في مثل هذا اليوم وقعنا في الفخ

في مثل هذا اليوم وقعنا في الفخ

ليس كل من تزوّج فهم الزواج
وليس كل من فهمه عاشه
وليس كل من عاشه احتمله

الزواج علّمني قبل أي شيء
أن الإنسان حين يُقرّر أن يُحبّ
عليه أن يتهيّأ للحرب
لا حرب ضد الآخر بل حرب ضد
نفسه ضد توقعاته ضد فكرة
أن الحبّ يُكافئك كما تشتهي
وضد الأوهام التي يزرعها فيك
الناس والمجتمع والأفلام

كنت أظن أن المرأة إذا أحبتني فهمتني
لكنني تعلمت أن الحب لا يمنح
الآخر قدرة سحرية على قراءة نفسي
بل يُعطيه فقط رخصةً ليُقيم
فيها على مسؤوليته دون خريطة

الزواج هو فنّ أن تخرج من نفسك
ثم تعود إليها دون أن تُحمّل
رفيقك تكلفة هذه الرحلة
أن تُحِبّ دون أن تلغى
وأن تُشبع الآخر دون أن تُفَرِّغ ذاتك

علّمني الزواج أن كل واحدٍ منّا
يدخل بعقدٍ غير مكتوب
فيه بنود خفية:

أريد أن تُشبهني وأن تفهمني
دون أن أتكلم وأن تحبني كما
أنا دون أن تُشِير لأخطائي
ثم تأتي الحياة وتُلقي بك على
وجهك وتقول لك:

هل تريد أن تُحبّ حقًا إذًا تخلَّ
عن نصف ما تتوقع
وتعلّم كيف تحب
دون أن تنتظر المقابل

وأهم درسٍ تعلمته
لن تُرضيها تمامًا
ولن ترضيك تمامًا
ليس لأنها لا تُحبك بل لأن كلّ
منكما يريد شيئًا مختلفًا عن
الآخر في العمق حتى لو لم يعرفه
قد تريد القرب وهي تريد المساحة
قد تطلب الصمت
وهي تحتاج الحديث
قد تُعبّر بالغضب وهي تتلقاه كنبذ
كل هذا طبيعي
لكن غير الطبيعي أن تطلب منها
أن تكون أنت

الزواج لا يُظهِر لك الآخر
بل يُظهِر لك نفسك
تكتشف في علاقتك به
كم أنت أناني حين تتضارب الرغبات
كم أنت هشّ حين تُرفض
كم أنت ضعيف حين لا يُرى تعبك
كم أنت جبان في المواجهة
أو عدوانيّ في الحوار

الزواج مرآة
والعلاقة الحقيقية هي أن تظل
أمام هذه المرآة
ولا تكسرها حين ترى ما لا يُعجبك

الزواج ليس اتحادًا بين
شخصين طيّبين
بل بين اثنين كثيري الخطأ
لكنهما يُجيدان الغفران
وحين غفرتُ خفّ الحمل من
على ظهري
وحين غُفِر لي بكيت
فالغفران ليس إسقاطًا للخطأ
بل قرار وجودي أن أنتَ أهمّ
من جُرحي وأنني أراك أكبر من
اللحظة التي خذلتني فيها

أعمق لحظات التفاهم لم تأتِ
بعد اتفاقٍ كامل
بل بعد خيبة أمل كبرى
بعد لحظة فكرت فيها أن
ترحل ثم جلست وقلت:
طيب نبدأ من أول

العلاقات التي لم تمرّ
بالوجع سطحية
والزواج الذي لم يهتزّ
لم يُبْنَ بعد
ولتعلم يا صديقي أن العِشرة
أهمّ من الحب
وأعرف أن هذه الجملة
تجرح الحالمين
لكنني أقولها بكل ما رأيت
العِشرة هي المعجزة الوحيدة
التي تنقذ الزواج من العطب
لا الحب ولا الجنس ولا المال
ولا الحوارات الطويلة

العِشرة هي أن تراه يتغير
فتُحبّه مجددًا
وأن تراها تتعب فلا تبتعد
وأن تمُرّ سنوات وتعرف أنكما
صرتما شيئًا أكبر من أي كلام
شخصان لكن بينكما شيءٌ
لا اسم له يُشبه الجذور

ما علّمني إياه الزواج ليس فقط
فن العِلاقة
بل فنّ التحمّل النبيل الصبر
دون أن تتكسر
الكرامة دون أن تتجهّم
القيادة دون أن تُخيف
الاحتضان دون أن تُنكر وجعك

الزواج جعلني رجلًا آخر
أبطأ في حُكمي
أعمق في فهمي
أهدأ في غضبي
وأشدّ رحمةً بما لا يُقال


مرّت ولا أدري كيف
كل ما أعلمه أنني
لست نفس الرجل
كنت أبحث عن فتاة تُكملني
فوجدت امرأةً هدمتني وبَنَتني
وضحكت معي وبكت منّي
ثم احتملتني
ثم اختارت أن تظلّ
وهذا أعظم أنواع الحب

وأنا اليوم لا أقول
إننا كُنّا مثاليين
بل أقول نحن البشر الذين
تعثّروا وقاموا وواصلوا
وما زالوا يُحاولون
نُخطيء ونُصلح نبتعد ونعود
نجرح ونُقبّل نبكي ونضحك
نغضب ونسامح
لكننا رغم كل شيء
نمشي في الطريق سويًّا