عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2019, 01:04 AM   #2
مراقب عام وأداري للمنتديات
 
الصورة الرمزية ريحانة شمران
 

ريحانة شمران is on a distinguished road
افتراضي رد: بين القصور والحصون الصوانية والغابات..يوم في رجال ألمَع



نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

فقد اشتهرت قرية "رُجال" بوجود علماء وقضاة من أشهرهم علماء آل الحفظي الذين كانوا على تواصل مستمر مع علماء نجد وصاحب الدعوة الإصلاحية الشيخ محمد بن عبدالوهاب. كما كانت هناك مراسلات بين علماء الدرعية وعلماء قرية "رُجال" تم تحقيق بعضها من قِبل عدد من الباحثين والمؤرخين.

إلا أن القرية عُرفت منذ القدم بالفنون اليدوية التي تجيدها بعض السيدات، ولعل أبرزها فن "القَط العسيري"، وهو فن تزيين جدران المنازل من الداخل، والذي سُجِّل ضمن قائمة التراث غير المادي العالمي في منظمة اليونيسكو عام 2017م.
وبفضل موقعها السياحي والثقافي على مستوى المملكة والعالم العربي، أصبحت "رُجال" مقصداً لمعظم زوار المنطقة من داخل المملكة وخارجها، وخصوصاً الباحثين والفنانين الغربيين الذين بهرتهم منطقة عسير بفنونها، وبعضهم ألّف فيها عدة كتب مثل الفرنسي تيريه موجيه.


عروق الماء




في جنبات مسجد القرية الذي كان مقصداً لطلاب العلم من مختلف قرى منطقة عسير قبل عشرات السنين، ارتفع أذان العصر، وكان هذا إيذاناً لنا بالبدء في سباق جديد مع الوقت للوصول إلى هدفنا النهائي من تلك الزيارة، وهو صعود جبال قيس وصلب وبني جونة، وهي من الأماكن الشهيرة بمناظرها الخلّابة وطبيعتها الساحرة إضافة إلى قرى جبل غمرة وجبل المدرقة.
وقبل الصعود إلى تلك القمم العالية الموشّحة برداء أخضر، يمكن لمن يشاء من الزوّار أن يجول في أودية تحف بها غابات من أشجار السدر والجمّيز والأثب؛ مثل أودية "رُجال" و"رحب" و"الصليل" و"الميل" و"راده" و "محلية" و"العاينه"، و"ريم". وكل هذه الأودية هي روافد لوادٍ ضخم يدعى "عرمرم" يصبّ في البحر الأحمر.
والمتنزه في هذه الوديان لا يحتاج إلى أجهزة تشغيل الموسيقى لكي تكتمل متعته، فالمكان يضج بموسيقاه الخاصة، التي تتداخل فيها نغمات طيور "الوغا" وهو المعروف في أماكن أخرى بـ"السنونو"، مع "القمري" المعروف بزقزقته الفريدة، وتكمل الجوقة بأصوات طيور"العقائب" وهي من أنواع الحمام البرّي.
وتتناغم هذه الموسيقى الطبيعية مع عروق الماء التي تشكِّل شلالات صغيرة تخترق مسافات كبيرة من الأودية نتيجة كثافة الأمطار، حيث يمكن للزائر أو السائح مجاورتها في تخوم الأودية والمنحدرات السحيقة بمجرد دخول موسم "سهيل اليماني" الذي عُرف عند العرب بغزارة أمطاره.


