الخواطر والقصص والروايات يهتم بالخواطر والقصص والنثر التي من نزف الأعضاء |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
#10 |
شاعر
![]() |
![]() - 9-
ذهبت إلى غرفة الأطباء ، كان ثلاثة من الأطباء جالسين حول طاولة ، وقطعوا حديثا كان يدور بينهم باللغة الانجليزية ، رحبوا بي وحركوا كرسيا وطلبوا مني الجلوس . احسست بأن في الأمر شيئا ، هل يا ترى عرفوا المرض ، ولصعوبته لم يستطع أحد منهم أن يخبرني به منفردا ، وفضلوا أن يخبروني به مجتمعين ؟! أم تراهم اتفقوا على تشخيص مرضها بأنه ضمور في المخ ؟ أم أنهم سيطلبون مني أن أحمل ابنتي وأرحل من هنا ، فقد فضح مرضها مستواهم المهني .؟! كنت في حالة تسمح لي أن اسمع منهم أسوأ خبر ، فمن يرى البنت سيكون مهيأ لذلك ، جلست على المقعد ، نظرت إليهم ، كانت أمامهم ورقة عليها رسومات ، هيكل عظمي ، وعمود فقري وصور أخرى لم أتبينها .. تحدث الطبيب إياه فقال : أستاذ عبدالله .. إن ابنتك تشكو مرضا غامضا ، كل تخميناتنا ذهبت سدى ، كل ما توقعنا شيئا ظهر لنا عكسه .. قلت : وماذا عن ضمور المخ الذي قلت لي قبل قليل ؟ قال آخر : لم يتأكد لنا ذلك علاوة على أن الأشعات أظهرت سلامة المخ .. لكنه مازال احتمالا قائما .. عاد طبيبها يقول : يبدو أن ابنتك تحمل مرضا جديدا ، لذا بقي احتمال أخير .. قلت : وما هو ؟ قال : يجب أن نأخذ عينة من النخاع الشوكي ؟ قلت : ولماذا ؟ قال الثاني : نشك في مرض لم نتأكد منه بعد ، حتى نقوم بتحليل عينة من النخاع الشوكي . مد الطبيب إياه ورقة وقال : من فضلك وقع هنا .. قلت : وما هذه الورقة ؟ قال : موافقتك على سحب العينة . أدركت أنهم يقصدون مرض السرطان ، حتى وإن لم يسموه لي ، فلدي معلومات كافية عنه . نهضت من مقعدي ، وقلت بحزم : لا .. لن أوافق .. نهض أحدهم وقال : ولماذا ؟ قلت : لن أوافق على أن تأخذوا منها عينة ، فأنا أعرف يقينا حساسية عملية أخذ عينة من النخاع الشوكي ، فخطأ صغير قد تصيب الابرة العصب فيحدث الشلل .. رد الثالث الذي كان صامتا لفترة طويلة : لا تخف ، فلدينا خبرة طويلة في مثل هذه النوعية من الأمور . قلت : مع تقديري لخبرتكم .. إلا إني لن أوافق أبدا على أمر كهذا .. فإن كتب الله لابنتي الحياة فستحيأ بدون سحب هذه العينة ، وإن كتب الله لها الموت فستموت لا محالة .. خرجت من عندهم ، وأنا مصمم على رأيي الذي اتخذته ، كان لدي قصص عن أناس أصيبوا بالشلل نتيجة لهذه العينة . ظلوا طوال ذلك اليوم يحاولون معي ، بل تعدوا ذلك فكلما جاء أحد يزورنا طلبوا منه أن يقنعني بالقبول ، لكني كنت أشرح لهم رأيي ووجهة نظري . خرجت من عندهم والهموم تعتصرني ، سرت في الشوارع بسيارتي أهيم بها لا أدري أين أذهب ، أصبحت الرياض على كبر مساحتها سجن صغير ، أصبحت كئيبةفي نظري ، أصبحت أشم رائحة الموت في كل ركن من أركانها وفي كل جزء من أجزائها . كنت قد تناولت غداء بسيطا لكني لم أحس بالجوع ، عند إحدى الإشارات وقفت بسيارتي ، التفت يسار شاهدت طفلة في عمر غادة ، كانت تلعب في الخلف ، تضحك وتبتسم وتتكلم بلكنة جميلة ، تذكرت غادة كانت تلعب مثلها ، وكانت تتكلم وكانت .. تحركت السيارات واختفت تلك البنت في الزحام ... تذكرت ندى ابنتي الوحيدة ، خفق قلبي ، تحركت نحوها ، دخلت بيت أختي ، أسرعت ندى عندما شاهدتني وارتمت في حضني ، حضنتها وقبلتها ، أحسست بأنها ستكون ابنتي الوحيدة ، وستفقد أختها ، سألتني عن أمها وعن غادة .. ومتى سنعود إلى بيتنا ؟ تماسكت حتى انتهى سيل أسئلتها ، قلت لها ألا تريدين أن تذهبي إلى أمك ، هزت رأسها موافقة ، قلت لها غدا سآتي لآخذك إليها . أردت الذهاب إلى الشقة لكني وجدت صعوبة في اقناعها أن تتركني أخرج من بيت أختي ، كانت ممسكة بي وبقوة وهي تبكي ... - 10- لم أجد بدا من الخروج بها بسيارتي ، ذهبت بها إلى بقالة قريبة ، اشتريت لها بعض الحلوى ، لم يكن لديها رغبة ، تذكرت أنها تحب وجبة أطفال في مطعم وجبات سريعة ، وكان يوجد فيه بعض الألعاب الكهربائية ، دخلنا المطعم ، طلبت لها وجبة أطفال ، ثم أخذت تلعب بتلك الألعاب ولكن لم تكن مسرورة ، فقد تعودت أن