04-02-2019, 05:53 PM | #1 | ||
مراقبة عامة للمنتديات
|
تأملات قصار السور سورة الناس
تأملات قصار السور سورة الناس مقدمة: اتحدت سورة الفلق وسورة الناس في الفضل وفي سبب النزول، وكلتاهما افتتحت بالاستعاذة بالرب سبحانه وتعالى. مناسبتها لما قبلها: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ ﴿قُلْ﴾ أيها الرسول جازما ومستيقنا ﴿أَعُوذُ﴾ أي: أتحصن وألوذ وأستعين وألتجئ وأعتصم ﴿بِرَبِّ النَّاسِ﴾ بخالق الناس ورازقهم، الذي أوجدهم من العَدَم, وأمدهم بالنِّعم, مُدبِّر أمورهم، ومُصلح أحوالهم. وخصَّ النَّاس هنا دون غيرهم من المربوبين؛ تشريفًا لهم، كما خصهم به من أنواع التكريم, وأخدم لهم تعالى ملائكة قدسه؛ ولأن العدو متربص بالناس، والشر المستعاذ منه مصبُّه إلى الناس حيث تُلقي الشياطين الوساوس في قلوب الناس فيَضِلُّون ويُضِلُّون. ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ هو سبحانه الملك الحق، الغني عن الخلق، الذي له السلطة العليا في الناس، وله الملك الكامل، والتصرف الشامل، الذي له الأمر النافذ في خلقه، ينفذ فيهم أمره وحكمه، كيف شاء، ومتى شاء؛ ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (آل عمران: 26). وضع للناس الشرائع والأحكام، التي فيها سعادتهم في معاشهم ومعادهم. ﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾ الإله: هو المعبود الجامع لجميع صفات الكمال، ونعوت الجلال. فيدخل في هذا الاسم: جميع الأسماء الحسنى. فالله هو مألوه الناس، الذي تألهه القلوب بعظمته، وهم لا يحيطون بكنه سلطانه، تألهه الخلائق وتحبه وتعظمه، وهو معبودهم الحق، وملاذهم إذا ضاق بهم الأمر، المقصود بالإرادات والأعمال كلها, لا معبود بحق سواه عز وجل. وقد رُتِّبت أوصافُ الله في الآيات ترتيباً بديعاً في غاية الرَّوعة، يتدرج معه العقل؛ ليُسلمه بلطف إلى القناعة التامة بأن من هذه صفاته هو الإله الحق، المقصود بالعبادات والحوائج, فالله هو خالقهم ﴿بِرَبِّ النَّاسِ﴾، وهم مملوكين له، غير خارجين عن حكمه إذا شاء أن يتصرف بالعبادات والحوائج في شؤونهم ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾، ثم أعقب ذلك بذكر إلهيته لهم ﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾؛ ليتبين أن ربوبيته لهم وحاكميته فيهم ليست كربوبية بعضهم لبعض, وما دام الرب قد يكون ملكا وقد لا يكون, كرب الدار ورب المتاع, بين أنه ملك الناس، وأيضا الملك قد يكون إلها وقد لا يكون، فبين أنه هو وحده إلههم، كما أنه هو وحده خالقهم ورازقهم وملكهم, فجمعت السورة ثلاث صفات عظيمة لله: الربوبية والملك والإلهية؛ ليستعيذ العبد بمجموع هذه الصفات، وكأنها صفة واحدة. وقدم الربوبية لعمومها وشمولها لكل مربوب، وأخر الإلهية لخصوصها؛ لأنه سبحانه إنما هو إله من عبده ووحَّده، واتخذه دون غيره إلها، فمن لم يعبده ويوحده فليس بإلهه، وإن كان في الحقيقة لا إله له سواه، ولكنه ترك إلهه الحق واتخذ إلها غيره. ووسَّط صفة الملك بين الربوبية والإلهية؛ لأن الملك هو المتصرف بقوله وأمره، فهو المطاع إذا أمر، وملكه سبحانه لهم تابع لخلقه إياهم، فملكه من كمال ربوبيته، وكونه إلههم الحق من كمال ملكه، فربوبيته تستلزم ملكه وتقتضيه، وملكه يستلزم إلهيته ويقتضيها، فهو الرب الحق، الملك الحق، الإله الحق, وهكذا تضمنت هذه الأسماء الثلاثة جميع معاني أسمائه الحسنى، فكان المستعيذ بها جديرًا بأن يُعاذ ويُحفظ، ويُمنع من الوسواس الخناس، ولا يُسلَّط عليه، فلذلك أمر المستعيذ أن يستعيذ بها, وفيه إيماء إلى أن الله تعالى مُعيذه وعاصمه حينئذ من ذلك المستعاذ منه. و(الناس) اسم جمع للبشر جميعهم، واحده إنسان, مأخوذ من الأُنس ضد الوحشة؛ إذ هو مدني بالطبع، قد جبله الله على الأنس ببني جنسه، أو لأنسه بربه. ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ﴾ من أذى الشيطان الموكل بالإنسان الذي يوسوس عند الغفلة، ويختفي عند ذكر الله, لم يقل الشيطان ولكن الوسواس؛ لأن الوسوسة هي أبرز صفة للشيطان وأخطرها وأضرها على الإنسان، والوسوسة: هي الكلام الخفي الذي يلقيه الشيطان في قلب العبد؛ من الأفكار والأوهام والتخيلات التي لا حقيقة لها، فما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزين له الفواحش، ولا يألوه جهدًا في الخبال، جاء عن أنس رضي الله عنه في قصة زيارة صفية للنبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ»([1]). وإن المعصوم هو من عصمه الله وأعانه على الشيطان، قال صلى الله عليه وسلم : «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ» قَالُوا: وَإِيَّاكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ»([2]). وحقيقة الخنوس: اختفاءٌ بعد ظهور، ولما كانت الكواكب تظهر ليلاً وتختفي نهاراً قال الله عنها: ﴿فلا أقسم بالخنس﴾ (التكوير: 15)، والخنوس: الرجوع إلى الوراء, قال أبو هريرة رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ المَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ» ([3]). فالخناس مأخوذ من هذين المعنيين؛ من الاختفاء والرجوع والتأخر، وهو حال الشيطان الذي يختبئ وينهزم ويولي ويدبر عند ذكر الله عز وجل, فإذا غفل العبد عن ذكر الله جثم على قلبه الشيطان وانبسط عليه، وبذر فيه أنواع الوساوس التي هي أصل الذنوب كلها، أما إذا ذكر العبد ربه واستعاذ به انخنس الشيطان وانقبض وتوارى, عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى»([4]). ثم لما ذكر وسوسة الشيطان ذكر محل تلك الوسوسة فقال تعالى: ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾ يعلم الشيطان أهمية القلب وخطره على جوارح الإنسان فهو ملك الأعضاء جميعا، قال أبو هريرة رضي الله عنه: "الْقَلْبُ مَلَكٌ وَلَهُ جُنُودٌ، فَإِذَا صَلُحَ الْمَلِكُ صَلُحَتْ جُنُودُهُ، وَإِذَا فَسَدَ الْمَلِكُ فَسَدَتْ جُنُودُهُ"([5]).
|
||
04-02-2019, 06:14 PM | #2 | ||
مراقب عام وأداري للمنتديات
|
رد: تأملات قصار السور سورة الناس
روح الجروح جزاك الله خيرا على موضوعك القيم والله يعطيك العافيه ودي لكي وعبير وردي
|
||
04-03-2019, 01:26 AM | #3 | ||
مشرفة منتديات قبائل شمران
|
رد: تأملات قصار السور سورة الناس
روح الجروح رووعه موضوع رائع ومميز عاشت الايادي .. دوم التالق تحياتي
|
||
04-03-2019, 05:29 PM | #4 | ||
مراقبة عامة للمنتديات
|
رد: تأملات قصار السور سورة الناس
كل الشكر والتقدير لكم لروعة حضوركم الراقي
|
||
07-04-2019, 07:40 AM | #5 | ||
المدير العام لمنتديات قبائل شمران الرسمية
|
رد: تأملات قصار السور سورة الناس
روح الجروح شكرآ لك على هذه المشاركة المفيدة وعلى حضورك المميز بارك الله فيك
|
||
09-14-2019, 03:02 PM | #6 |
أبو عبدالرحمن ( شاعر )
|
رد: تأملات قصار السور سورة الناس
جزاك الله خير الجزاء
|
11-09-2019, 11:42 AM | #7 | ||
مراقبة عامة للمنتديات
|
رد: تأملات قصار السور سورة الناس
شاكرة لكم روعة حضوركم الراقي
|
||
12-13-2019, 10:44 PM | #8 | ||
مشرف المنتدى الإسلامي
|
رد: تأملات قصار السور سورة الناس
جزاك الله خيرا
|
||
01-17-2020, 11:56 PM | #9 |
موقوف
|
رد: تأملات قصار السور سورة الناس
اختيار جميل روح الجروح كل الشكر على
طرحك الرائع وفي انتظار ابداعك القادم بكل شوق |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | الردود | آخر مشاركة |
تأملات | الحمدان | المنتدى العام | 8 | 09-06-2017 09:17 AM |
أقسام الناس في الصلاة خمسة فمن أي الأقسام أنت ( صورة ) | ساكتون | المنتدي الاسلامي | 5 | 10-27-2013 08:20 PM |
وش ذي الفلسعه اللي في الناس ذولا لا تفوتك الصور | أبو ريان الشمراني | المنتدى العام | 5 | 12-09-2010 11:25 PM |
افتتاح برج دبي (خليفة) .. صورة من أروع الصور الملتقطة للبرج الرائع | وليد | الصور والمناظر الطبيعية ومقاطع الفيديو | 10 | 01-08-2010 04:47 AM |
كيف تسرق صورة الماسنجر بدون برنامج سارق الصور | عبدالله الساهري | الماسنجر والتصاميم | 10 | 10-17-2008 01:30 PM |