ملتقى الواديين ... اجتماع الطواريء!

ملتقى الواديين .. اجتماع الطوارئ !

لايكاد يخلو أي مجتمعين متجاورين من بعض الخلافات والنزاعات المتعددة والتي تتراوح في حدتها بين البسيطة والمعقدة ، وقد كانت قريتنا مجاورة لقرية قبيلة أخرى وتشترك معها في كثير من مناحي الحياة كالإشراف على المراعي واقتسام المزارع والسواقي وما الى ذلك من الحدود الجغرافية والعلاقات الاجتماعية المتعددة ، والتي كثيراً ماكانت سبباً في حدوث بعض النزاعات بين أهل القريتين ولكن قانون القرية الصارم لم يكن يسمح بتصاعد تلك الخلافات بل كثيراً ماكان يسارع العقلاء والحكماء من أهل القرية الى الاجتماع وتداول المشورة والتوصل الى حلول مرضية لكلا الطرفين والمبادرة الى نزع فتيل الفتنة وحل النزاع بالطرق السلمية .
ولم يكن ملتقى الواديين سوى مجلس للصلح يقع في منطقة وسطية بين القريتين المتنازعتين ، أما لماذا تمت تسميته بملتقى الواديين ؟! فهذا يعود الى كونه يقع عند ملتقى واديين من وديان تهامة الا وهي وادي جفن ووادي ذي العشيرة ، فيما كانت هناك شجرة سدر كبيرة ذات ظلال وارفة لم تزل هي المقر الرئيس لذلك الملتقى حيث يجتمع المتنازعون تحت أغصانها الظليلة فيما يجتمع النحل فوق أغصانها المحملة بالزهور البيضاء في توافقية رائعة بين من يجمع الرحيق فوق الشجرة وأولئك الذين يجمعون ثمار الصلح تحتها .
كانت قوانين هذه الملتقى صارمة إلى حد القسوة ولكنها كانت منصفة إلى حد الإعجاب فقد كان حمل السلاح من الأمور المحرمة في قانون ذلك الملتقى مهما تضاءل حجمه أو اختلف نوعه ، أما حمل العصا فقد كان يخضع لشروط مشددة ومنها أنه يمنع منعاً باتاً رفع العصا إلى الأعلى أو الإشارة بها إلى الخصم أو حتى الضرب بها في الأرض ومن تجرأ على فعل ذلك فإنه سيعرض نفسه لعقوبات القبيلة وهي مايسمى بالتعزير أو التنكيل وتتمثل في ذبح خروف أو خروفين لجميع الحاضرين وقد كان هذا التعزير في ذلك الزمن باهظا جداً خصوصاً إذا علمنا أن الغالبية العظمى من أهل القرية لايملكون قيمة الخروف كما أن ذبحهم لإحدى خرافهم يعد خسارة فادحة .
لم يكن يسمح لصغار السن بحضور هذا الملتقى بل كان يحضره مايقارب الخمسة أو الستة رجال فقط من كل قرية فيما كان انتقاء الكلمات في هذا الملتقى يتم بعناية فائقة حتى لا يستغلها الخصم في إدانة المتحدث بها .
وكثيراً ماكان يصل المتخاصمون في النهاية إلى حل وسط يرضي كلا الفريقين رغم ماقد يبدر من المشاحنات بينهما !
لقد كان هذا الملتقى بمثابة محكمة مستعجلة في الهواء الطلق لتحلق في فضائه روائع الحكمة ولتغادر سمائه غيوم الشحناء وظلام التباغض والفتن.