تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هنا الشعر الفصيح ومايتعلق به


الصفحات : 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 [40] 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155

الحمدان
07-25-2024, 01:06 PM
خَجِلتْ خُدودُ الوردِ مِن تفضيله
خجلاً تَورُّدُها عليه شاهدُ

لم يخجل الورد المورّد لونه
إلا وناحِلُه الفضيلةَ عاندُ

فصْلُ القضية أن هذا قائد
زهرَ الرياض وأن هذا طاردُ

شتَّان بين اثنين هذا مُوعدٌ
بتسلب الدنيا وهذا واعدُ

وإذا احْتَفَظْتَ به فأمتَعُ صاحبٍ
بحياته لو أن حيَّاً خالدُ

للنرجس الفضلُ المبينُ وإن أبى
آبٍ وحاد عن الطريقة حائدُ

من فضله عند الحِجَاج بأنه
زهر ونَوْر وهو نبت واحدُ

يحكي مصابيحَ السماء وتارةً
يحكي مصابيح الوجوه تَراصَدُ

يَنْهي النديم عن القبيح بلحظِه
وعلى المدامة والسماع مُساعدُ

اطلُب بعفوك في الملاح سمَيَّهُ
أبداً فإنك لا محالة واجدُ

والورد لو فتشت فردٌ في اسمه
ما في الملاح له سميٌّ واحدُ

هذي النجوم هي التي ربَّتهما
بِحَيَا السحاب كما يُربي الوالدُ

فتأمل الإِثنين مَنْ أدناهُما
شَبَهاً بوالده فذاك الماجدُ

أين العيون من الخدود نفاسةً
ورياسةً لولا القياسُ الفاسد


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:07 PM
يُقتّر عيسى على نفسه
وليس بباقٍ ولا خالدِ

فلو يستطيع لتقتيره
تَنفَّس من منخرٍ واحدِ

عذرناه أيام إعدامه
فما عذرُ ذي بَخَلٍ واجِدِ

رَضِيتُ لتفريق أمواله
يَدَي وارثٍ ليس بالحامدِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:08 PM
إن المنِيَّةَ لا تُبْقي على أحَدِ
ولا تهابُ أخا عزٍّ ولا حَشَدِ

هذا الأميرُ أَتَتْهُ وهْو في كَنَفٍ
كاللَّيْل من عُدَدٍ ما شئْتَ أو عَدَدِ

من كلِّ مُسْتَعْذِبٍ لِلْموتِ دَيْدَنُهُ
بَزُّ الكُماة ولُبْسُ البيض والزَّرَدِ

مُعْتَادَةٌ قَنَصَ الأبْطال شِكَّتُهُ
يرى الطِّرادَ غداة الرَّوعِ كالطَّرَدِ

كأّنه اللَّيْث لا تَثْنِي عَزيمَتَهُ
إلّا عَزِيمتُهُ أو جُرْعةُ النَّفَدِ

ولم تزلْ طوْعَ كَفَّيْهِ يُصَرِّفُها
بين الأنام ولا تعْصِيه في أَحَدِ

حتى أتاه رسولُ الموت يُؤْذِنُهُ
أن البقاء لوَجْه الواحِد الصَّمَد

للَّه من هالِكٍ وافَى الحِمامُ بِهِ
أُخرَى الحياةِ وأخْرَى المجدِ في أمدِ

كم مُقْلَةٍ بعدَه عَبْرَى مُؤَرَّقَةٍ
كأَنما كُحِلَتْ سَمَّاً على رمدِ

جادتْ عليه فأغْنَتْ أن يُقال لها
يا عيْنُ جُودِي بدَمْعٍ منك مُطَّردِ

إنْ لا يكن ظُفُرُ الهَيْجَا مَنِيَّتَهُ
فأَكْرَمُ النَّبْتِ يَذْوِي غير مُحْتَصَدِ

أما ترى الغَرْسَ لا تَذْوي كَرائمُهُ
إلا على سُوقِها في سائر الأبدِ

لِمِيتةِ السِّيْفِ قَوْمٌ يشْرُفُونَ بها
لَيْسوا من المجْدِ في غاياتِه البُعَدِ

عزُّ الحياة وعزُّ الموْت ما اجْتَمعا
أسْنَى وأَبْنَى لِبَيْت العِزِّ ذي العُمُدِ

مَوْتُ السَّلامة للإنسان نَعْلَمُهُ
وإنَّما القِتْلةُ الشَّنْعاءُ للأَسَدِ

لم يُعْمِل السَّيْفَ ظُلماً في ضَرائبه
فلم يُسَلَّطْ عليه سيفُ ذي قَوَدِ

لا تَبْعَدَنَّ أبا العباس من مَلِكٍ
وإنْ نأيْتَ وإن أصْبحتَ في البَعَدِ

غادَرْتَ حوْضَ المنايا إذْ شَربْتَ بِهِ
عذْبَ المذاق كذوب الشَّهْد بالبَردِ

وإنَّ فَضْلَةَ كأْسٍ أنتَ مُفْضِلُها
لَذاتُ بَرْدٍ على الأحْشَاء والكَبدِ

ما متَّ بل مات أهلُ الأرْض كلُّهمُ
إذ بنتَ منْهم وكنت الروح في الجسدِ

فأنت أولى وإن أصْبحت في جَدَثٍ
بأن تُعَزَّى بأهل الوَعْث والجَدَدِ

كم من مصائبَ كان الدهرُ أخْلَقَها
أضحى بك النَّاسُ في أثوابها الجُدُدِ

من بين باكٍ له عينٌ تساعده
وبين آخر مَطْويٍّ على كمدِ

فَعَبْرَةٌ في حُدُور لا رُقُوء لها
وزفْرةٌ تملأ الأحْشاء في صَعَدِ

سوَّيْتَ في الحُزْن بين العالَمينَ كما
سوَّيْتَ بينهُم في العيشَة الرَّغَدِ

بثَثْتَ شَجْوَكَ فيهم إذ فُقدْتَ كما
بثثت رفْدَكَ فيهم غَيْر مُفْتَقَدِ

عَدْلا حياةٍ وموْتٍ منْك لو وُزِنا
هَذَا بهذَاك لم يَنْقُصْ ولم يَزدِ

قدْ كنتَ أَنْسَيْتَهُمْ أن يذْكُروا حَزَناً
فَاليوم ينْسَوْن ذكْرَ الصبْر والجلدِ

