منتديات قبائل شمران الرسمية

منتديات قبائل شمران الرسمية (http://vb.shmran.net/index.php)
-   أخـبار قبائل شمران (http://vb.shmran.net/forumdisplay.php?f=5)
-   -   الامير خالد بن سلطان (مقاتل من الصحراء)يكتب عن عايض الشمراني (http://vb.shmran.net/showthread.php?t=4106)

العمـ007ـيد 01-01-2008 08:44 AM

الامير خالد بن سلطان (مقاتل من الصحراء)يكتب عن عايض الشمراني
 
http://g3g8.com/uploads/e2587523eb.jpg
معركة الخفجي

إن الانتصار في أية معركة لا يتحقق بالسلاح والمعدات والإمدادات وعدد الرجال فحسب، بل إن ثمة عاملاً حاسماً، وإن لم يكن ماديا كالعوامل السابقة، إلاّ أن دوره يفوقها جميعاً، ذلك هو الروح المعنوية التي تختلج في صدر كل جندي، فهي تمنحه الإحساس بالثقة من النصر، أو تبثُّ فيه الإحساس بالإحباط والهزيمة، وهذا ما يدركه كل قائد عسكري. وقد وردت في رواية ليو تولستوي Leo Tolstoy "الحرب والسلام"، عبارة مشهورة يقول فيها: " تكمن قوة كل جيش في روحه المعنوية".
ويحكي تولستوي ، في روايته الشهيرة، كيف نجح نابليون Napoleon في الاستيلاء على موسكو ، عام 1812 ، بجيشه الإمبراطوري الضخم الذي كان قوامه 600 ألف جندي. ولكن بعد انقلاب الموازين، فرَّت فلول ذلك الجيش العظيم، عبر قِفَار روسيا التي تغطيها الثلوج، منسحبة إلى بلادها. كتب تولستوي يقول: "إن نجاح أي عمل عسكري لا يعتمد على القائد الذي يدير دفة المعركة، بل على الجنود الذين تخرج صيحة النصر أو الهزيمة من حناجرهم، فإذا صادفت صيحات الاستبشار بالنصر قائداً شجاعاً مِقْداماً، أصبح الفَرق في عدد الجنود غير ذي بال، فيبلي خمسة الآلاف رجل بلاء الثلاثين ألفاً".
كان التحالف ضد صدّام حسين واثقا من النصر، فالتفوُّق في العدد والعدة والإمكانات والتكنولوجيا كفيلٌ بتحقيق الانتصار، إلاّ أن الأمر لم يخل من بعض المخاوف والشكوك: ما أثر الحملة الجوية في قدرة العراق على مواصلة القتال؟ هل سيستخدم صدّام الأسلحة الكيماوية؟ هل سيكون في مقدرته جرُّ التحالف إلى حرب برية في الوقت الذي يختاره؟ هل سيكون في قدرته تكبيد التحالف خسائر جسيمة تُحَوّل هزيمة العراق العسكرية إلى نصر سياسي، كما فعل الرئيس عبدالناصر في حرب السويس عام 1956؟ لم يكن في وسع أحد أن يعطي إجابات شافية عن تلك التساؤلات. (وقد انعكس خوف التحالف من تكبُّد خسائر عالية، بل وتوقُّعه إياها، في تجهيز 18 ألف سرير علاجي).
أزالت معركة الخفجي بعض الغموض، وقدَّمتْ الإجابات عن بعض التساؤلات السابقة. وإن نجحت المعركة في إلقاء الضوء على الوضع الحقيقي للجيش العراقي، إلاّ أن دورها الأهم، من وجهة نظري، يتلخص في أثرها في الروح المعنوية لقواتنا وللقوات العراقية على حٍّد سواء. كانت قواتنا تطِلق صيحات النصر، بينما قوات صدّام تطلق صيحات الهَلَع والذعر والهزيمة. أضحى كل واحد من رجالنا، بعد معركة الخفجي، واثقا أن النصر حليفه. وعلى العكس من ذلك، كان كل رجل على الجانب الآخر مُوِقناً بالهزيمة لا محالة.
وفي كل صراع، يأتي منعطف يبدو للمرء فيه أن الموازين انقلبت، ومعركة الخفجي كانت ذلك المنعطف.
وفي صباح يوم 30 يناير، توجهت في الطائرة من الرياض إلى قاعدة عبد العزيز آل سعود البحرية في الجبيل، لأقلد الرائد سامي صالح شاهين وعدداً من الضباط والأفراد، الذين نجحوا في إغراق أكبر سفينة حربية في البحرية العراقية، الأوسمة التي مُنِحت لهم. وفي الساعات الأولى من صباح ذلك اليوم، تلقَّيت تقريراً بحدوث غارة في اتجاه الخفجي قامت بها القوات العراقية أثناء الليل. وكان رد فعلي أننا قادرون على التعامل معها. فإذا تهوَّر العراقيون إلى حدّ المغامرة باختراق الحدود، ثم المنطقة الخالية من الدفاعات، فسيتِم تدميرهم من الجو.
وقبل أن يبدأ احتفال تقليد الأوسمة في القاعدة البحرية، الذي كان مقرراً أن يَتْبَعه مؤتمر صحافي، تلقَّيت تقريراً آخر أكثر خطورة، مفاده أن العراقيين قد عبَروا حدودنا بقوات كبيرة. شعرت بقلق عميق، وحاولت أن أفرغ مما كنت فيه في أقصر وقت لأتعامل مع تلك المشكلة. مرت الدقائق بطيئة متثاقلة كأنها ساعات طوال. ولكنني، لم أشأ أن أقطع برنامج الاحتفال كي لا أنبّه وسائل الإعلام العالمية والمحلية إلى ما يجري، فعقدت المؤتمر الصحافي في موعده المقرَّر، وأجبرت نفسي على الابتسام على الرغم من القلق الذي كنت أشعر به.
كان مقرَّراً أن أنتقل إلى الظهران، في الطائرة العمودية، لتكريم النقيب طيار عايض الشمراني، بالقوات الجوية السعودية، الذي تمكَّن في طلعة جوية واحدة من إسقاط طائرتين عراقيتين من نوع ميراج F -1. ولكن الأخبار التي تلقَّيتها أثبتَت، بما لا يدَع مجالاً للشك، أن الغارة العراقية لم تكن ضرباً من الكرّ والفَرّ، وأنها تطورت إلى شيء أكبر من ذلك وأخطر. إذ دخلت قوة عراقية كبيرة إلى مدينة الخفجي، وكانت تعزيزات عراقية قوية، تُقدَّر بنحو فِرقتين، تتحرك على الجانب العراقي من الحدود. وعلى أثر ذلك، قررت على الفور أن أطير شمالاً لأتعامل مع الموقف عن كثب.

http://g3g8.com/uploads/96d877dc67.jpg
النقيب طيار (متقاعد حالياً) عايض الشمراني الذي اسقط طائرتين عراقيتين من نوع ميراج F-1 في طلعة واحدة وفي أقل من دقيقة واحدة

توجَّهْتُ إلى ريش المنجور، حيث مركز القيادة المتقدِّم لقيادة القوات المشتركة في المنطقة الشرقية. وكان مركز القيادة مجهَّزاً تحت الأرض ومحاطاً بأكياس الرمل إضافة إلى بعض الخيام. ويقع على مسافة 40 كيلومترا من مدينة الخفجي، و25 كيلو مترا من المنشآت البترولية الساحلية في السفانية ، ويتولى قيادته اللواء سلطان عادي المطيري، وهو عسكري من الطراز الأول، إلاَّ أنني وجدت مركز قيادته في حالة من الاضطراب! فإزاء توغل العراقيين داخل أراضي المملكة، طَلَب اللواء سلطان مراراً من فيلق مشاة البحرية الأمريكية تنفيذ ضربات جوية لإيقافهم. وكان المركز على اتصال وثيق بمشاة البحرية الأمريكية، فهُم يشتركون معنا في منطقة واحدة هي المنطقة الشرقية، ويقومون بتدريبات مشتركة، وثمة ضابط اتصال أمريكي مُلْحقٌ على المركز. ولكن على الرغم من نداءات اللواء المطيري المتكررة، لم تنفّذ أية ضربات جوية، ولم تتحرك طائرات التحالف! كان عدم الاستجابة الفورية بتنفيذ الطلعات الجوية يهدد نجاح إستراتيجيتي في ترْك المناطق الحدودية بلا دفاعات، إذ لا يحقق الهدف المنشود من جعلها مناطق قتل للقوات المعتدية.

