منتديات قبائل شمران الرسمية


النقاشات الـجــــــاده أطلق العنان لقلمك لنثر إبداعك الثقافي ونقاشك العقلاني

إضافة رد

 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع

قديم 12-27-2008, 02:02 AM   #1
 

ابو رؤيا is on a distinguished road
افتراضي بحبك يا Google!

مصطفى عاشور
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

محرك البحث عن المشاعر وجدت زميلتي في العمل في حيرة كبيرة، فبادرتها بالسؤال عن سبب ذلك، فابتسمت وأخبرتني أنها خطبت أمس، وأنها تبحث على الإنترنت لتتخير رسالة تطيرها عبر تليفونها المحمول إلى خطيبها.. ونظرا لخبرتي بالإنترنت قررت أن أساعدها، وأخذت أجوب المواقع فوجدت مواقع تقدم هذه الخدمة للمحبين الجدد والخاطبين، وبها كم ضخم من الرسائل بلهجات مصرية وخليجية ومغاربية.. وأخذت أعرض عليها بعضا من مئات الرسائل التي توصلت إليها ومن ذلك:
"واحشني يا عصفور.. صدقني يا أمور.. من غير ما ألفّ وأدور.. بقلبي اسمك محفور"، فابتسمت جدا، وقالت لا أستطيع أن أرسل له تلك الرسالة ما زلنا أول يوم خطوبة.فعرضت عليها رسالة أخرى تقول:
"أنا زي السكر.. وأنت زي الشاي.. صحيح أنا بحليك.. بس أنت مدوبني فيك"..
علت ضحكاتها مع هذه الرسالة، وقالت: لا أستطيع أن أرسل له هذه الرسالة لم تمض على خطوبتنا سوى 24 ساعة فقط، فقلت لها هذه آخر رسالة اقترحها عليك.
"يا وحشني إديلي رنة.. ها تخلي الدنيا جنة.. هتلاقي الأعمى فتح.. والأخرس قام وغنى"..
قالت لا أستطيع أن أرسل له ذلك، وهذا ما دفعني إلى سؤالها: لماذا لا تكتبين أنت ما تريدين؟ لماذا هذا الاتكال في الجانب العاطفي على التقنية؟ لماذا يقرأ الشخص ويرسل إلى الآخرين عواطف وأحاسيس غيره...
هذا الموقف أعادني إلى ما احتفظ لنا به الأدب العربي الحديث في بدايات القرن العشرين من رسائل عاطفية، أثبت لنا التاريخ مجموعة منها، مثل رسائل الشيخ علي يوسف الصحفي الشهير إلى السيدة "صفية السادات" واللذين توج حبهما بالزواج عام (1904م) في كتاب عام 2002 للكاتب حلمي النمنم يرصد فيه تلك الرسائل (69) رسالة، التي كانت تكتب بمداد الروح والعاطفة؛ ولذا كتب لها الاستمرار، وأن تحتفظ بها أسرة علي يوسف ما يقرب من مائة عام حتى ترى النور وتنشر، وكأن الكلمة التي اقتطعت جزءا من الإحساس والمشاعر تستمر بقدر العاطفة التي أنضجتها، كذلك رسائل الشاعر جبران خليل جبران والأديبة مي زيادة والتي كانت مثالا للحب النادر فالاثنان تراسلا ما يقرب من عشرين عاما، ولم يلتقيا مباشرة، فقد كان يقيم في الولايات المتحدة، وهي تقيم في مصر، وكانت رسائلهما تشع بصادق الإحساس، وما زال الأدب يحتفظ بها حتى الآن، وبرغم طول سني المراسلة لم يخاطب أحدهما إلا فيما ندر بكلمة "حبيبي أو حبيبتي".
