02-05-2023, 06:44 PM | #1 | ||
عضو شرف قدير
|
( فرسُ جاري ) للكاتب/ محمد عبدالخالق ال محفوظ الشمراني🍀
- 05 فبراير 2023 ( فرسُ جاري ) للكاتب/ محمد عبدالخالق ال محفوظ الشمراني عَزَمَ السَّفَر مِن قَريَته إلى المَدينةِ، طَلَبًا لِحَاجَةٍ هُنَاكَ، وحَيثُ أَنَّ الطَّريقَ طَويلٌ، يَستَمِرُ بِضعَةَ أيَّام، فَقَد قَرَّرَ أنْ يَستَعِيرَ دَابَةَ جَاره، وهَكذَا النَّاسُ فِي القَريَة، يَتَعَاوَنونَ فِي أَغلَبِ أُمُورِهِم، ويعيشُونَ كَأَنَهم فِي بَيتٍ واحِد، هَذَا يُعطِي جَارَه مِن طَعَامِه، وذَاك يُعطِي جَارَه مِحرَاثَه، يُبَادِرُون بِتَقدِيم الخِدمَة، ويُسَارِعُون لِلنَّجدَة، وَسَطَ سِلْمٍ اجتِمَاعِي، وقَوَانِينَ تَحكُمُ التَّصَرُّفَات، ذَهَبَ إلَى جَارِه وأَبلَغَه بِعَزمِه عَلى السَّفَر، وأَخبَرَه أَنه يُريدُ دَابَتَه يَرتَحِلُهَا فِي سَفَره، رَحَّبَ بِه الجَارُ وأبدَى مُوافَقَتَه، ثُمّ استَدرَك قَائلاً: هِي لَك، لَكنَّها أضحَت اليَومَ مَريضَةً، ولا نَعلَمُ مَا جَرى لَها، أَصَابَهَا هُزَالٌ أعيَاهَا عَن القِيَام، ولَم تَأكُل مَا وُضِعَ لَهَا مِن طَعَام طِيلَة اليَوم. فَإنْ شِئتَ أن تَنتَظِرَ يَومًا أو يَومَين رُبَّمَا تَعافَت فَتَستَعينَ بِهَا فِي طَرِيقِك، شَكَر الجَارُ لِجَاره، ودَعَا لَه بالبَركَةِ، ثُمّ عَادَ إلَى مَنزِلِه، جَمَع مَتَاعَ سَفَرِه، بَعضَ الطَّعَام، وَقِربَةَ مَاءٍ ومِزوَدَةَ تَمر، وعصا يَعتَمِدُ عَليهَا فِي سَيرِه، وَيَردُّ بِهَا مَا قَد يَعرِضُ لَه من حَيوانٍ ونَحوه، وبَينَمَا هو فِي شَأنِه إذ سَمِعَ طَارِقًا عَلَى بَابِه، خَرَجَ فإذا هُو جَارُه يَحمِلُ قَليلاً مِن التَّمرِ وبعضَ الطَّعَام أَعطَاه إيَّاه وَوَدَّعه، ثُمَّ عَادَ إلَى مَنزِلِه. خَرجَ بَعدَ أن صَلَّى الفَجرَ قَاصِدًا غَايَتَه، مُستَعينًا بالله في رِحلَتِه، يُرَدّدُ أذكارَ صَبَاحِه، قَد عَلّقَ مَتَاعَه عَلَى طَرَفِ عَصاه، ثُمّ وَضَعَهَا عَلَى كَتِفِه، سَارَ مُتَأمِّلا فِي شُرُوقِ الشَّمس، وَهِي تَنسَلُّ مِن خَلفِ الجَبَل، وَكَأنَّهَا تُوقَظُ الكَائنَاتِ، فَتَدُبَ فِيهَا الحَياة، يُبصِرُ النَّدَى مُنسَابًا عَلى أَورَاقِ الأَشجَارِ مِن حَوله، وَيَرى الفَرَاشاتِ تَطيرُ فِي سَعَادَة، وَيَسمَعُ ثُغَاءَ صِغَار المَاشِيَةِ وجَلاجِيلِهَا تَسيرُ بَينَ الحُقُول، يُسَلِم عَلَى مَن يَمُرُّ بِهِم مِن المُزَارِعِين والرُّعَاة، وَيَتَبَادَلون الدَّعَواتِ بالإعَانة. مَضَت سَاعَاتٌ وَهو يَسِير، وفِي طَريقِه مَرَّ بقَريَةٍ يُقَامُ فِيها سُوقٌ كُلّ سَبت، دَخَلَ سُوقَها وَتَجَوّلَ فِيهَا، فَرَأى دُكَّانًا تُبَاعُ فيه الفُووسُ والمَسَاحِي ( جمع مِسحاة آلَةٌ للزراعة) ورَأَى عَصًا جَمِلَةَ نُقِشتْ عَليهَا رُسُومَاتٍ بَديعَة، سَألَ عَن سِعرِهَا فاشتَراها، وكَانَت