منتديات قبائل شمران الرسمية


الخواطر والقصص والروايات يهتم بالخواطر والقصص والنثر التي من نزف الأعضاء

 

 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع

قديم 09-11-2022, 11:40 PM   #1
 
الصورة الرمزية محمد فهد الشمراني
 

محمد فهد الشمراني is on a distinguished road
Post قصة/ ملك الخافقين







ملك الخافقين

تحدث ملك الخافقين مع شاعر البلاط . قال الملك : " إن الأعمال العظيمة تفقد رونقها مالم تصغ بالكلمات , وأريد منك أن تغني انتصاري ومديحي . فهل ترى نفسك كفؤاً للقيام بهذه المهمة ؟
قال الشاعر : " أجل يامولاي , لقد دربت نفسي عشرين عاماً على ضبط إيقاعات العروض . أعرف عن ظهر قلب الدروس التي تشكل أساس الشاعر الأصيل . وتتيح القوانين لي أن أكون سخياً في استعمال العبارات الفخمة , والاستعارات الأكثر تعقيداً . لقد هيمنت على سر الكتابة الذي يصون الفن عن عيون الدهماء الكفيفة . وبوسعي أن أكتب في الحب , والحرب .. أعرف الأنساب للبيوت الملكية كلها . وأحوز معرفة الفلك والتنجيم والرياضيات , والكيمياء , والفلسفة , لقد هزمت الأنداد في المباريات العامة , ومهرت في غرض الهجاء الذي يبعث السم والأمراض في الجلود والأجسام بما في ذلك الجذام , ويصمي النفوس بالأسقام بمافي ذلك الانفصام .
ولكن شيئاً واحداً فقط أجهله , هو كيف أشكرك على ما أسديته لي من عطايا , وما منتحتني إياه من هدايا " .
قال الملك بارتياح : لقد قيل لي أن العندليب غنى في ربوع مملكتي , وعندما تنقضي الأمطار وينتهي فصل الشتاء , ويعود العندليب من أراضيه , ستنشد مديحك أمام البلاط , وأمام مدرسة الشعراء . إنني أمهلك سنة كاملة . سوف تصقل كل كلمة وتصوغ كل حرف . ولن تكون جائزتك هيّنة أبداً "
قال الشاعر : أيها الملك أيّة جائزة أسنى من أرى محياك " .
ثم أنشد قصيدته التي نظمها في مديح الملك .
عندما دار الحول قدّم الشاعر مديحه . ألقاه إلقاءً بطيئاً واثقاً دون أن ينظر في النص المكتوب , وبهزة من رأسه أبدى الملك إستحسانه . وفي النهاية تكلم الملك قائلاً :
لقد أحسنت صوغ القوافي , والجناسات , والأسجاع , والطباق , وفنون البلاغة المهذبة , وصنوف الوزن الحكيمة , ولو كان على أدب المملكة كله أن يموت , لبعثته قصيدتك العصماء هذه دون نقصان . وسوف ينسخها ثمانون ناسخاً , كل واحدٍ إحدى عشرة مرة"
وساد الصمت فعاد ليواصل كلامه : " وقبل أن ينقضي العام أيها الشاعر , سنصفق لقصيدة أخرى , وكدليل على إعجابي بما نظمت فإني أهبك هذه الحلة السنية , وهذه المرآة الفضية .
قال الشاعر : أشكرك يامولاي وقد فهمت .
مضت النجوم في مجراها الساطع . وغنى العندليب مرة أخرى في الغابات , وعاد الشاعر بمخطوطته أقصر مماكانت من قبل . وهذه المرة لم يعد قراءتها معتمداً على الذاكرة , بل قرأها بتردد , حاذفاً بعض الفقرات كما لوكان هو نفسه لم يفهمها فهماً كاملاً , كانت القصيدة غريبة .
تبادل الملك بضع كلمات مع الأدباء الذين يقفون على جانبيه . ثم تحدث مع الشاعر .
قال الملك : أستطيع أن أقول لك أن قصيدتك الأولى كانت خلاصة وافية لكل ما أنشده شعراء المملكة . أما هذه فتتفوق عليها , بل إنها لتلغي كلّ ماقبلها . إنها تدهش وتحيّر , وتبعث العجب . لن يحفل بها الجهلاء , ولن يهتم بها المتعلمون كذلك , لن يعرف قدرها إلا القلة . وستكون علبة العاج مستقر نسختها الوحيدة . ونحن ننتظر من هذا القلم الذي أبدع مثل هذا العمل الشامخ , عملاً أكثر سمواً " ثم أضاف مبتسماً : وكعلامة على إستحساني خذ هذا السيف الذهبي .
قال الشاعر : أشكرك يا مولاي , وقد فهمت "
تصرّم العام , ودار الحول مرة أخرى . ولاحظ حجاب القصر أن الشاعر لايحمل معه أي رقعة مخطوطة . نظر الملك نحوه باستغراب . وبدا الشاعر إنساناً آخر . ثمة شيء آخر غير الزمن قد غيره . بدت عيونه وكأنها تحدّق في المدى أو كأنها عمياء .
إستأذن الشاعر بقول بضع كلمات مع الملك . فخرج العبيد من المجلس .
قال الملك : ألم تكتب القصيدة ؟
أجاب الشاعر بحزن : بلى يامولاي
- هلاّ أنشدتها ؟
- لا أجرؤ
قال الملك : سأهبك ماينقصك من شجاعة .
ألقى الشاعر القصيدة . كانت مؤلفة من بيت واحد . ودون أن يجازف الشاعر بإعادتها بصوت عالٍ , فقد تذوقها مع مليكه كما لوكانت طلاسم سحرية .
كان الملك مصعوقاً ومغلوباً على أمره كالشاعر تماماً . نظر الاثنان إلى بعضهما بشحوب . قال الملك : أبحرت باتجاه الغرب . في إحدى الجزر رأيت كلاب صيدٍ فضيّة تنقضّ على غزلان ذهبية . وفي جزيرة أخرى رأيت نهراً مقوساً معلقاً في كبد السماء تسبح في مياهه الأسماك والزوارق . إن هاتيك لعجائب . بيد أنها لاتقاس بقصيدتك . أية ساحرة أهدتك إياها ؟
قال الشاعر : صحوت فجراً وأنا أتمتم بكلمات لم أفهمها باديء ذي بدء .
قال الملك هامساً : لقد وهبتك الحلة والمرآة والسيف . وهاهي هديتي الثالثة والأخيرة " ووضع في يد الشاعر اليمنى خنجراً .
بعد أن غادر الشاعر القصر قتل نفسه . أما الملك فقد تحوّل إلى شحاذ يجوب المملكة طولاً وعرضاً - وكانت مملكته يوماً ما - ولم يردد القصيدة أبداً .
________________________________________________
عبدالعزيز الحميضي



التوقيع


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
محمد فهد الشمراني متواجد حالياً   رد مع اقتباس

 

مواقع النشر



أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات شمران الرسمية