هنا الشعر الفصيح ومايتعلق به

رحم الله فتى قد
هذّب الدين شبابه

ومضى يُزجي إلى
العلياء في عزمٍ ركابه

مخبتاً لله قلباً
سيّر الزاد كتابه

وارداً من منهل الهادي
ومن نبع الصحابة

إن طلبت الجود منه
فهو دوما كالسحابة

أو نشدت العزم فيه
فهو ضرغام بغابة

متقٍ لله تعلو
من يلاقيه المهابة

جاذبته النفس للشر
فلم يبد استجابة

رق منه القلب لكن
زاد في الدين صلابة

بلسم للأرض يمحو
عن محياها الكآبة

ثابت الخطوِ فلم
تطف الأعاصير شهابه

جربته صولة الدهر
فألفت ذا نجابة

إن يقم يوماً خطيباً
يسمع الصم خطابه

أو يسر في الدرب يوما
أبصر الأعمى جنابه

مسلم يكفيه فخراً
أن للدين انتسابه


.......

لاَ تَسْألنَّ العَاشِقينَ لِعشقِهِم
وصْفَاً فَوصْفُ العِشقِ كَانَ ثَقيلاَ

أبْلاهُمُ المَولَى بِهِ فَتَرَاهُمُ
لاَ يَملِكُونَ إلَى الخَلاصِ سَبِيلاَ

كَمْ نَظْرةٍ لِجَمِيلَةٍ أردَتْ فَتَى
طَرَحتْه أرْضَاً بِالفَلاةِ قَتِيلاَ

كَمْ بَسْمَةٍ مِنْ ثَغرِ فَاتِنَةٍ سَبَتْ
ذَا عِزةٍ واستَمْلَكتْهُ ذَليلا

واقْرأ عنِ العُشَّاقِ فِيمَا خَطّهُ
الكُتَّابُ تَلْقَ لِحَالِهِمْ تَفْصِيْلاَ

إمّا سَعِيدٌ بِالوِصَالِ وَآخَرٌ
لاقَى العَنَا بِالهَجرِ و التَنْكِيلاَ

ويَخِرُّ إنْ ذُكِرَ الحَبِيبُ كَأنَّهُ
حَجَرٌ تَرَدَّى حِينَ صَارَعَ سَيْلا

فَإذَا رأيتَ العَاشِقِينَ فَلاَ تَلُم
أحَدَاً ولاَ تُكثِرْ لِقَالَ وَقِيلاَ

فَالعِشقُ أمْرٌ لَيسَ يُدفَعُ شَرُّهُ
مَنْ ذَا اسْتَطَاعَ لِعشقِهِ تَبدِيْلاَ

وسَلِ الإلَهَ لَهُم وِصَالاً عاجلاً
أوْ سَلْ لَهُم مَوتَاً يَكُونُ جَمِيلاً


.......

‌‎يا بائعي الــورْدِ هيّجتم مشاعرنا
كم يشْبهُ الــورْدُ أحبابا هنا نزلــوا

ذكْرُ الحبيب جمالٌ حين يطْربنا
ليـت الأحبـــّةَ حنّوا حينما رحَلـوا

يا بائعي الورْدِ ما شئتم خذوا ثمنا
هاتـوا الشبيه بمن ولّوا و مــا أفلوا



.......

