الذباب الإلكتروني ..

هذا المصطلح ليس جديدا كما يعتقد كثير من الناس , فقد ظهر اول ما ظهر في البرازيل عام 2010 م , مترافقا مع الصراع على حملة رئاسة البرازيل حينها , ولكنه اصبح عالميا مع خلاف الأشقاء في الخليج بعد ان تجاوز كل الأخلاق والأعراف من اجل انتصار طرف على طرف , ونظرا لحقارة الفعل ومن يعمل به فقد اطلق عليه في كل العالم " الذباب الإلكتروني " ..
اذن الذباب الإلكتروني , مصطلح يعبر عن استخدام الحسابات المزيفة بكثافة في اتجاه معين ، سواء للدفاع عن وجهة نظر معينة ، أو الهجوم على وجهة نظر أخرى مغايرة , واكثر ما يستخدم هذا الأسلوب في المنصات الاجتماعية والمنتديات وفي مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية وحتى قضايا الفن والرياضة .. الخ
فهم عبارة عن افراد مزودين بما يلزم من حواسيب يعملون على تكثيف نشر منشورات معينة وبأعداد هائلة تتضمن معلومات غير كاملة أو كاذبة ، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى صعوبة الوصول إلى المنشورات الحقيقية ، بهف تزييف الحقائق وتضليل الرأي العام ، وذلك خدمة لمصالح بعض الدول أو الكيانات أو الأشخاص ..
يعمل الذباب الإلكتروني على فرض أمر واقع ، من خلال التأكيد على أن مناصري فكرة معينة أو رأي محدد هم الأغلبية حتى لو كانت باطلة ، لهذا تحتاج هذه التقنية إلى الكثير من الحسابات المزيفة حتى تؤدي دورها وربما تنجح , حيث يعمل الذباب الإلكتروني على قمع الرأي المخالف من خلال التعليقات المعارضة وكذلك نشر منشورات هجومية على الرأي وصاحبه أو الجهة المستهدفة ..
لا يعرف بالضبط من يقف وراء هذه الجموع من الذباب الإلكتروني , وان كان يبدو ان هناك جهات حكومية وتمويلية هي من تقف وراءهم وتدعمهم بالمال والأجهزة الضرورية , فمهمة الذباب الإلكتروني الأساس هي الدفاع عن فكرة معينة والهجوم على فكرة مضادة ، وهذا الأسلوب يستخدم كافة الأساليب بما فيها تزييف الحقائق والسب والشتم والتخوين وتكفير الآخرين وبث خطاب الكراهية علانية , وفي الأعم الأغلب تكون هذه الظاهرة موجودة بقوة في المواضيع السياسية , حيث تلجأ بعض الدول إلى التأثير على الرأي العام لحسم الخلافات السياسية مع دول أخرى لصالحها مستهدفةَ إياها من خلال ترويج الأكاذيب والشائعات باستخدام الحسابات الوهمية , ولكن في الوقت الذي تستعين فيه الحكومات بهذه الظاهرة ، تلجأ المعارضات أيضًا إلى استخدامها من أجل تحقيق أهداف سياسيّة ، وبنفس الطريقة، من خلال نشر ملايين التعليقات المسيئة إلى الحكومات ، وغيرها من المنشورات من حسابات وهمية أيضا ..
استخدام الذباب الإلكتروني وصل الذروة ابتداء من عام 2017 م , على خلفية الخلاف الخليجي حيث لعبت الحسابات المزيفة وعمليات القرصنة الالكترونيّة على مستوى الدول والاختراق دور المحرّك الرئيسي للأحداث , وهي من عقد الأزمة واعطاها زخما اكبر من حجمها , حتى ظننا انها لن تحل ابدا ..
وانا اعتقد انه كلما نقصت المعلومة الصحيحة زادت مساحة تأليف القصص من خلال استغلال مساحة الفراغ الناتجة عن نقص المعلومات او عدم دقتها , وما يتبعها من شائعات يُروّج لها باعتبارها حقائق مطلقة غير قابلة للشك أو التكذيب , بينما هي كذب في كذب , فهذه هي البيئة الحقيقية التي يعيش فيها الذباب الإلكتروني إما بشكل أتوماتيكي أو من خلال محترفين متخصصين في أسلوب التواصل والتأثير مع العالم الافتراضي بشكل متكرر لا يلاحظه المستخدم العادي لتكون النتيجة إعجاب وإعادة توجيه وتغريد وتعليق ليظهر الأمر في ظل انعدام الضوابط الأخلاقية أو المعايير المهنية بأن هذا هو الرأي العام للناس ..
وأخيرا الذباب الإلكتروني مثل ذباب الروث لا يقع الا على الأوساخ والحذر منه ومن العاملين فيه اوجب من الواجب , وطبعا انا هنا استثني الوطنيين الذين يدافعون عن معتقداتهم واوطانهم بالحق وليس الباطل من اجل إرضاء جهة او شخص فهؤلاء ابطال الكلمة الصحيحة في المكان الصحيح ..
يقول لي احد المتابعين الجيدين لهذه الظاهرة , ان هناك شروطا لمن يلتحق بهم وان الأمور ليست ( سبهلله ) , فأهم شروط من يعملون فيه كما يقول الخبير , هو الحرص ان يكون العضو عديم الأصل ان امكن , حتى لا تتعرض حمولته لازدراء المجتمع ..
ثم ينبغي أن يكون ممن لا يحملون أية قيمة للدين ، فالدين لديه هين ولا يهتم لأمور الدين أبدا ، لا شرعية ولا أخلاقية ..
ثم يتوجب عليه ألا يحمل أية قيمة وطنية , انتمائه فقط للوظيفة وليس للوطن ، والإخلاص لمن يدفع له، لا لأي قيمة أخرى , لذلك هو يكتب ويعلق ويقول ويردد بحسب ما يطلب منه نصا دون أدنى تفكير هل هذا في صالح الوطن أم ضد مصالح الوطن ..
ثم أخيرا , عليه ألا يحمل أية صفة أخلاقية أبدا ، يشترط أن يكون تافها سيئ الخلق ، لأن الأخلاق ولو في حدها الأدنى ، قد تقلل من حماسه لبعض القضايا التي يطلب منه الخوض فيها ، لذلك يغلب على ردودهم وتعليقاتهم ومواضيعهم السوقية والتفاهة والانحطاط بشكل واضح جدا وخصوصا في مواقع التواصل الاجتماعي ..
وختاما , فأن هذه الظاهرة عالمية ولا تتعلق ببلد معين ولا بشعب معين , فقد حدثت حتى في احداث أمريكا الأخيرة ..