هل مشائخنا عملاء لإسرائيل؟

لم أكن أود أن يكون لي رأي فيما دار ويدور من لغط حول بعض الفتاوى التي صدرت من بعض المشائخ في هذه البلاد، وذلك لأمرين:
أولاً أن هذا اللغط الحاصل كان حول فتاوى ليست بالجديدة، بصرف النظر عما هو الراجح فيها وما هو المرجوح.
ثانياً أن هذه الاختلافات الحاصلة ليست ذات أهمية بالنسبة لي لأنها لم تكن ذات مردود عملي كبير.
ولكن ما الذي اضطرني للكتابة بعد هذا؟ كنت في ضيافة رجل يتجاوز الستين من العمر، وليس له من الاهتمامات إلا ما لعاميّ بلغ من الكبر عتيّاً، ولفت اهتمامي كثرة الحديث عن الفتاوى التي يروج لها الإعلام الذي يقتات على كل مثير ومغري، وكذلك تعليقات هذا المسن وتحليلاته لتلك الفتاوى.
ولا أخفي القارئ الكريم أن ذهولاً انتابني وأنا أتأمل هذا الستيني وهو يروي حكاية الفتاوى (العظيمة) التي بهرت العالم وأتت بما لم يستطعه الأوائل، وكيف أن هذه الفتاوى بدأت تؤتي أكلها التي لم تُصنع من أجلها أصلاً، وكيف أنها كانت ملهاةً للناس عما يجب عليهم أن يشتغلوا به.
ومن المضحك أنني رأيت أحد المسؤولين في إحدى الجهات قد صور عشرات النسخ من القصائد العنترية التي يتقاذف بها المختلفون ليكون له قصب السبق في إفادة زملائه الذين لم يطلعوا على تلك القصائد بعد، فما كان مني إلا أن سألته متندراً: هل أفتاكم أحد بجواز تصوير هذه القصائد في هذه الدائرة الحكومية؟
إن العالم العربي والإسلامي اليوم يغلي بقضايا كثيرة، وللأسف أن أكثرها تدعو للحيرة ولا تنبئ بخير، فمن الاستعباد والاستخذاء اللعين إلى القضايا السياسية الساخنة، إلى الحروب الطاحنة، إلى الجهل المستشري في الأمة، إلى الفقر المدقع الذي أكل أكباد الناس، إلى قضايا الفساد الإداري والمالي الذي يؤذن بحرب من الله في الداخل والخارج، إلى غيرها من قضايا الجهل والانحراف وتدني الهمم وضحالة الثقافة.....ولن ينغلق الباب.
وبمجيء هذه الفتاوى ازدادت الفجوة بين الناس وبين قضاياهم ذات الأهمية الحقيقية، ولو أن مشائخنا الكرام صرفوا جهودهم في مسائل تستحق البحث وينبني عليها عمل جبار ينقذ الأمة من كبوتها أو يرفع رأسها من الحضيض، لكان ذلك أجمع للكلمة وأنفع للأمة وأقرب للتطبيق، بل وأجدر لشهرة طيبة لهم إن كانوا يبحثون عن شهرة.
إننا في الوقت الذي تتحارب فيه الأقلام لإثبات حكم شرعي أو نفيه، ثم الدفاع عن أحد الطرفين والتندر بالآخر، ثم الوصية بالحجر عليه، في هذا الوقت لم نجد كلمة صارمة تشفي الغليل فيما يدور في غزة التي تتوافد عليها قوافل كسر الحصار إلا من جهتنا، وفي هذا الوقت لم نجد مشروعاً جاداً لاستنقاذ شبابنا من براثن الجهل المركب والثقافة الضحلة، وفي هذا الوقت لم نجد من ينبري لإشعال شمعة من نور لفضح الفساد والمفسدين، وفي هذا الوقت لم نسمع بخبر عن مشروع إعلامي أو غيره ينافس مشاريع صد الأمة عن معتقداتها ومبادئها، إلا ما ندر.
إن بعض مشائخنا يخدم مشاريع الأعداء دون أن يعلم، فيساعد على إبعاد الأمة عن قضاياها المصيرية، ويزيد الهوة بين الشعوب ومشكلاتها الجسام، ويعين الأعداء على تجهيل الأمة بما يحاك لها من دسائس ومؤامرات، فتبقى الشعوب سجينة الغفلة عن كل مهم، وتبقى البلدان في غياهب الجهل وظلام التزييف وهم يظنون أنهم في أنوار العلم وقمم البصيرة.
وهنا أعيد السؤال هل أولئك المشائخ عملاء لأعداء الأمة أم هم يسيرون على ما تربوا عليه منذ نعومة أظفارهم (يحتسبون) على خدمة أعداء الأمة دون أجر يرجونه إلا من الله تعالى.