العمـ007ـيد 01-01-2008 08:48 AM

أمضَى اللواء سلطان عادي المطيري معظم الليلة السابقة في عملية استطلاع، ووصل حتى مشارف الخفجي، ورأى بنفسه انتشار القوات العراقية. وبناء على المعلومات التي تلقَّيتها، أَيْقَنْتُ أن الموقف أخطر مما تصوَّرت في بادئ الأمر.
ومن الجدير بالذكر أنني أعلنت الخفجي مدينة ميتة، عند أول زيارة تفقُّدية قمت بها إلى الميدان، في 16 أغسطس في بداية أزمة الخليج. وتم إعداد خطة لإجلاء كل سكان المدينة، البالغ عددهم نحو 15 ألف نسمة، في حالة تحرُّك العراقيين نحو الجنوب. ولكننا آثرنا إرجاء تطبيق تلك الخطة حتى لا تنشأ حالة من الفوضى والذعر بين السكان. ولم يكن مقرَّراً القيام بإخلاء جماعي للسكان. كما لم يصدر أي أمر يجبرهم على الخروج من المدينة. ولكن بحلول شهر ديسمبر 1990، كان معظم سكان المدينة قد نزحوا عنها إلى أماكن أكثر أمناً داخل البلاد، بينما انتظر بعضهم حلول العطلة الدراسية ليغادروا المدينة. ولم يبقَ فيها سوى بعض الموظفين الحكوميين، وسرية من مشاة البحرية السعودية لحماية المنشآت الحيوية وممتلكات السكان. وهكذا، كانت المدينة مهجورة في واقع الأمر، بعد أن رحل عنها معظم سكانها، وتم إجلاء الباقين منهم مع بدء الحملة الجوية في 17 يناير.
كان قرار إجلاء السكان عن الخفجي قراراً حكيماً، إذ ظلت المدينة تتعرض منذ بدء الحملة الجوية للقصف بالمدفعية والصواريخ كل يوم تقريبا. وكان الخوف من إقدام صدّام على استخدام الأسلحة الكيماوية هاجساً يشغل بال الناس جميعا. كانت مخازن البترول القائمة في الضواحي الجنوبية من المدينة قد أصيبت، وارتفعت على أثر ذلك سُحُب كثيفة من الدخان إلى عنان السماء. أمّا محطة التحلية، التي كان يعتمد عليها السكان بشكل رئيسي للحصول على مياه الشرب، فتقع شمالي المدينة على بعد ستة كيلومترات فقط من الحدود الكويتية وفي مرمى المدفعية العراقية. وهكذا، أصبحت الخفجي "مدينة أشباح" حقا.
أوضحتُ في فصل سابق، أنني كنت قد سحبت القوات الأساسية إلى مسافة 40 كيلومترا من الحدود الكويتية إلى خط دفاعي غرب رأس مشعاب، وتركتُ قوة ساترة فقط بالقرب من مدينة الخفجي، على بعد نحو خمسة كيلومترات من الحدود. إضافة إلى ذلك، تمركزتْ سرية من مشاة البحرية السعودية على جانبي الطريق الساحلية شمالي المدينة، وكان يوجد إلى أقصى الشمال مركز حرس سواحل سعودي لا يبعد سوى 800 متر عن المواقع العراقية. وأثناء الأشهر الحَرِجَة الأولى من الأزمة وقبل بدء الحملة الجوية، كان الجنود العراقيون يستحِموُّن في مياه الخليج على مرأى من أفراد حرس السواحل السعوديين.
كانت المهمة التي أسندتُها إلى تلك القوات الساترة، هي مراقبة تحركات القوات العراقية، والتبليغ عن اقتراب الأرْتال المعتدية. كان عليهم ألا يشتبكوا مع العراقيين وأن يتفادوا الوقوع في الأسر. لم أشأ أن أترك صداماً يظفر بنصر دعائي. فإذا عبَر العراقيون الحدود، كان على القوات الساترة الانضمام فوراً إلى القوات الرئيسية في الجنوب. وكانت خطتي تهدف إلى حماية المناطق الحدودية بالقوة النيرانية، لا بالقوة البشرية. فإذا أقدم العراقيون على الهجوم تصدينا لهم بالقوة الجوية وبأسلحتنا المساندة.
أرسل الأمريكيون كذلك دوريات استطلاع من مشاة البحرية، ودوريات البحرية المشتركة ( من الفروع الرئيسية: البرية والجوية والبحرية ) لمراقبة الطريق الساحلية، التي تشكل طريق الاقتراب الرئيسية إلى المملكة. ومن حين إلى آخر، كان فيلق مشاة البحرية أو البحرية الأمريكية، ترسل طائرة بلا طيّار ( Uav ) لاستطلاع التحركات القائمة على الجانب الكويتي من الحدود.
وأري أن عليَّ الخروج عن الموضوع قليلاً، لأتحدث عن ادعاء شوارتزكوف بأن إستراتيجية سحب القوات من الخفجي كانت فكرته، وليست فكرتي. إذ يقول في كتابه: "... وفي المراحل الأولى لعملية درع الصحراء أوضحت لخالد أنه يصعب الدفاع عن مدينة الخفجي، ففي وسع العدو أن يقصف مواقعك من الجانب الآخر للحدود في أي وقت يشاء.. ولكن خالداً كان يماري في ذلك، إذ كانت التعليمات الصادرة إليه من الملك فهد تقضي بالدفاع عن كل شبر من المملكة. ولكنه وافق أخيراً وسحب قواته من هناك ". والحقيقة، خِلافا‌ً لِمَا ذكره شوارتزكوف، إنني اتخذت القرار بسحب القوات من الخفجي يوم 18 أغسطس، أي قبل وصوله يوم 26 أغسطس، بثمانية أيام وقبل أن يجري بيننا أي اتصال.
بعد أن درستُ خريطة الموقف في مركز القيادة المتقدِّم بعد ظهر يوم 30 يناير، واطلعتُ على آخر تقارير الاستخبارات، هالني ما سمعت من أن اللواء المطيري لم يحصل، حتى ذلك الوقت، على المساندة الجوية التي طلبها. كان عليِّ أن أعالج تلك المشكلة فوراً، ولكن قبل كل شيء، كان عليِّ أن أقدِّر الموقف بناءً على ما تيسَّر من معلومات.

