الأمثال الشعبية تتغير بتغير الأزمان

الأمثال الشعبية تتغير بتغير الأزمان


ناصر الحميضي
ليست كل عادة حسنة هناك عادات استحسنها الناس فترة من الزمن لأسباب لهم فيها قناعاتهم في حينها سواء حصلت صدفة وبمرور الزمن أو اتفقوا عليها ابتداء، ومع الوقت تأصلت في المجتمع واحترمها الجميع لأنها تؤدي منفعة، وبالإمكان تغييرها أو إدخال تعديلات عليها فهي ليست مبدأ ولا ديناً ولا من الثوابت، مثل عادة فتح الباب وعدم إغلاقه طيلة اليوم، فبعض أهل البلدان أو المكان في الحضر أو في البادية يرونها ضرورية، مع الافتخار بهذه العادة لتحقيقها فائدة للضيف والطارق وذي الحاجة، والمجتمع والأفراد في الخيار بين الاستمرار أو تركها لأنها عادة منهم ولهم، من وافقهم أخذ بها ومن لم يوافق لم يقم بها، ولا تكون عادة إلا إذا عمت أغلب أفراد المجتمع وعرفوا بها، أو تطبيق بعض الأفراد لها فلا تعد عادة اجتماعية، بل حالات فردية، والحالات الفردية شأن خاص بهم.

ومثلها ليست ملزمة حتى ولو تحولت بفعل الضغط الاجتماعي إلى إلزام عام مع الزمن لكن تبقى في دائرة الخيار فمن أراد كسرها فله ذلك.

ومن العادات أو السلوم المتعارف عليها في بعض المجتمعات السابقة واللاحقة في الولائم التي تقدم للضيف أو مجموعة الضيوف على مائدة واحدة؛ أن يتولى زمام أمر البدء والانصراف من على المائدة الضيف نفسه، فهو يعرف كم من الوقت يكفيه ومن معه لكي يتناول هو ومن معه الكمية المناسبة من الطعام بحسب سفرهم وجوعهم وبحسب كمية الطعام المقدم، وأيضاً يقدر الباقي الذي يكفي لمن سيأتي بعدهم سواء من أهل البيت الذين ينتظرون أو ربما وفدوا من تجوالهم.

فإذا رأى الضيف أن ما تناوله الحضور يكفيهم أو قارب على الكفاية قام مقدماً الشكر.

وعلى الجميع أن يقوموا من على المائدة لترك البقية لمن هم لا يزالون ينتظرون، ومن العيب البقاء بعد ذلك، لأن البقية ليست لهم.

وهذه عادة فرضها الواقع وأيدها المجتمع ولا تنافي مبدأ ولا ديناً وليست من الثوابت، فلهم أن يبقوها أو يلغوها بحسب تحقيقها المنفعة من عدمها.

ويبدو أن الوقت محسوب سواء وقت الانتظار أو مدة تناول الطعام، فقد جاء في الأمثال الشعبية «كل أكل جمال وقم قبل الرجال» وهذا المثل لا يعني الشره والطمع بقدر ما يعني عدم ضياع الوقت عليك وعلى من بعدك، وقد كانوا ينفرون ممن يبقى على المائدة بعد انصراف الأكثرية.

كذلك جاء المثل الشعبي «مقابل الجيش ولا مقابل العيش» والذي يعني عدم تفضيلهم لمن يتأخر عن الحضور، وكذلك من يؤخر تقديم المائدة دون سبب، كذلك هو رفض لمن يتعمد تعطيل الحضور بجلوسه بعيداً وهم ينادونه ليحضر وليبدأ حتى ينتظم الجميع على المائدة، فبعض الناس يجلس بعيداً ويكمل حديثه وكلامه الذي لا معنى له وقد قدم الطعام ونادوا على البدء. وللثعالبي في هذا الشأن عدم استحسانه انتظار واحد متأخر وترك جماعة جياع ينتظرون من أجل تناول الطعام قوله:

رسم جرى في الناس ليس بفاضل

جوع الجماعة لانتظار الواحد

فالمعنى واضح يقول: إن ما يجري من عادة ليست فاضلة، والكل يقول مع الثعالبي: إن العقل والمنطق لا يؤيدها أيضاً، ولا تخدم مصلحة ولا تحقق منفعة.

وهذه العادة نشأت في ظروف كثيرة اختلفت اليوم، ولم يعد لها مبرر، فمن أحب أن يبقيها فليبقها ومن أحب تغييرها فليغيرها فهي عادة اجتماعية وليست من الثوابت.

ولا تزال العادات تتنوع وتتجدد فهناك مثلاً من يتبع نظاماً في صب القهوة فيبدأ بالكبير وربما بدأ بكبير السن أو المنصب أو الضيف أو الغريب أو الوالدين أو الأخ الأكبر أو التزم بالثوابت وهو البدء باليمين.

ولا تنتهي السلوم والطرق والعادات إلى حد تقف معه بل تتغير بتغير الأزمان والأمكنة والمجتمعات