نيّته أنْ يَستَبدلَ عَصَاه، فَرُغمَ جَودَتِهَا ومَتَانَتِهَا إلاَّ أنَّها أصبَحَت قَديمَةً، رُغمَ أَنَّهَا قُطِعَت مِن شَجَرِ ( الشَّوحَط) وهو شَجَر يَنبُتُ في الجِبَال تُؤخَذ مِنه العِصي الَّتي تَأبَى عَلَى الكَسر، لكنَّه قَال: لا ضَيرَ، واحِدَةٌ نَحمِلُ بِهَا المَتَاعَ والأخرَى نَتَوَكّأُ عَلَيهَا. وَاصَلَ سَيرَهُ فَرِحًا بِعَصَاه، ويَدُورُ فِي بَالِه عَتَبٌ عَلَى جَارِه، إذْ وَسوَسَ لَه الشّطَانُ أنَّ جَارَه لا يُرِيدُ أنْ يُعطِيه الدَّابةَ، وإنَّمَا جَعَل المَرَضَ عُذرًا، فأضمَرَ فِي نَفسِه سُوءًا، وبَدَأ يَستَرجِع مَا دَارَ بَينَه وبَينَ جَاره، وَيَقولُ فِي نَفسِه لَعَلّ التَّمرَ الَّذِي أَعطَانِيه رَديءٌ، لَقَد كَانَ وَجهُه مُنقَبِضًا عِندَمَا وَدَّعَنِي لَيلاً، وبَينَمَا هو مُستَغرِقٌ فِي أفكَاره إذ مَرَّ عَلَى شَجَرةٍ ظَليلةٍ تُطِلُّ عَلَى وادٍ يَجري مَاؤه، تَحتَضِنُه ضِفَّتَان كُسِيَت خُضرَةً، جَلَسَ لِيَستَريحَ ويأكُلَ مِن زَاده، فَمَازَالَ يَسيرُ مِن الصَّباحِ وقَد شَارَفَتِ الشَّمسُ عَلَى الزَّوال. بَسَط رِدَاءَه وأَخرَج مَتَاعَه وأَكَلَ وَشَرِبَ، نَظَرَ فَإذا قَادِمٌ مِن بَعِيدٍ عَلَى فَرَسٍ يَكادُ يَطِيرُ بِها، يَتَّجِهُ نَحوَه، اقتَرَبَ الخَيّالُ فإذا هُو جَارُه، نَظَر إلَيه مُستَغرِبًا، وَرَحَّبَ بِه، ثُمَّ أجَلَسَه مَعه، نَاوَلَه مَاءً فَشَرِبَ مِنه حَتَّى ارتَوَى، سَأَله عَن سَببِ مَجِيئه، وَمَا هَذهِ الفَرَس؟ قَالَ: لَقَد عَزَّ عَليَّ أنْ تَسِيرَ هَذه المَسَافَة رَاجِلاً، وأَنتَ جَارٌ وعَزيزٌ، وَلَكَ عَليّ حَقّ الجِوَارِ، ولَمَّا كَانتَ فَرَسِي مَريضَةً، جَاءَ للقَريَة تَاجِرٌ يَعرِضُ الفَرَس للبَيعِ، فَلَم يَشتَريهَا أَحَدٌ، فَذَكَرتُ حَاجَتَك لَها فِي سَفَركَ، فَاشتَريتُها هَديَّةً لَك، ولَحِقتُ بِك دَاعِيًا الله أن أَلحَقَ بك، فَأَكرَمَني الله وأَدرَكتُك. خُذهَا هَديَّةً واستَعِن بِهَا فِي رِحلَتِك، وأنَا سَأستَريحُ هُنَا ثُمَّ أَعودُ إلَى القَريَة، فَلَم أَنَم لَيلَة البَارِحَة مَهمَومًا… لأَنَّني لَم أَستَطِع قَضَاء حَاجةَ جَاري. ذُهِلَ الرَّجُل مِن ظَنّه السُّوءَ بجَاره، إذ لَم يَكُن تَمَعّر وجهَه إلا هَمًّا لأجلِي، ثُمَّ يُهدينِي فَرَسًا ويَعُود هو رَاجِلاً، ويَقطَع هَذه الطَّريق مُسرِعًا كَي يَلحَق بي، كَيفَ أَظُنُّ هَذَا بِرَجُلٍ لِي مَعَه سَنَوات، لَم يُقَصِّر في الجِوَار، ولَم أَرَ مِنه سُوءًا قَطّ؟ أَستَغفِرُ الله، بَارَك الله لَه في مَالِه وأَهلِه وعُمُره، وَلَن أنسَى صَنِيعَه مَا حَييتُ، وسَأَذكُرُ مَعرُوفَه مَا بَقِيتُ. بقلم الكاتب الاستاذ/ محمد عبدالخالق ال محفوظ الشمراني ادارة التربية والتعليم بمحافظة القويعية صحيفة شمران الاخبارية https://www.shmran.net/inf/68230.html
|
||
|
|