نَكَأْتَ منهم كُلُوماً كان يَكلِمُها
رَيْبُ الزمان فتأسوها بخَيْرِ يَدِ

عجبتُ للأرض لم تَرْجُفْ جوانبُها
وللجبال الرَّواسِي كيْفَ لمْ تَمِدِ

عجِبتُ للشمس لم تُكْسَفْ لمهْلِكِهِ
وهْوَ الضِّياء الذي لولاه لم تَقِدِ

هَلّا وَفَتْ كوفاء البدر فادَّرَعَتْ
ثوبَ الكُسُوف فلم تُشْرقْ على بلدِ

لا ظُلْمَ لَوْ شَاهَدَتْ من حال مَصْرَعه
ما شاهَدَ البدرُ لم تشرق ولم تَكَدِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:09 PM
للناس عِيدٌ وَلي عِيدانِ في العِيدِ
إذا رأيْتُكَ يا ابن السَّادَةِ الصِّيدِ

إذا هُمُ عَيَّدُوا عِيديْن في سَنَةٍ
كانت بوجهك لي أيامُ تَعْييدِ

قالوا اسْتَهَلَّ هِلالُ الفطْر قلتُ لهم
وجْهُ الأمير هلالٌ غيرُ مفْقُودِ

بدا الهلالُ الذي اسْتقبْلتُ طَلْعَته
مُقابَلاً بهلالٍ منك مَسْعودِ

أجْدِدْ وأخْلِقْ كلا العيديْنِ في نِعَمٍ
تأبَى لهنَّ الليالي غير تجديدِ

إن قاد صنُوُكَ جَيْشَ العيدِ عُقْبَتَهُ
فما اخْتَلَلْتَ لفقْدِ الجيش في العيدِ

بلْ لوْ تَوَحَّدْتَ دون النَّاسِ كُلّهمُ
كنتَ الجميع وكانوا كالمواحِيدِ

عليك أُبَّهَةُ التأمِيرِ واقِعَةٌ
لا بالجنود ولا بالضُّمَّرِ القُودِ

أنتَ الأميرُ الذي ولَّتْهُ هِمَّتُهُ
بغير عهدٍ من السلطان معْهُودِ

ولايةً ليس يجْبي المالَ صاحِبُها
بل الرَّغِيبَيْنِ من حَمْدٍ وتَمجيدِ

هل الأميرُ سِوَى المُعْدِي بنائله
على عَداءِ صُرُوفِ البيض والسُّودِ

وأنتَ تُعْدِي عليها كلَّما ظَلَمَتْ
يا ابْنَ الكرام بِرِفْدٍ منك مَرْفُودِ

فَلْيصنع العَزْلُ والتَّأميرُ ما صنعا
فأنت ما عشْتَ والي إمْرَةِ الجُودِ

تِلْكَ الإمارةُ أعْلاها مُؤَمِّرُهَا
أنْ يملِكَ الناسُ منها حَلَّ مَعْقُودِ

عَطيَّةُ اللّه لا يَبْتَزُّهَا أحَدٌ
ليستْ كشيء مُعادٍ ثمَّ مَردُودِ

لو كنتَ أزمانَ وَأْدِ الناسِ ما وَأَدُوا
أحْيا سَماحُك فيهمْ كُلَّ مَوْؤودِ

فما يضرُّك ما دار الزمانُ به
وأنت حَالَيْكَ في سِرْبالِ مَحْسُودِ

هذا على أنه لا فَرْقَ بينكما
وَحُقَّ ذلك والعُودانِ من عُودِ

أضْحى أخوكَ على رَغْمِ العِدَا جَبَلاً
ينُوءُ منك بركْنٍ غير مَهْدودِ

تَظاهَرَانِ على تَقْوَى إلهِكُما
كلا الظَّهيرَيْنِ مَعْضُودٌ بمعضُودِ

فالشَّمْلُ مُجْتَمِعٌ والشِّكْلُ مؤْتَلِفٌ
والأزْرُ بالأزر مَشْدُودٌ بمشدودِ

والمِرتَّانِ إذا ما الْتَفَّتا وَفَتا
بمُسْتَمِرٍّ من الأمْراسِ مَمْسُودِ

ما زادَ كلُّ ظَهِيرٍ أمْرَ صاحِبهِ
بأمْرِهِ غير تَثْبِيتٍ وتأْبيدِ

كَلاً ولا زاد كلٌ مَجْدَ صاحبه
بمجدِهِ غير تَوْطِيدٍ وتشْيِيدِ

فالعِزُّ عِزُّكما والمجْدُ مَجْدُكما
ومَنْ أبَى ذاك مَوْطُوءُ اللَّغَاديدِ

كُلٌّ يرى لأخيه فَضْلَ سُؤْددِهِ
وكنْتُما أهْلَ تفْضِيلٍ وتَسْويدِ

مات التَّحاسُدُ والأضغانُ بَيْنَكما
فماتَ كلُّ حَسُودٍ موْتَ مَكْمُودِ

وَرُدَّ كلُّ تَميمٍ كان ينْفُثُهُ
راقي الوُشاةِ فَعَضُّوا بالجلاميدِ

لا زال شمْلَ اجْتِمَاعٍ شَمْلُ أمرِكما
وشمْلُ أمْر الأعادِي شَمْلَ تَبْدِيدِ

إن قِيلَ سَيْفَان يأبى الغِمْدُ جمْعَهُما
فأنْتُما مُنْصَلا سَلٍّ وتجْريدِ

لا تُحْوَجانِ إلى غِمْدٍ يضُمُّكما
كِلاكُما الدَّهرَ سَيْفٌ غير مغْمُودِ

مُجَرَّدانِ على الأعْداءِ قد رَغِبا
عن الجفُون إلى هامِ الصَّناديدِ

مُؤلَّفَان لنصر الله قد شُغِلا
عن التَّباغي بطاغُوتٍ ومِرِّيدِ

ما في الحُسَامَيْن مأمُورٌ بصاحبه
عليكما بِرِقابِ العُنَّدِ الحِيدِ

للسَّيْفِ عن قَطْعِ سَيْفٍ مثْلِهِ ذَكَرٍ