تلعب أختها معها . خرجنا من المطعم ، تجولت بها بالسيارة ، وهي لم تفتأ تسألني عن أمها وأختها ، ولم تنس أنها كانت لا تمشي ، فأخذت تسأل سؤالها المعتاد ليه غادة ما تمشي ؟! طالت جولتنا بالسيارة حتى نامت أخيرا ، ثم عدت بها إلى بيت أختى ، وذهبت إلى الشقة ، مجهدا متعبا ، ورأسي مثقل بالتفكير والهموم . ظهر الأربعاء اصطحبت ندى معي إلى المستشفى ، كانت أمها في شوقٍ إليها فقد مضى أربعة أيام ولم ترها ، حيث كانت ملتهية مع غادة في اشتداد أزمتها أثناء إصابتها بالمايكروب . اتصلت على أمها من هاتف بالأسفل ، فنزلت وأسرعت تقبلها وتحتضنها وتبكي ، وندى لا تفتر تسأل أمها : ليه أنت جالسة هنا يا ماما ؟ أين غادة يا ماما ؟ والأم تزيد بكاء كلما سمعتها .. في تلك الأثناء صعدت إلى غادة ، كانت نائمة ، أخذت أنظر إليها بأسى ، وضمور المخ يدق على رأسي بشدة ، يذكرني به في كل وقت ، خيل إلي أني ألقي نظراتي الأخيرة عليها ، اغرورقت عيني بالدموع ، رن جرس الهاتف ، كانت أمها تقول تطلب أن أنزل عند ندى حتى تصعد هي عند غادة .. عدت بندى مرة أخرى إلى بيت أختي ، هدأت قليلا بعد أن شاهدت أمها ، ودعتها وعدت إلى الشقة ، و ورميت جسمي المتعب على ذلك السرير . كان صوت غادة وهي تلعب يرن في أذني ، صراخها وهي تركض مع أختها يملأ البيت ، ضحكاتها وأنا ألاعبها يجلجل في كل مكان . صداع قوي يضغط على مقدمة رأسي ، وألم شديد في عيني يعتصرهما ، وبالرغم من ذلك ذهبت في نوم مضطرب . عصر اليوم ذهبت إلى المستشفى ، جلست بجانب أمها كل منا كان يسلي الآخر ، كان قليلا من النشاط قد دب في غادة ، لكن لم تكن تعرفني أو تفرح بي إذا حضرت ، كانت كل ما تفعله عندما تستيقظ أن تبكي أو تدور بعينيها ، أو تظل صامتة . جاء بعض الزوار ، أشفقوا علينا ، بدأوا يحكون لنا قصص لمرضى مرضا شديدا شفوا بعد ذلك ، ذكروا أننا مأجورون على صبرنا ، شكرناهم داعين الله أن لا يريهم مكروها .. ذهب الجميع ، كانت أمها شبه منهارة ، تنظر إلى ابنتها وتبكي ، وكأنها تودعها ، بنظرات كلها أسى ، تركتها تخرج ما في صدرها من ألم ، هدأت قليلا ، جاءتني فكرة السفر بها إلى الخارج ، لكنها اصطدمت بطول الاجراءات وضيق الوقت ، ثم طرأت البحث عن مستشفى آخر غير التخصصي ، وقررت المضي في ذلك من الغد . بعد نصف ساعة من نهاية موعد الزيارة ، خرجت أجرجر قدمي ، ركت سيارتي ، كم هو مر طعم الموت ، تذكرت أن أمي تذوقته مع أطفالها سبع مرات ، كانت في لحظات حزنها تحكي لي قصة فقدها لواحد من أطفالها السبعة ، كلهم ماتوا وهم صغار ، في المهد أويمشون ، كانت تذرف الدموع وهي تتحدث عن بنت لها جميلة ، كان عمرها سنتين ونصف ، كانت جميلة هادئة ، تمشي وتلعب عندها ، ارتفعت حرارتها ذات يوم ، ثم ماتت بعد يومين ، كانت امي تحكي لي ذلك وهي تبكي ، رغم مرور عقود من الزمن على موتهم ، لكنه قلب الأم .. تنهدت وتمتمت لها بالدعاء وبعظيم الأجر . وصلت إلى الشقة ، رميت بنفسي على السرير ، لا أريد أن أفكر فقد تعبت من التفكير ، كل جزء من جسمي يئن من التعب والإجهاد ، حتى غلبني النوم . في صباح الخميس استيقظت على رنين الهاتف ، كانت الساعة تشير إلى العاشرة وتزيد ، رفعت السماعة ، جاءني صوت أم ندى وهي تنشج وتبكي . __________________ وللقصه بقيه انتظرونا |
![]() |
![]() |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | الردود | آخر مشاركة |
القضايا الأسرية..الجزء الأول | الممتاز | الأسرة السعيدة والمجتمع | 4 | 07-14-2010 11:20 PM |
رسالة زوجة إلى زوجها (( الجزء الأول )) | طارق آل مزهود | الأسرة السعيدة والمجتمع | 6 | 02-07-2010 11:19 AM |
صورجديده في عالم التكنولوجيا ( الجزء الأول ) | ابن الجبل | الصور والمناظر الطبيعية ومقاطع الفيديو | 5 | 02-16-2009 01:29 PM |
حينما رافقتني رائحة الموت لبضعة دقائق وبكى الناس من حولي وأيقنوا بالهلاك!! | ملك القلوب | الخواطر والقصص والروايات | 1 | 07-20-2008 09:48 AM |
صور اللاعبين وهم صغار الجزء الأول | علي الساهري | الصور والمناظر الطبيعية ومقاطع الفيديو | 8 | 07-09-2008 05:22 PM |