![]() |
#1 | ||
مساعد للمدير العام ومستشار للمنتدى
![]() |
![]() فوائد منتقاة من برنامج مجالس الفقه لفضيلة الشيخ أ.د سعد بن تركي الخثلان وفقه الله
الاثنين ٦-٧-١٤٤٦هـ (استكمال دور عصر الخلفاء الراشدين- دور صغار الصحابة وكبار التابعين-عصر التدوين والأئمة المجتهدين): ١/ عصر الخلفاء الراشدين، يسميه بعضهم بدور البناء والنضج، والصحابة رضي الله عنهم كان الخلاف بينهم ليس كثيرًا، كان محدودًا، وكانوا يتشاورون إذا وقعت نازلةٌ من النوازل، يتشاورون فيما بينهم حتى يصدروا عن رأي. ٢/ الخلاف بين أهل العلم أمرٌ واقعٌ تقتضيه الطبيعة البشرية، فالناس يتفاوتون في عقولهم وفي فهمهم وفي حفظهم وفي إدراكهم وفي أمورٍ كثيرة. ٣/ كيفية التعامل مع هذا الخلاف: الخلاف الذي وقع بين الصحابة في المسائل الفقهية إنما اختلفوا بحثًا عن الحق والصواب. وقد وقع الخلاف في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، لما قال عليه الصلاة والسلام: "لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة". وهم سائرون في الطريق، حضر وقت صلاة العصر، فاختلف الصحابة: بعضهم أخذ بظاهر النص وقال: لا نصلي العصر إلا في بني قريظة ولو غربت الشمس ولو خرج الوقت. وقال آخرون: ما قصد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، إنما قصد حثنا على الإسراع وعدم التأخر. فتوقفوا وصلوا صلاة العصر في وقتها، ثم ساروا إلى بني قريظة. وقال ابن عمر: ولم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم أيًا من الطائفتين لأن كلا منهم مجتهد. فهذا أمر وقع حتى في زمن النبي عليه الصلاة والسلام. ٤/ ساق ابن القيم رحمه الله أمثلةً كثيرةً على اجتهادات الصحابة. ثم قال: "فالصحابة رضي الله عنهم مثلوا الوقائع بنظائرها، وشبهوها بأمثالها، وردوا بعضها إلى بعضٍ في أحكامها، وفتحوا للعلماء باب الاجتهاد، ونهجوا لهم طريقه، وبينوا لهم سبيله. وبهذا نقول إن الصحابة رضي الله عنهم خلفوا لمن بعدهم منهجًا فقهيًا عظيمًا يتأسى به فقهاء الإسلام في عصور الفقه المتتابعة". ٥/ كان هناك مفتون في زمن الصحابة، قال ابن القيم رحمه الله: الذين حفظت عنهم الفتوى من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مئة ونيف وثلاثون نفساً، ما بين رجلٍ وامرأة، مع أن عدد الصحابة كثير، يعني في حجة الوداع بلغ عدد من حج مع النبي عليه الصلاة والسلام قرابة مئة ألف. المفتون من الصحابة مئة ونيف فقط، وهذا يدل على أنه ليس كل أحدٍ يكون مفتيًا، إنما الفتيا تنحصر في طائفةٍ من أهل العلم. ٦/ كان المكثرون من الفتيا من الصحابة سبعة: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر. قال أبو محمد بن حزم: ويمكن أن يجمع من فتوى كل واحدٍ منهم سفرٌ ضخم. والمتوسط منهم فيما روي عنهم من الفتيا: أبو بكر، وأم سلمة، وأنس، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وعثمان، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وأبو موسى الأشعري، وسعد بن أبي وقاص، وسلمان الفارسي، وجابر