مَنْدُوحَةٌ في رقاب ذاتِ تَأْوِيدِ

فَلْيُعْنَ بِالمَثلِ المضْرُوب غَيْرُكما
فليس مَعْناكُما فيه بموْجُودِ

لا تَعْجَبَا من خِصَامي عنْكُما مَثَلاً
قدْ أبَّدَتْهُ الليالِي أيَّ تأبيدِ

هذا لِذاك وهذا بعْدهُ قَسَمٌ
بِمَشْهَدٍ من جَلال اللّه مشْهودِ

ما اليومُ يمْضي وعيني غَيْرُ فائزةٍ
بِحَظِّهَا منْك في عُمْري بِمعْدُودِ

لكِنْ تطاوَلَتِ الشكْوى بِقائدَتي
فكنتُ شهْراً وحالي حالُ مَصْفُودِ

شُغِلْتُ عنك بِعُوَّارٍ أكابِدُهُ
لا بالملاهي ولا ماءِ العَناقيدِ

ولو قَعَدْتُ بلا عذْرٍ لَمَهَّدَ لي
جَميلُ رَأيك عُذْري أيَّ تَمْهِيدِ

قاسيْتُ بعدَك لا قاسيَت مِثْلَهُما
نَهارَ شكْوى يُبَاري ليْلَ تَسْهِيدِ

أُمْسِي وأُصْبِحُ في ظَلْماءَ من بَصَري
فَما نَهَارِيَ مِنْ لَيْلي بمَحْدُودِ

كَأَنَّني منْ كِلا يَوْمِي وليْلَته
في سَرْمَدٍ من ظلام الليل ممدودِ

إذا سَمعتُ بِذِكْرِ الشمْسِ آسَفَنِي
فَصَعَّدَتْ زَفَراتي أيَّ تصْعِيدٍ

وليس فَقْدُ ضِياء الشمس أَجْزَعَني
بل فَقدُ وجهك أوْهَى رُكْنَ مَجْلُودي

لا يَطْمَئنُّ بجْنبِي لِينُ مُضْطَجَعٍ
وما فراشُ أخي شكْوى بممهودِ

أرْعى النُّجومَ وأنَّى لي بِرِعْيَتِهَا
وطَرَفُ عيْني في أسْرٍ وتَقْيِيدِ

وإنَّ مَنْ يَتَمَنَّى أن يُوَاتِيَهُ
رَعْيُ النُّجوم لَمَجْهُودُ المجاهيدِ

وضاقَت الأرْضُ بي طُرَّاً بما رَحُبَتْ
فصارَ حَظِّي منْها مِثْلَ مَلْحُودي

فلم تَكُنْ راحَتي إلا مُلاحَظَتي
إيَّاكَ عن فكْر قلْب جدِّ مَجْهُودِ

وكمْ دَعَوْتُك والعَزَّاءُ تَعْصبُني
وأنتَ غايةُ مَدْعَى كلِّ منْجُودِ

وقد تبدلتُ من بَلْواي عافيةً
بحمْد رَبٍّ على الحاليْنِ مَحْمُودِ

فافتح لعبدك بابَ العُذْر إنَّ لهُ
قدْماً بلُطفكَ باباً غير مسدُودِ

يا من إذا البابُ أعْيا فتْحُ مُقْفَلِهِ
ألقى الدُّهاةُ إليْه بالمقاليدِ

بنَجم رَأْيك تُجْلَى كُلُّ داجيةٍ
يُبَلَّدُ النجْمُ فيها كُلَّ تَبْلِيدِ

فإنْ تماريْتَ في عُذْري وَصحَّتِه
فاجْعَلْه غُفْرَانَ ذنْب غير مجْحُودِ

وما تعاقبُ إنْ عاقبْتَ من رَجُلٍ
بسَوْطه دُونَ سَوْط النَّقْم مَجْلُودِ

حسْبي بجُرْمي إلى نفْسي مُعاقبةً
إن كنتُ أطردْتُ نفسي غير مطرودِ

فإنْ عَفَوْتَ فما تنْفَكُّ مُرْتَهناً
شكْراً بتقليد نُعْمَى بعْدَ تقليدِ

تُطَوِّقُ المَنَّ يُوهي الطَّود مَحْملُهُ
وإنَّهُ لَخَفيفُ الطوْق في الجِيدِ

تَمُنُّ ثم تَفُكُّ المنَّ مجْتَهِداً
عن الرَقابِ فيأبى غيْرَ تَوْكِيدِ

وإن سطوْتَ فكَمْ قَوَّمْتَ ذا أَوَدٍ
تَقْوِيمَ لَدْنٍ من الخطِّيِّ أمْلُودِ

يا ابْنَ الأكارم خذْها مِدْحَةً صدرَتْ
عن موْرِدٍ لك صَافٍ غيْرِ موْرُودِ

لا فضْل فيه سِوَى ما أنْت مُفْضِلَهُ
فَشُرْبُ غيرك منْه شُرْبُ تَصْرِيدِ

مَكْنُونُ وُدٍّ تَوَخَّاك الضَّمِيرُ به
ولم يزاحِمْكَ فيه شِرْكُ مَوْدُودِ

تَوْحِيدُ مَدْحِك دون الناس كلِّهمُ
سِيَّانِ عنْدي وإخْلاصي وتوْحِيدي

وما قَصَدْتُ سِوَى حَظِّي ومَسْعَدَتي
ولسْت في ذاك محْفُوفاً بتَفْنِيدِ

أنت الذي كلَّما رُمْتُ المديح له
أجابني وضميري غيْرُ مَكْدُودِ

بَحْرِي بِبَحْرِك مَمْدُودٌ فحُقَّ له
ألّا يُرى الدَّهْرَ إلا غير مَثْمُودِ

أمْدَدْتَ شِعْري بأَمْدَادٍ مظاهَرَةٍ
من المناقب لا تُحْصَى بِتعديدِ

وما رَمَيْتُكَ من وُدِّي بخاطئةٍ
مِنِّي ولا فَلْتَةٍ عن غير تَسْدِيدِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:09 PM
يُعانُ المُسْتَعينُ بِكَ البعيدُ
وحَظِّي من مَعُونتك الزَّهيدُ

