مجالس الفقه (مكروهات الصلاة[٢]): الاثنين ٢٨-٤-١٤٤٧هـ

فوائد منتقاة من برنامج مجالس الفقه
لفضيلة الشيخ
أ.د سعد بن تركي الخثلان وفقه الله
الاثنين ٢٨-٤-١٤٤٧هـ
(مكروهات الصلاة[٢]):

١/ يُكره للمصلي تغميض عينيه، ولم يكن من هدي النبي ﷺ تغميض عينيه في الصلاة، وقد اختلف الفقهاء في حکمه، فكرهه بعضهم، وقالوا: لأنه من فعل اليهود، ورأى آخرون أنه غير مكروه، وقالوا: لم يثبت أن ذلك من فعل اليهود، بل قد يكون ذلك عوناً على الخشوع لبعض الناس، وفي بعض الأحوال، والصواب- كما قال ابن القيم وجمع من المحققين - أنه إن كان تفتيح العين لا يخل بالخشوع فهو أفضل، وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوش عليه قلبه فهنا لا يكره التغميض، والقول باستحبابه في هذه الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة.

٢/ يُكره أن يحمل المصلي ما يشغله في الصلاة، لأن ذلك يؤثر على خشوعه و حضور قلبه، ومن ذلك الهاتف الجوال، إذا كان يشغل الإنسان فى صلاته فيُكره حمله، ويمكن أن يزول ذلك بأن يغلقه أو يجعله على الصامت، لكن إذا تركه مفتوحًا يستقبل الاتصالات ويشغل المصلي ومن معه من المصلين فهذا أقل أحواله الكراهة.

٣/ من العبث في الصلاة أن البعض إذا جاءه اتصال ينظر إلى الجوال وهو يصلي، بل بلغ ببعضهم أنه يرد على الرسائل، وهذا الظاهر أن صلاته تبطل؛ لقاعدة "الجواب كالخطاب"، يعني الكتابة كالمخاطبة.
فمن تكلم في صلاته متعمداً فصلاته تبطل هكذا لو كتب رسالة في جواله وهو يصلي تبطل صلاته.

٤/ حمل الصبي في الصلاة منهم من قال بكراهته؛ لأن الصبي يشغل الإنسان إذا حمله، ولكن القول بأنه مكروه محل نظر ؛ فقد جاء في الصحيحين أن النبي ﷺ "حمل بنت بنته: أمامة بنت أبي العاص في صلاة العصر، فكان إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها"، وقد فعله ﷺ في صلاة الفريضة وهو يؤم الناس، ولا يقال بأن فعل النبي ﷺ مكروه، وهذا يدل على أن حمل الصبي في الصلاة لا بأس به، وأنه ليس مكروهاً، وقد تحتاج المرأة إلى حمل صبيها في الصلاة، فربما يكون صبيها متعلقاً بها، وقد تكون في خارج المنزل مثلاً ولو لم تحمل صبيها ربما بكى أو انطلق بعيداً عنها، فهنا لا بأس أن تصلي وهي تحمل صبيها، من غير كراهة، ومن زعم أن الحديث المذكور منسوخ أو خاص بصلاة النافلة أو خاص بالنبي ﷺ، فكلامه غير مسلم، إذ لا دليل على النسخ أو الخصوصية كما قال النووي رحمه الله.

٥/ المصلي لا يحمل الطفل إذا كان يحمل القذر (كالعذرة)، لكنه يبني على الأصل وهو الطهارة.

٦/ يكره للمصلي أن يفترش الذراعين أثناء السجود، لحديث أنس أن النبي ﷺ قال: «اعتدلوا في السجود، ولا يَبسُط أَحَدُكُم ذراعيه انبساط الكَلب».
والسنة أن يجافي ذراعيه قدر المستطاع، وكان النبي ﷺ يبالغ في المجافاة حتى إنه ليرى بياض إبطيه.

٧/ يكره العبث في الصلاة سواءً كان بلحيته أو بلباسه أو بساعته أو بالهاتف الجوال أو بغير ذلك، لأن العبث ينافي الخشوع، وقد روي عن أبي هريرة: أن النبي ﷺ رأى رجلاً يعبث في صلاته فقال: «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه». وهو حديث ضعيف لا يصح عن النبي ﷺ، وإنما أوردته للتنبيه على ضعفه، فإن بعض الفقهاء يوردونه في كتبهم؛ لكن معناه صحيح.

