منتديات قبائل شمران الرسمية


المنتدي الاسلامي خــاص لاهل السنة والجماعة فقط .!

 

 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع

قديم 02-23-2020, 03:00 AM   #1
مشرف المنتدى الإسلامي
 
الصورة الرمزية ابو طلال*
 

ابو طلال* is on a distinguished road
Lightbulb ومن نعمره ننكسه في الخلق

ومن نعمره ننكسه في الخلق

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

يقول سبحانه في وصف آخر أطوار حياة الإنسان: {ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون} (يس:68) تخبر هذه الآية الكريمة أن من طال عمره تنكس في خلقه، أي: انقلب حاله، وارتدت قواه، وتراجعت قدراته متجهة نحو الضعف والوهن، وصار كمن انتكس وانقلب رأساً على عقب، ويكشف هذا الوصف القرآني الدقيق العلم بحالة عامة من التدهور والارتداد، تتسع لتشمل كافة التغيرات الظاهرة والخفية؛ وذلك لاستيعاب لفظ {الخلق} لكافة التركيبات والأنشطة البدنية.

ومنذ نزول القرآن الكريم إلى زمن غير بعيد لم يكن معروفاً سوى التغيرات الظاهرة في الهيئة، ومع توفر التقنيات، وتقدم الدراسات، لم تخرج التغيرات الخفية المكتشفة حديثاً عن الوصف القرآني الجامع {ومن نعمره ننكسه في الخلق} وينسجم هذا الوصف المطابق للواقع مع نظائر عديدة تتعلق بوصف مراحل العمر عامة، أو مرحلة الشيخوخة خاصة، وبهذا يكشف القرآن العلم بخفايا التكوين في بيان معجز، لا يعارض الحقائق الخفية، ولا يصدم المعارف السائدة منذ التنزيل.

مجمل أقوال علماء اللغة والتفسير

يذكر أهل اللغة أن (النكس) قلب الشيء على رأسه. والمقام يتعلق بوصف الحالة في أواخر عمر الإنسان بعد بلوغه غاية الكفاءة في مرحلة الشباب؛ ولذا التعبير بفعل (النكس) في الآية الكريمة يعني انقلاب الحال في الخلق. وقد ورد فعل (النكس) في قوله تعالى: {ثم نكسوا على رءوسهم} (الأنبياء:65) وذلك في بيان حال قوم النبي إبراهيم عليه السلام عندما عادوا للإعراض بعد ما غلبتهم حجته، قال الشوكاني: "أي: رجعوا إلى جهلهم وعنادهم، فشبَّه سبحانه عَوْدَهم إلى الباطل بصيرورة أسفل الشيء أعلاه".

وكذلك قوله جل شأنه: {ومن نعمره ننكسه في الخلق} قال الألوسي: "فيه تشبيه" أي تشبيه انقلاب حال من بلغ الشيخوخة بقلب الشيء على رأسه، قال ابن منظور: "فصار بدل القوة ضعفاً، وبدل الشباب هَرَماً". وقال أبو السعود: "فلا يزال يتزايد ضعفه، وتتناقص قوته، وتنتقص بنيته، ويتغير شكله وصورته، حتى يعود إلى حالة شبيهة بحال الصبي في ضعف الجسد، وقلة العقل، والخلو عن الفهم والإدراك". وقال البغوي: "أي: نُضعِف جوارحه بعد قوتها، ونَرُدُّها إلى نقصانها بعد زيادتها". ولفظ {الخلق} هنا تعبير عن البِنية والجوارح، أو الخلقة، قال ابن كثير: "هو الضعف في الخلقة" لأن الخلق يستعمل بمعنى المخلوق، وفي لغة العرب التي نزل بها القرآن أن يسمى المفعول باسم المصدر، فيسمى المخلوق خلقاً لقوله سبحانه: {هذا خلق الله} (لقمان:11) وقوله تعالى: {فانظروا كيف بدأ الخلق} (العنكبوت:20) والمبدوء الشيء المخلوق، وهذا نظير قوله تعالى: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير} (الروم:54).

قال ابن كثير: "والمراد من هذا الإخبار عن الضَّعف والكبر، ودلائله الظاهرة والباطنة" وأكد ابن كثير في موضع آخر على اشتمال النص الكريم الدلالة على تغيرات باطنة للشيخوخة بالإضافة إلى التغيرات الظاهرة؛ فقال: "تتغير الصفات الظاهرة والباطنة". ورجح الألوسي اختلاف زمان ابتداء تغيرات الشيخوخة، ونَصُّ عبارته: "والحق أن زمان ابتداء الضعف وانتقاص البِنية مختلف؛ لاختلاف الأمزجة والعوارض".