بن عبد الله، ومعاذ بن جبل. هؤلاء ثلاثة عشر يمكن أن يجمع من فتاوى كل واحدٍ منهم جزءٌ صغير. ويضاف إليهم بعض الصحابة أيضًا كطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وعبادة بن الصامت، والباقون مقلون في الفتيا. ٧/كان الفقه في هذا العصر، عصر الخلفاء الراشدين، واقعيًا حسب الاحتياجات والظروف، ولم يكن مجرد تنظيرٍ أو تأصيلٍ نظري، بل كان تطبيقًا عمليًا لما يحتاجه المسلمون في حياتهم اليومية، ما يظهر من الوقائع ويجد من قضايا ونوازل. معنى "واقعيًّا" يعني أنه ليس افتراضيًّا. ولذلك كان الصحابة إذا سُئِل أحدهم عن مسألة جديدة أو نازلة، يسأل: هل وقعت؟ فإذا قال المستفتي: لم تقع، قال: إذا وقعت فاسأل. ٨/ لم تُدَوَّن أحكام الصحابة وفتاواهم، بل كانت محفوظة في الصدور ونُقِلَت إلى من بعدهم بطريق الرواية. ٩/ دور عصر صغار الصحابة وكبار التابعين: نطاقه الزمني يبتدئ من بعد عهد الخلفاء الراشدين، يعني من عام 41 هـ حين تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم، وينتهي تقريبًا بنهاية الدولة الأموية عام 132 هـ. ١٠/ هذا العصر يُعَدُّ من العصور المهمة في تاريخ الفقه الإسلامي، لأنه يمثل عند طائفة من العلماء امتدادًا لعصر البناء والنضج، ويعده كثير من كَتَبَ في تاريخ الفقه أنه هو العصر التأسيسي للفقه الإسلامي، باعتبار أن العصرين السابقين كانا إلى التشريع أقرب، ولأن المدارس الفقهية إنما نشأت في هذا العصر. ١١/ من أبرز معالمه: كان الفقه في هذا العصر يسير على نحو ما سار عليه في العصر الثاني، من حيث اعتماد التشريع فيه على الكتاب والسنة، وكذلك الإجماع والقياس، ومن حيث ارتباطه بالواقع في إصدار الأحكام. وقد تشعبت الآراء الفقهية في هذا العصر، وكثرت الخلافات في الأصول والفروع؛ نظرًا لتفرق المسلمين على إثر الفتن التي وقعت في زمن الصحابة في أواخر عهد الخلفاء الراشدين، وما صاحب ذلك من ظهور بعض الفرق المنحرفة كالخوارج، وأيضًا تفرق الصحابة في الأمصار. فبعدما توسعت الدولة وكثرت الفتوحات الإسلامية، وأَذِنَ عثمان رضي الله عنه لمن أراد من الصحابة أن يغادر المدينة للقيام بمصالح المسلمين في البلاد المفتوحة، ذهب من ذهب من الصحابة وغادروا المدينة واتصلوا بالناس في بلدان شتى. ١٢/ انتشر في هذا العصر ظاهرة تفقه الموالي، أي المعتقين، وبرز منهم من برز، حتى إن بعضهم أصبح من كبار علماء المسلمين. وذلك أنه بعد الفتوح الإسلامية، دخل كثير من هؤلاء في الإسلام، وأخذوا العلم عمّن اتصلوا به من علماء المسلمين، وكان بعضهم عنده من الذكاء والنبوغ وقوة العقل ما جعله يتعلم بسرعة وينبغ. ١٣/ في هذا العصر، شاعت رواية الحديث وكثرت. وكان هناك شيء من التساهل في الرواية، بعدما كان في عهد الخلفاء الراشدين شيء من المزيد من التثبت والتشدد في قبول الرواية. فلما تفرق الصحابة في الأمصار، ودُوِّنَت المصاحف في عهد عثمان، وزال الخوف من التباس السنة بالقرآن، شاع التحديث بالسنة وانتشرت رواية الأحاديث؛ لا سيما وقد خاف الصحابة أن