ما هي القصّة القصيرة؟
لنبدأ بالتعرّف...
(حدث ذات مرّة)، يا لها من جملة سحرية ألفنا سماعها.. وما هي إلّا دعوة تتكرّر وتتأكّد، إذ يقول أحدهم: (اجلس واصغ، سأخبرك هذه القصّة...).
ربّما كانت مُتعة مُحدّدة، لكنّها كافية أن تستمتع بقصّة ما جيِّدة، تقابلها مُتعة كتابة قصّة جيِّدة كذلك.
هنا لابدّ من القول إنّ مبدأ القصّ كفعل إبداعي يجب أن يُكتشف حالما يلج الإنسان ميدان اللغة.
فالقصّ موجود واقعياً ومكتوب بشكل أو بآخر منذ آلاف السنين على رقائق (البرديات) في مصر القديمة وعلى ألواح الطين في بابل وسومر.
وربّما كانت الرسوم على جدران الكهوف في التاريخ السحيق هدفها البوح بنوع ما من (القصّ)؟ أن يروي ذلك الكائن إحساساً ما أو فكرة، وفي تلك العهود كان جلوس الإنسان حول النار سواء للطهي أو التماساً للدفء منطلقاً كي يروي أو يقصّ، وكذلك كان يفعل وهو يتّجه للصيد أو القنص، إذ كان يقصّ يومياته ومشاهداته، وفي كلّ الأحوال فأنّ الحضارات حول العالم كانت تستخدم القصص لكي تكشف عن التاريخ وتروي سيّر الأبطال وممارسات الآلهة القديمة.
ولعلّ الرغبة في القصّ اليوم ليست بأقل قوّة مما كانت عليه بالأمس.
والسؤال الآن هو: لماذا نكتب القصص ؟ ولماذا يكتب الكتاب قصصهم ؟
والجواب، هو أنّ هنالك سببان:
السبب الأوّل: هو أنّ لدينا أو لديهم ما نريد أو ما يريدون قوله.
السبب الثاني: وهو الدافع الموازي للسبب الأوّل، هو الرغبة في الاكتشاف.
إذن ستكون الكتابة في أحد أهم محركاتها هي الرغبة في الاكتشاف، فعبر القصص بأمكاننا أن نختبر الأشياء والأفعال، أن نحمل الجمل بأفكارنا وتجاربنا، وفي عملية الكتابة القصصية نبلغ مرحلة فهم أعمق للعالم وللناس ولأنفسنا.
فعندما يقرأ شخص ما ما كتبناه، فسيكون قد شاركنا وشاركناه ولو قليلاً هذا المفهوم وفوق ذلك فأنّ الكتابة القصصية يمكن أن تكون مُتعة عظيمة.
إذن ابر قلمك أو شغّل كومبيوترك، ولنبدأ.
ما هي القصّة القصيرة؟
يقودنا هذا السؤال إلى استرجاع (المفهوم)، وما هو المقصود بالقصّة؟ لهذا ستحضر معاجم اللغة لتحديد المعنى والمصطلح، ويبرز أمامنا التحديد الأوّل للقصّة بأنّها:
عملية قصّ لمجريات أوهي سلسلة متصلة من الأحداث.
- وفي تعريف آخر، أنّ القصّة هي نسق مروي يهدف لأمتاع وجذب أو إعلام المستمع أو القارئ.
وما هذه إلّا تحديدات أُولى تواجهنا في مسيرة هذا الكتاب. إذ أنّ كلّ تحديد يحتوي استخداماته، رغم أنّه لا يشكّل إحاطة كاملة لمشهد القصّة القصيرة؛ لكنّنا عندما نوحّد المعاني فأنّها ستساهم جميعاً في بلوغ تأسيس ما للقصّة وما الذي يجعل قصّة ما مقنعة للقرّاء بينما قصّة أخرى أقل من ذلك.
وسنركّز على القصّة التقليدية، القصّة التي تنبع قوّتها من شخصياتها، من الأفعال، من الحبكة القصصية، تلك القصّة التي تحتوي بداية ووسط ونهاية؛ لكن لابدّ من القول إنّ جميع القصص القصيرة يقوم معمارها على هذا التتابع.