العمـ007ـيد 01-01-2008 08:50 AM

وكانت الصورة التي ارتسمت في ذهني، بناء على التقارير التي تلقَّيتها تعكس الواقع الآتي: لم يكن هناك نشاط قَطّ على الجبهة لأشهر عدة. ولكن منذ بداية الحملة الجوية، أي منذ 12 يوماً، بدأت تقع بعض المناوشات الصغيرة وتبادُل للقصف بنيران المدفعية والصواريخ ليلاً بين القوات العراقية والقوات السعودية. وسَأَلَتْ قيادةُ مشاة البحرية الأمريكية اللواء سلطان إن كان في استطاعة مدفعيتها من الهاوتزر عيار 155 مم المشاركة في القصف. لذا، كانت مدفعية مشاة البحرية، لعدة أيام، تندفع إلى الأمام عند منتصف الليل لتطلِق نيرانها على الجانب العراقي ثم تُخلي مواقعها بأسرع ما يمكن، وتسمَّى هذه العمليات "اضرب واهرب". وقبل ذلك بأسبوع، أخبرنا أحد الفارّين العراقيين أن رتلاً من الآليات قوامه أكثر من 100 آلية كان يتحرك في اتجاه الحدود بين حقول ألغامهم. وعندما قصفت راجمات الصواريخ السعودية الرتل، أصابت الآلية الأولى، وأجبرته على التوقف. ومن ثم تدخلت طائرات التحالف فدمَّرت معظم آلياته.
تلقى اللواء سلطان بعد ظهر يوم 29 يناير، أي اليوم السابق على وصولي، تقارير تشير إلى تحركات عراقية مدرعة على نطاق واسع على طول الحدود داخل الكويت. وفي وقت متأخر من تلك الليلة، أخبره ضابط الاتصال الأمريكي، الملحَق على مركز القيادة المتقدِّم أن القوات العراقية، تساندها الدبابات والعربات المدرعة، شنَّت غارات عدة، كل منها بقوة كتيبة، إلى الغرب، في مواجهة المواقع الدفاعية لمشاة البحرية في الوفرة والزبير وبين الرغوة والرافعية، وأنه يجري التعامل معها بنيران المدفعية والصواريخ المضادة للدبابات والضربات الجوية. كما تمّ تدمير آليات عراقية عدة، وأن الاشتباكات الضارية لا تزال قائمة. وعلمت بعد ذلك أن سبعة من مشاة البحرية قُتلوا في أحد تلك الاشتباكات عندما أطلقت عربة مدرعة أمريكية النار على عربة مدرعة أخرى من طريق الخطأ. وهذا أمر وارد عندما يحمَى الوطيس ويختلط الحابل بالنابل.
علم اللواء سلطان قبل منتصف ليل التاسع والعشرين، من مركز ملاحظة متقدِّم على الحدود، أن القوات العراقية الآلية تتحرك في اتجاه الخفجي. فطلب تدخلاً جوياً لإيقاف تقدمها فوراً، وتلقَّى تأكيدات من مشاة البحرية الأمريكية بأن الطائرات العمودية من نوع كوبرا Cobra في الطريق إلى أهدافها. ولكنه علم، بعد مضي 15 دقيقة، أنه لم يحدث أي هجوم جوي ضد القوات العراقية المتقدِّمة، وأن 17 عربة مدرعة عراقية عبرت الحدود فعلاً. كرَّر اللواء سلطان طلبه للضربات الجوية العاجلة، ولكن الأمريكيين لم يحركوا ساكناً. بعد ذلك، تلقى تقريراً بأن 57 مدرعة عراقية، بما في ذلك دبابات T-55 ، تتحرك في اتجاه محطة تحلية المياه على المشارف الشمالية لمدينة الخفجي.
ومرة ثالثة، طلب اللواء سلطان تدخلاً جوياً لمنْع العراقيين من تعزيز مواقعهم. وفي هذه المرة، أجاب مشاة البحرية الأمريكية بأنهم لن يتمكنوا من تلبية ذلك الطلب، إلاّ إذا انسحبت القوة السعودية الساترة الموجودة غربي الخفجي لمسافة كيلومترين على الأقل. فالجانب الأيمن من تلك القوة قريب من العراقيين، ومحاولة الاشتباك الجوي معهم تُعرِّض الجنود السعوديين لخطر النيران الأمريكية من الجو. تعجَّب اللواء سلطان من أن مشاة البحرية لم يثيروا هذه القضية من قبل. وقام بسحْب تلك القوة إلى الخلف. وكرّر طلب التدخل الجوي للمرة الرابعة.
وفي تلك الأثناء، كانت سرية مشاة البحرية السعودية لا تزال في الخفجي، ولكن لم يكُن في وسع أسلحتها المضادة للدبابات القصيرة المدى التصدي للدبابات العراقية بمدافعها ذات المدى الأطول. وظل اللواء سلطان على اتصال دائم بأولئك الرجال من طريق الهاتف الخطي واللاسلكي أيضاً. ولكن عندما اشتد هجوم العراقيين عليهم بعد منتصف الليل، أمرهم بالانسحاب. وبانسحابهم انقطعت المعلومات الواردة عن الجبهة.
كان اللواء سلطان يشعر بمرارة شديدة إزاء عبور كتيبتين عراقيتين (علمنا فيما بعد أنهما من اللواء الخامس عشر للفِرقة الخامسة مشاة آلية) للحدود السعودية في تشكيل قتالي وتقدُّمِهما لمسافة عشرة كيلومترات نحو الخفجي من دون أن يتم تحديدهما أو اعتراضهما من الجو. أثار ذلك التقرير الذي قدمه اللواء سلطان دهشتي وحَنَقي إزاء تقاعس الأمريكيين في توفير الإسناد الجوي لقواتنا. تقاعسٌ امتد من منتصف ليل يوم 29 يناير حتى بعد ظهر اليوم التالي! وسوف أُوْرد كيف بادرتُ إلى الاتصال بمركز العمليات الجوية في الرياض لآمر بالتدخل الجوي. وهذا ما تم بالفعل.
تعلّلت قيادة مشاة البحرية الأمريكية بأسباب عدة لتفسير عدم استجابة جناح الطيران لطلب اللواء سلطان بالتدخل الجوي بالسرعة المرجوّة. وكان بين تلك الأسباب، أن الخوف من إصابة قواتنا حال دون التدخل. وكان الأمريكيون يرغبون في معرفة مواقع انتشار القوات الصديقة وطبيعة عملها قبل أن يُسقطوا قنابلهم. وأشارت قيادة مشاة البحرية الأمريكية أيضاً إلى أن دخول المدرعات العراقية بين المباني في مدينة الخفجي جعل اكتشافها أمراً صعباً. وقالوا، كذلك، إن مشاة البحرية الأمريكية مدرَّبة على القتال كفريق بري - جوي متكامل، لذلك تتردد قيادتها في استخدام قوتها الجوية دون وحداتها البرية. وفي واقع الأمر، كان لدىّ شعور، حتى قبل ذلك الموقف، أن مشاة البحرية الأمريكية أُرغِموا على وضع طائراتهم تحت القيادة المركزية للفريق هورنر.
لم أقتنع بتلك الأسباب، وكنت أُفضل لو كان لديّ علم مسبق بها حتى يتسنى لي تدبير "الإسناد الجوي" من مصدر آخر. فمهمة جناح الطيران لمشاة البحرية هي توفير "الإسناد الجوي القريب" للقوات المشتركة عند الضرورة. ولكن عندما حانت هذه الضرورة، وَجَدَتْ مشاة البحرية صعوبة في تنفيذ مهمتها. أمّا القوات الجوية السعودية، فكانت منهمكة في تنفيذ مهام جوية مخطَّطة أخرى (تحددت سلفاً) لمصلحة التحالف، ولم تكن متفرِّغة لإسنادنا في ذلك الوقت.
أعتقد أن السبب الرئيسي في تأخُّر مشاة البحرية في تقديم "الإسناد الجوي" إلينا كان انشغال تلك القوات بمعاركها الخاصة إلى الغرب من المنطقة الشرقية. وكانت تلك المعارك في تقديرها، أكثر أهمية وأشد خطورة من الأزمة التي كنّا في صددها. كنّا في الخفجي نتعامل مع وحدات من اللواء 15 مشاة آلية من الفِرقة الخامسة مشاة. أمّا في الغرب، فكانت قوات مشاة البحرية الأمريكية تصدّ وحدات من اللواء 20 مشاة آلية، واللواء 26 المدرع التي كانت تحاول، هي الأخرى، عبور الحدود.
كانت قوات مشاة البحرية الأمريكية قد أنشأت قاعدة إمدادات وتموين رئيسية في الكبريت، على بعد نحو 100 كيلومتر غرب رأس مشعاب، حيث كدّست كل ما تحتاج إليه من إمدادات استعداداً لهجومها المرتقب على الكويت. وانصرف جل اهتمام الفريق والتر بومر قائد مشاة البحرية ، الذي أقام مقر قيادته جهة الغرب في الصحراء، إلى حماية قاعدة الإمدادات تلك. كان يخشى حال فشله في صد الهجوم العراقي في الوقت المناسب، أن يتمكن العراقيون من الاختراق العميق وقطْع خطوط إمداد قواته. كان ذلك شغله الشاغل تلك الليلة واليوم الذي تلاها. ولا شك أن الفريق بومر قَدّر أن انصراف جناح الطيران إلى إسناد القوات في الخفجي من شأنه أن يضعف موقف قواته، إذ من الممكن أن يلتفّ العراقيون على جانبها ويتقدَّموا من جهة الغرب، وتلك كانت نقطة الضعف لدى قوات مشاة البحرية. كان ذلك هو استقرائي للموقف. ولكن، في المحصلة النهائية، كان حصْر مهمة جناح الطيران لمشاة البحرية في المعارك التي تدور في قطاعهم فقط، سبباً لحرماننا من المساندة الجوية التي كنّا نحتاج إليها ونتوقع الحصول عليها.
لم يؤثِّر تقييمي لتلك الأحداث، في إعجابي الشخصي بالفريق بومر. إذ على الرغم من تشدُّده، فهو قائد ميداني من الطراز الأول، ولا يعيبه اهتمامه الزائد بسلامة قواته وتنفيذ مهامه. وأَعُده حقاً من أفضل القادة العسكريين الأمريكيين الذين عرفتهم.
وإزاء انقطاع المعلومات وعدم توافر "الإسناد الجوي"، لم يجد اللواء سلطان بداً من التوجه بنفسه إلى الخفجي ليستطلع الموقف عن كثب. فانطلق في الثالثة صباحاً وتوجَّه أولاً إلى مركز حرس السواحل في الزرقاني جنوبي الخفجي. كان القمر بدراً والسماء صافية والرؤية واضحة.
وأودُّ قبل أن أسترسل في وصف عملية الاستطلاع التي قام بها اللواء سلطان، أن أتحدث لزيادة الإيضاح، باختصار شديد، عن القوات التي كانت مكلَّفة بالدفاع عن منطقتنا. كانت تلك القوات تتشكَّل أساساً من ثلاثة ألوية سعودية، إضافة إلى وحدات من دول مجلس التعاون الخليجي.
نُظّمت هذه القوات في أربع مجموعات قتال " قوة واجب Task Force " ، ثلاث منها تسمّى بأسماء الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - أبي بكر وعمر وعثمان والرابعة باسم القائد طارق بن زياد، فضلاً عن قوة احتياطية. وجاء تنظيم القوات من الشرق إلى الغرب على النحو التالي:
• "قوة واجب" أبي بكر: تتكون من اللواء الثاني مشاة آلية من الحرس الوطني، وكتيبة مشاة آلية من قطر.
• "قوة واجب" عثمان: تتكون من اللواء الثامن مشاة آلية من القوات البرية السعودية، وسرية مشاة من البحرين وسرية مشاة من الكويت.
• "قوة واجب" عمر: تتكون من اللواء العاشر مشاة آلية من القوات البرية السعودية، وكتيبة مشاة من عَمّان.
• "قوة واجب" طارق: تتكون من كتيبتين من مشاة البحرية السعودية، وفوج مشاة من المغرب وكتيبة مشاة (ناقص سرية) من السنغال.
• في الاحتياط: كتيبة مشاة آلية من قطر وكتيبة مشاة من الإمارات العربية المتحدة.
وقبل معركة الخفجي أُسندت إلي مجموعة طارق مهمة الدفاع عن ساحل الخليج، من رأس مشعاب شمالاً حتى رأس السفانية جنوباً، مع تمركز سرية مشاة بحرية سعودية في مدينة الخفجي نفسها، واحتلت الوحدات السنغالية والمغربية نقاطاً دفاعية حصينة لحماية منطقة السفانية. ومما يذكر أن بعض عمال النفط اليابانيين العاملين في المنشآت البترولية التابعة لشركة النفط العربية، وهي شركة سعودية - يابانية، لم يبرحوا مواقعهم في الخفجي إلاّ بعد 16 يناير، أي حتى الليلة السابقة علي الحملة الجوية، بعد أن تم إقناعهم بالانتقال إلي مواقع آمنة في الجنوب.
وكما أسلفتُ، تمركزت القوات الرئيسية، أبو أبي بكر وعثمان وعمر، في مواقع دفاعية من الشرق إلى الغرب على مسافة 40 كيلو متراً جنوب الحدود الكويتية. ودفعت كل "قوة واجب" بعناصر استطلاع وكتيبة إلى الأمام على مسافة خمسة كيلومترات من الحدود للعمل كقوة ساترة.
وقبل أن يشرع سلطان في مهمته الاستطلاعية في وقت مبكر صباح 30 يناير، أصدر التعليمات إلى سريتين من الدبابات، إحداهما من اللواء الثامن مشاة آلية والأخرى من الكتيبة القطَرية، ويساند كل سرية منهما فصيل صواريخ مضادة للدبابات، بالتجمع ومقابلته عند نقطة حدّدها على مسافة ستة كيلو مترات غربي الخفجي.
تحرك اللواء سلطان ومجموعة من ضباط أركانه في الخامسة صباحاً في اتجاه الخفجي من الجهة الغربية. ثم تركوا عرباتهم وتقدَّموا سيراً على الأقدام لمسافة 500 متر، حتى تمكنوا من رؤية المواقع العراقية بواسطة مناظير الميدان. فاكتشفوا وجود 12 دبابة وعربة مدرعة في الطرف الغربي من المدينة، وكانت القوة العراقية الرئيسية، آنذاك، داخل المدينة.