وما ذنبي إليكَ سوَى جِوَارٍ
قَريبٍ مثْلَما قَرُبَ الوريدُ

وَوُدٍّ بين شَيْخَيْنَا قَديم
على الأيام مَعْقدُهُ وَكيدُ

وَقُرْبَى نِحْلَتْي أدبٍ ورأْيٍ
بأبعدَ منهما قَرُبَ البعيدُ

وأنِّي لمْ يزل أمَلي قديماً
عَقيدَكَ ما تقدَّمَهُ عقيدُ

سَبَقْتُ به إليكَ لدنْ كلانا
وَليدٌ أوْ يُضارعه الوليدُ

وكان القلب يُؤنِسُ منك رُشْداً
ولَيْسَ بِكَاتِم الرشد الرَّشيدُ

ويشهدُ أنْ سَتَسْمُو للمعالي
فتبلُغَها فما كذب الشَّهِيدُ

فَمَالَكَ حَادَ عُرْفُ يديك عني
وما للعرف عن مثْلي مَحيدُ

ومَالي لا أزال لديْكَ أُحْبَى
حَباءً يُجْتَوَى منْه المزيدُ

دَهَانِي منْ جفائك ما دهاني
ولم يَكُ للزَّمَان به وَعيدُ

عذْرتُكَ لوْ عرفْتُكَ خارجيَّاً
طَريفَ المجْد ليس له تليدُ

فقلتُ رأى قَديمي فيه نَقْصٌ
فلست أحبُّه ما عادَ عيدُ

فَكَيْفَ ولستَ تَعْلَمُنِي عَلِيماً
بنقْص في قديمكَ يا سعيدُ

ألستَ المرْءَ والدُه حُميدٌ
وحسْبُكَ من سناءٍ لا أزيدُ

ألستَ ابن الذين غَنَوا قديماً
هُمُ الأحرار والناسُ العَبيدُ

أتحسِبُني زهاك الحظ عندي
فَحَشوُ جوانحي حسدٌ شديدُ

وما حَسَدِي وشأَنُكَ غَيْرُ شأني
أيَحْسُدُ صائداً ما لا يصيدُ

وكيف وما وقعْتُ أمامَ ظَنِّي
وكيف وما حَظِيتُ كما أُريدُ

لئن أرضاك هذا الحظُّ حظاً
فإني مُسْتَرِيثٌ مُسْتَزِيدُ

ألم تر أن نُعْمَى اللَّه شُنَّتْ
عليك فطالها شخص مديدُ

أفِدْ ما شئتَ من جَاهٍ ومالٍ
فأَنْتَ لديَّ تُزْهِي ما تُفيدُ

أَيُزهي شخْصَ مثلِكَ عند مثلي
أبا عثمان سِرْبَالٌ جديدُ

وليس ابْنُ المقفَّع في نَقِير
لديْكَ إذا عُدِدْتَ ولا يزيدُ

ولا كُلْثُومٌ المجْمُوعُ فيه
إلى الْخُطَب الرَّسَائلُ والقصيدُ

ولا عبدُ الحميد وإنْ زهاه
تَقَادُمُ عهْدِهِ شَهِدَ الحَمِيدُ

فكيف أراك تَقْصُرُ عن مَنَالٍ
وأَنْتَ الْفَردُ في الناس الوحيدُ

يراكَ بمثْلِ تلكَ العيْنِ أعْشَى
وحَاشَا منْ لهُ بَصَرٌ حديدُ

وبَعْدُ فقد تَرَى اسْتِغْلاَقَ أَمْرِي
وطُولَ حِرَانِهِ ما يَسْتَقيدُ

وعندكَ إن أردتَ النَّفْعَ نَفْعٌ
وعنْدي ضِعْفُهُ شُكْرٌ عَتيدُ

فَهَبْ لي مَحْضَراً يشْفِي ويكْفِي
إذا أبْدأْتَ فيه لا تُعِيد

تَهزُّ به الأمِيرَ فليس يُغْني
عن الهَزِّ السُّرَيْجيِّ الرَّدِيدُ

أترضَى أن حُرِمْتُ وفاز غيري
بآمال لها طلع نضيدُ

وأنت لكلَّ مَكْرُمةٍ عِمَادٌ
أجَلْ ولكلَّ ذي كرم عَميدُ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:10 PM
بلوْتُ طُعُوم الناس حتى لو اَنَّني
وجدتُهُمُ أحْلَى مذاقاً من الشَّهدِ

لَقَدْ آن أن أسْلاهُمُ وأملَّهمْ
فكيف وما لاقيتُ منهم أخا رشْدِ

وكيف وقد جرَّبتُ من طبقاتهم
تَجَاريبَ تدعو النفس فيهم إلى الزهد


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:10 PM
ما كلُّ أمْرٍ أضاع المرءُ فرصَته
في اليوم بالمتَلاَفَى في غداةِ غدِ

هل يُخْلِفُ الحرُّ وعْداً خُلْفُهُ خطرٌ
يُخَافُ منه هَلاَكُ الروحِ والجسدِ

جازَ المِطَالُ بأشْيَاءٍ ولم أرَهُ
يجوز بالغوْثِ والملهوفُ في كَبَدِ

لَنْمْتَ عنِّي وبات الدهر في رصَدٍ
وليس يُقْرَنُ ذو نوم بذي رَصَدِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:11 PM
تحلّبَتِ الأنواءُ بعد جُمُودِها
وأقبلتِ الخيراتُ بعد صدُودها