والسؤال هنا: هل الموبايل أو الجوال أو المحمول أو الخليوي قضى على أدب الرسائل، فالرسالة تبحث عنها في الإنترنت أو تصل إليك من موبايل آخر، ثم لا يكون دورك إلا أن تعيد إرسالها، وما على الطرف الآخر إلا أن يستقبلها ثم يرسلها وهكذا، فمثلا في الصين أشارت هيئة الاتصالات الصينية أن حجم رسائل المحمول في عام واحد بلغت (60) مليار رسالة.. لا تتعجب من الرقم، ففي أوروبا الرقم أكبر من ذلك؛ إذ يبلغ حوالي (30) مليار رسالة قصيرة شهريا، وفي العالم العربي مئات الملايين من الرسائل ترسل شهريا، ويكفي أن نعرف أن بعض القنوات الفضائية تقوم مدخولاتها بشكل رئيس على ما تجنيه من رسائل sms، وتحتل منطقة الخليج مكانا متقدما في حجم الرسائل، حتى لم يعد برنامجا فضائيا شعبيا إلا ويطلب منك أن ترسل رسالة sms، لكن أن تصبح رسائل sms هي الحاكمة للعلاقات الاجتماعية أو هي التي تختزل العلاقات الاجتماعية في قوالب جامدة، وأن تكون المشاعر مطروحة للبحث على الإنترنت عبر محرك البحث Google فذلك أمر مزعج، لكنه يعني -من وجهة نظر أخرى- أن نوعا من الأدب انقرض، ألا وهو أدب الرسائل، سواء أكانت أخوية أو عاطفية، فمن المستحيل أن يحتفظ أحد بالرسائل التي تأتي له على هاتفه الجوال لسنوات، ثم يفكر في طباعتها في كتاب ليطلع الناس عليها، أو أن تحتفظ زوجة المتوفى بهتافه النقال وما أرسله لها من رسائل لكي تطلع عليها الأجيال القادمة.
وعلى مستوى العلاقات فإن أدب الرسائل ليس هو الوحيد المنقرض في ظل هذا الهوس العالي بالتكنولوجيا الرقمية والاتصالات، ولكن هذه التكنولوجيا تطرح قضايا كبيرة تتعلق بالعلاقة بين الإنسان والتقنية، وهل التقنية قادرة على صنع ثقافة الإنسان وتغييرها وتنمطيها؟ أم أن التكنولوجيا محايدة في تلك المسألة، وأن الخطأ يعود على مستخدميها فقط؟ وهل التكنولوجيا والتقنية تحمل ثقافة؟ أم أنها الثقافة توظفها في إطار رؤيتها؟
هذه إشكالات كبيرة جدا، وربما حاول عدد من الكتاب معالجتها والتنبيه أن التكنولوجيا تحمل دائما قدرا من الثقافة، وأنها دائما لا تحمل صفة الحياد الكامل، ومن ذلك الكاتب "جاك ألول" في كتابه المتميز "خدعة التكنولوجيا"، حيث تكمن خطورة التكنولوجيا وانتشارها الواسع عالميا في فكرة التنميط للبشر والمشاعر والأفكار، بل تجاوزت ذلك لتشكل التقنية نوعا من الشرعية للوجود والقيمة الإنسانية، فنوعية ما تستهلكه
وتستخدمه من منجزات تكنولوجيا يحدد مقدار انسانيتك وتحضرك، واذا كان لكل اختراع وتقدم ثمن، فأصعب الأثمان وأفدحها ما يدفعه الانسان من كينونته الانسانية، وان يلغي التميز الانساني لنصبح جميعا تروسا قابلة للاحلال والتغيير في عجلة العولمة التي تفرض تحدياتها على الجميع، ومن ثم يكون من حق زميلتي في العمل ان تبحث عن عواطفها على Google ولا حرج.


مدير تحرير نطاق "ثقافة وفن" في شبكة إسلام أون لاين



ابو رؤيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس

إضافة رد

مواقع النشر



أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى الردود آخر مشاركة
حـصرياً Google-Earth رمان الشرس الهواتف والإتصالات 1 11-07-2013 07:07 AM
Google نعومتي ورد بـوح الـقـصيد للشعراء الأعضاء 2 06-13-2012 09:49 AM
مقابله مع الشيخ google طائر المحبين المنتدى العام 3 03-21-2011 10:03 PM
google عـــ 2080 ــــام وليد الصور والمناظر الطبيعية ومقاطع الفيديو 3 03-24-2009 09:20 PM
كيف تبحث في Google الـصـعـب الكمبيوتر والأنترنت 4 01-17-2009 10:26 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات شمران الرسمية