منتديات قبائل شمران الرسمية


منتدى نصره الرسول (صلى الله عليه وسلم ) نسأل الله أن يحشرنا في زمرة الأنبياء والعلماء والصالحين

 

 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع

قديم 10-20-2020, 03:11 PM   #1
مشرف المنتدى الإسلامي
 
الصورة الرمزية ابو طلال*
 

ابو طلال* is on a distinguished road
افتراضي النبوة وفن العيش




النبوة وفن العيش


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

بما أن الأنبياء هم أعلى النماذج البشرية، فإنهم الأنسب بلا شك لأن يكونوا قدوة للإنسانية. غير أن المشكلة التي تُطرح قبل تفعيل النموذج هي الحاجة إلى التفاصيل، بمعنى : هل عرض النبي على أتباعه نموذجا مكتملا للحياة الطيبة، يُسعفهم في تحقيق سعادتي الدنيا والآخرة؟ وإذا كان الرد بالإيجاب، فهل حفظت لنا المكتبة الإنسانية تفاصيل النموذج وخطواته، وأجوبة عن الأسئلة والانشغالات التي تضايق الإنسان في مسار حياته من المهد إلى اللحد؟
رغم أن قائمة الأنبياء والرسل تضم الآلاف منهم، إلا أن سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم تنفرد بالناحية العملية، وبالدقائق والتفاصيل التي تعين الفرد على بلوغ فن العيش، وتدبير مسار حياته بالحكمة اللازمة. فلا نجد في أسفار موسى أو إنجيل عيسى عليهما السلام سوى مواعظ حسنة وتعاليم سامية. كذلك لا تسعفنا أخبار الحكماء بغير آرائهم وتوجيهاتهم، بينما الذي يعوز الناس هو العمل بها، وتمثلها سلوكا وموقفا ونهج حياة.
تعرض السيرة المحمدية دليلا عمليا لفن العيش، بمقوماته الثلاثة التي صاغها الفيلسوف الألماني أرتور شوبنهاور كموجه للحياة البشرية؛ أعني الكينونة والحيازة والتمثلات؛ حيث تحيل الأولى على شخصية الإنسان من حيث القوة، والصحة، والطبع الأخلاقي، والجمال.
بينما تشمل الحيازة ما يملكه الإنسان من أشياء.
أما التمثلات فهي المعايير التي تعكس تقدير الآخرين لنا من عدمه، وتشمل المكانة والمجد والشرف وغيرها.
والغاية من فن العيش النبوي هي ربط المحبة بالاتباع، وتأسيس الحركة الدنيوية للمسلم على منهاج يحقق له السعادة التي يتوق إليها الإنسان، من الوهلة التي يتفتح فيها وعيه على العالم.
القاعدة الأولى في فن العيش النبوي، كما أرساها النبي صلى الله عليه وسلم في مستهل دعوته، هي اقتلاع رواسب العبودية لغير الله، وبناء شخصية مسلمة تمتزج فيها خواص التكريم والاصطفاء الإلهي مع تجريد الخضوع له سبحانه. وسواء تعلق الأمر بصنم أو حاكم أو شهوة، فإن الاعتزاز بدين التوحيد حرر المسلم من الانقياد للمادة، وأبطل ذوبانه في قبلية تحكمها العوائد، ثم انتزع خوفه من الموجودات لتتحرر طاقته ومواهبه.
عرض النبي صلى الله عليه وسلم في أحواله كلها مثالا لكينونة سمتها التوازن والاعتدال. فكان لا يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثما، وجعل البساطة والبعد عن التكلف ديدنا في حياته اليومية كزوج ورب أسرة، وفي علاقته مع الجماعة المسلمة.
السمة الثانية التي رعاها النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا هي الاستعلاء الإيماني. فلم تعد مفردات القوة والصحة والذكاء ومكارم الأخلاق غاية في حد ذاتها، وإنما وسيلة لرضى الله ورسوله، وتحصيل الأجر والثواب. وذاب الطموح الشخصي في حركة جماعية للتعمير وبناء المجتمع المسلم، كما ارتبط جهد الفرد بتمتين آصرة الدين التي تسمو فوق الروابط المعتادة، لذا يمكن أن نعد حادثة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لحظة ميلاد الشخصية المسلمة ،وإعلانا عن منعطف حضاري حاسم.
