منتديات قبائل شمران الرسمية


المنتدى العام مخصص للمشاركات العامة والمتنوعة)(تطوير الذات)(سوق الأسهم)

 

 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع

قديم 01-28-2024, 07:03 PM   #1
 
الصورة الرمزية مدحت السعودي
 

مدحت السعودي is on a distinguished road
Arrow بكوا حتى جفَّت مدامعهم


بكوا حتى جفَّت مدامعهم


البكاءُ والنَّحِيطُ متنفسٌ للإنسانِ، وعاملٌ مهمٌّ في تكوينِهِ العاطفيِّ، ولا يوجدُ إنسانٌ بلا عاطفةٍ أو رحمةٍ تتخلَّل قلبه، وقد يعترضُ أحدهم ويقول الرِّجالُ لا يبكُونَ وإنَّمَا يكفيهم الحُزنُ العابرُ، فالبكاءُ للنِّساء؛ لأنَّهُنَّ خُلِقنَ من ضعفٍ بعكسِ الرِّجال!


قبلَ أنْ أبدأ في سردِ المقالِ، لابُدَّ أنْ أزيلَ هذا الإشكال الذي بُني على الجلافةِ!

أقوى الرِّجال وأكملهم محمدٌ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فقد بكَى في مواقفَكثيرةٍ، ومنها بكاؤهُ على ابنهِ إبراهيم فقال: (إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ).


وخليفتُه أبو بكر الصِّديق -رضي اللهُ عنه- عندمَا أراد النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنْ يقدِّمه نيابةً عنه للإمامةِ قالوا عنهُ إنَّه رجلٌ أسيفٌ -أي كثير البكاء-، وكذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وما أدراكم ما عمر، كان في وجههِ خَطَّانِ أَسودَانِ من الْبُكَاءِ. ولا تجدُ أحدًا من السَّلفِ إلَّا وله حظٌ من البكاء، بل وصل الحال لبعضهم إلى العَمَى، يقول الشاطبي -رحمه الله-: «جاء عن السَّلفِ تردادُ البكاءِ حتَّى عُمِيت أَعْيُنِهم».

للبكاءِ دوافعُ كثيرةٌ، وأسبابٌ متعدِّدةٌ، قد يكون من خشيةِ الله، أو الحزنِ، أو العشقِ، أو غير ذلك، فالقاسمُ المشتركُ بينهم سكبُ العَبَرات على الخدودِ؛ ليكون متنفسًا للقلب، أو بمعنى آخر مناجاةً وشكوى بين القلب والعين بلغة لا يفهمها بقيَّة أعضاء الجسد!

وأجملُ مَن تنفسَ بالبكاءِ وعبَّر عنه هُم الشُّعراء في مراثيهم وغزلهم، تقول الخنساءُ في رثاء أخيهَا:

كأنَّ عَينِي لِذِكْرَاهُ إذَا خَطَرَتْفَيْضٌ يَسِيلُ علَى الخَدَّينِ مِدْرَارُويقولُ الجواهريُّ في رثاء زوجته:

عَزَّتْ دُمُوعِيَ لَوْ لَمْ تَبْعَثِي شَجَنًا

رَجعْتُ مِنهُ لِحَرِّ الدَّمْعِ أَبْتَرِدُ

خَلَعْتُ ثَوْبَ اصْطِبارٍ كَانَ يَستُرُنِي

وَبَانَ كِذْبُ ادِّعَائِي أنَّنِي جَلِدُ

بَكَيتُ حتَّى بَكَا مَن لَيْسَ يَعْرِفُنِي

ونُحْتُ حتَّى حَكَانِي طَائرٌ غَرِدُ

وأمَّا أهلُ الغَزلِ والنَّسيب، والعشقِ والتَّشبيبِ، فلهم باعٌ طويلٌ في البكاء والنَّوح، والشَّكوى والبوح، سأذكرُ في المقالِ بعضًا منها، وهي غيضٌ من فيضٍ، وبَرْضٌ من عِدٍّ، وجمعتُ منه الكثيرَ في سفرٍ مازال في سردابٍ مظلمٍ منذُ سنوات يخشَى مواجهةَ النَّاس، ويُقال إنَّ اسمه أضواءُ القناديلِ علَى أجملِ ما قِيل في الغَزلِ وعذبِ الأقاويلِ، أعودُ إلى ذكرِ البكاء لأهلِ العشقِ في أشعارهم، فلهم من الكلام أجزلُهُ، والوصف أجملُهُ، ومن المعاني أدقُّهَا، والألفاظ أعذبُهَا!

يقول عمر بن أبي ربيعة:

وَالدَّمْعُ لِلشَّوقِ مِتْبَاعٌ فَمَا ذُكِرَتْ

إِلَّا تَرَقْرَقَ دَمْعُ العَينِ فَاِنسَكَبَا

ويقول البحتريُّ:

قَدْ أَرَتكَ الدُّمُوعُ يَومَ تَوَلَّتْ

ظُعُنُ الحَيِّ ما وَراءَ الدُّمُوعِ

عَبَراتٌ مِلءُ الجُفونِ مَرَتهَا

حُرَقٌ فِي الفُؤادِ مِلءُ الضُّلوعِ

ويقول كريم العراقي:

وَعَذَرْتُهُ لمَّا تَسَاقَطَ دَمْعُهُ

وَنَسِيتُ أيَّامًا بِهَا أَبْكَانِيلقد أطلتُ الكلامَ فالكلامُ كثيرٌ، وأَخْشَى مِن المَللِ أنْ يعتريكم، فإنِّي اكتفِي بهذا القدرِ، وأتوقَّف فالشُّعر يلحقُ الكلام ببعضه، ويسرق الوقت!



الكاتب أيمن علي الخميسي




التوقيع

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
مدحت السعودي متواجد حالياً   رد مع اقتباس

 

مواقع النشر




ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات شمران الرسمية