العمـ007ـيد 01-01-2008 08:51 AM

كان اللواء سلطان قد تلقَّى قبل رحلته الاستطلاعية تقارير عدة متضاربة عن الموقف العسكري، لكنه الآن تأكد بنفسه من وجود العراقيين داخل المدينة وعلى مشارفها الغربية. وبينما هو يستطلع المواقع العراقية، تلقَّى رسالة لاسلكية من مركز القيادة المتقدِّم تفيد بأن الطائرات الأمريكية تقصف العراقيين في مدينة الخفجي. أجاب اللواء سلطان: "أنا الآن في الخفجي، ولا يوجد أي نشاط جوي على الإطلاق". ثم تحرك من موقعه ليلتقي سريتي الدبابات في المكان المحدد، ثم تقدم مع سرية الدبابات القطَرية المدعمة بفصيل صواريخ Hot ، لأنها كانت الأقرب، بعد أن أصدر أوامره إليها بالاشتباك مع رتل من الدبابات العراقية، كان يتحرك على الطريق شمالي الخفجي، والفرصة سانحة لتدميره. نجح القطَريون، بعد ست دقائق من تبادل إطلاق النار، في تحقيق إصابات مباشرة، إذ قفز على إثرها ملازم عراقي وعشرون فرداً من دباباتهم وعرباتهم المدرعة - عددها بالتحديد خمس دبابات وست عربات مدرعة - وتقَّدموا مسرعين وأيديهم فوق رؤوسهم معلنين استسلامهم.
كان اللواء سلطان يخطِّط للتقدم والاشتباك مع العراقيين داخل المدينة نفسها، لكنه تردد في تنفيذ تلك الخطة، عندما علم من الأسرى أن لدى العراقيين كتيبتين، أي نحو 1500 جندي، داخل الخفجي. فبهذا العدد تصبح كَفَّتُهم أرجح. فترك سرية الدبابات السعودية، من اللواء الثامن، لتسيطر على الطريق المتجِهة شمالاً، وحرك السرية القطَرية إلى موقعها الأصلي عند مركز الزرقاني جنوب الخفجي.
وبينما اللواء سلطان يسرع بالعودة من ضواحي مدينة الخفجي، التقى مجموعة قليلة من الجنود العراقيين، فظن أنهم يريدون الاستسلام. ولكن ما أن اقترب منهم حتى انبطحوا أرضاً وفتحوا نيرانهم. استطاعت عربته أن تراوغ بأقصى سرعتها ولم تُصَبْ بأذى، وعاد إلى مقر قيادته من طريق أخرى.
علم اللواء سلطان، بعد ذلك، أن عدداً من السعوديين كانوا أسرى تلك المجموعة العراقية. وكان من ضمن أولئك الأسرى ضابط من الدفاع المدني السعودي عاد إلى الخفجي بعد نقله إلى الدمام ليأخذ بعض متعلقاته التي خلّفها وراءه. وظناً منه أن المدينة مهجورة، لم يلتفت إلى محاولات إيقاف عربته عند أحد المتاريس، فاجتازه مسرعاً مع مجموعة من رفاقه ليجدوا أنفسهم في أيدي العراقيين. روى هذا الضابط، بعد انتهاء الحرب، للواء سلطان أنه رأى عرباته تقترب من العراقيين وأراد أن يصرخ محذراً، لكنه لم يستطع تحذيره؛ لأن العراقيين هددوه بالقتل إن فعل ذلك.
عاد اللواء سلطان إلى مركز قيادته في ريش المنجور في الواحدة من بعد ظهر يوم 30 يناير، أي قبل وصولي إلى مركز القيادة المتقدِّم بساعتين. وانضم إلينا، بعد وقت قصير، اللواء صالح المُحيّا، قائد المنطقة الشرقية، الذي حضر جواً من مقر قيادته في الظهران.
كان أول واجباتي، بعد أن استمعت إلى تقرير اللواء سلطان، حلّ المعضلة الشائكة للإسناد الجوي. اتصلت بقائد القوات الجوية السعودية، الفريق أحمد بحيري، في مركز العمليات الجوية في الرياض، وأبلغته أني أريد إجراءً فورياً الآن. فأعطى سماعة الهاتف للفريق هورنر الذي كان يجلس إلى جانبه، فقلت له: "أريد إسناداً جوياً، وكذلك ضربات جوية بطائرات B -52 لتدمير التجمعات العراقية ومنْع وصول أي تعزيزات أخرى إلى الخفجيجي، ولو استدعى الأمر تحويل المجهود الجوي للحملة الجوية على الأهداف الإستراتيجية داخل العراق". كما شدَّدت عليه أن يقلِّل عدد الغارات الجوية على الأهداف الإستراتيجية ويكثَّفها على منطقة الخفجي.
ولا أدري، حتى اليوم، ما دار بين الفريق هورنر وقيادة مشاة البحرية الأمريكية، لأنني شعرت من إجابته أنه لم يكن مسيطراً سيطرة كاملة على جناح الطيران لمشاة البحرية.
وانقضت ساعة كأنها دهر، ولم تنفذ أية طلعة جوية. فاتصلت بالعميد أحمد السديري، رئيس هيئة العمليات الجوية. كان الدم يغلي في عروقي، إذ وصلني تقريرٌ يفيد بأن رتلاً عراقيا مدرعا طوله 15 كيلومتراً يتقدَّم نحونا.
صحت قائلاً: "انسَ موضوع القوات الجوية المتحالفة. إذا لم تتدخل القوات الجوية الأمريكية أو طيران مشاة البحرية فوراً فاسحب كل الطائرات السعودية من المجهود الحربي للتحالف وأرسلها إليّ فوراً. أريد طائرات التورنيدو وطائرات F -5 وكل ما لديك".
كان ذلك بمثابة إنذار، لم يلبث أن آتى ثماره. فلم تمضِ دقائق حتى قام هورنر بتحويل جزء كبير من القوة الجوية للتحالف من أماكن مختلفة إلى طرق الاقتراب إلى مدينة الخفجي. وبدأ سيْل من طائرات التحالف يقصف القوات العراقية المتقدَّمة، باستخدام الأسلحة الدقيقة التصويب والقنابل العنقودية. وفي غارة واحدة لثلاث طائرات B -52 تم تدمير 80 آلية عراقية، فتصاعدت منها نيران أضاءت كبد السماء. وظلت طائرات التحالف تقصف التجمعات العراقية ليلة 30 - 31 يناير مستفيدة من قدْرتها على القتال الليلي. ونجحت في دحر فِرقتين عراقيتين من الفيلق الثالث اكتُشِفَتا وهما تتجمعان داخل الكويت وتستعدان للهجوم على الخفجي، استغلالاً للنجاح الذي حقَّقَته بعض وحدات اللواء 15 مشاة آلية. كما اشتركت مدافع البحرية في الخليج في تلك المهمة.
أثبتت الطائرات الأمريكية من نوعطائرات C - 130 فعالية كبرى ضد التجمعات المعادية ؛ إذ إنها مسلحة بمدفعيْ هاوتزر عيار 105 مم على جانبيها. ولكن هذا النوع من الطائرات كان عُرضة للإصابة من أسلحة الدفاع الجوي الأرضية الموجَّهة بَصرياً، ومن ثَم اقتصرت مهامها على الطلعات الليلية فقط. وقبيل فجر 31 يناير، تلقى أحد طياري C - 130 إنذاراً من مركز الإنذار المبكر -أواكس- بالعودة إلى قاعدته فوراً لأن ضوء النهار بدأ ينتشر. فأجاب قائلا: "لا أستطيع.. أمامي أهداف كثيرة"، وبعد دقائق أُسقطت طائرته بصاروخ مضاد للطائرات محمول على الكتف موجَّه بالأشعة تحت الحمراء ، وقُتِلَ أربعة عشر رجلاً كانوا في الطائرة، ولم تُسْتَعَدْ جثثهم إلاّ بعد انتهاء الحرب.
تمكّن بعض الدبابات وعربات نقل الجند المدرعة العراقية من اجتياز حائط النيران، ولكن عبور الفِرقتين العراقيتين للحدود في شكل منظِّم كان من شأنه، من دون شك، أن يجعل العراقيين متفوّقين على قواتنا في العدد بما يمكِّنهم من إيقاع قدر كبير من الخسائر في صفوفنا، وربما أدّى ذلك إلى اندلاع الحرب البرية الشاملة قبل أوانها، وهذا ما كان صدّام يصبو إليه.
كانت لتلك الهجمات الجوية على الأنساق الثانية والاحتياطيات العراقية، فعالية لا شك فيها، لكنها ما كانت لتؤدِّي إلى طرد العراقيين الذين دخلوا إلى الخفجي! تلك كانت مهمتنا نحن. فمهمتي العاجلة في ريش المنجور، حيث كان يساعدني باقتدار اللواء سلطان المطيري، تتلخص في تحليل الموقف الراهن بتطوراته السريعة، ووضع خطة للهجوم المضاد، وتخصيص القوات التي سيُوكَل إليها تنفيذ مهمة استرداد الخفجي. وكان ذلك تحدِّياً بالغ الصعوبة.
إن استرجاع تلك الأحداث، في هدوء، بعد أن مرًّت وفَتَرَ تأثيرها يجردها من القلق والاضطراب والضغوط النفسية التي صاحبتها. ولا يَسَع أي قائد عسكري إلا أن يؤكد أنه في وقت الحرب لا يمكِن للمرء أن يعرف بالتحديد، زماناً ومكاناً، ما يفعله جنوده هو، ناهيك من جنود عدوه. فمهْما بلغت كفاءة القيادة والسيطرة والاتصالات، لا بد من وجود ثغرات في المعلومات المتوافرة لدي القائد. فإصدار الأوامر سهلٌ، ولكن الصعبَ هو التأكد من سرعة إطاعتها ودقة تنفيذها. كانت تلك هي المرة الأولى التي تُخْتَبر فيها القوات السعودية في معركة حقيقية في هذا الحجم.
وأجد لِزَاماً عليّ الاعتراف بأنني، بالمثل، لم تكن لديّ خبرة سابقة بالحروب. كنت قائداً لم يسبق له أن خاض غمار معركة فعلية. ولم أكن أدري كيف سيكون تصرفيِ حين البأس. اكتشفت أن الرجال في الحرب نوعان: نوع يُصاب بالذعر والهَلَع وتعتريه حالة من الهياج الشديد، ويبدو غير قادر على ممارسة ضبط النفس. ومن الأفضل أن يُستبعَد أمثال هؤلاء الرجال من مواقع المسؤولية على الفور، إذ إن رد فعلهم هذا قد ينتقل إلى سواهم. أمّا النوع الثاني فينتابه الخوف لبِضْع دقائق، وهذا ما يحدث للناس عامة، لكنه لا يلبث أن يهدأ ويتصرّف على نحو مألوف. ولا يبدو أن ثمة فريقاً وسطاً بين النوعين.
كان التحالف يَزْخَر بعدد من القادة ذوي الخبرة الواسعة، بينهم شوارتزكوف و دي لابليير وروكجوفر، إضافة إلى القادة المصريين والسوريين الذين عَرَكَتْهم حروبهم مع إسرائيل وكذلك القائد المغربي الذي اكتسب خبرته في القتال ضد البوليساريو في الصحراء الغربية. كنت على يقين أن أدائي سيكون موضع ملاحظة هؤلاء القادة جميعاً.
لعل أكثر ما كان يشغلني هو كيف أُطمئن قيادتي العليا بأنني قابضٌ على زمام الأمور. كان خادم الحرمين الشريفين، القائد الأعلى للقوات المسلحة السعودية، يرغب في أن يري نتائج سريعة وحاسمة، وله كل الحق في ذلك. كان يرغب في طرْد قوات المعتدي في الحال. ولا يريد لصدّام أن يستقر في الخفجي لحظة واحدة، كي لا يظهر للعالم أن في وسعه غزو المملكة والإفلات دون عقاب. لذلك اتصل الملك بي مرات عدة آمراً باتخاذ الإجراءات الفورية. وتلقَّيت تعليمات بهذا المعنى من الأمير سلطان أيضا. كانت تلك أول قيادة لي في حرب حقيقية، وكانت الأزمة بالغة الأهمية. لكنني شعرت بالارتياح عندما علمت بأن الأمير سلطان قال بالحرف الواحد: "إن الأمر الآن في يد خالد، ولا بد أن نتركه يؤدِّي مهمته دون تدخل".
ظلت تعليمات الملك تتردد في مسامعي. كان يرغب في أن أسترد الخفجي بأقصى سرعة ممكنة، وأن أحسم الأمر مهْما كان الثمن. هانت عليَّ حياتي في تلك اللحظة. فاستوت عندي النجاة والموت. لم يكن الملك يحاول أن يُمْلِي عليّ مساراً معيناً لمعالجة الأزمة. ولكن بدا لي أنه كان في غاية الحرص على استرداد قطعة عزيزة من ترابنا الوطني.
رَجوْته مُلِحّاً ألاّ يهتم بالأمر. كنت واثقاً من نتائج المعركة القادمة. ولكنني كنت، في الوقت نفسه، حريصا على حقن الدماء. وحاولت أن أوضح رغبتي في إنجاز المهمة بأقل قدْر ممكن من الخسائر في الأرواح. كنت متأكداً من أن الاشتباك في معركة بالسلاح الأبيض داخل المدينة أثناء الليل، سيقضي على قواتي التي لم تكُن مدرَّبة تدريباً جيداً على القتال في المناطق المبنية. كنت أريد أن أَتَرَيَّث وأبدأ الهجوم مع أول خيط من النهار. ولم يكُن في وسعي أن أُظهِر للملك نتائج فورية. والحمد لله أنني لم أُعزل في تلك الليلة!
وفي تلك الأثناء، أخذت محطات الإذاعة في بغداد وعَمّان وصنعاء تصف الغارة العراقية وكأنها نصر مبين. ويقال إن صداماً زار قواته الأمامية في الكويت وادّعى أنه هو الذي أدار المعركة بنفسه. كنت أعلنت في وقت سابق، قبل أسابيع قليلة، أثناء التجهيز للحملة الجوية، في كلمة لي خلال إحدى جولاتي التفقُّدية، أنه إذا لم ينسحب صدّام من الكويت فسوف نُلَقِّنُه "درساً لن ينساه". وكان عليَّ أن أُثبِت أنني لست ممن يقولون ما لا يفعلون.
وبينما كنا نضع اللمسات الأخيرة على خطة الهجوم المضاد لتحرير الخفجي، جاءني ضابط الاتصال الأمريكي بنبأ جعلني أُعيد النظر في توقيت تنفيذ تلك الخطة. إذ أخبرني أن طاقمين ( يضم أَحَدُهما ستة أفراد والآخر خمسة ) من أطقم الإسناد النيراني لمشاة البحرية الأمريكية محاصَران فوق سطح أحد المنازل في الأطراف الجنوبية لمدينة الخفجي. فقرَّرت أن نعمل على إنقاذهما.