ولأن فن العيش لا يسلم من مخاوف وآلام تُكدّر صفوه، فقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تهذيب نفوس أصحابه، وتصويب النظر فيما تجري به الأقدار من هَم وحزن ومرض وغيرها. فأرشدهم إلى الحكمة الإلهية من الابتلاء، وهدَم التصور الجاهلي لحركة الإنسان في الواقع، حيث تسود الخرافة والطيرة والشؤم، ثم حرّر النفس من زخرف الحياة الدنيا بالحديث عن نعيم الدار الآخرة. فصار الموت فاصلا خفيفا بين الوجودين، ولم يعد المسلم يبالي على أي جنب كان في الله مصرعه، كما ردد خبيب بن عدي رضي الله عنه حين أجمع المشركون على قتله !
إن الانقلاب الهائل الذي يمس شخصية الإنسان العربي لحظة إسلامه، يمتد أثره على الفور إلى الحيازة، أي علاقته بما يملكه إن كان من ذوي الثراء، أو بطرق تحصيله للمال إن كان غير ذلك. فبين دائرتي الحلال والحرام حدد النبي صلى الله عليه وسلم سبل كسب المال الصالح، ثم أشاد بفضيلة الإنفاق ووجوهها المشروعة، كتعبير عن وظيفة المال في المجتمع المسلم.
وجاءت موقعة أحد لتقطع مع عادة السلب والنهب التي ألفها العربي في جاهليته كمصدر للثروة، ولتضع المسلم أمام اختبار الغنيمة، والضرر الذي يلحقه إذا تقدمت الحيازة على النصرة، والسعي للتملك بدل حمل الرسالة. أما على مستوى البيت النبوي فلم يلحظ المسلمون أية مفارقة بين التوجيهات التي تحض على الاعتدال والتقشف، وبين ما كان يحياه النبي صلى الله عليه وسلم بالفعل: بيت يمضي على أهله شهر أو شهران لا يجدون طعاما غير التمر والماء، وقد يصبح النبي وليس في بيته شيء فيقول: إني صائم؛ حتى إذا حضره مال أو طعام بسط يديه بالإنفاق على مساكين أهل الصفة.
ويبلغ جوده في رمضان درجة الريح المرسلة، فيعطي كما قال الأعرابي عطاءَ من لا يخشى الفقر. كل هذا والمؤمنون يتابعون نهجه في الحيازة: حيازة مبدؤها العطاء لا المنع، وشعارها: أنفق يُنفق عليك ! فيبادرون بدورهم للإنفاق، ويتبارون في تلبية نداء القرض الحسن الذي وعد الله تعالى أن يضاعفه لهم أضعافا كثيرة. ومن لم يجد ما ينفقه فخير له أن يحتطب حزمة على ظهره من أن يسأل الناس فيعطوه أو يمنعوه. إنه فن عيش يُدار فيه المال الصالح بنية التكافل وسد الحاجات، ويلتمس أهله البركة والثواب، فتصبح الثروة تحصيل حاصل أمام هامش ربح أعظم، تدركه البصيرة لا البصر.
وبما أن الإنسان لا يطيب عيشه إلا بوجوده في جماعة، فإنه سرعان ما يتأثر بآراء الآخرين وأحكامهم، ويشغله كل حين سؤال: كيف هي تمثلاتهم بشأني؟ وقد يبالغ في تقدير آرائهم بشكل يهدد سعادته الخاصة. وهذا التمادي يجعله في النهاية عبدا لأحكام الناس، فيوجه أفعاله ومواقفه بشكل يعزز مكانته، ويحقق له المجد والشرف ولو على حساب راحته وسكينته. ومن هنا تتولد جل أشكال المعاناة الإنسانية.





التوقيع

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ابو طلال* غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس

 

مواقع النشر




ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى الردود آخر مشاركة
مقدمات ومبشرات النبوة ونزول الوحي ابو طلال* منتدى نصره الرسول (صلى الله عليه وسلم ) 9 10-17-2020 06:58 PM
( العيش والملح ) ( سعيد ال مناع ) ( وبن شنيف ) (البازل) القصائد الصـوتية والمرئية 5 02-28-2014 06:31 PM
لطائف من بيوت النبوة تركي آل غريب منتدى نصره الرسول (صلى الله عليه وسلم ) 5 02-05-2010 01:28 PM
سيدات بيت النبوة(1) احمد العساف منتدى نصره الرسول (صلى الله عليه وسلم ) 11 03-08-2009 11:06 PM
أريد العيش بسلام فطمطم الخواطر والقصص والروايات 11 07-20-2008 07:44 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات شمران الرسمية