هنا الشعر الفصيح ومايتعلق به

الغائبان: أنا وأنتِ
أَنا وأنتِ الغائبانْ

زوجا يمام أَبيضانْ
يَتَسامران على غُصون السنديانْ

لا حُبَّ، لكني أُحبُّ قصائدَ
الحبّ القديمةَ, تحرسُ
القَمَرَ المريضَ من الدخانْ

كرُّ وفرٌّ، كالكَمَنْجَةِ في الرباعيّاتِ
أَنْأَى عن زماني حين أَدنو
من تضاريس المكانْ...

لم يَبْقَ في اللغة الحديثِة هامشٌ
للاحتفاء بما نحبُّ
فكُلُّ ما سيكونُ... كانْ

درويش

كأنَّ الليلَ يوشي الحلمَ همساً
ويُغزلُ من شذاكِ هوىً خِتامِ

تراودني رؤاكِ مع الظلامِ
فتوقظُ في فؤادي ألفَ عامِ

تسللتِ الطيوفُ بلا استئذانِ
وأيقظتِ المواجعَ في هيامِ

أراكِ وكلُّ ما في البعدِ يُخفى
يعودُ إليَّ ينبضُ في انسجامِ

وعينُكِ يا سُهادَ القلبِ نورٌ
يُضيءُ الليلَ في صمتِ الرُّخامِ

تمرُّ سنينُ عمري دونَ صوتٍ
ويصرخُ داخلي صوتُ الغرامِ

أحنُّ إليكِ إن مرّت نسائمْ
كأنكِ لم تريحي في المرامِ

رأيتكِ، ثم أيقظني اشتياقي
فأوقدَ في دمي نارَ السقامِ

صحوتُ ولستُ أنسى طيفَ وجهٍ
سقاني الهمَّ من كأسِ السقامِ

عبثتُ بدخنةِ التبغِ المُدَامى
ولا التبغُ المراقُ ولا المدامِ

بدَّدتُ الحزنَ لكنّي وجدتكِ
تسيلينَ الأسى في كلِّ نامِ

وأخشى أن تكوني في عذابٍ
ويبكيني عليكِ بلا كلامِ

يا عُرافينَ هل في الحلمِ سرٌ
أم أنَّ قلبِي يغرقُ في الظلامِ

تفسيرٌ يُريحُ القلبَ ويُطفئُ
شُعلةَ الوجدِ في حيرةِ الأيامِ

لماذا جئتِ في حلمي فجاءت
جراحُ القلبِ ترفلُ في احتدامِ

أما كنتِ اختفيتِ عن الليالي
كغيمٍ ضاعَ في طرفِ الغمامِ

أما ملَّت خطاكِ دربَ روحي
أما ضاقت عيونُكِ من هيامي

أتيتِ الآنَ بعدَ الصبرِ دهرًا
تُعيدينَ البكاءَ إلى ابتسامي

فعودي لو على هيئة خيالٍ
فأجملُ ما نعيشُ هو المنامِ

ففي الأحلامِ تلقانا الليالي
وتُصلَح ما تهدَّمَ من نظامِ

ثم صمت الأمانُ في كفي
وتلاشى العمرُ في خيوطِ الظلامِ

أحقًا كنتِ سرابًا في طريقٍ
أم كانت الأقدار تُراهنُ بيامي

غدًا سأعلمُ ما كان من رؤيا
لكنني أُدركُ أنَّكِ الحُسامِ

....

يا أنتِ يا لحن الحنينِ ورجعِهَ
في صمتِ ليلٍ قد تهادى مُتعَبا

أهواكِ حتى إنْ نَسيتُ ملامحي
ونسيتُ أيامَ التمردِ والصِبا

يا وردة القى الغروبُ جمالها
شالًا على كتِفِ المدائنِ والربى

وكتبتُ فيكِ الشعر حتى دمعتي
أجْرت على بحرِ القوافي مركِبا

يا قِبلَةُ الكلماتِ فجر بيانِها
سكَبَ البلاغةَ في العيونِ وذوبا

وتعبتُ من صبرٍ يعانق وحشتــي
وأبت دروبُ فراقنا أن تتعبا

أبني لأجلكِ من حنيني سلّما
وأصعد الأشواقَ نجما مُعجَبــا

لا تسألي كم مرةً مر الهــوى
فالقلبُ بيتكِ والفؤاد لكِ خبا

يا منبَع الأملِ المبللِ بالندى
أجريتِ عِشقكِ في عروقي مذهَبا

يا نجمة نامت على كتِفِ المدى
واستيقظت مِن بعدِ عمرٍ كوكبا

في كُلّ دربٍ من دروبي قصة
أحلى مِنَ الماءِ الفراتِ وأعذبا

وسلَبت من عينيكِ كحلَ قصيدتي
وزرعتُ حرفا في الجفونِ مذهبا

إن كُنتِ ديرا للغرام و معبدا
صيرت قلبي ناسكًا مترهبا

ما زالَ وعدكِ في فؤادي غيمَة
تلقي على عطشِ الحنينِ سحائبا

من أيّ ليلٍ جئتِ أيّ حكاية
أسمى منَ الحلمِ البهيّ وأرحبا

....