٨/ يُكره التخصر، وهو وضع اليد على الخاصرة، والخاصرة هي ما فوق رأس الورك المستدق من البطن ويدل على كراهة التخصر حديث أبي هريرة قال: «نهى النبي ﷺ أن يصلي الرجل مختصرا».
والحكمة من النهي قيل: لأنه من فعل اليهود، وهذا قول عائشة، وقيل : لأنه فعل المتكبرين، وقيل: إن إبليس لما أهبط إلى الأرض أُهبط متخصراً، وقيل: إنه راحة أهل النار. هذه أقوال أربعة. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وقول عائشة: «إنه من فعل اليهود» أعلى ما ورد في ذلك.

٩/ يكره أن يصدر المصلي أصواتاً عند التثاؤب، فإذا تثاءب الإنسان فإنه يكظمه ما استطاع لحديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع، فإن الشيطان يدخل». فإن غلبه استحب أن يضع يده على فيه، ولا يصدر صوتاً لقوله ﷺ :«العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه، وإذا قال: آه آه فإن الشيطان يضحك من جوفه».

١٠/ هل يقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند التثاؤب؟
لم يثبت في هذا شيء مرفوع، ولذلك فالأقرب أنه لا يشرع أن يتعوذ عند التثاؤب؛ ومع ذلك لا ينكر على من فعله؛ لأنه قد قال به بعض أهل العلم، ولأن له وجهاً عند من قال به؛ فإنهم أخذوا ذلك من قوله ﷺ: «التثاؤب من الشيطان».

١١/ يكره أن يستقبل المصلي أثناء صلاته صورة؛ لأنها تشغل المصلي وتلهيه فيكره ذلك في حقه؛ ويدل لذلك ما جاء عن عائشة، أن النبي ﷺ صلى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: «اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وأتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي».
والأنبجانية: كساء غليظ ليس له أعلام، والخميصة لها أعلام، فنظر النبي ﷺ إلى أعلام الخميصة وهو يصلى نظرة كأنها شغلته، وكان - عليه الصلاة والسلام - يخشع في صلاته خشوعا تاماً فأمر برد هذه الخميصة، وهذا يدل على عنايته عليه الصلاة والسلام بالخشوع في الصلاة، وأنه يُكره أن يكون أمام المصلي ما يشغله عن الخشوع.

١٢/ ينبغي في السجاد الذي يوضع في المساجد أن يكون خالياً من أي نقوش، فإن النقوش والزخرفة تلهي المصلي، وربما تشغله عن الخشوع. وجاء في صحيح البخاري أن النبي ﷺ قال لعائشة: «أميطي عنا قرامك هذا، فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي».

١٣/ يُكره أن يكون بين يدي المصلي آدمي أو من يتحدث؛ لأن ذلك ربما شغله عن الصلاة، ورد في حديث ابن عباس، أن النبي ﷺ قال: «لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث»، لكن هذا حديث لايصح، والصلاة إلى المتحدثين كرهها الشافعي وأحمد لأن كلامهم يشغل المصلي.
وعلى هذا فقد يقال بالكراهة من جهة إشغال المصلي فقط، أما إذا لم يشغل ذلك المصلي فإنه ليس بمكروه؛ لأن الحديث المروي في ذلك ضعيف.

١٤/ يُكره أن يكون بين يدي المصلي نائم؛ لأنه ربما شغله، وهذا قول بعض الفقهاء. وقال بعض العلماء: إنه لا يكره؛ لأن عائشة كانت تنام معترضة بين يدي النبي ﷺ وهو يصلي من الليل، فإذا سجد غمزها فقبضت رجليها، وإذا قام بسطتهما، ولو كان ذلك مكروهاً لما فعله النبي ﷺ.
والراجح - والله أعلم - أنه لا يكره ذلك إلا إذا شغل المصلي؛ لأن القاعدة: أن كل ما شغل المصلي فإنه مكروه.