و(الشيخوخة/Senescence) حالة متدرجة، لا مفر منها من التدهور والانهيار، تصيب الأجهزة والأعضاء والأنسجة والخلايا كافة، فتضعف قدرتها على التكيف والحفاظ على التوازن عند التعرض للضغوط، ويمر بها كل كائن حي عند الهِرَم وفَقْاً لنوعه في طول الأجل، إذا لم تعجل بموته عوارض بيئية، أو مرضية؛ ولذا فالنظرة الحديثة أنها حالة تدمير ذاتي مبرمج، يفسح المجال لأجيال جديدة وأنماط تحافظ على استمرار الحياة وتنوعها. والشيخوخة ليست حالة مرضية، وإنما هي مرحلة تكثر فيها الأمراض، وحينئذ تصبح شيخوخة مَرَضية، وتفاصيل ذلك يعتني بها علم جديد، اسمه علم الشيخوخة (Gerontology).

فقوله عز من قائل: {ومن نعمره ننكسه في الخلق} يتضمن الإخبار بأسلوب معجز بليغ عن حالة عامة من التدهور والارتداد، تتسع لتشمل كافة التغيرات الخفية للشيخوخة، التي لم يعرف أحد عنها شيئاً عند التنزيل، وكشفتها الدراسات العلمية حديثاً، والنص الكريم ورد ضمن منظومة من النصوص تعالج موضوع مراحل العمر عامة، أو الشيخوخة خاصة في تكامل وائتلاف بلا اختلاف.

يقول سبحانه: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير} (الروم:54) وصف سبحانه التغير في القوة على طول العمر مع التذكير بأن الإنسان قد خُلِقَ ضعيفاً ابتداء، وكأنه بهذا قد رسم منحنى تصويريٌّا، تستبين فيه درجة القوة في مختلف مراحل العمر قبل أن يُستخدَم ذلك الأسلوب في الدراسات العلمية الحديثة، والقوة تبلغ أوْجها في مرحلة الشباب، ثم يُعكس الاتجاه، ويبدأ الارتداد والانقلاب والانتكاس، ليكون سمة مرحلة الشيخوخة؛ ولذا وصفها القرآن بالضعف، والعجيب أنه التزم بتمييزه عن الضعف الأول بإضافة (الشيب) كما قال تعالى: {ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة}.

قال أهل التفسير: قوله تعالى: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة} يعني أنه خلقكم ضعفاء، ثم جعلكم أقوياء، ثم جعلكم ضعفاء في حال الشيخوخة؛ حيث تتغير الصفات الظاهرة والباطنة. ومعنى من {ضعف} أي: من نطفة ضعيفة، وقيل: أي في حال ضعف.

وقال تعالى حكاية عن نبيه زكريا عليه السلام: {قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا} (مريم:4) التدرج في الشيب يجعل ضعف الشيخوخة في تَنَامٍ مع انعدام الأمل في استرداد قوة الشباب، وذلك مقابل تدرج الضعف الأول نحو القوة، والتصوير في وصف (الشيب) بالنيران المشتعلة، لبيان استيعابه لأغلب الرأس، يفيد أن المقام للمبالغة والاستيعاب؛ وهكذا يجعل نسبة الوهن للعظم كذلك، وليست لقصر الوهن عليه، وكأنه قال: (نال الوهن مني أصلب شيء) فمن باب أولى كل ما دونه صلابة، وبذلك يعم الوصف بالوهن أغلب البدن، فتأمل الدقة في التعبير وغاية البيان باعتماد هذا الأسلوب التصويري.

قال المفسرون: قوله تعالى: {قال رب إني وهن العظم مني} أي: ضَعُفَ، وأراد أن قوة عظامه قد ذهبت لكبره، {واشتعل الرأس شيبا} يعني انتشر الشيب فيه، كما ينتشر شعاع النار في الحطب، وهذا من أحسن الاستعارات، ولا ترى كلاماً أفصح من هذا، وفيه من فنون البلاغة، وكمال الجزالة ما لا يخفى. وتخصيص {العظم} لأنه دعامة البدن، وأصل بنائه؛ ولأنه أصلب ما فيه، فإذا {وهن} كان ما وراءه أوهن، {واشتعل الرأس شيبا} شَبَّهَ الشيب في بياضه وإنارته بشواظ النار وانتشاره وَفُشُوِّه في الشعر باشتعالها، وأسند الاشتعال إلى الرأس الذي هو مكان الشيب مبالغة، والمراد من هذا الإخبار عن الضعف والكبر ودلائله الظاهرة والباطنة.



التوقيع

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ابو طلال* متواجد حالياً   رد مع اقتباس

 

مواقع النشر




ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى الردود آخر مشاركة
حسن الخلق مع الأهل الحمدان المنتدى العام 6 02-22-2021 08:58 AM
حسن الخلق الحمدان المنتدى العام 6 01-27-2021 01:49 PM
حسن الخلق الحمدان المنتدى العام 6 06-16-2020 06:49 PM
حسن الخلق المستشار1 المنتدى العام 13 08-06-2009 06:48 PM
حسن الخلق بوسعد الشمراني المنتدي الاسلامي 4 01-30-2008 03:40 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات شمران الرسمية