|
![]() |
#1 | ||
مساعد للمدير العام ومستشار للمنتدى
![]() |
![]() المجاعة السوداء في الجزائر
(1866–1870) | عندما قررت فرنسا أن يُباد الشعب جوعًا لم تكن المجاعة الكبرى التي ضربت الجزائر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ناتجة عن تقلبات المناخ بل كانت نتيجة مباشرة ومقصودة للسياسات الفرنسية في قمع الثورات الشعبية المتواصلة التي لم تهدأ منذ نزل أول جندي فرنسي على شاطئ الجزائر فمنذ بداية الاحتلال واجه الفرنسيون مقاومة ضارية من الشعب الجزائري قادها الأمير عبد القادر وأحمد بو مرزاق وبو بغلة وفاطمة نسومر وغيرهم ولإخماد هذه الثورات لجأت فرنسا إلى سياسة شيطانية عُرفت باسم سياسة الأرض المحروقة وهي ليست مجازًا لغويًا بل جريمة حرفية سياسة الأرض المحروقة: من عام 1830 حتى منتصف القرن حرقت فرنسا القرى بكاملها وأحرقت الحقول والزيتون والكروم وسمّمت الآبار وهجّرت القبائل من أراضيها وصادرت آلاف الهكتارات لصالح المستوطنين الأوروبيين وذلك لانتاج مواد كمالية كالقطن وصناعة الخمور بينما تُرك الشعب الجزائري في العراء محاصرًا بالجوع والفقر ولم تكتفِ بذلك بل فرضت ضرائب قاسية على السكان رغم تدهور الزراعة ونهبت الثروات الزراعية وصادرت الحبوب من المخازن ضمن خطة منهجية لإخماد الثورة بحجة أن تلك القبائل تطعم المقاومين بحلول 1866 بدأت تظهر ملامح الفقر والمجاعة في المناطق الريفية التي كانت هدفًا مباشرًا لسياسة التهجير والحرق ثم في عام 1868 وقع الانفجار الأسواق خالية من الحبوب ماتت المواشي من الجفاف والجوع تفشى الجراد فالتهم ما تبقى من الزرع ثم جاءت الأمراض: الكوليرا التيفوس الزحار السل فصار الموت يحصد الناس أفواجًا صورة مفزعة الجزائر تموت: تشير الإحصائيات الرسمية الفرنسية نفسها إلى أن الجزائر فقدت خلال أربع سنوات فقط ما لا يقل عن 17% إلى 30.7% من سكانها من الجوع أي ما يعادل أكثر من مليون إنسان في بلد لم يكن يتجاوز عدد سكانه ثلاثة ملايين نسمة بعض الولايات فقدت ربع سكانها في أقل من عامين ومناطق شاسعة من الأراضي أصبحت مهجورة ولا يوجد فيها بشر قبائل بأكملها اختفت من الوجود قرى أصبحت مقابر جماعية لا يُرى فيها إلا هياكل العظمية وشوهد الناس يأكلون القطط والكلاب والجيف وبعضهم طبخ الجلود الميتة ليغليها ويشرب ماءها ووصل الأمر أن الجائع كان يعتدي على جندي فرنسي فقط ليُسجن ويأكل في السجن ووسط هذا الجحيم لم تُحرّك الإدارة الفرنسية ساكنًا لإنقاذ الناس بل زادت من نهبها ومنعت الإغاثة وأبقت الحبوب في مخازنها تُرسل إلى باريس بينما كان الجزائريون يموتون على الأرصفة في هذه اللحظة ظهر الكاردينال لافِيجري قس نصراني فراح يستغل الجوع لنشر المسيحية ويبشر بدين المحبة والسلام دخل القرى حاملاً الصليب في يد والخبز في يد وراح يُنصّر الأيتام الذين مات آباؤهم جوعًا ويعدهم بالطعام مقابل ترك الإسلام لكن المفاجأة التي دوّخت فرنسا كل من نجا من الموت فرّ من الكنيسة وعاد للإسلام فصرخ لافيجري في غضب هستيري يجب إنقاذ هذا الشعب من الإسلام يجب تقديم الإنجيل له أو طرده إلى الصحارى لقد كانت المجاعة في الجزائر سلاحًا فرنسيًا متعمدًا لإبادة أمة لا تقل وحشية عن السيف أو الرصاص لانهاك الجهاد والمقاومة واليوم ما يحدث في غزة من تجويع وحصار وتدمير متواصل هو امتداد مباشر لهذا الإرث الاستعماري الأسود نفس الوحشية نفس الأدوات نفس الجبن المقنع بكلمات "التمدن وحقوق الإنسان" فأي عدالة يُرجى من فرنسا وهل يُنتظر الإنصاف ممن جعل الخبز وسيلة تنصير والمجاعة طريق إبادة فرنسا المتحضرة لا بل فرنسا المتوحشة فرنسا شقيقة بريطانيا الاستعمارية التي صنعت المجاعة في الهند أيضا ترجون من هؤلاء الوحوش أنصاف البشر الإنصاف اليوم المصادر: أبو القاسم سعد الله تاريخ الجزائر الثقافي الجزء الثالث منشورات دار الغرب الإسلامي
|
||
![]() |
![]() |
![]() |
|
|