بوجه أبي الصقر الذي راح واغتدى
كشمس الضحى محفوفةً بسُعودها

ولما أتى بغداد بعد قُنُوطِها
وفتْرة داعيها وإيباس عُودِها

إذا ظُلَلٌ قدْ لَوّحتْ ببروقها
إلى ظُلَلٍ قد أرجفت برعودها

سحائبُ قيست بالبلاد فأُلْقِيَتْ
غطاءً على أغوارها ونجودها

حَدَتْها النُّعامَى مُثْقَلاتٍ فأقْبَلَتْ
تَهادَى رُويداً سيرُها كرُكودها

غُيُوثٌ رأى الإمحالُ فيها حِمَامَهُ
قرينَ حياةِ الأرضِ بعد هُمُودها

أظلَّتْ فقال الحرثُ والنَّسْل هذه
فُتُوح سماءٍ أقبلت في سُدودها

فأطفأ نيران الغليل مَواطرٌ
مُضرَّمةٌ نيرانها في وقودِها

سقتنا ونيرانُ الصدى كبرُوقه
فقد بردت أكبادُنا بِبُرُودها

ولمْ نُسْقَ إلا بالوزير ويُمْنِهِ
فَبُورك في أيامه وعهودِها

دعا اللّه لما اغْبَرَّت الأرض دعوة
بأمثالها تغدُو الرُّبى في بُرُودِها

فكم بركاتٍ أذعنت بنزولها
لدعوته إذْ أمْعَنَتْ في صُعودها

سما سَمْوَةً نحو السماء بغُرَّة
مُسَوَّمَةٍ قِدْماً بِسِيمَا سجُودها

وكَفَّيْن تَسْتَحِيي السماءُ إذا رأت
رُفُودَهُمَا من ضَنِّها برُفُودها

فلمَّا تلَقَّتْها الثَّلاثُ رعَتْ لها
مع الجاهِ عند اللّه حُرْمَةَ جُودها

فجادتْ سماءُ اللّه جُوداً غدتْ له
عَقِيمُ بِقاع الأرضِ مثلَ وَلُودِها

بِغَاشِيةٍ من رحمة اللّه لم تَرِثْ
نَسِيَّاتُهَا إلّا كَرَيْثِ نُقُودِها

سقتْنَا ومَرْعانا فروَّت وأفضَلَتْ
لِدِجْلَةَ فضلاً فاغتدت في مُدُودها

حيَاً جُعِلَتْ فيه الحياة فأصبحَتْ
بناتُ الثَّرى قد أنْشِرَتْ من لُحُودها

فمنْ مُبْلِغٌ عنَّا الأمير رسالة
فلا برحتْ نُعْمَاكَ داءَ حَسُودها

بَقِيتَ كما تبْقى معاليك إنها
تبيدُ الهضابُ الشمُّ قبل بُيُودها

رأيْنَاكَ ترعانا بعيْنٍ ذكيَّةٍ
أتَى النَّاسَ طُرّاً نَوْمُهُمْ من سُهُودِها

هي العينُ لم تُؤْثِرْ كَرَاها ولم يزلْ
تَهَجُّدُها أوْلى بها من هُجُودها

ونُعماك في هذا الوزير فإنَّنا
نعوذُ بنعمى ربِّنا من جُحُودها

وكيف جُحُود الناس نعماءَ مُنْعِمٍ
تَنَاغَى بها أطفَالُهُمْ في مُهُودها

لَعمري لقد قَلَّدْتَهُ الأمرَ كافياً
يَلَذُّ التي أعْيَتْ شفاءَ لدُودها

وزيرٌ إذا قاد الأمُورَ تتابَعَتْ
فأصْبَحَ آبِيها جنيبَ مَقُودِها

أخو ثِقةٍ لو حارب الأُسْدَ أذْعَنَتْ
أو الجنَّ ذلَّتْ بعد طولِ مُرُودها

مَليٌّ بأنْ يغشَى الغِمَارَ وأنْ يَرى
مصادِرَها بالرأْي قبْل وُرُودِها

وذو طاعة للّه في كل حالة
ومعصيةٍ للنفس عند عُنُودها

صَدُوعٌ بأحكام الكِتَابِ مُعَوِّدٌ
عَزَائمَهُ التوْقِيفَ عند حُدُودها

وَهَتْ قُبَّةُ الإسلام حتى اجْتَبيتَهُ
فقد أصْبَحَتْ مَعْمُودَةً بِعَمُودها

بآرائه أضحَتْ سيُوفكَ تُنْتَضى
فَتُغْمَدُ من هَامِ العدا في غُمُودِها

غَدا خَيْر ذِي عَوْنٍ لسيِّدِ أمَّةٍ
وَأَكْلأَ ذي عَيْنٍ لِسَرْحِ مَسُودِها

كفى كلَّ ما تَكْفي الكُفَاةُ مُلوكَها
بِنُجْحِ مساعِيها ويُمْنِ جُدُودها

فقد أخمد النِّيران بعد اسْتِعارِها
وقد أوقَدَ الأنْوارَ بعد خُمودها

ويكْفيه إن خانَ الشهادةَ خائنٌ
بما اسْتَشْهَدَتْ آثارُه من شُهُودها

أتانا ودُنيانا عجوزٌ فأصبَحَتْ
به ناهِداً في عُنْفُوانِ نُهودها

فقدْ قُيِّدَتْ عنَّا المخاوفُ كلُّها
وقد أُطْلِقَتْ آمالُنا مِنْ قُيودها

بذِي شِيَمٍ يُصبيكَ حُسنُ وُجُوهِهَا
ولِينُ مَثانِيها وجَدْلُ قُدُودها

حمانا وأرْعانا حِمَى كلِّ ثرْوَةٍ
وأبْدَلَنا بيضَ الليالي بسُودِها

فأَضْحى ولو تَسْطِيعُ كلُّ قبيلةٍ
وَقَتْ نَعْله مَسَّ الثَّرَى بخدُودها

تَأَلَّف وَحْشِيَّ القُلوب بلْطفِهِ
فأضْحَى مُعَادِيهَا لهُ كَوَدُودِها

وفَى وَعَفَا عن كلِّ صاحِبِ هفْوَةٍ
وكابَدَ ما دون العُلا من كُؤُودها

بنفْسٍ أبتْ إلا ثَباتَ عُقُودِها
لمنْ عَاقَدَتْهُ وانْحِلالَ حُقُودها

ألاَ تلْكُمُ النفْسُ التي تَمَّ فضْلُها
فما نَستَزِيدُ اللّه غيْرَ خُلُودها