العمـ007ـيد 01-01-2008 08:53 AM

كانت مهمة أطقم الإسناد النيراني التي تُعرف بـ " أطقم أنجليكو" ANGLICO ( كلمة مكوَّنة من الأحرف الأولى لسرايا إدارة النيران الجوية البحرية )، هي تحديد الأهداف المعادية ومن ثَم توجيه النيران إليها من الطائرات أو مدفعية القوات البحرية أو البرية. وكنت قد وافقت، في الأسابيع التي سبقت الغارة العراقية وقبل أن تتوقف حركة المرور من المدينة وإليها، لمشاة البحرية أن تُرسل أطقم استطلاعها داخل المدينة وحتى الحدود لرصْد التحركات العراقية. كانوا يتجولون حول المدينة بعرباتهم لاستطلاع كل ما يجري، ثم يبحثون عن موقع مناسب يُمكّنهم من رصْد القوات المعادية. وكانت لديهم القدرة على طلب النيران. وكانت الأطقم مزوّدة بالمناظير الميدانية، وأجهزة الرؤية الليلية والاتصالات اللاسلكية المأمونة مع قيادتها، وتستغرق مهمتها الاستطلاعية عادة يومين في كل مرة. وكانت عربتهم تنسحب بعد تمركزهم في موقع المهمة لتعود لالتقاطهم. فَلَمْ تكن ثمة وسيلة لعودتهم بعد انتهاء مهمتهم غير ذلك. ومن الواضح، أن أحداً لم يتوقع دخول العراقيين مدينة الخفجي. ولكن بعد انسحاب وحدات القوات الخاصة، وسرية مشاة البحرية السعودية، قطع التقدم العراقي السريع الطريق على طاقمْي أنجليكو. أو ربما فَضّلا البقاء في مكانهما. علمت آنذاك، أنهما زرعا الألغام حول مكان اختبائهما، وكانا على استعداد للقتال حال اكتشاف أمرهما.
وما أن سمعت الخبر حتى قلت للواء سلطان: " يجب أن نأخذ في الاعتبار الآن أولوية إنقاذ طاقميْ مشاة البحرية، في إطار خطتنا لتحرير الخفجي".
كنت مصمماً على إنقاذ هذين الطاقمين لسببين رئيسيين. أولهما، أن الأولوية الرئيسية للقائد هي إنجاز مهمته بأقل قدْر من الخسائر في الأرواح. كانت لدينا الإمكانات لطرْد العراقيين من الخفجي دون التضحية بأرواح جنودنا أو جنود حلفائنا، فَلِمَ لا أفعل ذلك؟ لم تكن القضية بالنسبة إليّ قضية جنسية الجنود، سعوديين أو أمريكيين. كانت معركتنا واحدة، ولَمّا كان الجنود الأمريكيون يؤدّون مهامهم داخل قطاعي فقد أصبحت مسؤولاً عن سلامتهم. وثانيهما، وعليّ أن أعترف أنه السبب الأكثر أهمية، هو أنني كنت أخشى أن يُقْدِم شوارتزكوف على استخدام القوات الأمريكية، سواء أكانت من قوات مشاة البحرية لتنفيذ هجوم برمائي أم وحدة من الجيش الأمريكي المحمولة جواً، لتحرير المدينة التي تقع في قطاع مسؤوليتي. كان من شأن ذلك أن يكون وصمة عار لا يمحوها الدهر، ولا يمكنني تحمّلها. كنت أخشى أن يضطر شوارتزكوف أو بومر، تحت ضغط تحرير مشاة البحرية المحاصرين، إلى اتخاذ إجراء أمريكي. فاتصلت بنائبي اللواء عبد العزيز آل الشيخ وقلت له: "إلزم شوارتزكوف ولا تَدَع أحداً يتخذ أي إجراء. إنها معركتي ولن يقودها غيري". تأكدت كذلك أن مشاة البحرية الأمريكية أدركت ما كنت أقصده من أن إنقاذ زملائهم يأتي في مقدمة أولوياتي.
في ضوء هذا الموقف الجديد، طلبت من اللواء سلطان أن يُعِد خطتين لعمليتين منفصلتين. الأولى، شنّ غارة، في تلك الليلة نفسها، على الأطراف الجنوبية لمدينة الخفجي بهدف عزل المبنى الذي يختبئ فيه مشاة البحرية المحاصَرون، وإرغام القوات العراقية في المناطق المجاورة على التراجع أو التعرض للتدمير، ما يضمن تحرير الطاقَمين، ومن ثم الانسحاب. أمّا العملية الثانية فهي هجوم شامل يُشَنّ في صباح اليوم التالي على القوات العراقية في الخفجي.
قرَّرنا في تشكيلنا لـ"قوات الواجب" لهاتين العمليتين أن يكون الدور الأساسي فيهما لقوات من اللواء الثاني مشاة آلية من الحرس الوطني، وهي وحدة عالية الفعالية، مجهَّزة بخمسمائة عربة مدرعة خفيفة أمريكية الصنع من نوع كاديلاك جيج Cadillac Gage و TOW المضادة للدبابات. وكان هذا اللواء قد هُرع مباشرة، بعد غزو صدّام الكويت إلى الجبهة من مواقعه أيام السلم بالقرب من الدمام في المنطقة الشرقية. ومعظم جنوده من رجال القبائل المتمرِّسين بحياة البيئة الصحراوية وبالقتال فيها وأمضَوا عدة أشهر يتدرّبون في قطاعي.
كان الملك فيصل قد عَهِد إلى ولي العهد، الأمير عبدالله بن عبد العزيز، برئاسة الحرس الوطني في أوائل الستينات. وكان الحرس الوطني، وقتها، لا يعدو أن يكون مجموعة من المجنّدين غير النظاميين بأسلحة ضعيفة، يعوزهم النظام والانضباط، ولم يكن لهم زِيّ رسمي. ومن هذه الخامة استطاع الأمير عبدالله أن يبني قوة مقاتلة حديثة جيدة التدريب، تتكون من لواءي مشاة آلية وأربعة ألوية مشاة. وكان للواءين الآليين دور إستراتيجي خفيف الحركة للاستجابة الفورية للطوارئ الداخلية. أما ألوية المشاة فمهمتها تأمين المنشآت الحيوية في أنحاء البلاد المختلفة، مثل المنشآت البترولية ومحطات التحلية ومحطات توليد الطاقة. وعندما اندلعت أزمة الخليج نقل سمو الأمير عبدالله السيطرة العملياتية لوحدات الحرس الوطني من المشاة الآلية إلى القوات البرية السعودية، ومن هنا كان لي شرف قيادة تلك الوحدات.
أُسنِدَت مهمة تحرير جنود مشاة البحرية المحاصَرين إلى سرية من اللواء الثاني من الحرس الوطني السعودي، تساندها في الاحتياط، سرية من اللواء الثامن من القوات البرية السعودية. ولسوء الحظ، لم ينجح الهجوم المباغت الذي قاموا به عند الشفق (آخر ضوء) يوم 30 يناير على الأطراف الجنوبية لمدينة الخفجي. فالشوارع العريضة لمدينة الخفجي لم توفِّر لهم ساتراً جيداً، بينما احتلت القوات العراقية المباني المحيطة بالموقع الذي يختبئ فيه المحاصَرون من مشاة البحرية الأمريكية. وكان مقر القيادة العراقية في فندق على مقربة من ذلك المبنى. وعندما اندفعت عربات الحرس الوطني الخفيفة (المدولبة) إلى المنطقة، بادر القناصة العراقيون إلى إطلاق النار على إطاراتها المطاطية، ونجحوا في إعطاب عشر منها. فقرّرنا في محاولة الهجوم الثانية دَفع العربات المجنزرة من السرية الاحتياطية من اللواء الثامن، فتكلَّلت المحاولة بالنجاح. ونجحت سرية اللواء الثامن، بعد معركة شرسة، في إجبار العراقيين على التراجع، حتى تمكَّنا أخيراً من تحرير جنود مشاة البحرية الأمريكية. جُرِحَ أحدهم جرحاً طفيفاً بإحدى الشظايا المتطايرة. ولم تحدث خسائر في الأرواح في صفوف قواتنا، ولكننا أُرغِمنا على ترك بعض العربات الخفيفة المعطوبة، التي لم يكن من الصواب إشراكها في العملية بادئ ذي بدء.