أشجار المنطقة وغابات تتخللها الحصون




ولأن متعة الرحلة لا تكتمل من دون الصعود إلى أعالي جبال رجال ألمع التي يزيد ارتفاع بعضها على 2500م عن سطح البحر، كانت رحلتنا هذه إلى أعالي جبال "حسوة" و"صلب" عبر طريق ما زال تحت الإنشاء، تكاد تختنق داخله حركة السيارات خلال شهور أغسطس وسبتمبر وأكتوبر نظراً لكثرة قاصدي تلك الأماكن الساحرة.
نسأل مرافقنا ذي المعرفة الواسعة بعلم النبات عن أسماء الأشجار والشجيرات التي تحف بالطريق، فيقول مشيراً إلى غابة كثيفة إلى اليمين: الأشجار التي تشكل نسبة كبيرة من الغطاء النباتي هنا هي "الضهياء" و"السيال" " والقرض" و"السلام" و"الغلف" و"الوشايه" و"التين الشوكي"، كما يوجد كثير من شجر "العتم"، وهو نوع من الزيتون البرّي.
عند وصولنا إلى أعلى نقطة في جبل" قيس" برجال ألمع، وأصبحنا نطل على سلاسل جبلية من جميع الجهات، كشف لنا المنظار المقرّب وسط شواهد حضارية قديمة قائمة وسط هذا الاخضرار، وهي عبارة عن حصون قديمة عالية الارتفاع، مبنية بالكامل من الحجر الصوّاني، ومزينة بحبات من حصى "المرو".
المثير للاهتمام أكثر، هو العدد الكبير من المباني الحربية القديمة التي يطلق عليها اسم "القصبات". وهي مبانٍ حجرية على شكل مخروطي، تحتل مواقع استراتيجية على رؤوس الجبال، وتوجد في جدرانها فتحات صغيرة كانت تستخدم لإطلاق الرصاص على الأعداء.
وتؤكد معظم المصادر التاريخية أن بناء هذه القصبات بدأ مع الحملات العثمانية على عسير ما بين عامي 1814 و1872م.


قرص العسل الألمعي



عندما بدأت الشمس بالاختباء خلف الجبال الخضراء، قرَّرنا الإسراع في العودة نزولاً إلى الطريق الرئيس الذي يربط محافظة رجال ألمع بمحافظتي الدرب ومحايل، حيث يمكننا تلافي ازدحام السيارات في الطريق من أعالي جبال حسوة إلى قرية البتيلة التي لا تبعد عن قرية "رجال" التراثية سوى بضعة كيلومترات.
وفي منتصف الطريق، فاجأنا مرافقنا بإشارة كي نخرج عن مسار الطريق باتجاه إحدى المناحل الخاصة، لتذوق العسل الألمعي الشهير.


مرحباً ألف




اتجهنا إلى صاحب المنحل الذي كان "محتبياً"، والاحتباء هو الجلوس القرفصاء شاداً رجليه وظهره بلحافه التراثي المسمى "الدريهمي".
تحدثنا وإياه عن العسل وأنواعه وقادنا الحديث مرة أخرى إلى عالم النبات في المنطقة. فعندما سألناه عن سبب نقل الخلايا من مكان إلى مكان آخر مع تغير الفصول وخصوصاً في الصيف والشتاء. قال لنا العم محمد: يهدف التنقل بخلايا النحل إلى الحفاظ عليها من تأثير حرارة فصل الصيف الشديدة في تهامة. كذلك توجد هنا أشجار يحتاجها النحل لإنتاج أنواع جيدة من العسل من أهمها أشجار" الطلح" و"الضرم" و"الطباق" و"الشرم" و"السحاء". أما في فصلي الشتاء والربيع فسهول تهامة أفضل للخلايا، حيث تتكاثر فيها أشجار "السدر" و"السمر" و"الضهياء" و"السيّال" وهي من الأشجار المفضلة لإنتاج أجود أنواع العسل.

وبعد أن التفت مطمئناً إلى خلاياه من هجوم عدد من الدبابير التي كانت في المكان، قال: "النحل يتكاثر في المواقع التي توجد فيها أشجار وشجيرات مثل الأثل والأراك والعرفج والعليق، وهي تتواجد بكثافة هذه الأيام في جبال وأدوية رجال ألمع نتيجة غزارة الأمطار".
وقبل أن نسأل العم محمد عن سعر قرص العسل، سألناه عن الدعم الذي يحصل عليه النحّالون من الجهات الداعمة؟ فقال: في بعض الأحيان يتم الكشف على مناحلنا وتقييمها تمهيداً لإعطائنا قروضاً زراعية، كما نتلقى مساعدة في جلب العمالة اللازمة تحت مسمّى "مربي نحل"، وكذلك تُنظّم من حين لآخر بعض المعارض الإرشادية التي نستفيد منها".
ثم ناولنا قرصين من العسل الألمعي، ورفض أن يأخذ أي مقابل مادي، قائلاً:"مرحباً ألف، أنتم ضيوفي اليوم".

**حقوق النشر محفوظة لمجلة القافلة، أرامكو السعودية



التوقيع

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ريحانة شمران متواجد حالياً   رد مع اقتباس