منتديات قبائل شمران الرسمية


منتدى الثقافة العامة يتناول كل معرفة وعلم نافع في شتى مجالات الحياة

 

 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع

قديم 08-31-2022, 05:24 PM   #1
مشرفة منتديات قبائل شمران
 
الصورة الرمزية ريهام خالد
 

ريهام خالد is on a distinguished road
Arrow لا تغضب🍁






لا تغضب

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

من زار عنابر السجون وجد أنها عامرةٌ بأناسٍ واقعين في ورطات فادحة لم يُخططوا لها مسبقاً، ولم يسلكوا في حياتهم السابقة النهج المنفلت المفضي إلى ارتكاب أمثالها، ولكنهم وقعوا فيها فُجاءةً لغضبةٍ لم يستطيعوا كبح جماحها، فتصرفوا كما تُملي عليهم غضبتهم في لحظاتٍ سترت العقل فيها غاشيةُ الانفعال..
تحكيم الإنسان لعقله في تصرفاته من ضروريات الحياة، ومن تكريم الله تعالى للإنسان أن منحه ميزة العقل الذي متى وظّفه كما ينبغي عرف متى يُقدِمُ ومتى يُحجم، واستعان به في سلوك الطريق المثلى كلما وقف على مفترقِ طرقٍ متشعبةٍ إما أن تَرِدَ به المسلوكة منها مناهل الصواب والنجاة، وإما أن تتوغل به في مفاوز الخطأ والعطب، ومتى وضع عقله جانباً وتصرف من غير تقيدٍ به صار مُهدراً لنعمةٍ لا تُقدّرُ بثمنٍ، ورامياً عرض الحائط بسببٍ عظيمٍ جعله الله تعالى حرزاً لتوقي المفاسد، وحرَّم المساس به فجعل صيانته من الضروريات الخمس التي لا ينتظم العيش الكريم بدونها، والمساس بالعقل ممنوع مطلقاً سواء كان بسببٍ يتعاطاه الإنسان بنفسه ويجلب أصله كتعاطي المسكر والمخدر، أم كان بسبب التمادي في الغضب والاسترسال فيه، وإن تفاوت حكم ذلك بجعل التسبب في المساس به كبيرة لأنه إذهابٌ للعقل بما يُمكنُ الإنسانَ تفاديه، وأما التمادي في الغضب فدون ذلك؛ لكون أصل الغضب من مقتضيات الجبلة البشرية، ولي مع خطورة الغضب وقفات:
الأولى: الغضبُ آفةٌ عظيمةٌ ولو أمسى الناس كُلّ عشيةٍ وقد كُفوا في يومهم المنصرم شر تبعاته التي تنجرُّ به لاغتبطوا بقدرٍ كبيرٍ من العافية، ولا شيء أضرّ على الإنسان وعلى من حوله من شرِّ غضبه؛ ولهذا أكد النبي صلى الله عليه وسلم الوصية بـ: "لا تغضب" لمن طلب منه الوصية، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ» فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ» أخرجه البخاري، والغضب انفعالٌ يعتري الإنسانَ بسببٍ من الأسباب، وليس النهي عن الانفعال الجبلي؛ إذ لا يُنهى عمّا لا يُطاق، وإنما المنهي عنه كما قرره العلماء جوالب الغضب ونتائجه الناتجة عن الاسترسال فيه، فعلى الإنسان أَن يجتنب مُثيرات الغضب وأن يأخذ نفسه بالتّروي في المواقف التي من شأنها الإثارة، وإذا غضب دَافَعَ الغضب وتذكر أنه يمرُّ بساعةٍ تُحدّد وصفه أهو ذو حلمٍ أم طائشٌ كما قال الشاعر: لَيسَت الأحَلامُ فِي حينِ الرِّضَا ... إنَّمَا الأحلَامُ فِي حينِ الغَضَب
وتكشف مستوى جلده وشدته أهو شديد القوى أم واهيها على ضوء قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ».
الثانية: الأمور التي تُهيج الغضب مُشترِكةٌ كلها في ضرورية عدم التصرف أثناء ثوران الغضب، ولكنها تتفاوت في مستوى التعاطي معها، فمنها مشكلاتٌ واقعيةٌ من ركام تعامل الخلطاء وما ينشأ عن الصحبة من احتكاكاتٍ قد يكون بعضها في حاجةٍ إلى علاجٍ ومفاهمةٍ، كما ينشأ داخل بعض الأسر وبين شركاء الوظائف والأعمال، وإذا نشأ الغضب عن شيءٍ من هذا النوع فمن الخطأ الفادح محاولة علاجه قبل سكون الغضب، فالغضب العارم يُؤثرُ على إدراك الإنسان ويُغطي عقله، وما ذا عسى أن يعالجه من تَغَطَّى عقلُهُ، وهل يُنجزُ أثناء هيجانه إصلاحاً يحتاج إلى رويّةٍ وحكمةٍ ومداراةٍ ومحاماةٍ عن الموقفِ بإنصافٍ ودقةٍ، والمتحتم على المغضب من جراء هذه الأمور أن يُرجئ النظر فيها إلى أن يثوب إليه عقلُهُ فيتكلم حينه آمناً بإذن الله من التخبط، أما أسباب الغضب العابرة كالاحتكاكات بالصدفة في الأماكن العامة فأين الحلم والرويّة والأناة ممن تستخفه وتُخرجهُ عن طوره.
الثالثة: قد يتصرف الغضبان بمقتضى ما يُملي عليه الغضب ظاناً أنه قضى مأرباً له، أو دفع عن نفسه إشكالية، والواقع أن سعيه إنما جلب له نقيض ما قصد، كما يقع من المتشاحنين في الطريق، فلتوفير الثواني من الوقت قد يعتدي أحدهما على الآخر أو يتسبب له في ضررٍ ظاناً أنه يُحققُ مأرب الوصول إلى وجهته بسرعة، فينعكس عليه الأمر بوقوعه في ورطةٍ أخفُّ تبعاتها أن تُؤخره عن وجهته ساعات، وقد تزجُّ به في السجن أشهراً وسنين، ومن زار عنابر السجون وجد أنها عامرةٌ بأناسٍ واقعين في ورطات فادحة لم يُخططوا لها مسبقاً، ولم يسلكوا في حياتهم السابقة النهج المنفلت المفضي إلى ارتكاب أمثالها، ولكنهم وقعوا فيها فُجاءةً لغضبةٍ لم يستطيعوا كبح جماحها، فتصرفوا كما تُملي عليهم غضبتهم في لحظاتٍ سترت العقل فيها غاشيةُ الانفعال، ولم يُدركوا أن الانتقام الذي ظنوا أنهم وجهوه إلى المغضوب عليه سوف يتخطاه أثره ليصل إلى أسرةٍ لا ذنب لها، ثم لا يقف عند هذا الحد المأساوي بل سترتد شظاياه بنفس الحِدَّةِ حتى تصيب أسرة الغضبان، فيكون فَجَعَ أهله بنفسه، وفَجَعَ أناساً آخرين بابنهم، وهذه نتائجُ ملموسةٌ يكفي في خطورة الغضب حصولها.
أ.د. حمزة بن سليمان الطيار
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة




التوقيع


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

https://vb.shmran.net/showthread.php?t=68270
ريهام خالد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس

 

مواقع النشر




ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات شمران الرسمية