قصة المثل الحقيقية ..

السلام عليكم ..

" مَنْ راقَبَ النَّاسَ ماتَ هَمًّا " , هذا مثل شهير وله قصة طريفة ربما لا يعرفها الكثير من الناس , فمعنى البيت في مفهومهم لا يتعدى ان الانشغال بالناس غير جيد .. الخ , بينما قصة المثل الحقيقية تقول بأن الحكاية بدأتْ عندما أَمْلَى الشاعرُ الأُمَوِيُّ العملاق بَشَّارُ بن بُرْدٍ البيتَ الآتِيَ ذِكْرُهُ من بحر البسيط التام لتلميذه وَرَاوِيَتِهِ :

من راقب الناسَ لم يَظْفَرْ بِحَاجَتِهِ *** وفاز بِالطَّيِّبَاتِ الفَاتِكُ اللَّهِجُ

وهو يعني أنَّ مَنْ جعل الناس رُقَبَاءَ عليه ؛ لا يفعل أمراً ولا يُحْجِمُ عن آخَرَ إلا بما يحبّه الناس أو يكرهونه ، فلا رأي له إلا رأي الناس ؛ مَنْ كانت هذه حالُهُ فهو محرومٌ من الطيبات لا يستطيع بُلُوْغَ مآربه ولا نيلَ أَوْطَارِه . أما من كان شجاعاً مقدامًا وذا حجّة بالغة؛ فهو من يفوز بالطيبات وينال مُرَادَه غيرَ آبِهٍ بالناس وآرائهم التي لا تتفق أبداً ..

وعندما أملى بشار (صاحب المدرسة الشعرية التقليدية في ذلك الزمن) هذا البيت على تلميذه استثقلَ التلميذُ البيتَ ورأى أنه لا يحمل الشروط التي يجب توافرها في الشعر الذي يسير مع الركبان وتتلقّفه الآذان ويرسخ في الأذهان , فتفتّق عقل التلميذ الذكيُّ عن حيلتين إحداهما موسيقية (وزن الشعر) والأخرى فنية (تشذيب وتهذيب الألفاظ) ، فقام على الفور باستلهام معنى البيت ، بعد تجاوز الألفاظ الثقيلة، وهي ( يظفر، الفاتك، اللهج )، ثم اختار بحراً خفيفاً ظريفاً مُطْرِباً هو بحر (مُخَلَّعُ البسيط) فجاء بهذا البيت :

من راقبَ الناسَ مات هَمًّا *** وفاز باللذَّةِ الجَسُوْرُ

فلما بلغَ بشاراً ما فعلهُ تلميذه *بالبيت ؛ أدرك أن هذا البيتَ سَيَفْشُوْ في الناس كالمثل السائر ، وسيموت بيتهُ إلى يوم يُبعثون ؛ فغاظه ذلك قليلا , وقال : ذهبَ واللهِ بيتي ههه!!