ما كنتَ لي هدفاً أسعى لأبلغةُ
‏بل كنت لي وطناً يا كلّ أهدافي
‏
‏نما هواكَ بقلبي قَمح سنبلةٍ
‏وصار يكثرُ حتى صارَ أضعافي

....

‏قالتْ تألمتَ والدنيا قد ابتهَجَتْ
فقلتُ كيف سأنسى نار آلامي

كنَّا معاً ونعيمُ الحب يجمعنا
واليوم قد أظْلَمَتْ بالبُعْدِ أيامي

وأيُّ عامٍ أتاني لستِ فيه معي
ما كنتُ أحسبهُ من ضمن أعوامي

....

يا رجفـة َ الشوق يا تاريخَ أوردتي
يا رعشـة َ العشق ِ يا دائي وترياقي

أبحرت فوق بحار العشق ِ محتسباً
لـكـن ْ بـبـحرك طاب اليوم َ إغراقي

أنـا الأسـيـرُ ببـاب ِ هـواك مِن زمن ٍ
ولستُ أسعى لإطـلاقي وإعـتـاقـي

....

إِقرَأ سَلامي عَلى مَن لا أُسَمّيهِ
وَمَن بِروحي مِنَ الأَسواءِ أَفديهِ

وَمَن أُعَرِّضُ عَنهُ حينَ أَذكُرُهُ
فَإِن ذَكَرتُ سِواهُ كُنتُ أَعنيهِ

أَشِر بِذِكرِيَ في ضِمنِ الحَديثِ لَهُ
إِنَّ الإِشارَةَ في مَعنايَ تَكفيهِ

وَاِسأَلهُ إِن كانَ يُرضيهِ ضَنى جَسَدي
فَحَبَّذا كُلَّ شَيءٍ كانَ يُرضيهِ

فَلَيتَ عَينَ حَبيبي في البُعادِ تَرى
حالي وَما بِيَ مِن ضُرٍّ أُقاسيهِ

....

تعال نتبادل الادوار قليلاً
أنتَ تنتظر ..
وأنا لا أعود
لم تأتِ. قُلْتُ: ولنْ...إذاً
سأعيد ترتيب المساء بما يليق بخيبتي
وغيابها:
أطفـأتُ نار شموعها،
أشعلتُ نور الكهرباء ،
شربتُ كأس نبيذها وكسرتُهُ،
أَبدلتُ موسيقى الكمنجات السريعةِ
بالأغاني الفارسيّة.
قلت: لن تأتي. سأنضو رَبْطَةَ
العنق الأنيقة [هكذا أرتاح أكثر]
أرتدي بيجامة زرقاء. أمشي حافياً
لو شئتُ. أجلس بارتخاءِ القُرْفُصاءِ
على أريكتها، فأنساها
وأنسى كل أشياء الغياب/
أعَدْتُ ما أعددتُ من أدوات حفلتنا
إلى أدراجها. وفتحتُ كُلّ نوافذي وستائري.
لا سرّ في جسدي أمام الليل إلاّ
ما انتظرتُ وما خسرتُ...
سخرتُ من هَوَسي بتنظيف الهواء لأجلها
[عطرته برذاذ ماء الورد والليمون]
لن تأتي... سأنقل نَبْتَةَ الأوركيدِ
من جهة اليمين إلى اليسار لكي أعاقبها
على نسيانها...
غَطّيتُ مرآة الجدار بمعطفٍ كي لا أَرى
إشعاع صورتها... فأندم/
قلتُ: أنسى ما اقتَبَسْتُ لها
من الغَزَل القديم، لأنها لا تستحقُّ
قصيدةً حتى ولو مسروقةً...
ونسيتُها، وأكلتُ وجبتي السّريعةَ واقفاً
وقرأتُ فصلاً من كتابٍ مدرسيّ
عن كواكبنا البعيدةْ
وكتبت، كي أنسى إساءتها، قصيدة
هذي القصيدةْ!

محمود درويش

يا زهرتي قد متُّ يا زهرتي
آهٍ على مَن يَعشق الأقحوان

السيّاب

وَفي الوادي عَلى الأَغصانِ طَيرٌ
يَنوحُ وَنَوحُهُ في الجَوِّ عالي

فَقُلتُ لَهُ وَقَد أَبدى نَحيب
دَعِ الشَكوى فَحالُكَ غَيرُ حالي

أَنا دَمعي يَفيضُ وَأَنتَ باكٍ
بِلا دَمعٍ فَذاكَ بُكاءُ سالي

لَحى اللَهُ الفِراقَ وَلا رَعاهُ
فَكَم قَد شَكَّ قَلبي بِالنِبالِ

أُقاتِلُ كُلَّ جَبّارٍ عَنيدٍ
وَيَقتُلني الفِراقُ بِلا قِتالِ

عنترة بن شداد