«البشت» بين حاجة الماضي ووجاهة الحاضر



البشت: كلمة ليست عربية، وتعني القماش الذي يستخدم وقاية للظهر في اللغة الفارسية، ومن المعروف لدينا أن الحمال يضع على ظهره شيئا يقيه صلابة وقسوة ما يحمله من متاع له أو لغيره ينقله بالأجرة، وكان الحمالون لديهم إما كيس (خيشة) أو قماش سميك يوضع على الظهر قبل النهوض بالحمل.
ويسمى البشت لدينا بأسماء مثل: العباءة والمشلح، وهناك أنواع ليست مشهورة، وهي من نوع العباءة.
ويأتي من البشت نوعان، رجالي ونسائي، والرجالي أنواع كثيرة من حيث النسيج والحياكة واللون والنوعية وربما مناسبة لبسه، ولكنه في النهاية يحتفظ بشكل واستخدام واحد.
ولو استعرضنا صورا قديمة للأسواق في الرياض أو الشمال أو في غيره مثلا، صورت أثناء تجول الناس في الأسواق والطرقات، فسوف نجد أن أغلب الرجال يرتدون المشلح ويظهر لباسهم في الصورة باللون الأسود أو البني، وقل أن نجد شخصا لا يلبسه، حتى في القرى والبادية، سواء في الشتاء أو الصيف ولبسه في الشتاء آكد.
ويظن البعض أن لبس البشت أصلا نوع من التشخيص والوجاهة، وهذا فيه شيء من الصحة أحيانا وخاصة في الآونة الأخيرة.
لكن الحرص على لباس البشت في السابق جرى على العادة المنتشرة وكأن تركه لا يتناسب مع خروج الرجل للسوق، فقد تعودوا هذا الزي حتى ثبتت في الذاكرة الاجتماعية على أنها شبه لازمة، مثل أن حاسر الرأس من الغترة لا يخرج للسوق.
يروي المؤرخ عبدالله الحاتم في كتابه «من هنا بدأت الكويت» أن حاكم الكويت عام 1931م منع لبس البشوت وكانت ردة فعل الشاعر إبراهيم الخالد الديحاني قصيدة منها:
دشيت السوق كجاري
العاد مستانس للشي ما صار بينه
وإلا أشوف اللون في ناس أفراد
في دقلة والخيزران بيمينه
قلت السبب؟ هل كيف تمشون
لا عاد بشت يذريكم عن البرد وينه؟
حتى قال:
من يوم قالوا ذبة البشت تنزاد
وشفت العرب في ذبهم مشتهينه
عيا يجودني مع الناس مقعاد
متحسف والعين مني حزينه
عفت الفراح وعيت النفس للزاد
ونقلت هم - يالربع - ما ستهينه
أتم طول الليل في ضد رقاد
ومن الملل صغت القوافي الحسينه
هل كيف أذب البشت من غير معتاد
ما أشوفها ذربة ولا هي بزينة..
وللبشت أهمية كبيرة لدى الكثيرين، أثناء شراء بعض اللوازم من السوق كالخضار واللحوم وما شابه ذلك، فقد جرت عادة بعض أهل البلدان إخفاء ما يشترونه عن أعين الناظرين، إما رفقا ورحمة بالفقراء، لوجود الحاجة والعوز الذي يجعل الناس لا يظهرون كل ما يشترونه أمام كل أحد، أو للرغبة في عدم تناقل خبر شرائهم للشيء أيا كان هذا الشيء، فقد كان التحفظ فيما مضى قوياً إلى درجة أن الكبير والصغير لا يبوح بما يجري في الدار، من طبخ وأكل وما شراه أهله أو جرى.
ولا أعرف في صغري أن الناس يشترون اللحم وبعض المستلزمات إلا مخفية في البشت، يأتي بها الرجل، أو تأتي بها المرأة كذلك مخفية في عباءتها، بينما يحملون بعض الأشياء المتوفرة بكثرة، فوق أيديهم أو على رؤوسهم، كالقرع وعلف الأغنام، والبطيخ والخبز والبصل.
وبعد انتشار السلع وكثرة المعروضات وتعود الناس عدم إخفاء ما يشترونه صار الوضع كما هو اليوم.
حتى أن البشت أو المشلح لم يعد من الأزياء التي يلبسها كل أحد، بل تخفف الناس منه وصار مقصورا على المناسبات أو خاص بالوجاهة والمظهر فقط، وخصص أنواع من العباءات الوبرية والصوف والقماش السميك لغرض التدفئة وأخرى خفيفة للمظهر.
يقول الشاعر عثمان المخيدش:
البشت ما يزهى على كل رجال
يزهى على راعيه لاجاك قده
ليا صار وارث طيب مايارث أموال
يا كثرهم وفلوسهم ما تعده
هذي تسمى شيخة شماغ وعقال
ليا صار ما هي ورث من طيب جده..
وقد كان بعض طلاب المدرسة أو المعاهد في بعض البلدان لا يحضرون دون البشت، وخاصة الكبار كطلاب المستوى الثانوي.
ومن العبارات التي كانت تقال للصغير «عشت ولبست البشت»
ومن الأمثال: «عباتي وأنا فيها» وقصته أن رجلا سمع وهو يتدحرج مع الدرج قد وقع متعثرا في شيء، فسئل ما هذا الصوت: قال: عباتي وأنا فيها، ويعني أن عباءته قد سقطت وهو فيها، لا يريد الاعتراف بأنه هو الذي تعثر ووقع.
ويقول حميدان الشويعر يصف الجوع:
خرجت من الحزم اللي به
سيد السادات من العشرة
حطيت سنام باليمنى
ووردت الرقعي من ظهره
ولقيت الجوع أبو موسى
بانٍ له بيت بالحجَرَة
عليه (قطيعة دسمال وبشيت منبقرٍ ظهره )
والشاهد البشيت، والدسمال، فالدسمال: الغترة ولباس الرأس، والبشيت:، وجاء تصغيره للتقليل من نفعه.

بقلم ناصر الحميضي