الخواطر والقصص والروايات يهتم بالخواطر والقصص والنثر التي من نزف الأعضاء |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
01-21-2024, 09:28 PM | #1 | ||
مراقب عام وأداري للمنتديات
|
من أحاديث القرى: هديان وعبيد 💙💚
بالفصيح من أحاديث القرى: هديان وعبيد للقرى في بلادنا، حكايات، وروايات، وقصص لم توثق، وأغفل بعضها الباحثون، إمّا عن جهل، أو قلة اكتراث.. وهي قصص، فيها كثير من العبر، وفيها الكثير من تصوير حالة المجتمع آنذاك.. في كفاحه، وتعبه وشقائه في الحياة، بكل ما فيها من ألوان، وضروب وطرق عيش، من فلاحةٍ، وجِمَالة، ورعاية، وتجارة وبناءٍ وغير ذلك، مما يرسم ويصور حالة العيش، والتعايش، بل ثقافة المجتمع، وأخلاقه، وما يمازج تلك الحياة، من جدّ، وكدّ، وكفاح، ومن سخرية، وهزل، ودعابة. فمن ذلك ما يحكى أنه كان في الدرعية ثلاثة أصدقاء من الكسبة، الحرفيين وهم: رجل يقال له الجنوبي، والآخر ضاحي والثالث رشيد.. أما الجنوبي فكان نجاراً يصنع الأبواب والنوافذ، وآلة السانية، وكل ما تستلزمه حاجيات مجتمعه من هذا الصنيع في عصره.. وأما ضاحي فكان بنّاءَ حجرٍ، يطوي الآبار، وضفاف الأودية، وأسس المنازل، وكان رشيد فلاحاً يسقي الزرع والنخل ويقوم بحراثة الأرض، وكانت هذه المهن عادة من أهم صناعات المجتمع وأعماله، التي تجلب وتوفر حياة العيش الكريم.. وذات يوم - من أيام عيد الأضحى- نزل الثلاثة إلى سوق الغنم في البلدة لشراء أضاحيهم، ولكنهم وجدوا الأغنام غالية فلم يشتروا شيئاً وعادوا أدراجهم، فقابلهم رجل يقال له "مويس" وسألهم: أين أضحياتكم..؟! قالوا: لقد وجدنا الأغنام غالية..!! فهبط السوق.. واشترى أضحيتين من رجلين أحدهما اسمه "هديّان" والآخر "عبيد" يرعيان غنم أهل البلد، ويأخذان على كل رأس أجرة معلومة في السنة، مع ما لهما من غنيمات يرعيانها.. وقد جلبا أغنامهما إلى السوق وأخذا يبيعان، وكان مع كل واحد منهما جراب أو كيس، يضع فيه ما يقبض من الدراهم ثمناً لما يبيع.. فأخذ "مويس" - وكان شاعراً- يقود أضحيتيه وينشد: يا اللّه يا مغنيٍ هديّان وعبيِد ويا مفقرٍ علي الجنوبي وضَاحِي الخَفّ ماسرّا المراشِيد ورشيِد رديّهم يسبق هبوب الريّاحِ يقول متعجباً يا الله يا من اغنيت هذين الراعيين الضعيفين "هديان" و"عبيد" وأفقرت "على الجنوبي"، و"ضاحي" مع ما لهما من صنعة عظيمة، وحرفة تجلب النفع.. فأنت مقسم الأرزاق، إذ ليس بالجهد وحده يأتي الغنى "فالمراشيد" والذين منهم "رشيد" -صاحب الثلاثة- من الذين يسعون في الأرض سعياً حثيثاً حتى أن أقلهم جهداً يسبق الريح من شدة ركضه وسعيه وطلب الرزق والعيش.. ووصلت الأبيات إلى الناس سريعاً.. فرد عليه "الجنوبي" وهو من عائلة معروفة بالذكاء، وسرعة البديهة والشعر بقصيدة منها هذا البيت: ما تَفْتِكر في ابوك فَقْره إلى الديّدْ رَاحتْ حياتِه كلّها مااسَتراحي يقول: كيف تسخر منا، وتهزأ بنا، ولا تفكر في والدك الذي غرق في الفقر حتى وصل إلى نهديه، وذهبت حياته كلها شقاء، ونكداً، وعدم راحة..؟! وقد شاعت الحادثة وشاعت وذاعت معها أبيات الشعر إلى اليوم.. وهكذا تجدهم يتمازحون بالنكتة، وبالشعر، بلا كراهية، أو حقد، إنما هي تلك المساجلات، والمناوشات البريئة، التي تدل على السماحة، وحسن النوايا مع الفكاهة، والتنّدر.. وما أحرى ببعض بحاثنا إلى أن يتناولوا هذا الجانب " الانثروبولوجي" والذي يكاد يكون مهملاً بالدراسة.. ففي هذه الأحاديث، والقصص، والحكايات، عبر وفيها الوقوف، والتعايش مع حياة مجتمعات ذهبت، ولكنها تركت أثراً إنسانياً يثري حياة المجتمع بتلك التجارب، وطرق التفكير.. وكل عيد وأنتم بخير.. وأسعد الله أيامكم بكل المباهج والمسرات. عبدالله الناصر
|
||
|
|