الكِتَابُ.. والذَّات💙

الكِتَابُ.. والذَّات

الكاتب/ سعيد المبارك

تعلمنا منذ الصبا أنَّ ما من شيءٍ مبهجٍ للنفس ومريحٍ للعقل أكثر من ممارسة الإنسان لعمل يحبّه، ويجد فيه نفسه ويسكن إليه ويسكن فيه.. ولا أعلم شيئًا أحبَّ إلى أولي الألباب من مصافحة كتاب. وعندما نقرأ بعض ما سطَّره الحكماء عن القراءة وأثرها في حياة الشعوب والأمم، نقف على السرِّ الأول في تخلّفنا وثباتنا موضع أقدامنا، ونعلمُ كم تخلّفنا عن ركب السيادة العالمية، ونحن أمة "اقرأ"..

يقول الكاتب والفيلسوف الفرنسي فولتير: "سُئِلتُ عمن سيقود الجنس البشري؛ فأجبتُ: الذين يعرفون كيف يقرؤون"، وعندما سُئِلَ أرسطو الفيلسوف اليوناني الملقب بالمعلم الأول: "كيف تحكم على إنسان؛ فأجاب: أسأله كم كتابًا يقرأ.. وماذا يقرأ"؟ وعلى الرغم من علمنا بذلك، إلا أن شيئًا لم يتغير..

وللقراءة مراحل ومستويات، ولها سماتها التي تميزها عن تاليها، أمَّا السمة الثابتة واليقينية هي أن كل مرحلة هي أقوى وأمتع من سابقتها، ولا تزال المراحل تتوالى حتى يصبح الكتابُ حياةَ جليسه، يعيش به ولا يحيا من دونه، والنبض الذي لا يخون صاحبه، والصديق الذي لا يتخلى عن صديقه، والروح التي بين جنبيه ولا تخدعه أبدًا.

مع القراءة.. تستطيع أن تغادر واقعك الذي أنت فيه، وتخوض رحلة سفرٍ خارج عالمك الحالي، بمقدورك أن تقرأ حتى ترى نفسك بين السطور التي تداعبها بناظريك.. لكن تخيَّر ما تهفو إليه نفسك، وكما يقول عباس العقاد: "يقول لك المرشدون: اقرأ ما ينفعك، ولكني أقول: بل انتفع بما تقرأ"، أما أنا فالأهم لديَّ ألا تغفل عن هذا الكنز والمنهل، فالمحصول النهائي هو ثمرة ذاك الجهد..

والأمر ليس بالكم أو الكثرة، إنما بالحكمة الناتجة من رحيق تلك الأحرف، إلى جانب الخبرة التي تنبت في الدماغ إثر ذاك الشغف، والمعارف والعلوم القيمة التي تأتي مكافأة عملية وحقيقية لكل عاشق تعبت عيونه، وسهرت جفونه فداءَ ذاك الحُب.. وأي حُبٍّ هو.. إنه حُبُّ الكتب.

ولكي تكون قارئًا حصيفًا، عليك أن تقرأ وأنت محب لما تقرأ وراغب فيه، تقرأ لتسعد نفسك وتغذي روحك، لتستمتع وتعرف من تكون.. ثم مع الأفكار المنتقاة والمكتسبة تباعًا، ومع النضج الذي وصلت إليه خلايا المخ، ستلمع في فكرك فكرةُ الكتابةِ وممارسة التأليف، أن تكتب كتابك.. وترسم صاحبك، عرّف عن نفسك من خلاله، كن أنت الكتاب.. والكتاب أنت!!

وفي هذه الأثناء، لا شك أن الكثير من محبي القراءة والكتب ينتظرون على مضض أهم حدث معرفي يحدث خلال العام، والمتمثل في معرض الرياض الذي ينطلق في الـ 28 من سبتمبر الجاري، على مدى 10 أيام متوالية، في مقره الجديد بجامعة الملك سعود بمدينة الرياض، تحت شعار "وجهة ملهمة"، على مساحة تتجاوز 46 ألف متر مربع؛ كأكبر معرض للكتاب عربيًّا، متضمنًا ما يزيد على 200 فعالية، من ندوات أدبية، وأمسيات شعرية، تجمع شُعراء الفصحى والنبطي، إلى جانب الرواة والأدباء، في أجواء مليئة بالفيض المعرفي والثقافي، وهناك أيضًا فعالية "حديث الكتاب" التي يضيئها نخبة من المفكرين والمؤلفين المؤثرين، كل ذلك تحفيزًا للأجيال الصاعدة على المشاركة، واقتناء الكتب التي تنمي تفكيرهم، وتعزز انتماءهم والفخر بهويتهم.

وخير ختام.. ما قاله نادرة زمانه وأعجوبة عصره المتنبي شاعر العرب:

أعزُّ مَكانٍ فِي الدنى سَرجُ سَابحٍ

وخيرُ جليسٍ في الزَّمَانِ كِتَابُ،،،