عندما سمعت بن ظافر لأول مرة !

كان اعجوبة زمانه وكنت لاأحب الشعر ولاأسمع الشعر ، كان شاباً طويلاً ينشد الشعر وكأنه يقرأه من كتاب ، أتى الى تهامة ليقول شعراً لم نعتاده نحن سكان تلك القرى النائية ، مجدداً كان بل كان مبدعاً الى درجة الإتقان ،
استمعت ذات مرة بطريق الصدفة الى هذا الشاعر فأخذتني أبياته الى مساحات شاسعة من الجمال وإلى معان جديدة من الإبداع فقد شعرت وكأن تلك الأبيات تناديني لسماعها مرة أخرى فما لبثت أن استمعت الى شريط أخر لحفلة أخرى من حفلات بن ظافر وماهي الا أيام قلائل حتى أصبحت مدمناً لكل حفلات هذا الشاعر العذب .
بدأت في متابعة حفلاته أنا ومجموعة من المدمنين أمثالي لشعر بن ظافر فحضرنا له حفلات في المعقص ونمرة وبلاد بني سهيم وثلوث المنظر والعسيلة ببلا
شمران وفي المكلاه ببلاد العوامر وماأكثر حفلات المعقص التي أحياها بن ظافر في تلك الأيام الجميلة ولن أبالغ اذا قلت أن نمرة والمعقص وبلاد بني سهيم كانت هي المكان الذي انطلق منه بن ظافر الى فضاء الشهرة وإعتلاء قمة الإبداع .
حضر بن ظافر الى سبت شمران وهو في الثامنة عشرة من عمره تقريباً بناء على دعوة من شمران تهامة وذلك ليكون شاعر شمران وسيفها المسلول في مقابل شعراء من القبائل الأخرى وذلك في مشية سماوه أتت من بلاد بني سهيم وكان مقرراً لها أن تمر ببلاد شمران وهي متجهة الى قرية غيلفة ، تبادل الكبار ذالك اليوم النظرات وكأن أعينهم تقول ماذا لدى هذا الشاعر الصغير أمام عمالقة الشعر وسرعان ماأنقشعت الحيرة وتبددت الشكوك عندما ارتجل ذلك الشاعر الصغير قصيدة أذهلت الحاضرين ونالت اعجاب الجماهير ..
لقد كانت عبارة عن بضعة أبيات لعل شيئاً منها لايزال عالقاً بذاكرتي ولعلني استطيع أن استعيدها من ثنايا ذلك الزمن الجميل حينما قال ..

يوم جينا عند شمران من وقت الصباح
كثروا في واجب الزايرين وفي الضيافة
الله ياكبر النجادا وكبر سمينها .

أما في غليفة حيث تكامل وصول جماهير المشية القادمة من بني سهيم فقد قال شاعرنا المذهل ..

وآمر الطيار يفتر في قرية غليفه
ياهب أموال المسمين ومكاسي لهم .

لقد استحوذ على الإبداع وصاغ المفردات المذهلة والمعاني المحلقة حتى أن بعض شعراء اليوم لايزالون يقتبسون إن لم يكونوا يختلسون بعضاً من مفردات بن ظافر ولقد سمعت الكثيرين منهم ممن اقتبس بعض المفردات كما هي وكما قالها بن ظافر قبل أكثر من خمسة وعشرين عاماً .
لن يتكرر بن ظافر_أعرف ذلك _ ولكننا نعزي أنفسنا بأنه لايزال بيننا رمزاً وملهماً لمن بعده من شعراء شمران .