رسالة:( أُنْس و حنين )... أشواق لا تنتهي

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الأخ الأحَب...
تحية ملئها الحب و الإخاء.. و مائها الدمع و الوفاء.. يرسلها قلبٌ كسير, و خاطرٌ مكدودٌ حسير , قد أضنته الليالي بآلامها و أشقته الأيام بآمالها , فلله ما أتعس النفوس بتنائي أحبتها , و ابتعاد أهل صفوتها و خُلتها, كيف لا ؟ , و هذا المساء يَكِــرٌّ بغياهب المشاغل والـعناء , بعدَ كَلكَلِ نهارٍ قد أثــقلته التكاليف و الأعباء , و هذا القلب المسكين ينتقل مسلوب السلاح ,من بين يدي الصباح , إلى قبضت ليلٍ سرمدي الأتراح .
أيها الأخ المفدى.. أما حالي فلا أريد أن أثــقل كاهلك بما يعتلجه من الهم و الكدر, جراء مشاغل الدنيا و ما قد ساقه علينا مولانا مِن قَدَر , و لكنني أحببت أن ألمس وجدان قلبك المَشوق , وشغاف روحك الحرَّى, ببعض المُنى لعلها تثلج صدراً بطرفٍ مما أنتم فيه من موفور الصحة و تماما العافية .. فياليت أن المزارَ أيها الأغر قريب, وياليت أن مراتع الفؤاد يُترِعها ينبوع لقياكم بغيثٍ خصيب.

و كيف صفاء العيش للمرأ بعد ما ++ تغـيَّــــب عنه رهطُهُ و أصادِقُــــــه

أيها الأخ الغالي .. و يا خليل النفس الموالي.. لا تغيب الذكرى عن القلوب المفعمة بالحب, و لا تزول الفكرة في أعز من حوى صورهم القلب, أنتم و إن نأى بكم سير الخُطا, فأريجكم ما زال يشتمه الخاطر و يعبق الوجدان بنسيمه العاطر, و زهوركم و إن غابت عن النظر إلا أنها ما زالت في نمو و كِبَر, كبراعم تنضوي تحت أطباق الثرى اليوم , لتشق طريقها نحو كبد السماء غداً.

لاشيء في الدنيا أحبُّ لناظري++ من منظر الخلان و الأصحابِ
و ألذ موسيقى تسرُّ مسامعي++ صوت البشير بعودة الأحبابِ

فلا شيء أجمل في عيني من خيالٍ لكم يمر , كأطياف الربيع الزاهية ليرمي في حدقتها بأروع الصور, فينتشي القلب , و تسكن الروح , و يلهج اللسان بالدعاء لكم بالحفظ و تمام المنن. لكن هذا الخيال و إن فعل ما فعل على حين غرةٍ من حنايا الخاطر, و في سَكرَةِ شرودٍ للفِكرِ عن الماضي و عن الحاضر, -هذا الخيال- و إن اختلس هذه الفرصة العظيمة, و اهتبل هذه النــزَّة الكريمة, إلا أنه لن يغني العين عن تمام راحتها و كمال مسرتها برؤياكم, و الطواف بمشارق حسن طلتكم و بهيجِ مُحيَّاكم .

رفرف الحبُ فوقنا و الوفـــــاء++ فيه تحلو المنى و يحلو الرجــــــاءُ
حُــــبُّنا ثابتٌ قـــديمٌ عجــــيـــــبٌ ++كـــتمـــته الصدور و الأحشـــــــاء

و حينما تتداعى أطراف الشوق من كل حدبٍ و صوب, فلا تعجب إن اهتز القلم بـــوجيف القلب, و بارتعاشات الجــــســــد النحيل , و بكل نسمةٍ تطوف به من هنا و هناك, فهذا لــــعمري عذاب -قد قُضي على القلب- أن يعيشه. وسط عذابات هذه الحياة, المزدحمة بمهماتها التي لا تنقضي , و تــفاهاتها التي لا تنتهي . و بعد كل هذه المشاغل, كم يبقى للروح أن ترتاح , و كم يبقى للنفس أن تتنفس !! .
و تمضي الأيام و يمضي العمر يفني بعضه بعضاً و يسحق أوله آخره , و لا ندري كم بقي في رصيدنا منه , لكننا حتماً لن نستطيع -السحب على المكشوف- و لو ملكنا مُلك قارون , أو سطونا سطوة فرعون , أو تجبرنا تجبر النمروذ, إنما هي لحظات يسبق بعضها بعضا, و يأخذ أولها برقاب آخرها. و لو كانت حياة ابن آدم مرصودة أمام ناظريه في ساعة رمليه, لــقـضى كل عمره حسرة على ما تـــقـضَّى منه و لو كان المـتـقضي لحظة من ألف عام , فكيف و أعمارنا أقل من ذلك , و ما انـــقضـى منها أكثر من ذلك , و لكنها الغفلة أيها الـــــحِــبُ الأغر.
و على هذا و ذاك, فلــــست أدري ما في الأيام من بقية؟ , و ماذا في هذه البقية من هديةٍ أو رزية؟, لكنه الأمل و حسن الظن بالله و كفى بالله و كيلا.
و في ختام هذه النفثات لا أجد ما أقول إلا كما قال الأول:

أذكرونا مثـــــل ذكرانا لكم++ رُب ذكرى قربت مَنْ نزحا

كتب هذا البوح/ د.قصرغصاب (السعودية- مدينة الخبر)
بعد قضاء موسم حج 1429هـ
إلى الصديق المفدى و الخليل الأوفى/ xxxx xxxx (بريطانيا- ليدز)
تنويه: هذه الرسالة هي من مراسالاتي الخاصة لكنني إذ أنشرها هنا بين يدي أحبابي في منتدى شمران فليقيني بصادق تذوقهم و جميل عنايتهم بمثل هذا البوح.