سعدت لذلك، إذ تبددت كل مخاوفي في شأن التدخل الأمريكي. وأعاد اللواء سلطان، بعد ذلك، تجميع القوات جنوبي الخفجي، وأَمْضَتْ ليلتها تلك في تبادل القصف المدْفعي مع العراقيين.
وفي ذلك الوقت، كانت استعداداتنا للهجوم الرئيسي قد اكتملت، وقواتنا اتخذت مواقعها في منطقة التجمع جنوب الخفجي، وكانت تتكون من:
• الكتيبتين، السابعة والثامنة من اللواء الثاني مشاة آلية من الحرس الوطني السعودي ( سُحبت من "قوة واجب" أبي بكر ).
• قوة قطَرية مكوَّنة من سرية دبابات AMX، وسرية مشاة آلية، وفصيل صواريخ Hot المضادة للدبابات ( سُحِبَتْ هي الأخرى من "قوة واجب" أبي بكر ).
• كتيبة مشاة آلية من اللواء الثامن من القوات البرية السعودية لتعمل كقوة احتياطية ( سُحِبَتْ من "قوة واجب" عثمان ).
ولإحكام الحصار حول العراقيين داخل المدينة قرَّرنا ما يأتي:
• زيادة حجم سرية الدبابات من اللواء الثامن مشاة آلية، المتمركزة جهة الشمال الغربي علي مقربة من الطريق المتجهة جنوباً، لتصل إلي قوة كتيبة دبابات، إضافة إلي فصيل صواريخ موجَّهة مضادة للدبابات TOW. وكانت مهمة هذه الكتيبة قطع الطريق الرئيسية المتجهة جنوبا من الكويت إلي المملكة أمام التعزيزات العراقية.
• دفع كتيبة من مشاة البحرية السعودية شمالاً علي الطريق الساحلية في اتجاه الخفجي، لتحتل جسراً إستراتيجياً، وتمنع أي تحرُّك عراقي جنوباً في اتجاه مصافي البترول.
خطَّطت، في البداية، للهجوم مع شروق شمس يوم 31 يناير. ولكني علمتُ من اللواء سلطان أن الجنود العراقيين يستيقظون مبكرين ويمارسون أعمالهم لساعة أو نحوها، تعقبها فترة راحة في الثامنة. لذا، قرَّرتُ أن يبدأ الهجوم الثامنة صباحاً.
كنت واثقاً أن النصر - بعون من الله - سيكون حليفنا. فقد عنينا بكل شيء: بالخطط، وقوات الواجب، وتلقين القادة. كانت قواتنا متأهبة، ومعنوياتها مرتفعة.
قلت للواء سلطان: "الآن أترك الأمر لك ولن أتدخل، وإذا احتجْتَ إلي مساعدتي فستجدني إلي جانبك". ويطيب لي أن أشيد بتنفيذه الدقيق للخطط في الساعات الأربع والعشرين التي تلت ذلك.
كانت قواتي مستعدة في مواقعها، وطائرات التحالف تقصف التعزيزات العراقية طوال الليل، "والإسناد الجوي القريب" في صباح الغد قادمٌ لا محالة. عند ذلك، أحسست بقدْر كبير من الراحة، وقررت أن أختلس قسطاً من النوم. كنت في الرياض لا أنام أكثر من ثلاث ساعات متواصلة، إذ كانت غرفة نومي في الطابق الأسفل في وزارة الدفاع مجاورة لغرفة مكتبي، وكنت أستيقظ لتلقِّي المكالمات ومراجعة الخرائط وما إلي ذلك من مهام أخرى. ولكنني، في ريش المنجور، اقتنصت تلك الليلة ست ساعات كاملة من النوم المتواصل. ففي ليلة أول معركة لي، استمتعت بأكبر قسط من النوم.

العمـ007ـيد 01-01-2008 08:55 AM

شتان ما بين المعارك الحقيقية، وتلك التي تُرسَم على طاولات الرمل في كليات القيادة والأركان. ففي المعارك الحقيقية لا بد من معايشة لحظات من الارتباك والخوف، ولا يسلم الأمر من بعض الأخطاء الخطيرة. ولم تكن معركة الخفجي استثناءً من تلك القاعدة. كانت المساندة النيرانية من المدفعية والقوات الجوية الصديقة أمراً حيوياً ومحموداً، ولكن تلك المساعدة كانت تُقدّم إلى الرجال في أرض المعركة متأخرة في التوقيت أحياناً، أو قريبة في المكان أحياناً أخرى، مهدِّدة أرواحهم في كلتا الحالتين. وعلى سبيل المثال، حدث صباح ذلك اليوم أن دمرت طائرة عمودية أمريكية دبابة عراقية T - 55، ثم أطلقت النار بطريق الخطأ على عربة مدرعة تابعة للحرس الوطني السعودي، فقتلت سائقها وجرحت بعض أفراد طاقمها جروحاً خطيرة. وعلي الرغم من أن المراقبين الجويين الأماميين الأمريكيين، الذين ألحقوا على الوحدات السعودية قد أدّوا واجبهم خير أداء، إلاّ أن عربات الحرس الوطني لم تكن مميزة لكثير من الطيارين، مما أشاع بعض الارتباك في تحديد هوية تلك العربات.
لم تكن قواتنا، بالمثل، معصومة من الخطأ. فحتى قبل أن تبدأ المعركة، ومع تحرك الوحدات في تلك الليلة في اتجاه منطقة التجمع، فتحت الدبابات القطَرية النار علي العربات المدرعة التابعة للحرس الوطني، ظناً منها أنها آليات معادية. ولحسن الحظ، لم تقع خسائر جرَّاء ذلك الحادث، الذي أوضح أن الأمر كان يستوجب إجراء بعض الترتيبات الضرورية في اللحظات الأخيرة. وفي تلك الليلة أيضاً، وفي فوضى المعركة، ضلَّت إحدى شاحنات الإمداد الأمريكية طريقها ووقعت في أيدي العراقيين. كان مقرَّراً أن تلتقي الشاحنة مجموعة استطلاع من مشاة البحرية الأمريكية تتحرك جنوبي الخفجي. وعندما واصلت الشاحنة سيرها نحو مدينة الخفجي أجبرتها النيران العراقية على التوقف ووقع سائقاها الأمريكيان، رجل وامرأة، في الأسْر. وأخذ راديو بغداد يَنْعَق شماتة وابتهاجا بتلك الحادثة. والهدف من ذكر تلك الأمثلة، التي اخترتُها عشوائياً، هو أن أبيِّن أن القائد وهو يسعى إلى تحديد الإطار العام للمعركة، لا يمكن أن يتحكم في مئات القرارات التي تصدُر عن الأفراد. فبعض تلك القرارات يكون شجاعاً وبعضها جباناً، بعضها حكيماً وبعضها متهوراً، ويتراكم ذلك كله ليشكّل المحصلة النهائية للمعركة.

http://g3g8.com/uploads/ce05079c54.gif
المشاة السعوديون في الخفجي بعد طرد الغزاة العراقيين

كانت معركة الخفجي قصيرة، ولكنها شرسة كل الشراسة. فقد دارت أنشطتها متزامنة، إلى حدّ ما، في مواقع مختلفة وبأساليب مختلفة. بدأ الهجوم، بعد الثامنة صباحاً بقليل، يوم 31 يناير على محورين. المحور الأيمن، نفّذته الكتيبة الثامنة مشاة آلية من لواء الحرس الوطني مدعمة بسرية مشاة آلية قطَرية. والمحور الأيسر، نفّذته الكتيبة السابعة مشاة آلية من لواء الحرس الوطني مدعمة بسرية دبابات قطَرية وفصيل صواريخ مضادة للدبابات Hot. من قطر أيضاً. كان الهدف من الهجوم، التوغل إلى عمق المدينة وتدمير التجمعات العراقية الرئيسية فيها، بينما تتحرك، في الوقت نفسه، كتيبة مشاة بحرية سعودية على الطريق الساحلية بهدف منْع أية تحركات عراقية في اتجاه الجنوب.
وحين اقتربت العربات المدرعة للحرس الوطني من مدخل المدينة، تصدّى لها العراقيون بكثافة نيرانية من الدبابات والصواريخ. وكانت القوات العراقية متحصِّنة حيث اختبأت إلى جوار الأبنية أو في الخنادق المحصنة. كما تصدى القناصة كذلك لكل محاولات التقدم. وفي أول اشتباك عنيف كانت خسائر وحدات الحرس الوطني قليلة جداً، شهيدا واحدا وأربعة جرحى. وفي العاشرة أعيد تجميع تلك الوحدات وتحصنت في الطرف الجنوبي للخفجي .