١٥/ يُكره أن يكون أمام المصلي نار؛ لأن في ذلك تشبهاً بالمجوس عبدة النار، وبناءً على ذلك لو كان أمام المصلين نار فتقدموا وجعلوها خلفهم، أو وضعوا دونها حائلاً فإن الكراهة تزول، وكذلك إن أطفؤوها.

١٦/ وفي الشتاء عند شدة البرد يوجد في بعض المساجد مدفئة توضع أمام المصلين، فهل ذلك مكروه؟
المدفئة في الحقيقة كهرباء وليست ناراً، ولذلك لو وضعت عندها ورقة لا تشتعل من اللهب، ولو كانت ناراً لاشتعلت، ولا تسمى ناراً في عرف الناس، وعلى هذا فالصواب أنه يجوز وضع المدفئة أمام المصلين من غير كراهة.

١٧/ الأجهزة التي توضع لقتل البعوض، إذا قلنا إنها ليست ناراً فلا بأس بها، وبعض أهل العلم كرهها، وقال: إنها نار ولا يعذب بالنار إلا رب النار، لكن الأقرب في تكييفها أنها ليست ناراً، وإنما هي كهرباء، يحصل بها الصعق للحشرات، فلا بأس بها.

١٨/ الجمر الذي يوضع عليه البخور هل يُعد ناراً أم لا؟ الظاهر أنه نار إذا كان الجمر متقداً فينبغي عدم وضعه بين يدي المصلين، فإن نار المجوس لا تكون دائما ناراً مشتعلة، بل تكون تارة ناراً وتارة جمراً.

١٩/ يُكره مس الحصى، وتسوية التراب حين يسجد لأن فيه نوعاً من العبث، فقد جاء عن معيقيب أنه قال: سألت رسول الله ﷺ عن مسح الحصى في الصلاة؟ فقال: «إن كُنتَ لَا بُد فاعلا فمرةً واحدةً». وجاء عنه أن النبي ﷺ قال: في الرجل يسوي التراب حيث يسجد، قال: «إن كُنتَ فاعلا فواحدَةً»، أما لو كان لعذر فلا بأس، كأن يكون في موضع سجوده شوك أو حصى ونحو ذلك، لكن ينبغي أن تكون التسوية مرة واحدة، لا يكررها؛ لقوله: «إن كنت فاعلا فواحدة».

٢٠/ يُكره للمصلي فرقعة أصابعه؛ لكونها من العبث، وروي في الحديث: «لا تُفَقِّع أصابعك وأنت في الصلاة»، ولكنه ضعيف لا يصح، وجاء عن شعبة، مولی ابن عباس، قال: صليت إلى جنب ابن عباس ففقعت أصابعي، فلما قضيت الصلاة قال: «لا أم لك، تقعقع أصابعك وأنتَ في الصلاة».

٢١/ تشبيك الأصابع مكروه في أثناء الصلاة عند جمهور العلماء، وكذلك يكره لمن خرج من بيته للصلاة، فقد جاء عن كعب بن عجرة أن رسول الله ﷺ قال: «إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يشبكن بين أصابعه، فإنه في صلاة». وهذا يدل على أنه يُكره تشبيك الأصابع عند الذهاب إلى المسجد، ومن باب أولى أنه يكره في أثناء الصلاة، وأما بعد الصلاة فإنه لا يكره، والدليل لذلك ما جاء في قصة ذي اليدين، فعن أبي هريرة، قال: صلى بنا رسول الله ﷺ إحدى صلاتي العشي، فصلى بنا ركعتين، ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه.

٢٢/ تشبيك الأصابع له ثلاث حالات:
الحال الأولى: عند التوجه إلى الصلاة، سواء كان في الطريق أو في المسجد قبل إقامة الصلاة، وحكمه الكراهة.
الحال الثانية: أثناء الصلاة، وحكمه الكراهة.
الحال الثالثة: بعد الفراغ من الصلاة، فلا بأس به، ولا يكره.
وفي غير هذه الأحوال من باب أولى أنه لا يكره، وما يعتقده بعض العامة من أنه لا يشبك بين الأصابع عند عقد النكاح لا أصل له.