04-13-2024, 07:36 PM | #1 | ||
|
في ظلال الآية الكريمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في ظلال الآية الكريمة محمد سعيد قاسم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعد : قال ﷻ [ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ] [البقرة: 216] في هذه الآية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد ، فإن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب ، والمحبوب قد يأتي بالمكروه ، لم يأمن أن توافيه المضره من جانب المسرة ، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة لعدم علمه بالعواقب ، فإن الله يعلم منها ما لا يعلمه العبد أوجب له ذلك أموراً : منها : أنه لا أنفع له من امتثال الأمر وإن شق عليھ في الإبتداء ، لأن عواقبه كلها خيرات ومسرات ولذات وأفراح وإن كرهته نفسه فهو خير لها وأنفع . وكذلك لا شيء أضر عليھ من ارتكاب النهي وإن هويته نفسه ومالت إليه ، فإن عواقبه كلها آلام وأحزان وشرور ومصائب ، وخاصية العقل تحمل الألم اليسير لما يعقبه من اللذة العظيمة والخير الكثير ، واجتناب اللذة اليسيرة لما يعقبها من الألم العظيم والشر الطويل . فنظر الجاهل لا يجاوز المبادئ إلى غاياتها ، والعقل الكيّس دائماً ينظر إلى الغايات من وراء تلك الستور من الغايات المحمودة والمذمومة ، فيرى المناهي كطعام لذيذ قد خلط فيه سمُّ قاتل ، فكلما دعته لذته إلى تناوله نهاه ما فيه من السم ، ويرى الأوامر كدواء كريه المذاق مفضٍ إلى العافية والشفاء ، وكلما نهاه كراهة مذاقه عن تناوله أمره نفعهُ بالتناول . ولكن هذا يحتاج إلى فضل علم تدرك به الغايات من مبادئها ، وقوة صبر يوطن به نفسه على تحمل مشقة الطريق لما يؤمل عند الغاية ، فإذا فقد اليقين والصبر تعذّر عليھ ذلك ، وإذا قوي يقينه وصبره هان عليھ كلَّ مشقة يتحملها في طلب الخير الدائم واللذة الدائمة . ومن أسرار هذه الآية أنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور ، والرضا بما يختاره له ويقضيه له ، لما يرجو فيه من حسن العاقبه . ومنها : أنه لا يقترح على ربه ولا يختار عليھ ولا يسأله ما ليس له به علم ، فلعل مضرَّته وهلاكه فيه وهو لا يعلم ، فلا يختار على ربه شيئاً بل يسأله حسن الاختيار له وأن يرضيه بما يختاره فلا أنفع له من ذلك . ومنها : أنه إذا فوّض أمره إلى ربه ورضي بما يختاره له أمدَّه فيما يختاره له بالقوة عليھ والعزيمة والصبر ، وصرف عنه الآفات التي هي عرضة اختيار العبد لنفسه ، وأراه من حسن عواقب اختياره له ما لم يكن ليصل إلى بعضه بما يختاره هو لنفسه . ومنها : أنه يريحه من الأفكار المتبعة في أنواع الإختيارات ، ويفرغ قلبه من التقديرات والتدبيرات التي يصعد منها في عقبة وينزل في آخرى ، ومع هذا فلا خروج له عما قدر عليھ ، فلو رضي باختيار الله أصابه القدر وهو محمود مشكور ملطوف به فيه ، وإلا جرى عليھ القدر وهو مذموم غير ملطوف به فيه ، لأنه مع اختياره لنفسه ، ومتى صح تفويضه ورضاه ، اكتنفه في المقدور والعطف عليھ واللطف به فيصير بين عطفه ولطفه ، فعطفه يقيه مايحذره ، ولطفه يهون عليھ مافدّرهُ . إذا نفذ القدر في العبد كان من أعظم أسباب نفوذه تحيله في رده ، فلا أنفع له من الاستسلام وإلقاء نفسه بين يدي القدر طريحاً كالميته ، فإن السبع لا يرضى بأكل الجيف . والله أجل وأعلم للإستزادة / كتاب الفوائد - لابن قيم الجوزية (١٤٦-١٤٧)
|
||
04-13-2024, 09:08 PM | #2 | ||
مساعد للمدير العام ومستشار للمنتدى
|
رد: في ظلال الآية الكريمة
اخي الغالي عبدالله سليمان الشمري
اشكرك لجهودك الرائعه في المنتدى وفق الله لكل خير وسددك
|
||
04-13-2024, 10:28 PM | #3 | ||
مراقب عام وأداري للمنتديات
|
رد: في ظلال الآية الكريمة
تسلم يداااك على مجهودك الطيب بارك الله فيك وفي عملك ودمت بخير وعافية
|
||
04-14-2024, 03:06 AM | #4 | ||
عضو شرف قدير
|
رد: في ظلال الآية الكريمة
شكرا على المشاركة
جزاك الله خير الجزاء تحياتي وتقديري لك
|
||
04-14-2024, 10:36 PM | #5 | ||
اداري
|
رد: في ظلال الآية الكريمة
شكرا على المشاركة
تسلم يداك لاحرمنا الله من نورك قوافل التحايا لسموك
|
||
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
|
|