منتديات قبائل شمران الرسمية


منتدى الثقافة العامة و ( سوق الاسهم) يتناول كل معرفة وعلم نافع في شتى مجالات الحياة

 

 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع

قديم 04-28-2023, 10:27 PM   #1
مشرفة قسم الرياضة والرياضيين
 
الصورة الرمزية شذى الياسمين
 

شذى الياسمين is on a distinguished road
Lightbulb فن الاعتذار 🌾🍀

فن الاعتذار

أ.د. حمزة بن سليمان الطيار
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


الاعتذار ليس عيباً ولا ضعفاً ولا استخزاءً من فاعله، بل هو علامة الشهامة وكرامة النفس إن بادر به المخطئ غير مجبَرٍ عليه ولا مضطرٍ إلى تقديمه تحت ضغط الآخرين، وإنما العيب في التمادي في البغي والإصرار على الإساءة..
الإنسان غير المعصوم تدور تصرفاته بين صوابٍ وخطأ، ويحصل منه التعدي على حقوق غيره على أوجهٍ متنوعةٍ؛ إذ هو إما متعمد للإساءة يتحرى إلحاق الضرر النفسي والمادي بغيره، وإما كثير الصواب متحرٍّ للحق ممتع بآلات الإصابة في القول، لكنه أدركته الكبوة التي قلما ينجو منها جواد، فصدرت منه فلتةٌ لم يواطئ فيها الضمير اللسانَ، وإما متهاونٌ باستعمال آلات الإصابة يخبط خبط العشواء، ولا يُبالي على أيِّ وجهٍ قلَّب الأمور، فيصدر عنه من خلال ذلك ما يسوء غيره، وإما ذو قصورٍ في البيان وأساليب التعبير التي تقتضيها المقامات والأحوال، فيروم الصواب لكنه يؤديه بما ظاهره النيل من غيره، وإما مُتسوِّرٌ على النقد والتقويم والإصلاح، فيتجاسر على تعاطي النقد وإبداء الملحوظات فيتخطى حدود النقد، ويعتدي على حق المنتقَد، وتلك كُلُومٌ لا بد لها من علاجٍ يُخفِّفُ من وطأتها على النفس، بغض النظر عن دافعها والملابسات التي اكتنفتها، فلا يستغني الإنسان عن معرفة فن الاعتذار، ولي معه وقفات:
الأولى: إذا كان الاعتذار علاجاً لما لحق المضرور من ضررٍ أياً كان نوعه، فلا بد لهذا العلاج من أن يكون المعالجُ به صادقاً فيه غيرَ غاشٍّ فيه، وأن يصرفه بقصد تلافي الأمر وإصلاح الخلل، فيكون على مقدار الداء الذي يُعالَج به، ومما يجب أن يجتنب فيه تكرار الإساءة، فبعض الناس إذا أخطأ وأساء إلى غيره، فألجأه رد فعل الناس إلى أن يعتذر للمظلوم اتخذ اعتذاره منحى التبرير والدفاع، وهو بهذا الأسلوب الملتوي ربما أعاد الإساءةَ بأسلوبٍ آخر أخفى وأدق، ومن الإساءة إنكار الإساءة كما قال الشاعر:
فإنَّ اعترافَ المرء يمحو اقترافه
كما أن إنكار الذنوب ذنوب
وإنما المطلوب من المعتذر مخطئاً أن يُقرَّ بخطئه وأن يلتمس من أخيه العفو والصفح، وبهذا يكون قد سعى في رأب الصدع، وسلِّ سخيمة النفس، ووقْفِ سوء الفهم قبل استشرائه، وبهذا ينجو من تبعاتِ حقوق الناس التي لا يتخلص منها إلا بالاستحلال، فلو استمات لينفي للمظلوم مظلمته حتى انجلى الموقف على أن شيئاً لم يكن، وأن الأمر مجرد سوء تصور من المظلوم لظلَّت ذمته معمورة بتلك التبعة، أما إذا لم يصحَّ ما أُخِذ عليه بأن كان التأذي ناشئاً عن سوء فهم من المتأذي، فعليه البيان وإيصال وجه براءته بالعبارة اللائقة.
الثانية: الاعتذار ليس عيباً ولا ضعفاً ولا استخزاءً من فاعله، بل هو علامة الشهامة وكرامة النفس إن بادر به المخطئ غير مجبَرٍ عليه ولا مضطرٍ إلى تقديمه تحت ضغط الآخرين، وإنما العيب في التمادي في البغي والإصرار على الإساءة، وإنما يُصرُّ عليها من يجد في نفسه ضعفاً، بحيث يظن أن إنصاف الناس من نفسه يضع من قدره، وأما الواثق بنفسه فيُفرِّقُ جيداً بين أسباب الارتفاع وأسباب الضعة، وكما أن الاعتذار فضيلةٌ ونبلٌ فقبوله من المعتذِر كذلك، فمن الآداب الشريفة أن لا يتعنت المظلوم إذا اعتذر إليه ظالمه، وأن لا يُفتِّش في الخبايا ما أمكنه، فالسماحة ولين الجانب والعفو عن المسيء من أساليب الإحسان، قال تعالى: «وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»، لا سيما إذا كان الاعتذار بأسلوب الاحترام وإعادة الاعتبار، وقد أحسن من قال:
اقبَل معاذير مَن يأتيكَ مُعتذِراً
إن بَرَّ عندك فيما قالَ أو فَجرَا
فقد أطاعَكَ من أرضَاك ظاهرُهُ
وقد أجَلَّك من يعصيك مستترا
الثالثة: إذا أشاع المخطئ إساءته إلى المظلوم، وتحدث بها في مجالس متعددة، أو نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي، فمن تمام الاعتذار أن يشيع إنصافه على حسب إشاعته للنيل منه، فالحكمة من الاعتذار تلافي الضرر وإصلاحه وعلاجه، والكلمة إذا خرجت من الفم لم يمكن استرجاعها والتخلص منها، فهي كما قال الشاعر: فإنَّ الشِّعرَ ليسَ له مَرَدٌّ ... إذا وَرَدَ المياهَ بِهِ التِّجَارُ
فلا يبقى سبيل لتلافي أثر الكلمة السيئة إلا بإتباعها الكلمةَ الحسنةَ، وهذا داخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام: (اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُ كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا)، ومن الغبن أن ينال الإنسان من أخيه علانية، ثم يعتذر له سراً، ويقتصر على ذلك فلا ينشر مناقبه حيث نشر مثالبه، وخلاصة ما على المعتذر أن يصنعه توخِّي الإنصاف من نفسه وإصلاح ما أفسده، وأن ينزع فتيل الأزمة بينه وبين أخيه، وأن ينطلق من حقيقةٍ مفادها أنه غير متطوعٍ ولا متفضلٍ بما يصنعه، بل هو مدينٌ لأخيه بالتحلل من المظلمة، وليست له بذلك يدٌ ولا مِنةٌ، بل ثمرة سعيه فكاك نفسه من اللائمة.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة






التوقيع

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
شذى الياسمين متواجد حالياً   رد مع اقتباس

 

مواقع النشر




ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات شمران الرسمية