وإن عُدَّتِ الأحْسَابُ يوماً فإنَّمَا
يُعَدُّ مِن الأحْساب رَمْلُ زَرُودِها

مَفاخِرُ عنْ آبائِهِ وبِنَفْسِه
نُفُودُ حصى الإحْصَاءِ قبل نُفُودها

تداركَ إسماعيلُ للعَربِ العُلاَ
فعادتْ لإسمَاعِيلِها ولِهُودِها

فتىً من بني شيْبانَ في مُشْمَخِرَّةٍ
شَدِيد على الرَّاقِي رُقيَّ صُعُودها

نَمَتْهُ من العَلْيا جبالُ صُقُورها
وحفّت جَنَابيْهِ غِيَاضُ أُسُودها

فتىً لعطاياه وفودٌ تَؤمُّها
فَإن قعدُوا كانت وفُودَ وُفُودها

إذا بَدْءُ ما أعْطَى أنَامَ عُفَاتَهُ
سرى عَوْدُهُ مُسْتَيْقِظاً لِرُقُودها

وَلَمَّا رَحَلْتُ العِيسَ نحو فِنَائه
ضَمِنْتُ عليه عِتْقَهَا من قُتُودِها

أمِنْتُ على نعمائه رَيْبَ دهرِه
وَلِمْ لا وذاك العُرْفُ بعضُ جُنُودِها


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:12 PM
بدا الشيبُ في رأسي فَجَلَّى عَمَايتي
كما كشفتْ ريح غماماً تَطَخْطَخَا

ولا بدّ للصبح الجلِيّ إذا بدت
تباشيْره أن يسلخ الليل مسلخا

وأضحت قناةُ الظَّهْر قُوِّسَ متْنُها
وقد كان معدولاً وإن عشتُ فخخا

وأحدث نقصانُ القُوىَ بين ناظري
وسمعي وبين الشخصِ والصوت بَرْزخا

وكنت إذا فَوَّقتُ للشخص لَمحَتي
طوتْ دونه سَهْباً من الأرض سَرْبَخَا

وكنتُ يناديني المنادي بعَفْوِهِ
فَيَغْتَالُ سمعي دون مَدْعَاهُ فرسخا

فحالَتْ صروفُ الدهر تنسخ جِدَّتي
وما أُمْلِيَتْ من قبلُ إلا لتُنْسَخا

وأصبحتُ عَمَّا للفتاة مُوَقَّراً
وقد كنت أيام الشباب لها أَخَا

وما عَجَبٌ أن كان ذاك فإنه
إذا المرء أشْوَتْهُ الحوادثُ شَيَّخَا

بَلَى عجبٌ أني جَزعت ولم أكن
جَزوعاً إذا ما عضَّهُ الدهرُ أَخَّخَا

عَزَاءَكَ فاذكرهُ ولا تنس مِدْحةً
لأَبْلَجَ يحكي سُنَّة البدر أبلْخَا

له سِيمِياءٌ بين عَيْنَيْ مُبَارَكٍ
إذا ما اجتلاها رَوْعُ ذي الروع أفْرَخَا

صَريخٌ لو اسْتَصْرخْتَه يا ابن طاهرٍ
على الدهر إذ أخنى عليك لأَصْرخا

من المُصْعَبيين الذين تفرَّعوا
شَمَاريخَ أطْوادٍ من المجد شُمَّخا

أُناسٌ متى ساءلت نَافَس حظَّهمْ
بأيَّامهم في الجود والبأس بَخْبَخَا

إذا ما المساعي أُجْريَتْ حلباتُها
بَدَوْا غُرراً في أَوجُه السَّبْق شُدَّخا

بِهم جُعِل المجدُ التَّليدا مُصَدَّراً
وليس بإنْسيٍّ سواهم مُؤَرَّخا

تَعَدَّ وأسرف في مديح ابن طاهرٍ
فلست على الإِسراف فيه مُوَبَّخَا

أبو أحمدٍ ليثُ البلاد وغيثها
إذا حطْمَةٌ لم تُبق في العظم منقخا

فتى لم يزل في رأس علياءَ دونها
بمَرْقَبة باضَ الأُنُوقُ وفَرَّخا

إذا راح في رَيَّا نَثَاه حسبتَه
هنالِك بالمسك الذَّكيِّ مُضَمَّخا

يُنِيخُ المَطيَّ الراغبون ببابه
ولو لم ينيخُوه إذن لَتَنَوّخا

تَظلّ متَى صافحتَ أسْرارَ كَفِّه
تَمَسُّ عيوناً من نَداهُنَّ نُضَّخَا

إذا وَعَدَ اهْتزت له الأرض نَضْرَةً
وأنبت منها كلُّ ما كان أسْبَخا

وإن أوْعَدَ ارتَجَّت فإن تمَّ سُخطهُ
تهاوت جبال الأرض في الأرض سُوَّخا

ولستَ تُلاقي عالماً ذا براعةٍ
بأبرَعَ منه في العوم وأرسخا

ولم تر ناراً أوقدت مثل ناره
لدى الحرب أشوى للأعادي وأطْبخا

كفى زمناً أدّى الأميرَ وأَهْلَه
به وبهمْ إن حاول البَذْخَ مَبْذَخَا

هو الطِّرْفُ أجرتْه الملوك ومسَّحت
قديماً له وجهاً أغرَّ مُشَمْرَخَا

إذا هو قاد المُصعبيين فاغتدَوا
جَحَاجحَةً تَهْدي غَطاريف شُرَّخا

فأيَّةَ دارٍ للعدا شاء جَاسَها
وأيةَ أرضٍ للعدا شاء دَوّخا

به أيَّدَ اللَّه الخلافة بعدما
وَهى كُلَّ وَهْيٍ رُكْنُها فتفسَّخا

هو الطَّاهر ابن الطَّاهرين الألى مَضَوْا
ولم يَلْبَسوا عرضاً مُذالاً مُطَيَّخا

ومُسْتَمْنِحِي مدحاً كمدحيه بعدما
تمكَّن إخلاصي له فَتَمَخَّخَا

فقلتُ له عني إليك فلن أرى
هواك لمثلي في رمادك مَنْفَخَا


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:12 PM
قِيلَ لي لمْ ذَمَمْتَ كُلَّ البَرَايَا
وهجَوْتَ الأنَامَ هَجْواً قَبِيحا