العمـ007ـيد 01-01-2008 08:58 AM

كان السؤال المهم الذي واجه قواتنا وهي تستعد لاستئناف القتال هو، هل يمكِن للقوات العراقية المحاصَرة الحصول على تعزيزات؟ أَوْلَيْتُ الأمر كل اهتمامي آنذاك عندما تلقيت تقريراً بأن لواءً عراقياً مدرعاً ( رُصِدَ أكثر من 100 دبابة وناقلة جند مدرعة ) يتحرك بسرعة عالية من الكويت في اتجاه الحدود ومدينة الخفجي. كان اللواء العراقي في تشكيل قتالي يمتد لأكثر من ثلاثة كيلومترات، ولم تكُن تجري أية محاولة جادة من الجو لإيقافه. كانت تلك اللحظة من أحرج اللحظات بالنسبة إلينا. كنّا ندرك أن قواتنا المهاجِمة ستصبح في خطر مُحدِق إذا وصل ذلك الرتل العراقي المدرع إلى المدينة، إذ كان من شأن ذلك أن يُرَجِّح كفة القوات العراقية.
لذا، كان لا بد من إيقاف هذا اللواء. فصدرت الأوامر إلى كتيبة الدبابات من اللواء الثامن الآلي، التي أُسندت إليها مهمة قطع طريق التعزيزات إلى الخفجي، بالاشتباك مع العدو. وأَبْلَتْْ تلك القوات بلاءً حسناً. فبعد معركة استغرقت ثلاثين دقيقة، أبلغ قائد الكتيبة أنه نجح في تدمير 12 آلية عراقية، وأن العراقيين بدأوا الانسحاب ليقوموا بعملية إعادة تجميع خلْف الحدود. ولكن طائرات التحالف كانت لهم بالمرصاد في هذه المرة، فتكبَّد العراقيون خسائر جسيمة، مما أجبر بقية قواتهم على التقهقر السريع. وعندما رأى أحد ضباطنا، برتبة ملازم، العراقيين يُوَلّون الأدبار، انطلق في أثرهم ومعه عربتان أو ثلاث. ولسوء حظه، دخل منطقة للنيران الحرة كانت تُقْصف آنذاك من الجو بشدة. واستطاع أن ينجو بنفسه ولكن قُتل اثنان من رجاله بنيران صديقة من الجو. كان تصرفاً فردياً متهوراً، إذ لم يكن عليه أن يتقدَّم ولكنه تقدَّم، وتلك مخاطر الحرب التي يصعب التنبّؤ بها.
بعد أن أُجْهِضَت محاولة التعزيز العراقية الضخمة، تقدمت إلى المدينة الكتيبتان السابعة والثامنة مشاة آلية التابعتان للحرس الوطني، تساندهما سريتان قطَريتان، إحداهما سرية دبابات والأخرى سرية مشاة آلية مدعمة بفصيل صواريخ للدبابات Hot،س فانهالت عليها نيران القناصة العراقيين إلى جانب نيران الدبابات والرشاشات الثقيلة، كما عرقلت تقدمها أيضاً نيران المدفعية العراقية التي كانت تطلَق من شمال المدينة. خاضت قواتنا، ذاك الصباح كله، عدداً من الاشتباكات مع العراقيين من شارع إلى شارع ومن بيت إلى بيت، تأخذ الأسرى وتكبّد العراقيين المدافعون خسائر فادحة.
وقرب الظهر، عندما استدعت قوات الحرس الوطني سيارات الإسعاف لكي تخلي الشهداء والجرحى في صفوفها، شنّت الدبابات العراقية هجوماً مضاداً عنيفاً، فدمرت سيارتي إسعاف وأمطرت قافلة الإغاثة بوابل من نيران الرشاشات.
وفي الساعة (1330)، سَعِدْتُ عندما عَلِمْتُ أن قواتنا المهاجمة شقّت طريقها إلى الجانب الآخر من مدينة الخفجي، وأن المقاومة العراقية انهارت أو تكاد. ويجب ألاّ ننسى هنا أن القتالَ داخل المدن قتالٌ صعب وخطِر بلا شك، إذ ظلت بعض جيوب المقاومة هنا وهناك، بعضها لا يجرؤ على الاستسلام، وبعضها الآخر عازم على مواصلة القتال. كانت أصوات الطلقات لا تكاد تنقطع. واستمر العراقيون، أثناء انسحابهم، في توجيه نيران مدافعهم وراجمات صواريخهم إلى المدينة. وحاول بعض العراقيين الفرار في اتجاه الشمال على إحدى الطرق الساحلية الوعرة بعد أن أَيْقَنوا بالهزيمة، ولكنهم لم يَسلموا من الهجمات الجوية وفقدوا 12 دبابة أخرى في محاولة الفرار تلك. كما أن بعض الآليات تركت سليمة بعد أن غادرتها أطقمها. لم تكن القوات العراقية على الأرض تتمتع بأية مساندة جوية، فغدت بذلك عرضة لهجمات التحالف الجوية، أمّا المدافع السوفيتية الصنع المضادة للطائرات من عيار 57 مم التي كانت بحوزة العراقيين، فلم تُسْتخدم بشكل فعال.
وخلاصة القول، إنّ المعركة كانت شرسة حقاً، وخاضها العراقيون بشجاعة وأبدَوا مقاومة عنيدة إلى أن انهارت معنوياتهم. وذَكر اللواء سلطان في تقريره الذي رفعه إليّ أن 32 جندياً عراقياً قتلوا وجُرِح 35 وتم أسْر 463 آخرين. وكانت خسائر الجانب العراقي في المعدات تدمير11 دبابة T -55، إضافة إلى 51 ناقلة جند مدرعة، كما تم الاستيلاء على 19 عربة مدرعة أخرى. أمّا الخسائر في الجانب السعودي، في نهاية اليوم، فكانت استشهاد 18 وجرْح 32 آخرين إضافة إلى فَقْد 11 عادوا جميعهم بعد ذلك من دون أن يلحق بهم أي أذى. ولم تكن هناك خسائر في الجانب القطَري. أمّا الخسائر في المعدات، فكانت ثلاث دبابات وراجمة صواريخ واحدة وسيارتي إسعاف. وهكذا انتهت المعركة، وكتب الله لنا فيها النصر المبين.
وبكل الفخر والاعتزاز، اتصلت هاتفيا بخادم الحرمين الشريفين، القائد الأعلى للقوات المسلحة لأزف إليه الخبر:
"مولاي.. حرّرنا الخفجي وطهّرنا تراب الوطن من دنس المعتدي. والخسائر كانت كذا وكذا وأعداد الأسرى كذا وكذا... ".
سعد الملك بهذا الخبر كل السعادة. كان يدري أن المعركة لم تكن سهلة على الإطلاق، وأنها قد "عركتني عرك الرّحى بثفالها". ضحك وقال: "قد أكون أغلظت لك القول في اليومين الماضيين، لكنني كنت واثقا بأنك أهلٌ لتنفيذ المهمة". وهزّتني تلك الكلمات من الأعماق.
أردف يسألني: "وماذا ستفعل الآن؟". قلت إننا سوف نبدأ استجواب الأسرى، أريد أن أسمع منهم وقائع الأحداث. كنّا نستعد لبدء الحرب البرية لتحرير الكويت بين عشية وضحاها، ولا بد أن يتوافر لنا أكبر قدر من المعلومات عن حالة الجنود العراقيين.
كانت توجيهات الملك في ذلك الشأن واضحة ومحددة، إذ قال لي: "لا تنس أن هؤلاء الأسرى أُجبروا على قتالنا، فَقَبْل أن تشرع في استجوابهم تأكد أنهم استراحوا واغتسلوا وأُلبسوا ملابس نظيفة وقُدّم إليهم الطعام ولا تستجوبهم قبل ذلك". نفذت تعليماته بكل دقة.

http://g3g8.com/uploads/e83d5f6d2e.jpg
(مقاتل من الصحراء) بجانب المليك الراحل فهد بن عبدالعزيز أسكنه الله فسيح الجنان

