين الظهر والعصر. وهذا هو الذي عليه أكثر العلماء.
وما قاله بعض المالكية من أن هناك وقتًا مشتركًا بقدر أربع ركعات بين الظهر والعصر قول ضعيف، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو: “وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر”.
٢٢/ المساجد التي ينتشر فيها المذهب الحنفي، يرون أن نهاية وقت الظهر وبداية العصر حين يصبح طول ظل كل شيء مثليه بعد ظل الزوال. فهذا هو نهاية الظهر وبداية العصر.
والخلاف في هذه المسألة كبير؛ لأن جزءًا من وقت الظهر عند أبي حنيفة داخل في وقت العصر عند الجمهور.
والجمهور استدلوا بحديث عبد الله بن عمرو السابق، أما الحنفية فاستدلوا بقول النبي عليه الصلاة والسلام: “إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا إلى صلاة العصر ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين…” إلى آخر الحديث.
ووجه الدلالة: أن عمل هذه الأمة أقل من عمل النصارى، فيجب أن يكون وقت العصر أقل من وقت الظهر، ولا يكون ذلك إلا إذا كان ابتداء وقت العصر وآخر وقت الظهر حين يصبح ظل كل شيء مثليه.
لكن هذا محل نظر؛ إذ إن المراد بهذا الحديث بيان كثرة العمل، وكثرة العمل لا تستلزم كثرة الزمن لجواز أن بعض الناس يعمل عملًا كثيرًا في زمن قليل.
ثم إن المراد ضرب المثل لا تحديد وقت الصلاة، وهذا حديث مجمل، والأحاديث الدالة على تحديد آخر وقت الظهر وابتداء وقت العصر أحاديث صريحة وواضحة. فالصواب هو قول الجمهور.
٢٣/وقت العصر له وقت اختياري ووقت ضروري. أما الوقت الاختياري للعصر فيمتد إلى أن يصبح ظل كل شيء مثليه عند بعض الفقهاء، وقال آخرون إلى اصفرار الشمس، وهذا القول أرجح. لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو: “وقت العصر ما لم تصفر الشمس”. (رواه مسلم).
والقائلون بأنه إلى أن يصبح ظل كل شيء مثليه استدلوا بقصة جبريل لما أمّ النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أمه في المرة الأولى حين أصبح ظل الشيء مثله، وفي المرة الثانية حين أصبح ظل كل شيء مثليه سوى ظل الزوال. لكن القائلين بأن نهاية وقت العصر الاختياري اصفرار الشمس استدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام: “وقت العصر ما لم تصفر الشمس”. والقول الأول هو مشهور مذهب الحنابلة، والقول بأن نهاية وقت العصر الاختياري حين اصفرار الشمس هو رواية عن الإمام أحمد قال عنها الموفق بن قدامة هي الأصح عنه، وإن كان المشهور عند المتأخرين هو القول الأول.
والقول الراجح والله أعلم أن نهاية وقت العصر الاختياري اصفرار الشمس؛ لحديث عبد الله بن عمرو، وهو أصح من حديث جابر في إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، وأصرح منه دلالة؛ ولأنه من قول النبي عليه الصلاة والسلام وليس من فعله، ودلالة القول أقوى وأصرح من دلالة الفعل.
الموفق بن قدامة، قال إنهما وقتان متقاربان، وتبعه على ذلك بعض العلماء المعاصرين، ولكن الواقع أن بينهما فرقًا كبيرًا، فهذا القول محل نظر.
وعلى هذا فلا بد من الترجيح. فالراجح والله أعلم أن نهاية وقت صلاة العصر الاختياري إلى اصفرار الشمس.
٢٤/ نهاية وقت صلاة العصر الضروري إلى غروب الشمس. وهذا باتفاق العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر”.
٢٥/وقت الاختيار يجب على المسلم أن يصلي في هذا الوقت إلا إذا كان مضطرًا، فله أن يصليها بعد اصفرار الشمس إلى غروب الشمس. كأن يصاب إنسان بجرح وينشغل بتضميده، أو ينشغل بإنقاذ مصاب فيؤخر الصلاة عن وقتها الاختياري، أو تطهر حائض قبيل غروب الشمس، أو يكون الإنسان في الطائرة مثلًا ويعلم أن الطائرة سوف تهبط وتصل للمطار قبل غروب الشمس، أو يكون مثلًا في حافلة أو في قطار ويعلم أنها سوف تصل قبل غروب الشمس. كل هذه الأحوال يباح فيها تأخير صلاة العصر عن وقتها الاختياري إلى الوقت الضروري، وهو أن يصليها قبل غروب الشمس.