قلت هَبْ أَنَّني كذبْتُ عليهم
فأرونِي من يستحقُّ المديحا


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:13 PM
غرَّدَ الطيرُ في الرِّياضِ ونَاحَا
وشكا العشقَ والغرَامَ وباحا

ونسيمُ الشَّمَالِ أهدى سُحيْراً
من شَذَا الزهرِ عَرْفَهُ الفيَّاحَا

واجْتَلَيْنا على الندى والتَّدَانِي
بِكْر دنٍّ برأْسِهَا الشَّيْبُ لاحا

بِنْتُ كرمٍ تُجْلَى لكلِّ كريم
وسَنَا نُورِهَا كسَا الأقداحا

تجلب الأنسَ والسُّرورَ إلينا
كيف لا وهْيَ تُنْشِىءُ الأفراحا

كلما أظلمَ الظَّلامُ علينا
واقتبسنا من نورها مصباحا

أشْرَقَتْ في الكُؤُوسِ كالشَّمْس ليلاً
فحسبنا المساءَ منها صَباحا


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:13 PM
خَلّ الزمانَ إذا تَقَاعَسَ أوْ نَجَحْ
واشْكُ الهمومَ إلى المُدامةِ والقدَحْ

واحفظْ فؤادَك إنْ شَربتَ ثلاثةً
واحْذَرْ عليهِ أنْ يطِيرَ من الفرحْ

هذا دواءٌ للهُمُومِ مُجَرَّبٌ
فاسْمَعْ نصيحَةَ حازِمٍ لك قدْ نَصَحْ

ودع الزمانَ فكَمْ نصيحٍ حازمٍ
قد رام إصلاحَ الزمان فما صَلَحْ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:14 PM
الطَّرْفُ يقْطِفُ من خدَّيْكَ تُفَّاحَا
والثَّغْرُ منك يَمُجُّ المسْكَ والرَّاحا

أصبحْتَ للشَّمسِ شمْساً غير آفلةٍ
حُسْناً كَمَا قمراً تُمْسِي ومِصْبَاحا

لا عذَّبَ اللّه ذاك الوجْهَ منكَ وإنْ
عَذَّبْتَ بالهجْرِ أجساماً وأرواحا

يا مُغْلِقاً كلَّ بَابٍ منْه عن فَرَجِي
تركتَ للسُّقْمِ في أحْشَايَ مفْتَاحا


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:14 PM
ازْجُرِ القلبَ إذا القلبُ جَمَحْ
وارْدَع الطرف إذا الطرفُ طمحْ

واصْرِفِ النفس إلى عَدنِيَّةٍ
ذَاتِ غُنْج ودلال ومَرَحْ

زانَها اللَّهُ بِخَدٍّ مُشْرِقٍ
لو مَشى الذَّرُّ عليه لَجُرحْ

لو بَدَتْ غُرَّتُها مِنْ خِدْرِها
قلتَ بَرْقٌ في ذُرا المُزن لمحْ

أو رآها البدرُ في مَطْلَعِهِ
لاكْتَسَى ذُلّاً وهَوْناً وافْتَضَحْ

فَازَ مَنْ عَاطَتْ يَداها يَدَهُ
عَاتقَ الرَّاح بكَأسٍ وقَدَحْ

بِبَنانٍ كَمَدَارِي فضَّةٍ
طُرِّفَتْ بالنُّورِ في مجرى السُّبَحْ

كُلَّما سُرَّ بِهَا قالتْ له
زادَكَ اللَّهُ سروراً وفرحْ

يا حبيبي ومَدَى أمْنِيَّتي
بك زادَ العيْشُ طِيباً وصَلَحْ

وهما في رَوْضَة عَدنِيَّةٍ
يفْسَحُ الطَّرْفُ مداها ما انفسحْ

تَتَغَنَّى الطيْرُ في حَافَاتِها
بِلُحُونٍ تدع القلب فَرِحْ

ونسيمُ الريح يهدي لهما
نَفَحَاتِ الورد من تِلْكَ الفُسَحْ

عُوِّضَتْ عيناهما قُرَّتَهَا
ثَمَنَ الدَّمْع الذي كان سُفِحْ



ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:15 PM
ألاَ ليْسَت الدنْيَا بدار فلاحِ
بِعَيْنيْكَ صرعاها مساءَ صباح

لنا من كلا العصرين ساقٍ كلاهُما
يَدُورُ فيسقينا بَكَأسِ ذُبَاحِ

أُرانِي وأُمّي بعد فِقْداَنِ أُخْتِهَا
وإنْ كنتُ في رَفْهٍ بها وَصَلاَح

كَفَرْخ قطاةِ الدَّوّ بانَ جَنَاحُهَا
فباتَ إلى حِصْنٍ بِغَيْرِ جَنَاحِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:16 PM
عقيدَ النَّدى أطلِقْ مدائح جمّةً
حبائس عندي قد أَتَى أن تُسرَّحا

