منتديات قبائل شمران الرسمية


منتدى الثقافة العامة و ( سوق الاسهم) يتناول كل معرفة وعلم نافع في شتى مجالات الحياة

 

 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع

قديم 08-16-2022, 03:46 PM   #1
مراقب عام وأداري للمنتديات
 
الصورة الرمزية ريحانة شمران
 

ريحانة شمران is on a distinguished road
Post هُدنة مع العُمر💙




هُدنة مع العُمر

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


منال محمد الخميسي



«نحن نكبُر» تلك حقيقة يجب أن نعترف بها ولكن الأهم من الرقم العمري هو معرفة ما الذي يكبر فينا؟ عدّاد العمر يعمل ويدور سريعاً شئنا أم أبينا الاعتراف بوجوده، ومع ذلك نحن لا نكبر (ككل) بل ما يكبر فينا هو جانب واحد فقط وهو الجانب الجسدي أما الجانب الروحي فيظل تحت سيطرة صاحبه؛ فإما أن يعيش الشباب الدائم الذي لا يهرَم ويقف صلباً أمام اجتياح عوامل التعرية الزمنية ورباح العمر العاتية، أو يشيخ سريعاً ويذبل وهو ما يزال في أولى بتلات الحياة، فالروح لا تكبر إلا برغبة الإنسان ذاته وكل ما يكبُر فيه هو الوعاء الجسدي الذي يحمله داخله.

في حوار جميل مع صديقتي ذكرت لي رؤيتها المختلفة نحو الجسد وقد شبهته بالمركبة؛ فكلما اعتنى الإنسان بآلة الجسد وداوم على صيانته المستمرة وذلك بإخضاعه لنمط حياة صحية وحمايته من احتلال الشيخوخة البيولوجية بتحصينه بدروع الوقاية، وتزويده بالوقود والطاقة من رعاية طبية ومُكملات غذائية زادت سنواته الحياتية وتأخرت علامات التقدم العمري لديه وطال بقاؤه بعد مشيئة الله، وكلما أهمل صيانته وتركه يئن الاحتياج وأفرط في تدميره بسوء الاستخدام تعرض للعطل السريع وربما التلف الكامل والموت المفاجئ!



ليس باستطاعة الإنسان إيقاف مُحرِك العمر وإنما باستطاعته عقد هدنة معه ليؤخرهُ قليلاً، فيظل صاحبه صغيراً في حدود تلك الفترة الزمنية المؤقتة، وحين تنتهي «الهدنة» سيأتي الوقت الذي يصعُب عليه إخفاء ذلك الضيف الثقيل، وستتحدث خطوط الحياة على وجهه بدلاً عنه، وتغزو الخصلات البيضاء طرقات رأسه، فالعمر يتحدّى كل المعارك التجميلية الخارجية وينتصر عليها ويحتل الجسد بأجندته الخفية ويُصيب أعضاءه بالوهن البطيء.

تلك سنة كونية أوجدها الله في كل مخلوقاته قال تعالى «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير» خُلِق الإنسان طفلاً ضعيفاً بحاجة للاعتناء، ثم يشتدّ ساعده ويقوى بدنه ويغتَر بالحياة ظناً منه أنه يعيش الديمومة الشبابية، فإذا به يعود ضعيفاً كطفلٍ صغير بحاجة للاعتناء! تلك دورة الحياة المخيفة وقطارها العمري السريع الذي لا ينتظر ولا يتوقف وقد يدهس من يقف أمامه مُكملاً طريقه.

هناك عوامل كثيرة تساعد على إتمام صفقة «الهدنة مع العمر» لتأخير التقدم البيولوجي للجسد أهمها الراحة النفسية والنقاء الداخلي والسلام الروحي، فالروح النقية كالمِرآة تنعكس صورتها على ملامح الجسد الخارجية وتبث نورها في خلاياه فيبدو فتياً ممتلئاً بالحياة، وأيضاً الحرص على تحسين جودة الحياة والبُعد عن الضغوطات النفسية والأجواء المشحونة والعلاقات السلبية وإنقاذ الروح من براثن الماضي المُظلم والنجاة بها من محيط المستقبل المُبهَم وتفريغ التراكمات الداخلية التي تظل مختبئة داخل الإنسان وتنهش من صحته حد الذبول، بالإضافة إلى حُب الحياة والتمسك بها واستمرار الشغف نحو تفاصيلها والتي تُعد من أهم العوامل التي تمنح الإنسان طاقة شبابية هائلة تنبعث منه وتنتشر في محيطه، فالحياة تُحب مَن يحبها وتتمسك به وتمنحه جزءًا من أنفاسها.

«الهدنة مع العمر» ممارسة حياتية لا يُتقنها الجميع؛ لذلك نلاحظ الاختلاف الكبير بين البشر في مدى بروز علامات الكِبر لديهم والسبب يكمن في تفاوتهم في استخدام عوامل تأخير التقدّم العمري. إذاً فالحقيقة أنّ الجسد وحده القابل للتغيرات البيولوجية أما الروح فلا تشيب ولا تشيخ أبداً وتظل تُزهر وتتفتَّح وتُشرق وتُبعَث في كل يوم من جديد كأشعة الصباح على وجنة الكون، روح غضّة تنبت في تربة طرية وتظل جذورها فتيّة مهما اشتعلت أوراقها شيبا.



الكاتبة /منال محمد الخميسي
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



التوقيع

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ريحانة شمران متواجد حالياً   رد مع اقتباس

 

مواقع النشر




ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات شمران الرسمية