هنا الشعر الفصيح ومايتعلق به

قد كسَّر البعدُ أغصانًا لنا يبسَتْ
وجففَ الشوقُ نهرًا كان يروينا

كنا وكنتم وكان الحبُّ يجمعُنا
فهل تعيدُ لنا الأيامُ ماضينا

.....

أَبْكِي فتَجْرِي مُهْجَتي في دَمْعَتي
فكأَنَّ ما أَجْريتهُ أَجْرَاني

أصبحتُ بَعْدَك مُفْرَداً مُتَغَرِّباً
مُقْصىً عن الأَحبابِ والأَوطانِ

والفرقُ أَنَّك في الجِنَانِ وأَنَّني
من أَجل فقدك صِرْتُ في النِّيرَانِ

كيف اصْطِبَارِي من فراقٍ خَالدٍ
وقد افتضحتُ من الفِراقِ الفَانِي

وتسُوءُ فُرقَةُ من تحبُّ ولا ترَى
شيئاً يَسوءُ كفُرْقَةِ الإِخْوانِ

يا أَسعداً شَقِيتْ جُنُوبٌ بَعْدَهُ
جعلت مفارِشَها من السَّعْدَانِ

قد كُنْتُ أَحْمِلُ همَّ بَيْنٍ واحدٍ
فأَتَتْ وفاتُك لي بِبَيْنٍ ثَانِ

.....

تَجافَى النَّومُ بَعْدَكَ عَنْ جُفُونِي
ولكِنْ ليسَ يَجفُوها الدُّموعُ

يَطيبُ ليَ السُّهادُ إِذا افْترَقنا
وأنتَ بهِ يَطيبُ لكَ الهُجوعُ

يُذَكِّرُني تَبَسُّمُكَ الأَقاحي
ويَحكي لي تَوَرُّدكَ الرَّبيعُ

يطيرُ إليكَ مِن شَوْقٍ فُؤادِي
ولكنْ ليسَ تَترُكُهُ الضُّلوعُ

كأَنَّ الشَّمسَ لمَّا غِبْتَ غابَتْ
فليسَ لها على الدُّنيا طُلوعُ

فما لي عَن تَذَكُّرِكَ امْتِناعٌ
ودُونَ لِقائكَ الحِصْنُ المَنيعُ

إذا لم تَستَطِعْ شَيئاً فَدَعْهُ
وجاوِزْهُ إلى ما تَستَطيعُ

.....

شَوقي إِلَيكُم مِثلَ وَجدي فيكُم
أبداً يَزيدُ حَضَرتُم أَو غِبتُم

وَالقَلبُ أَصبى ما يَكونُ لِوَصلِكُم
وَالجِسمُ أَضنى وَالمَدامِعُ سَجّمُ

وَحَقّكُم لَم يَطف دَمعي لا وَلا
بَردُ الصَّبا ناراً بِقَلبي تُضرِمُ

كلا وَلا سَكَنَ الذي هوَ ساكِنٌ
في القَلبِ مِن قَلَقِ الحَنينِ إِلَيكُم

يا مَن يُقَرِّبُني التَّذَكُّرُ وَالنُّهى
عَنهُم وَتُبعِدُني المَهَامِهُ عَنهُم

فالآنَ ما لي مَطلَبٌ إِلّا هُمُ
كُلّي لَكُم مُتَوَجِّهٌ وَيَصُدُّني

فَالشَّوقُ يُجبرني وَقدري حابِسي
وَالقَلبُ يَنجُدُ وَالجَوارِحُ تَتَّهِمُ

عُودوا عَلى ضَعفي بِنَظرَةِ رَحمَةٍ
وَهُدى فَأَنتُم لِلهِدايَةِ أَنجُمُ

وَإِذا تَوَهَّمَ في الثَّناءِ مَكانَةً
قُصوى فَأَنتُم فَوقَ ما يَتَوَهَّمُ

.....

لا تَظُنَّ البُعادَ يُخلِف عَهدي
أَو تَحُلَّ الأَيامُ عَقدَ وِدادي

أَنتَ مِن مُهجَتي مَكانَ السُوَيداءِ
وَمِن مُقلَتَي مَكانَ السَوادِ

.....

رحلتُ وما شوقي عن الإلف راحِلُ
وزلتُ وما عهد الرعاية زائلُ

يُمثِّل لي قلبي على البعد شخصَه
فتمثاله لي حيثُ ما كنتُ ماثلُ

رعى اللَه مَن روحي قرينة روحِهِ
وما بين جسمَينا تُعَدُّ المَراحلُ

.....

جرى الدمع في مقلتي إذ جرت
على خاطري ذكريات الحبيبُ

فقال حبيبي ماذا البكا
وأنت ضجيعي وماذا النحيبُ

فقلت تذكرت عهدا مضى
ففاضت دموع خيالي تجيبُ

.....

قد يَستلِذّ الفتى ما أعتاد من ضرر
حتى يرى في تعاطيه المسرّات

.....

بَكَيتُ فَما أَغنى البُكا عِندَ صحبَتي
وَشَوقي إِلى ريمٍ مِنَ الإِنسِ أَحوَرِ

سَلامٌ سَلامٌ أَلفَ أَلفٍ مُكَرَّرٌ
وَيا حامِلاً عَنّي الرِسالَةَ كَرِّرِ

أَلا يا نَسيمَ الريحِ بَلِّغ سَلامَنا
وَصِف كُلَّ ما يَلقى الغَريبُ وَخَبِّرِ

.....

ذَكَرتُكُمُ ذِكرَ الصِبا بَعدَ عَهدِهِ
قَضى وَطَراً مِنّي وَليسَ بِعائِدِ

فَيا نَظرَةً لا تَنظُرُ العَينُ أُختَها
إِلى الدارِ مِن رَملِ اللَوى المُتَقاوِدِ

هِيَ الدارُ لا شَوقي القَديمُ بِناقِصٍ
إِلَيها وَلا دَمعي عَليها بِجامِدِ

.....