معاهدة لوزان ..

السلام عليكم ..

نسمع كثيرا عن اتفاقية لوزان وانها على وشك الانتهاء العام القادم وبالتحديد في شهر يوليو , فلماذا كل هذا الصخب عن هذه الاتفاقية ولماذا ينتظرها الأتراك , وكأنهم ينتظرون عيدا ..!

تعالوا هنا لنتعرف على شيء من هذا ..

اكاد أقول شخصيا ان هذه الاتفاقية هي من قصمت ظهر الإسلام والمسلمين قبل حوالي مئة عام والغت الخلافة الإسلامية الى الأبد , فقبل قرن من الزمن تقريبا شهدت الأمة الإسلامية حدثا مأساويا فظيعا لا ينسى وهو سقوط الإمبراطورية العثمانية التي دام حكمها لما يقرب من 600 سنة , عندما تم بعد نهاية الحرب العالمية الأولى توقيع معاهدة لوزان في 24 يوليو 1923 م *بين كل من تركيا وهي احدى دول المحور المنهزمة من جهة ودول الحلفاء المنتصرة في الحرب العالمية الأولى من جهة ثانية , فلم يعد هناك شيء اسمه الإمبراطورية العثمانية وبالمقابل حلت مكانها الجمهورية التركية القومية العلمانية وهذا كله تم من قبل مؤسس دولة تركيا الحديثة كما يطلق عليه , الهالك مصطفى كمال أتاتورك ..

وقد كان من النتائج المترتبة عن معاهدة لوزان ما يلي :

إعلان علمانية الدولة بعد أن كانت خلافة إسلامية ..

مصادرة جميع أموال الإمبراطورية العثمانية ونفي السلطان وعائلته خارج تركيا ..

تنازل تركيا عن كل حقوقها في كل المناطق التي كانت تحت سيادة الإمبراطورية العثمانية والتي شكلت لاحقا الدول العربية بموجب اتفاقات سايكس - بيكو ..

ترسيم حدود اليونان وبلغاريا مع الدولة التركية ..

اعتبار مضيق البوسفور ممرا مائيا دوليا ولا يحق لتركيا تحصيل أية رسوم عبور ..

من يدرس النتائج المترتبة عن توقيع معاهدة لوزان يستنتج أن مصطفى كمال أتاتورك قد هدم جهود سلاطين الدولة العثمانية طوال قرون قيام هذه الإمبراطورية العظيمة التي خضع لها الشرق والغرب بجرة قلم ، ولكن مع كل ما قام به أتاتورك إلا أن هيبته لم تسقط داخل تركيا إلى يومنا ولعل ذلك كله راجع لما كان يتمتع به من كاريزما داخل تركيا وخارجها وخير دليل هو تسميته أبو الأتراك ..

ومن خلال ما أسلفنا الكلام بشأنه من النتائج المجحفة التي رتبتها معاهدة لوزان التي لا تزال تركيا مقيدة بها حتى انتهاء 100 سنة على توقيع هذه المعاهدة نفهم السبب وراء ترديد أردوغان لعبارة عام 2023 م بكثرة ، لأن حلول هذا التاريخ هو أكثر من يوم عيد بالنسبة لدولة تركيا ففي هذا التاريخ ستتخلص من قيود هذه المعاهدة ، وان دولة تركيا ستولد من جديد كما يقول الترك ..

ولكن هل هذا منطقي ومعقول , ابدا , لا نعتقد ذلك، لأن لكل ولادة مخاض ولا بد لولادة دولة تركيا الجديدة كما يتصورها الأتراك , تلك الدولة التي ستخلف الإمبراطورية العثمانية المنهارة ولو نسبيا من مخاض وصعوبات ومشاكل ، ويشهد التاريخ أنه لم تتأسس دولة قوية ومهيمنة بين ليلة وضحاها وبدون مشاكل وصعوبات ، وهذه سنة الله في الأرض فقبل تأسيس دولة الإسلام في المدينة المنورة ضحى الصحابة بكل غال ونفيس واستشهد منهم من استشهد والكثير منهم ماتوا ولم يشهدوا حتى ميلاد الدولة الإسلامية ذاك الزمان ..

وتركيا كقوة إقليمية إسلامية سنية أصبحت مهددة أكثر من أي وقت مضى ولها أعداء كثر حتى بعد انتهاء الاتفاقية ، وهذا طبيعي بالنظر إلى التقدم الهائل الذي تحرزه عاما بعد عام وفي شتى المجالات، فتركيا حققت إنجازات عسكرية واقتصادية وزراعية وسياحية عظيمة حيرت العالم وبذلك أصبحت تشكل تهديدا لكبريات القوى العالمية ، حيث قفزت من المرتبة 111 عام 2002 م إلى المرتبة 13 العام الماضي وبذلك أصبحت تركيا ضمن مجموعة العشرين وهي مجموعة تضم أكبر الاقتصادات في العالم على الإطلاق وبدون ان تملك موارد نفطية او غازية او معدنية ، ووصل الناتج القومي لتركيا عام 2021م *إلى ما يساوي الناتج المحلي لأقوى سبعة *اقتصادات مجتمعة في الشرق الأوسط ..

الآن نفهم ولو قليلا , ماذا يعني عام 2023 م بالنسبة لتركيا ، فهو تاريخ الخلاص من قرن من القيود المجحفة ولأنه تاريخ تحقيق أكبر الإنجازات على الإطلاق ..

وأخيرا , فأنني اعتقد ان تركيا لن تستفيد الكثير من انتهاء اتفاقية لوزان الا مجرد رسوم عبور في المضائق , بالإضافة الى محاولات لاستعادة بعض الجزر في بحر ايجه , وطبعا ستكون هناك فرصة اقوى لها للدخول في الاتحاد الأوربي ..