هنا الشعر الفصيح ومايتعلق به

‏يروىٰ أن شاعرًا دخل على الأديبِ جمال الدين ابن نباتة فَوجد في بيتهِ نملاً كثيرا فأراد أن يغيظه فأنشدَ يقَول:

مالي أرىٰ منزلَ المولَىٰ الأدِيبِ بِهِ
نَملٌ تتابعَ في أرجائهِ زُمرَا

فَردَّ عليه ابن نباتة قائلاً:

لاتَعجبنَّ حلولَ النملِ ساحتَنا
فالنّملُ من شَأنها أن تتبع الشُعرَا

يقول المُتنبي في مدحٍ لنفسه أشبه بالذّم:

‏وقد كنتُ أدركْتُ المُنى غير أنّني
‏يُعَيّرُني أهْلي بإدراكها وَحْدي.

وكذلك ابن الرومي يقول:
وأشهد أنّي ناقصٌ غيرَ أنني
‏إذا قِيسَ بِي قومٌ كثيرٌ تَقَلَّلوا

‏يُخطئُ البعضُ فيقول :
المالُ والمنصبُ يُغيِّرَانِ الرجلَ
والحقّ أنهما يكشفانِ عن معدنِهِ الحقيقي
هذا محمد بن الحسن كان له صديقٌ نالته عُسْرَةٌ ثم تولى منصبًا وتنكّر عليه فكتب له:

لَئِنْ كانَت الدُنيا أَنالتكَ ثَروةً
وَأصْبَحتَْ مِنها بَعْدَ عُسْرٍ أَخا يُسْرِ

لَقَدْ كَشَفَ الإِثراءُ عَنْكَ خَلائِقًا
مِن اللؤْمِ كانَت تحْتَ سِتْرٍ مِن الفَقْرِ

عَرَفتُ لَها دارًا فَأَبصَرَ صاحِبي
صَفيحَةَ وَجهي قَد تَغَيَّرَ حالُها

فَقُلتُ لِنَفسي مِن حَياءٍ رَدَدتُهُ
إِلَيها وَقَد بَلَّ الجُفونَ بِلالُها

أَمِنْ أَجْلِ دارٍ صَيَّرَ البَيْنُ أَهلَها
أَيادِي سَبَا بَعدي وَطالَ احتِيالُها

فُؤادُكَ مَبثوثٌ عَلَيهِ شُجونُهُ
وَعَينُكَ يَعصي عاذِليكَ انْهِلالُها

ذو الرمة

وتمضي سُوَيْعاتُنا كالسراب
‏وآمالُنا لم تَزَل ناشِئة

‏تَشطُّ بِنا الأمنيات بعيدًا
‏وتَغْمِز خيْباتُنا هازِئة

‏فيارب نورا يُضيء الطريق
‏ويمنحنُا العيشة الهانِئة

‏وجَبْرا يليق بجود المليك
‏يُغذّي أحاسيسنا الدافئة

‏وغَيْثا على جَدْب أرواحنا
‏يُبَلِّل تُرْبَتنا الظّامئةْ

عبد الله السعيدي

نثني عليهِ وإنْ تكرَّمَ غَيْرُهُ
فتراهُ مَشْكُورًا بما لم يُسْدِهِ

عِلمًا بأنّ بني السَّماحِ تعلَّمُوا
منه فكلُّ صنيعةٍ من عِنْدِهِ

....

لاخيرَ في أوجهٍ صِباحِ
تُسْفِرُ عن أنفسٍ قِباحِ

كالجُرحِ يَبنِي على فسادِ
بظاهرٍ ظاهرِ الصَّلاحِ

....

فيا لكِ ليلةً طالتْ ودامتْ
فليسَ لصُبْحِها عنها انسِفَارُ

أسائلُها لأبلغَ مُنْتَهاها
لعلَّ الهمَّ يُذْهِبهُ النَّهارُ

ابن أبي جرادة

نَقِّل ركابك في الفَلا
ودعِ العوالي والقُصُورْ

فمحالفوا أوطانِهم
أشباه سكّانِ القبورْ

لولا التغرُّب ما ارتقى
دُرُّ البحورِ إلى النحورْ

....

أمّا فلسطينُ فالأيامُ شاهدةٌ
‏أن العدوَّ تمادى في روابيها

‏وعاث فيها فساداً لا يُكافئُه
‏إلا لَظَى سقَرِ يُصْليهِ حاميها

‏فهذه غزّةٌ تبكي لها رَفَحٌ
‏بُكاءَ ثَكْلى قد اشتدّتْ مآسيها

‏وهذه ساحةُ الأقصى مُدَنَّسةٌ
‏للمعتدين اختيالٌ في نواحيها

‏كُلُّ القُرى في فلسطينِ الإباء لها
‏حكايةٌ يُشعِلُ الآهاتِ راوِيها

‏الكلُّ مُسْتَهدَفٌ شيخٌ ومُثْقلَةٌ
‏بحَمْلها وصِغارٌ في مَغَانيها

‏الدُّورُ صارتْ قبوراً تحتَها دُفِنَتْ
‏براءةُ الطفلِ وانهارت مَبانيها

‏هذي فلسطينُ تشكو طولَ غُربتِها
‏تبدو مُرَزّأَةً فاضتْ مآقيها

‏ياربّ ياناصرَ المظلوم ليس لها
‏سواك يُنصِفُها ممن يُعاديها


عبد الرحمن العشماوي