يموتوا ولم يبلّغوا الأمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، مما دفعهم إلى إخراج ما في صدورهم من الأحاديث والآثار. ١٤/ بعد شيوع رواية الحديث وانتشارها، تبع ذلك كثرة الوضع في الحديث، حيث بدأ يظهر الوضع في الحديث والخطأ في الرواية ممن لم يكونوا من أهل الضبط والحفظ والعدالة، واختلاق بعض الفرق المنحرفة نصوصًا يزعمون أنها من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، يروّجون بها لبدعهم ويطعنون بها في دين المسلمين؛ مما جعل الحفاظ من علماء الإسلام يهرعون إلى تدوين السنة ويميزون الصحيح من الضعيف من الموضوع. ١٥/ كانت بداية تدوين السنة في عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، حين أمر عامله على المدينة أبا بكر محمد بن عمرو بن حزم وابن شهاب الزهري أن يدونا السنة وأن يستعينا بكبار العلماء في عصرهم، فدوّناها، وفتح بذلك عمر بن عبد العزيز الطريق للعلماء لتدوين السنة وجمع الأحاديث. يقول الزهري: "أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتبناها دفترًا دفترًا". فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترًا. ١٦/ يُعتبر بهذا الزهري أول من دوّن السنة بأمر عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى. ثم توالت بعد ذلك مصنفات السنة على أيدي العلماء، وأصبح الفقه في هذا العصر علمًا قائمًا بذاته، متميزًا عن غيره من العلوم، يبحث في الأحكام الشرعية. ١٧/ برز في هذا العصر مدرستان في الفقه: مدرسة أهل الحديث ومدرسة أهل الرأي. ١٨/ مدرسة أهلِ الحديث تركزت في مكة والمدينة مهدِ الحديثِ والسنةِ، وكان منهجهم قائماً على التقليلِ من القياسِ والرأيِ، والتمسكِ بالسنةِ والأثرِ. وأشهرُ علمائهم: الفقهاءُ السبعةُ، وكان إمامهم سعيدَ بنَ المسيبِ ثم انتشر منهجهم بعد ذلك في الأمصارِ، ونادى به كثيرٌ من العلماءِ، وانتهت رئاسةُ هذا المنهجِ إلى الإمامِ مالكِ بنِ أنسٍ، ثم إلى الإمامِ الشافعيِّ، ثم إلى الإمامِ أحمدَ - رحمه الله تعالى على الجميع. ١٩/ المدرسةُ الثانيةُ: مدرسةُ أهلِ الرأي، مدرسةُ أهلِ الرأي، والذين يعملونَ بالرأيِ والقياسِ فيما لا نصَّ فيه، ويكثرونَ من الرأيِ والقياسِ والمسائلِ المفترضةِ. ومن أبرزِ - يعني من قام على هذه المدرسةِ - إبراهيمُ النخعيُّ، شيخُ حمادِ بنِ أبي سليمانَ، الذي تتلمذ عليه أبو حنيفةَ، والذي انتهت إليه رئاسةُ هذه المدرسةِ. ٢٠/ كان بين المدرستين - أعني مدرسةَ أهلِ الحديث ومدرسةَ أهلِ الرأي - فروقٌ كبيرةٌ في الأصولِ والمنهجِ والاستدلالِ واستنباطِ الأحكامِ الاجتهاديةِ، ظهرت آثارُه ونتائجُه على المذاهبِ الفقهيةِ التي تلت هذا العصرِ. ٢١/ من أبرزِ الفقهاءِ في هذا العصرِ الذين اشتهروا بالعلمِ والفتيا: أولاً الفقهاءُ السبعةُ، وهم سعيدُ بنُ المسيبِ، وعروةُ بنُ الزبيرِ، وأبو بكرٍ بنُ عبدِ الرحمنِ المخزوميُّ، وعبيدُ اللهِ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عتبةَ، وخارجةُ بنُ زيدٍ، والقاسمُ بنُ محمدٍ، وسليمانُ بنُ يسارٍ. جمعهم الناظمُ في قوله: “إذا قيل من في العلمِ سبعةُ أبحرٍ ** روايتُهم ليست عن العلمِ خارجةَ” فقل هم: عبيدُ اللهِ، عروةُ، قاسمٌ ** سعيدٌ، أبو بكرٍ، سليمانُ، خارجةُ.” ومنهم أبو سلمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ، ومجاهدُ بنُ جبرٍ، وأبو بكرِ بنُ عثمانَ، وسالمُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ، وعكرمةُ مولى ابنِ عباسٍ، وعطاءُ بنُ أبي رباحٍ، ونافعٌ مولى ابنِ عمرَ، وأيضاً علقمةُ بنُ قيسٍ، والأسودُ بنُ يزيدَ، وإبراهيمُ النخعيُّ، وابنُ سيرينَ، وأبو إدريسَ الخولانيُّ، ومكحولٌ، ومحمدُ بنُ شهابٍ الزهريُّ وغيرُهم. ٢٢/ إذا وجدَ النصُّ فالمدرستان تعملانِ به، وهؤلاء العلماءُ كلهم ينشدون النصَّ ويطلبونه. إذا لم يوجد النصُّ، فمدرسةُ أهلِ الرأي تعملُ بالرأيِ والقياسِ أكثرَ من مدرسةِ أهلِ الحديثِ. ومدرسةُ أهلِ الحديث يغلبُ عليها إعمالُ الأثرِ والمقاربةُ لما وردَ في الأثرِ. ٢٣/ الدورُ الرابعُ هو عصرُ التدوينِ والأئمةِ المجتهدين، ويُعدُّ عصر النهضةِ الحقيقيةِ للفقهِ الإسلاميِّ، أو الكمالِ والنضجِ، وعصر تأسيسِ المذاهبِ الفقهيةِ وتدوينِ الفقهِ والأصولِ والحديثِ. ويبدأُ من نهايةِ الدولةِ الأمويةِ حتى منتصفِ القرنِ الرابعِ الهجريِّ تقريباً. وقد تأسسَ الفقهُ وأصبحَ علماً مستقلاً عن غيره من العلومِ في هذا العصرِ، له علماؤهُ المختصونَ المهتمونَ به، وله أصولُه ومعالمُه ومناهجُه. ٢٤/ من أبرزِ معالمِ هذا العصرِ أنه اكتملَ فيه تدوينُ السنةِ الذي ابتدأَ في العصرِ السابقِ على يدِ الزهريِّ بأمرٍ من عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ. ٢٥/ لا يخفى مكانة السنة في الفقهِ الإسلاميِّ فهي المصدرَ الثانيَ الأساسيَّ من مصادرِ التشريعِ ومصادرِ الفقهِ، وكانت أغلبُ مدوناتِ السنةِ في بدايةِ الأمرِ ممزوجةً بالفقهِ أو مُراعىً فيها الجانبُ الفقهيُّ. فمثلاً الإمامُ مالكٌ لما صنفَ الموطأَ، ألَّفَهُ على شرائعِ الإسلامِ، ومزجَ فيه الحديثَ بأقوال الصحابةِ وفتاوى التابعين ومن بعدهم، وركزَ على القضايا العمريةِ وعلى عملِ أهلِ المدينةِ. كذلك البخاريُّ في الصحيحِ، قطَّعَ الأحاديثَ وكررَها بناءً على الفقهِ الذي استنبطَهُ منها. ٢٦/ من أشهرِ كتبِ السنةِ التي أُلفت في هذا العصرِ: الموطأُ كما ذكرنا، موطأُ الإمامِ مالكٍ، وكذلك أيضاً مسندُ الإمامِ أحمدَ، وأيضاً صحيحُ البخاريِّ وصحيحُ مسلمٍ، وكذلك السننُ كسننِ أبي داودَ، وسننِ ابنِ ماجهَ، وجامعِ الترمذيِّ، وسننِ النسائيِّ. فهذه كلها دُوِّنت في هذا العصرِ. ٢٧/ ظهرَ في هذا العصرِ جملةٌ من العواملِ التي أدتْ إلى نشاطِ الحركةِ الفقهيةِ والحركةِ العلميةِ عمومًا، عناية الخلفاء العباسيين بالعلم عموماً وبالفقه خصوصاً؛ فظهر الفقهاء المجتهدون، وكثرت المناقشات والمناظرات بين الفقهاء، وكان لتشجيع الخلفاء العباسيين واهتمامهم بالفقه وبذل الأعطيات، وبناء المكتبات والمدارس العلمية دور كبير في نشاط الحركة الفقهية والعلمية