من هنا فأنّ فائدة الشكل القصصي أنّه يسمح بالتنوّع وعرض التجارب؛ ولكن في دائرة محدودة لا تشبه ذلك المدى الواسع الذي تتجلّى فيه الرواية.
ولهذا يمكن لكاتب القصّة القصيرة أن يركّز على تخطيط الشخصيات، أي رسم خطوطها وملامحها وأن يعرض شريحة من حياتها، أن يتلاعب باللغة بمهارة ومرونة ليقرّبنا من الجوّ العام للقصّة، وحول انتشار القصص فأنّ قصصاً عديدة جيِّدة تُكتب وتُطبع كلّ يوم، وتنال حصتها من الاهتمام من الطريقة التي يصنع بها المؤلف (موزائيك) من الصور (تنوّع صوري)، أو بمعنى آخر (قطع مركّبة) من التجارب بدلاً من شكل القصّ التقليدي المستهلك؛ لكنّ القصّة القصيرة التقليدية تزوّدنا بأفضل وصفة للتعرّف على (صنعة) القصّة القصيرة.
إنّ أفضل طريقة للوصول إلى إحساس قوي بالقصّة القصيرة كشكل أدبي هو تعلّمها من خلال القصص ذاتها ويجب أن يكون مَن يرغب في التعلّم قارئاً متميزاً، حريصاً ودقيقاً.
إذن.. اقرأ القصص على اختلافها، اقرأ القصص الأدبية ومن مختلف الأنواع، الخيال العلمي، الرُّعب، القصص الرومانسية، الواقعية، وغيرها. اقرأ القصص الكلاسيكية من خلال معرفة جيِّدة بها، واقرأ القصص الحديثة لكتاب يواصلون تطوير مهاراتهم القصصية، اقرأ القصص التقليدية، واقرأ القصص التجريبة، سوف تبلغ معرفة بالكيفية التي يعمل بها معمار القصّة القصيرة، وبعد هذا، عليك القيام بثلاثة أفعال قد تساعدك، بالإضافة لمهارات أخرى من أن تصبح يوماً ما كاتباً للقصّة القصيرة على درجة ما من التميز:
1- اكتب..........
2- اكتب أكثر..........
3- واصل الكتابة..........
مادة القصّة الخام
تُرى من أين تأتي (المادّة الخام) للقصّة؟ هل تراك سألت نفسك يوماً هذا السؤال؟
الجواب: ببساطة هو أنّك عندما تكتب قصّة ما فأنّك تستخدم مادّة أولية من خيالك وتجربتك ومراقبتك لهذه الحياة وكيف تسير، وتتّجه لبناء عالم، هو القصّة، رغم أنّه صغير إلّا أنّه مكتمل. إنّك بذلك تقوم ببناء نوع من العالم الموازي الذي يُضاهي العالم الحقيقي؛ ولكنّه يختلف عنه بشكل مميزة، عالمك ربما كان مرآة للعالم الواقعي وأكثر قُرباً منه، ونحن كقرّاء نقبله على أنّه يشبه هذا العالم الذي ندور من حوله كلّ يوم، أو ربّما يختلف بشكل ملحوظ خاصّة عندما تكتب قصّة من الخيال العلمي أو الفانطازيا. وباعتبارك كاتباً فأنّ جهدك يتركّز على صنع عالمك القصصي حيّاً نابضاً بالحياة وحقيقياً لدرجة أنّ القرّاء يصدّقونه، ليست بقضية كم هو مختلف عن الواقع عندما نقارن عقلياً بين العالمين..
وهنا نقول إنّ هنالك شيئان يميزان عالم القصّة القصيرة في إطارها الواقعي هما:
الأوّل: في الحياة الواقعية تقع الأحداث بالمصادفة، أمّا في القصّة فأنّ لكلّ حدث سبب ما.
الثاني: مبني على هذه النقطة، إذ إنّ على كاتب القصّة القصيرة أن لا يتركنا ونحن تائهين متسائلين حول فكرة هذه القصّة، وكيف تسير الحياة في داخل البناء القصصي، إذ أنّ لدينا قناعة في الوصول إلى حل وإحساس بالاقتراب من غاية القصّة
بقلم طاهر عبد مسلم.