ذهبت للقاء أول دفعة من الأسري، فإذا بأسير منهم يرمي بنفسه عند قدمي ويحاول أن يُقَبِّل حذائي، وهو يلهج بطلب الرحمة. ثم قال وهو ينتحب إن لديه خمسة أطفال وهو عائلهم الوحيد، ولم يأت إلى القتال إلاّ مرغَماً. فأمرته بالوقوف فوراً وطمأنته أنه لن يتعرض لأذى. تأثرت بذلك المنظر كثيراً حتى إنني قررت ألاَّ أُجري أي اتصال مباشر مع الأسرى العراقيين، إذ رقّ قلبي لحالهم.
بعد ساعات من انتهاء المعركة، أمرني الملك أن أقابل مندوبي وكالات الأنباء في الخفجي، لأعلن للعالم أجمع أن الخفجي قد عادت إلى السيادة السعودية. توجَّهت إلى الخفجي مع ضباط أركان قيادتي المتقدِّمة، يغمرني شعور بالعزة والفخار. أطفأنا أضواء العربات حتى لا نلفت الانتباه. كانت القنابل العراقية المضيئة تحيل ظلام الليل نهاراً. وكانت تلك محاولة من جانبهم لاستبانة تحركات قواتنا ليوجهوا إليها نيرانهم. كانت أصوات انفجار قذائف المدفعية لا تزال تُسمع مدوية، بينما فلول القوة العراقية تحاول الانسحاب وراء الحدود.
وعند مدخل الخفجي، استوقفتنا نقطة تفتيش يقوم عليها مشاة البحرية السعودية. ورجاني العقيد عمَّار محمد القحطاني قائد الكتيبة، ألاَّ أدخل المدينة، وقال إن الوضع لا يزال خطيراً. كنت أعرف عماراً منذ الطفولة، وأعرف شجاعته ورباطة جأشه. لم تكن عملية تطهير المدينة من جيوب المقاومة الصغيرة قد انتهت بعد، وكان القناصة لا يزالون مختبئين داخل الأبنية، جثث القتلى لا تزال متناثرة. انفجرت، في تلك اللحظة، قذائف عراقية على مقربة مِنّا، بينما كانت طائرات B - 52 تقصف القوات العراقية المنسحبة فتضيء قنابلها ظُلمة الليل. صاح العقيد عمار، كأنما انتابته حالة من الهستيريا "فلْتحاكمني عسكرياً إن شئت، لكنني لن أدَعَك تمر من هنا"، وفتح ذراعيه وتسمّر أمام عربتي محاولاً أن يسد الطريق. ولكنه ما أن رأى تصميمي على التقدم، حتى أسرع إلى العربة، وفوجئت به يقبل رأسي وكأنما يدعو لي بالسلامة.

العمـ007ـيد 01-01-2008 09:03 AM

وصلنا إلى شارع المدينة الرئيسي، قبل أن يصل مراسلو الصحافة والتليفزيون ووكالات الأنباء. وكانت هناك دبابة عراقية لا تزال النيران مشتعلة فيها، وقد تناثرت على مقربة منها خمس جثث عراقية. نشرت خرائطي على مقدمة عربة مدرعة عراقية معطوبة، ووقفت أنتظر المراسلين.
وفجأة، دوّى صوت انفجار إلى جانبنا، حين حَرّك أحد الضباط برتبة نقيب، ممن يقفون إلى جواري شيئاً بحذائه. ولم أرَ في حياتي رجلاً يقفز هكذا. لا بد أن حاسة سادسة نبهته فقفز عالياً في الهواء قبل أن يحدث الانفجار ولحسن حظه لم يصَب بأذى، ويبدو أنه كان شرَكاً خداعياً لكن الصوت أشبه ما يكون بانفجار قذيفة من عيار كبير. وفي لحظة الانفجار، انقض عليّ خمسة من حراسي المتحمسين وحملوني حمْلاً في الاتجاه الآخر، وروَّعني هجوم حراسي أكثر مما روَّعني الانفجار نفسه. وحاولت، دون جدوى، أن أتملّص منهم وأقف على قدمي، ولكنهم لم يتركوني إلا بعد أن انطلقوا بي مسافة لا تقلّ عن خمسين متراً.
وصل بعد ظهر ذلك اليوم نحو 40 من مراسلي الصحافة والتليفزيون ووكالات الأنباء جواً من الرياض إلى رأس مشعاب، ومن "مركز معلومات الإعلام" في الظهران. ثم نُقلوا في حافلة إلى الخفجي، لكنهم تحركوا ببطء وحلّ عليهم الظلام فجأة وهم لا يزالون على الطريق. لم يجرؤ سائق الحافلة على إضاءة أنوارها خوفا من أن يستجلب النيران العراقية، وفَضّل أن يتحرك ببطء حتى لا ينحرف عن الطريق. كان المطر المدرار سبباً في جعل أرض الصحراء زَلِقة، كما لو كانت مغطاة بالثلوج.
وعندما وصل المراسلون أعطيتهم وصفاً أولياً للمعركة التي ولجتْ باب التاريخ. كانت أكبر معركة تدور رحاها على الأراضي السعودية في العصر الحديث. وأول معركة تدور داخل المناطق المبنية، وأول اختبار للكفاءة القتالية للقوات السعودية والقطَرية. كما كانت أول معركة في هذه الحرب يقودها أمير سعودي. وهذا يعني الكثير لي شخصياً.
وعلى الرغم من أنني كنت أرحب بالحديث إلى المراسلين الأجانب، إلاّ أن تلك المؤتمرات الإعلامية التي تتم في الميدان لا تسير دائماً على ما يرام. إذ كان المراسلون ومصورّو التليفزيون يتدافعون بالمناكب ليحصلوا على مكان مناسب، وهم يدفعون بميكروفوناتهم في وجهي. كما سُلَطت عليَّ الأضواء الكاشفة التي جعلتني هدفاً سهلاً من مسافة كيلومترات عدة، لمن يريدون اغتيالي. وعلمت في اليوم التالي أن 20 من الجنود العراقيين المسلحين كانوا يختبئون في مبنى لا يبعد سوى 300 متر من المكان الذي كنت أتحدث فيه، وكنت في مرمى أسلحتهم. وعندما سلّموا أنفسهم طلبوا أن يعامَلوا كلاجئين عسكريين، وليس كأسري حرب، مكافأة لهم على عدم إطلاقهم النار عليّ!
وبعد المؤتمر الصحافي، أمضيت ليلة أخرى في مركز القيادة المتقدِّم، وفي صباح يوم الجمعة عدت جواً إلى الظهران لأقلِّد النقيب الشمراني الوسام الذي يستحقه، كما كان مقرّراً قبل أن يستحوذ احتلال الخفجي على اهتمامي كله.
تعد معركة الخفجي، من وجهة نظري، حجر الزاوية في حرب الخليج، ونقطة تحول لا تقلّ أهمية عن معركة التحالف، من أجل تحقيق السيادة الجوية في الدقائق الأولى من الحملة الجوية. كان التحالف، قبل تلك المعركة، يعيش جواً كئيباً. إذ كان الجيش العراقي لا يزال قوياً من ناحية العدد وقوة النيران، ولم يكن للقوات السعودية سابق عهْد بالحروب، ولم تكن القوات القطَرية قد خرجت من ديارها حتى لغرض التدريب ناهيك من الحرب. ولو أن معركة الخفجي انتهت إلى غير ما انتهت إليه، لكانت صدمة قاسية تهبط بمعنوياتنا إلى الحضيض. ولكن النصر - بتوفيق الله - رفع الروح المعنوية لدى ضباطنا وأفرادنا إلى حد مذهل، إذ تهيأت لهم الفرصة لإثبات الذات فأَبْلَوا أحسن البلاء. نجحوا نجاحا فائقاً في تنفيذ هجوم مضاد رئيسي ضد قوة معتدية لا يُستهان بها. كان الناس يلوِّحون بإشارات النصر في كل مكان، وينظرون إلى الجنود، الذين خاضوا المعركة وحازوا النصر، على أنهم أبطال يستحقون التقدير كله.
وعلى النقيض من ذلك، جردت تلك المعركة العراقيين من "إرادة القتال" بعد أن أدركوا أن صدّام حسين كان يُسْلمهم إلى الرّدى. وترددت تلك المقولة على لسان جميع الأسرى العراقيين، الذين بلغ عددهم 463 أسيراً في أقلّ من ست ساعات. ونقتبس مرة أخري من تولستوي قوله: "تكمن قوة الجيش في روحه المعنوية".
وثمة دروس استخبارية مهمة ينبغي أن نلفت إليها الانتباه. إذ علمتنا الغارات الثلاث أو الأربع التي شنّتها القوات العراقية عبر حدودنا في الأيام الأخيرة من شهر يناير 1991، أن العراقيين كانت لديهم القدرة على الحركة، ولكن تنقصهم المهارة لتنسيق هجماتهم. كانت القوات العراقية تفتقر إلى الحافز على القتال وإلى الحماية الجوية، ومن هنا انعدمت لدي العراقيين الرغبة في أن يقفوا صفاً واحداً ويقارعونا في ميدان القتال. وهذا هو السبب في استسلامهم بأعداد كبيرة. كما أصبح واضحاً لنا أن جمع الأسرى ونقْلهم خلال الحرب البرية القادمة سوف يستقطب جزءاً كبيراً من جهدنا. وحتى لا تتسبب تلك العملية بعرقلة تقدمنا، كان علينا أن نُعِد الترتيبات اللازمة وعلى نطاق واسع للتعامل مع أسرى الحرب ونقْلهم إلى معسكرات في المناطق الخلفية لمسرح العمليات.
كانت تلك المعركة اختباراً صعباً اجتازته الوحدات السعودية والقطَرية والقوات الجوية للتحالف. كان تماسك التحالف وفاعليته القتالية العالية أمراً لا تخطئه العين. وغَدَت قواتنا جزءاً له وزنه في التحالف. وتقف موقف الند للند مع قوات حلفائنا الآخرين، وأضحت على أتم الاستعداد لإنجاز ما يوكل إليها من مهام في أية معركة قادمة، لا سيما معركة تحرير الكويت

/
\
/
\

خرائط معركة الخفجي

http://g3g8.com/uploads/13522af853.jpg

http://g3g8.com/uploads/7c3eca90e9.jpg

http://g3g8.com/uploads/21ab22e94e.jpg

وأتمنى أني وفقت في نقل الموضوع

عبدالله علي بركي 01-01-2008 09:36 AM

بارك الله فيك على هذا النقل المميز 0

الله يعطيك العافيه 0

عايض الشمراني 01-01-2008 11:49 AM

http://www.0sss0.com/up/uploader_files31/7qP96809.bmp


الساعة الآن 08:57 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات شمران الرسمية