عموماً. ٢٨/ من أمثلة ذلك: أبو جعفر المنصور كان يشجع على التصنيف، ومعلوم قصة أبي جعفر المنصور مع الإمام مالك حينما دعا أبو جعفر المنصور الإمام مالكًا وقال له: اصنع للناس كتابًا تجنب فيه تشديدات ابن عمر ورخص ابن عباس وشواذ ابن مسعود، واقصد إلى أواسط الأمور وما اجتمع عليه الصحابة والأئمة. فقام الإمام مالك وصنّف كتابه العظيم "الموطأ". فأراد أبو جعفر المنصور أن يحمل الناس عليه، يعني يلزمهم بهذا الكتاب، فرفض الإمام مالك ذلك وقال: إن الناس قد جمعوا واطلعوا على أشياء لم نطلع عليها. وهذا من إنصاف الإمام مالك وورعه وتمام علمه، حيث رفض أن يحمل أبو جعفر المنصور الناس على كتابه. لكن هذه القصة تدل على التشجيع الكبير من الخلفاء العباسيين للفقهاء في التصنيف وفي التدوين. ٢٩/ أبو جعفر المنصور أنشأ دار الحكمة وجُلبت إليها الكتب من كل مكان وترجمت العلوم وأودعت فيها. ٣٠/ تبنت الدولة العباسية المذهب الحنفي حين خصت أبا يوسف صاحب أبي حنيفة بأن أصبح رئيس القضاة في ذلك الزمن، وتولى هذا المنصب كذلك في عهد المهدي والهادي وهارون الرشيد، مما شجع على التمذهب والاهتمام بالفقه والتعليم والمذاهب، ودفع العلماء إلى توسيع دائرة الفقه والتأليف والتدريس والتعليم والجدل والمناظرة والتوسع في الرأي والخلاف، وأيضًا فرض المسائل التي لم تقع من باب تمرين الطلاب على الاجتهاد وشحذ الذهن وإمعان النظر والفكر؛ فظهر الفقه الافتراضي في هذا العصر، وقلنا إنه لم يظهر ذلك في عصر الخلفاء الراشدين، وكذلك أيضًا في عصر صغار الصحابة وكبار التابعين لم يظهر بشكل واضح، لكنه في هذا العصر برز وظهر. ٣١/ نشطت حركة تدوين العلوم في هذا العصر، تدوين السنة كما سبق، وكذلك تدوين التفسير حيث دُوِّن تفسير الصحابة للقرآن الكريم كتفسير ابن مسعود، وتفسير علي بن أبي طالب، وتفسير ابن عباس، وتفسير أبي بن كعب. ٣٢/ وظهر أيضًا في هذا العصر الفقهاء المجتهدون أصحاب المذاهب والاختيارات والآراء الفقهية، فظهر عدد من الفقهاء المجتهدين، منهم على سبيل المثال الحسن البصري، وكذلك سفيان الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، وسفيان بن عيينة، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، وداود بن علي، وابن جرير الطبري. وأيضًا بالإضافة إلى الأئمة الأربعة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد. ٣٣/ كان لهذه المذاهب منزلة كبرى في الفقه، إلا أن الله تعالى لم يكتب الدوام إلا لأربعة مذاهب فقط وهي الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة. فهذه المدارس هي التي بقيت إلى اليوم ولها أتباع وتلاميذ ومصنفات وأصول. أما بقية المذاهب فقد انقرضت واندثرت وزال أتباعها ولم يبقَ لها ذكر إلا في بطون الكتب والمصنفات وكتب التاريخ؛ ولعل ذلك ربما يكون لهؤلاء الأئمة إخلاص، ويكون لهم خبيئة أعمال، وأيضًا مكّن الله تعالى لهم ما لم يُمكن لغيرهم من جهة التلاميذ والأتباع، فانتشرت في العالم، ولا تزال إلى اليوم.
|
||
![]() |
![]() |
|
|