الأدب الساخر.. ضحك للبكاء🌹

09-05-2023, 09:54 PM

الأدب الساخر.. ضحك للبكاء

د. معراج أحمد معراج الندوي

الأدب كائن حي، له قلب حنون، وله ضمير واعٍ، وله نفس مرهفة الحس، وله هدف واضح، يتألم بما يسبب الألم، ويفرح بما يثير السرور، فإذا لم يكن الأدب كذلك، فإنه أدب خشيب جامد، أدب ميت، لا روح فيه ولا وجدان، وهذا هو الأدب الساخر الذي يهدف إلى الإصلاح عن طريق سلاح القلم ويتفتح المجال أمام اللغة لنقد العيوب والمفاسد الموجودة في المجتمع.

الأدب الساخر نوع من الأدب الذي يجعل الإنسان أن يعبر عما في قلبه من هموم ويصوغه بطريقة كوميدية، ثم يبرز عما في داخله من مشاكل اجتماعية وسياسية، يشتمل هذا الأدب كافة أنواع الإبداع الذي يطرح موضوعاته بسخرية.. يهدف هذا النوع من الأدب إلى إصلاح المجتمع وتطويره من خلال إثارة الضحكات أو الابتسامات، ولا يتجاهل مرارة ما يُحيله للضحك وللسخرية ولكن جماله يكمن في هذه المفارقة التي تحقق وجع التجربة لدى الكاتب، فالأدب الساخر يرصد الموقف الحزين ويحوله إلى إبداعية ساخرة ومريرة في الوقت ذاته.

الأدب الساخر، وهو نقد الواقع من خلال الضحك ويأتي هذا اللون من الأدب بلونه المُشع ليجعل بقعة ظلام المعاناة الواقعية، والأدب الساخر لا يعني الضحك من أجل الضحك، فهذا يسمى تهريجاً، وكوميديا سوداء تعكس أوجاع المواطن السياسية والاجتماعية يقدمها الفنان بقالب ساخر يرسم البسمة على الوجه ويضع خنجراً في القلب.

ومن الصعب تحديد تاريخ لظهور السخرية وتوظيفها داخل الأدب، ولكن لا شك أنه فن قديم بدأ مع بدايات الإنسان، مع أحزانه ومعاناته وتحدياته التي تتطور بمرور العصور وتقلب الأزمان، وحاجته إلى تخفيف معاناته. ويعتبر العصر العباسي بداية ازدهار الأداب والفنون العربية حيث عرفت السخرية فيه نقلة نوعية توضحت معالهما وبدأت قواعدها الأولى تترسخ كفن قائم بذاته، إذا كانت هذه الفترة من التاريخ بداية فعلية لزهور الأدب الساخر.

لقد شهد الأدب الساخر عودة كبيرة في عصرنا هذا، ما دفع البعض إلى القول: "إن روح تشيخوف ترفرف في فضاء العالم من جديد"، باعتبار أن تشيخوف أحد الرموز الذين وظفوا السخرية بشكل واسع في إنتاجهم. عاش الكتاب الساخرون في بيئات قاسية ومؤلمة ولهم تجارب صعبة مع الحزن، وعلى الرغم من ذلك فقد لجأوا إلى هذا النوع من الأدب، وكأنهم في البدء قد قرروا أن ينتصروا على الحزن والألم الذي بداخلهم.

الأدب الساخر يحمل رسالة حقيقية فلسفية، يختلف فيها عن سواه من أنواع الأدب الذي يعتمد على الموقف الطريف والنكتة، فالكاتب الساخر هو ذلك الذي يفلح في الأخذ باللحظة الحزينة المؤلمة ليعيد إنتاجها بشكل وصورة ضاحكة، فهو أديب يلطف ويجمل من ثقل الحياة والألم والوجع، ويكون رهانه هو تحويل المصائب والأوجاع مادة للسخرية والضحك.

الأدب الساخر، هو القادر على التخفيف من الآلام والإحباط والهموم، ليصبح في تأثيره أقوى من العقاقير والأدوية، فالأدب الساخر ليس تخيّلياً كالقصة والشعر بل هو أدب ملموس ويُعدّ وثيقة ومرآة للمجتمع، والإنسان يحب النكتة والطرفة بطبعه، لذلك فإن هذا الأدب هو أدب ناقد يسبح في ملكوت الحرية يهدف إلى الإصلاح سواء المستوى الأخلاقي أو المستوى الاجتماعي. يظل الأدب الساخر تعبيرًا عن مكنون الضمير الإنساني حتى لو أتى بوجه جديد لأنه أدب ضحك يأتي للبكاء.
==========================