السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد أعتذر لانشغالي عن منتدانا الحبيب وعدت أحمل لكم مشاركة عن عبق الماضي الجميل ما بين عامي 1403 إلى عام 1404هـ وعن الدراسة في ذالك الحين ، علما أنني لست كاتبا أو قاصا ولكنها خواطر محب فتقبلوها ...
من حديث الذكريات 1
على صوت خفق اللبن ،وصياح ديكة الجيران ، وأصوات الثغاء هنا وهناك ، تنظر شرقًا فترى جبل ( الحَدَب) ماطًا هامته وقد عَصَبَ رأسه بعمامة بيضاء أهداها له ( الشَّعَف ) وكأنه يستعدُّ ليوم ثقيل من العمل الدؤوب! وتقلِّب بصرك في ناحية أخرى فلا ترى إلا غبار الماشية ثائرًا،وتسمع أصوات جلاجيلها يملأ الأفق! تسوقها البنات إلى المراعي ،- فالبنات في قريتي لا يتعلّمنْ حتى لا يكتبن رسائل الغرام، هكذا يزعم الآباء- تسمع صياح الأمهات والآباء قوموا ...اسرحوا ...محمّد مطر عدّا...! ووسط هذه المعمعة – أنشودة الصباح كل يوم – نستيقظ عندما يتسلل إلى أسماعنا صوت الوالدة ... قوموا ياحِباني ! المدرسة .فنقوم وما نريد! ما أبشعها من كلمة ... المدرسة ... وددت لو أصابتني الحمّى ، أو كُسِرتْ رجلي ، أو أو....لا رغبةً في الأجر وابتغاء ما عند الله من تكفير الذنوب؛ بل خوفًا من المدرسة !ويا ليتكم تعلمون ماذا يحصل في المدرسة! يصطحبني جابر يجرّني جرًّا - وهكذا كل أولاد القرية -، نذهب إلى المدرسة وكأنما نُساق إلى الموت ونحن ننظر! قد شُدّت على رأس كل واحد منا ومن تحت لحييهِ عمامة حمراء أو قل برتقالية اللون هو مأمور بعدم العَبَثِ بها مهما حصل حتى يعود ظهرًا فتفكها أمّه، نغذ السير عبر وادي (جلاجل) من بين المزارع فلا يوجد في قريتنا مدرسة ، وكم رأيت في طريقنا أمًّا تطارد ولدها ، وأبًَا يضرب ولده لأنه لا يريد أن يسرح ! أقدامٌ حافية ، وحذاء مشكّلة ، وثياب ممزقة ، وحقائب مترعة، وبكاء مرير ، وسبٌّ وشتائمٌ ، وتوسلٌ ورجاءٌ و...و... مشاهد يومية مألوفة في طريقنا للمدرسة .وما أن نصل باب المدرسة حتى نجلس منكسرين أمام باب السور قد جفّت منا الحلوق ، وترقرقت في المحاجر الدموع ،حتى يطل علينا أبو معتق فرّاش المدرسة ومعه (عبّوش) ! يَفتحُ الباب وهو يردد : يالله يا جَهَلَه ادخلوا! فندخلها وما نلبث إلا دقائق حتى نسمع أزيز سيارات المدرِّسين ونرقب لعل أحدًا منهم يغيب ، ولكن هيهات!يُنفَخُ في الصور فنؤدي طابور الصباح ، تسمع الأنين والنشيج يتخلل صفوفه ، والمدير يلوّح بعصاه ويده الأخرى على بطنه، أين الغائبون أمس ؟ يخرج واحد أو اثنان فيصبّحون بعصوات مؤلمات من شجر النَّبْع الأخضر الليّن - واسألوا من ذاق مرارة ألمه ولسعَه وحُرقتَه -، تتفطر حزنًا عليهم الأكباد ، وتخفق خوفًا عليهم القلوب ، ولا سبيل لنجدتهم لأننا نبكي عندما نرى العصا ، ونبكي عندما نرى المدير ، ونبكي عندما نتكلّم ، ولن أُخبرك بما بعد الضَّرب! ، ثم نذهب راشدين أقصد محشورين إلى الفصول...