02-29-2008, 07:55 PM
|
#1
|
|
هكذا كانت عمتي
هكذا كانت عمتي
الحياة غالية وجميلة، والذي يجعلها كذلك نوع خاص جداً من البشر الذين يضفون قيمة ومعنى عليها، وبغير هؤلاء ترخص الحياة وتفقد بهجتها، وعندما تفقد انساناً او انسانة من هذا النوع فإنك تشعر انك خسرت قطعة من حياتك، لذلك يكون الحزن عميقاً, فالذي يرحل يأخذ معه جزءاً منك، ولا ينطبق ذلك الا على المؤثرين في الحياة، او من لديهم القدرة على صناعة واقع اجمل نستطيع ان نعيش في ظلاله.. هكذا كانت عمتي (بكرية) التي فقدتها منذ ايام. تتدفق الذكريات وتعيد الاحداث انتاج نفسها في شريط حياتي لأجدها هناك باستمرار في كل المشاهد ينطق لسانها بالحكمة المقطرة بتجربة السنين التي عاشتها، حينما اريد الاستفادة من فكرها اجدها عقلا قادرا على الحوار اعتاد على ان يغوص في اعماق الامور حتى يأتي بلؤلؤة المستحيل، لؤلؤة الحقيقة، وفي احيان اجدها نفساً مشعة بالحب والخير والقدرة على منح الدفء، فمهما كانت الازمات والاحباطات، فكلمة منها كانت قادرة على اعادتي الى حالة التوازن مرة اخرى، كانت تؤمن بأن الحياة لابد ان تتواصل، وان الراحة تكمن في باطن الألم، والحل يسكن في رحم المشكلة، وان النجاح قدر الانسان الذي يريد، هكذا كانت عمتي. كانت قارئة تحب ان تتعلم، وبقدر رغبتها في التعلم كانت نشوتها بنقل ما تعلمته الى الاخرين، ورغم ذلك كانت تؤمن ايضا ان كتاب الحياة مزدحم بالكثير من السطور التي تستحق القراءة، ذات يوم حدثتها عن فلاسفة كانوا يميلون مثلها الى قراءة الحياة ويؤمنون ان الفيلسوف الحقيقي لابد ان يبتعد عن الافكار النمطية التي تمتلئ بها الكتب والمؤلفات كانت البسمة ترتسم على وجهها الصافي وتقول لي: المهم دائماً ان يتعلم الانسان سواء من الحياة او من الكتب التي انتجها بشر عاشوا الحياة. وقضية تعلم الانسان من جامعة الحياة او الدراسة المنظمة كانت شغلها الشاغل وهكذا كانت عمتي. يندر ان تجد انسانا مثلها لديه ما كانت تتمتع به من قدرة على الاستماع الى الآخرين وعيونها تلمع بالحب والعطف والتعاطف، وبعد ان ينتهي من يتحدث معها من كلامه تصمت قليلا ثم تسيل الحكمة على لسانها لتصيب الهدف من اقصر الطرق الممكنة. علمتني الطموح وحب النجاح والصبر على تحقيق الاهداف والثقة في الذات ومواصلة العمل والاجتهاد، كانت سنداً نفسياً وانسانياً لمن يحتاج اليها. ادهشتني بحضورها المعرفي وتواصلها الانساني في حب الخير للجميع كما احزنتني كثيراً في رحيلها المر ولكن ماذا نقول امام قضاء الله وقدره (وما كان لنفس ان تموت الا بإذن الله كتابا مؤجلا).
الكاتب عبدالرحمن بن علي المشايخ
|
|
|