بن ظافر .. المبدع الذي اختفى !!

كنت صغيراً لم أكن أفقه في الأشعار والعرضات ولكني كنت أستمع الى أبيات جميلة وأهازيج رائعة يترنم بها بعض أترابي في بهجة وسرور وذلك عندما أذهب الى قريتي في عطلة الصيف ، أخذني الفضول فسألت عن مصدرهذه الأبيات ومن قائلها فبدا وكأنهم استغربوا سؤالي هذا ثم قالوا أما تعرف من قال هذه القصائد ؟!! فحلفت لهم بأغلظ الأيمان بأنني لاأعرفه وعندها علت ضحكات التعجب بين أصدقائي وقالوا إذاً أنت لم تولد بعد !!
سحرتني هذه الكلمة وزادت من لهفتي لمعرفة ذلك الشاعر الذي يتغنى أصحابي بقصائده ولكنهم وإمعاناً منهم في التشويق لم يعطوني إجابة واضحة وإنما قالوا يوم الخميس القادم هناك حفلة لذلك الشاعر ونريدك أن تأتي معنا لتتعرف عليه ولتتسمع الى ذلك الصوت الندي وتلك المعاني الراقية .
لم أشعر أن يوم الخميس كان جميلاً وممتعاً الا ذلك اليوم عندما تقدم ذلك الشاب الطويل ذو الوجه المشرق الى الميكروفون ليصدح بذلك الصوت الموغل في العذوبة والساحر للألباب فيقول ...
سلامي عدة ناوي(ن) من عداد ليل
وإعداد مازاد المطر من عداد الناوي
وإعداد مازاد المثل من عدادنا

شيء مذهل يفوق تصوري في ذلك السن لم أكن أعرف الشقر ولم أكن أعرف روعة المعاني لكنني وقفت منشدهاً عند قوافي هذه الأبيات ( عداد ليل ...عداد الناوي .. عدادنا ) أحاول تفسيرها بكل ماأملك من ثقافة متواضعة ربما اكتسبتها من كتاب النصوص أو من كتاب جواهر الأدب وهو أول كتاب قرأته في حياتي ولكن مفرداتي البدائية حينها لم تسعفني لكي استخرج الصور الجمالية في هذه الأبيات ولكن عجبي لم يستمر طويلاً اذ سرعان ماتقدم شاعر آخر ليرد على القصيدة ولتتضح عندي روعة البدع وروعة الرد .
سألت صديقي الواقف الى جواري من هو صاحب الابيات التي كنتم تتغنون بها أهو الشاعر الذي قال البدع أم الشاعر الذي قام بالرد فالتفت الي وقال ياأخي أنت الآن تستمع الى البحر محمد بن ظافر الشمراني إنه شاعر شمران وهو الذي بدع القصيدة .
كانت ليلة فاصلة في حياتي فهذا الشاعر يملك سحراً ولاشك ، إنني أشعر وكأني أسمع شعراً مختلفاً ونغماً فريداً وصوتاً ملائكياً .
لقد كان بن ظافر يملك قوافي الشعر فتأتي اليه منقادة طائعة وسأعتبره مجدد شعر العرضة الجنوبية !! ربما أنكم ستقولون كيف له ذلك ؟!!
لقد كان بن ظافر أفضل من يضع البدع للشاعر الذي يأتي بعده وكأنه يقول له أريدك أن تقول هكذا وهكذا بل لقد وصل به الإبداع أن يجبر الشاعر الذي يرد عليه أن يقول الكلام الذي يريده هو وليس مايريده ذلك الشاعر بحيث ترغمه القافية التي يبدعها بن ظافر ولايستطيع أن يتجاوزها قيد أنمله.
لقد تمكن بن ظافر من إبتكار صور إبداعية جميلة وخلاقة ضمنها أبياته وقصائده حتى لكأنك ترى تلك الصور الجميلة أمام ناظريك عندما تستمع الى القصيدة .
لم يكن بن ظافر شاعر مهاترات بل كان راقياً بل هو الرقي بذاته بل إن الحفلة التي يحضرها بن ظافر لم تكن تسمع بها أية مهاترات وإن وجدت فقد كان بن ظافر يرتقي بالمعاني لكي ينتشل أولئك الشعراء من وحل المهاترات .
كان جزل المعاني بعيد المرامي والأهداف لدرجة أن بعض الشعراء الذي يحاورونه لايعرفون المعنى الا بعد مدة طويلة بعد أن يعيدوا الاستماع الى القصائد عبر شرائط الكاسيت .
كان بحراً ولما لا ؟! وهو الذي يقول ( البحر لايقلي ولايقت له )
وفجأة أختفى ذلك الرمز !!
لاأعرف لماذا وكيف ولكنها الحقيقة المرة ، لقد أختفى بن ظافر والى الأبد ولكنه لم يختفي من قلوبنا .
نعم ياأبا سامي إنك لاتزال في قلوبنا بأخلاقك وبقصائدك الخالدة وبصوتك الملائكي العذب .
إنني وعبر هذا المنتدى لأدعو كل من يملك قصيدة لهذا الشاعر الجميل أن يضعها في المنتدى لكي نقف على جوانب الإبداع في شعر هذا الرمز المضيء .

دمتم بكل الحب .