غَزَانا من الأشواقِ جيشٌ عرمرَمُ
إلى الكعبةِ الغراءِ ما ليسَ يُهزمُ

حنينٌ إلى الأشواطِ والركنِ جامحٌ
ومَرْأَى العيونِ الباكياتِ يُترجِمُ

رأيتُ الحمامَ الحُرَّ بالبيتِ طائفاً
وأسرابُه عندَ المقامُ تُحمحمُ

فقلتُ أيا سربَ الحمامِ مباركٌ
لكم زورةٌ عنها نردُ ونُحجَمُ

هنيئاً لكم هذا المُقامِ وليتنا
نطيرُ وعند البيتِ نهفو ونَجثُمُ

ونُروى من الميزابِ بالماءِ شربةً
كأنّ بها بعد الجراحاتِ بلسمُ

نرى الأسوَد الحجرَ العظيم وإنه
من الدينِ إيماناً عليهِ نُسلّمُ

ونأخذهُ بالحضنِ كالأم حينما
تضمّ ضناها لم يكن بعدُ يُفطَمُ

كأني به يبكي من الشوقِ مثلَنا
متى ربٍنا بالأخذِ يُسقى ويُطعَمُ

وأذكرُ شطراً قالهُ قبلُ شاعرٌ
مقامُ خليلِ الله فيها معظّمُ

ويعني بفيها مكةَ الخيرِ والهنا
عسانا بها نحيا، نموتُ، فنُرحَمُ

تطوفُ بنا سبعاً من الشوقِ لهفةٌ
سلوا أحرفَ الشعرِ التي تتكلّمُ

سلوا قلبيَ المشتاقَ عن ألفِ غَصّةٍ
تراودُه لما يَرى البيت يُصرَمُ

وبالأمسِ كان الناس بالقُربِ حوله
يضمّد آلاماً لهم ويُكرّمُ

يعيدُ لهم معنى المحبةِ كلما
رأوه سعيداً دائمَ الفألِ يَبسُمُ

ترى قربَه من كان يشكو ويرتجي
إلى اللهِ هماً كاد واللهِ يُهزُمُ

فهذا يصلّي ثم تلكم دموعُها
تسابقُ فاهاً بالدعاءِ يُتمتُم

ووالله لو سُئِلت عن الشوقِ كعبةٌ
لصاحت بكاءً ثم قالتْ هُمُ هُمُ

همُ الصحبةُ الأخيارُ ضَمّ كثيرَهم
فناءٌ بوُسعِ القلبِ ما ثَم مَزحَمُ

توحّدت الألوانُ بالحبِ واكتسى
ثيابَ التُقى -دِيناً- مبينٌ و أعجَمُ

أيا تلكمُ الأيامُ هل ثَمّ رجعةٌ
إلى ذلكَ الماضي الذي منه نُحرَمُ

متى ربّنا للبيتِ نغدُو؟ فينتشِي
ويُجبرُ -باللّقيا- الفؤادُ المحطّمُ

أيا تلكمُ النفحاتُ علَّ لقاءَنا
قريبٌ فيروينا من الشوقِ زمزَمُ

ويملأُنا فيضٌ من الخيرِ والمنى
على ذلكم باللهِ آلي وأقسُمُ

سيشرُق نورُ الصبحِ بعد مغيبِه
ولو طالَ ليلٌ حالكُ الدمسِ مُظلمُ

كما أشرقَ الهادي الذي هو نورُنا
عليهِ فصلوا يا عبادُ وسلّموا

عبد الإله هوساوي

إن الجراح إذا خبئتها شفيت
فاكتم جراحك لا تخبر بها أحدا

كم من جريح شكا للناس لوعته
فزاده الناس هما فوق ما وجدا

لاتُظهر الجرحَ إلا في مناجاةٍ
في جوف ليلًٍ لرب ٍواحدٍ صمدُ

فإن ربك إن ناجيته شُفيت
كل الجراحِ وزال الغم والكمدُ


.......

‏عجيبٌ أن تنامَ بغَيرِ وترٍ
ولا تركع ولو للهِ ركعة

ألا ترجو من الرحمنِ قُربًا
و فضلًا من إلهكَ بل ورفعة

فلا تترك إذًا ما دمتَ حيًا
قُبيلَ النومِ وترًا لو بركعة


.......

ضُمُّوا الأحبَّة فِي الدُّعاءِ فإنَّكُم
لا تعلَمُون بِأيِّ حِملٍ أُثقِلُوا

لا يشرحُون جِراحَهُم لكِنَّهُم
بِالصَّمتِ عن ضَرَرِ النَّوائِبِ جُمِّلُوا


.......

يُساءُ فهمك بين الناس أحيانا
‏ فيخلقون لك الاوصاف ألوانا

‏قد تكون ملاكاً عند بعضهم
‏وقد تكون بعين البعض شيطانا

‏طبائع الناس شتىَ وهي أمزجةٌ
‏ ولن تطيق لها بالفهم إمكانا

‏فلا يغرك مدح لو أتوكَ بهِ
‏ولا يضرك ذم كيفما كانا

‏لايعرف النفس شخص مثل صاحبها
‏ فكن لنفسك في التقييم ميزانا

.......

مَن عَاشَ صِفراً مِنَ الأخلَاقِ وَالأدَبِ
يَحيَـا فَقِيراً وَلَو يَمشِـي عَلى الذّهَبِ

مَا قِيمَةُ الـمَرءِ إلّا طِيــبُ جَوهَرِهِ
لَا مَا حَواهُ مِنَ الأمـوَالِ وَالحَسَبِ


.......

أَعِندكُم نَبَأ مِن أَهلِ أَندَلُسٍ
فَقَد سَرى بِحَدِيثِ القَومِ رُكبَانُ

كَم يَستَغيثُ بِنا المُستَضعَفُونَ وَهُم
قَتلى وَأَسرى فَما يَهتَزَّ إِنسانُ

ماذا التَقاطعُ في الإِسلامِ بَينَكُمُ
وَأَنتُم يا عِبَادَ اللَهِ إِخوَانُ


أبو البقاء الرندي