ولم أحتَبِسها إذ حبستَ مثوبتي
لأن مديحاً لم يجد بعدُ مَمْدحا

ولا أن بيتاً في قريضي مثبَّجاً
أخاف لدى الإنشاد أن يُتصفَّحا

وما كان فيما قلت زيغٌ علمتُهُ
فأرجأتُهُ حتى يقامَ ويُصلَحا

ولكنَّ لي نفس عليك شفيقةٌ
تحاذر وِجدانَ العدا فيك مَقْدحا

إذا استشهدتْ ألحاظُهم عند مُنشَدي
شواهدَ وجدٍ إنْ تعاجمتُ أَفْصحا

فأدَّى إليهم كلَّ ما قد علمتَه
رُواءً إذا ورَّى لسانيَ صرّحا

هنالك يُنْحِي الحاسدون شِفارَهم
لِعرضٍ مُناهم أن يَرَوْا فيه مَجْرحا

فَتُلْحَى لعمري في ثوابٍ لويتَه
وأنت امرؤ في الجود يلحاك من لحَا

وكنت متى يُنشَدْ مديحٌ ظلمتَه
يكن لك أهجى كلما كان أَمْدحا

إذا أحسن المدحَ امرؤ كان حُسْنُه
للابِسِه قبحاً إذا هو أقبحا

ومبتسمٌ للمدح في ذي مروءةٍ
فلما درى أنْ لم يثوِّبه كلَّحا

رأى حسناً لاقاهُ جازٍ بسيِّئٍ
فهلّل إكباراً لذاك وسبَّحا

غششتُك إن أنشدتُ مدحِيك عاطلاً
وعرَّضْتُك اللُّوَّام مُمْسىً ومُصْبَحا

ولستُ براضٍ أن أراه مطوَّقاً
من العرف طوقاً أو أراه موشَّحا

لأبهِجَ ذا ودٍّ وأكبتَ حاسداً
مَسوءاً بما تُسدي وأُهْدي مُترَّحا

وأدفع لؤماً طالما قد دفعتُه
بجهدي فأمسى عن ذَرَاكَ مزحزحا

مودّةُ نفسٍ شُبتُها بنصيحةٍ
وأنت حقيقٌ أن تُوَدَّ وتُنْصحا

وإن كنتُ ألقى ما لديك ممَنَّعاً
ويلقاه أقوامٌ سواي ممنَّحا

فيا أيها الغيثُ الذي امتدّ ظله
رُواقاً على الدنيا وصاب فَسَحْسحا

ويا أيها المرعى الذي اهتزَّ نبتُه
وَبَكّر فيه خصبُه وتَروَّحا

عذرتُك لو كانت سماءٌ تقشَّعت
سحائبها أو كان روضٌ تَصوَّحا

ولكنها سُقْيا حُرمتُ رويَّها
وعارضُها مُلقٍ كلاكل جُنَّحا

وأكلاء معروفٍ حُمِيتُ مريعَها
وقد عاد منها السهل والحَزنُ مسْرحا

عَرضتُ لأَذوادي وبحرُك زاخرٌ
فلما أردن الوِرْدَ ألفَينَ ضَحضَحا

فلو لم تَرد أذوادُ غيري غِماره
لقلت سرابٌ بالمتان تَوضَّحا

فيا لك بحراً لم أجد فيه مشرباً
وإن كان غيري واجِداً فيه مَسْبحا

سأَفخر إذ أعطانيَ الله مَفخراً
وأبجحُ إذ أعطاني الله مَبْجَحا

مديحي عصا موسى وذلك أنني
ضربتُ به بحر الندى فتضحضحا

فيا ليت شعري إن ضربتُ به الصَّفا
أيَبعث لي منه جداولَ سُيَّحا

كتلك التي أبدت ثرى البحر يابساً
وَشَقَّت عيوناً في الحجارة سُفَّحا

سأمدح بعض الباخلين لعلَّه
إن اطّرَدَ المقياسُ أن يتَسمّحا

ملكتَ فأسجح يا أبا الصقر إنه
إذا ملك الأحرار مثلُك أسجحا

تقبّل مديحي بالندى مُتقبَّلاً
أو اطرحه بالمنع المبيَّن مطرحا

فما حقُّ من أطراك ألا تثيبه
إياساً ولا يأساً إذا كان أروحا

ألم ترني جُمَّت عليك قريحتي
وكان عجيباً أن أُجِمَّ وتنزحا

فآونةً أكسوك وَشْياً محبَّراً
وآونة أكسوك ريطاً مُسيَّحا

محضتُك مدحاً أنت أهلٌ لمحضه
وإن كان أضحى بالعتاب مُضَيَّحا

وهبنيَ لم أبلغ من المدح مَبْلغاً
رضيّاً ألمْ أكْدَح لذلك مَكْدحا

بلى واجتهادُ المرءِ يوجب حقَّه
وإن أخطأ القصدَ الذي نحوَه نحا

أتاك شفيعي واسمه قد علمتَه
لتُرجِعه يدعى به وبأفْلحا


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:16 PM
تُفيء الأُيورُ على أهلها
من الغُنم ما لا تفيء الرماحُ

بعينيك فرسانُها الذائدو
ن عن بَيْضة الملك لا تُسبتاحُ

جياعاً نِياعاً ذوي فاقة
يُباع لهم بالبتات السلاحُ

وأنت ابن خلِّ وراقوده
إلى بابك المفتدى والمُرَاحُ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:17 PM
أما الزمانُ إلى سلمى فقد جَنَحا
وعاد معتذراً من كل ما اجْتَرَحا

وليس ذاك بصُنْعي بل بصنع فتى
ما زال يُدني بلطف الصنع ما نزحا

مباركُ الوجه ميمونٌ نقيبتُهُ
يُوري الزنادَ بكفَّيه إذا قدحا

به غدوتُ على الأيام مقتدراً
فقد صفحتُ عن الأيام أن صَفحا

رفعت منه رفيع الذكر ممتدَحاً
ألفى أباه رفيع الذكر ممتَدحا

مُعطىً لسانَ فمٍ معطىً لسان يدٍ
إنْ أجملا فصّلا أو فسَّرا شرَحا

لو أن عبد الحميد اليوم شاهدَه
لطان بين يديه مُذعِناً وسَحا

ضربتُ شعري عن الكتَّاب قاطبةً
صفحاً إليه ومثلي نحوَه جَنحا

إياه كانت تراعي همتي وله
كانت تصون أديم الوجه والمِدَحا

أَتأَرْتُ عيني سوادَ الناس كلِّهِمِ
فما رأيتُ سواه فيهمُ وضَحَا

يَفْدي أبا الصقر إن قاموا بفديته
قومٌ إذا مَذقوا أفعالَهم صَرحا

فرعٌ تفرَّع من شيبانَ شاهقةً
مَنْ ساورتْها أماني نفسِه نجحا

واهتزّ في نَبْعة صمّاء ما عَرفت
سهلاً ولا رَئِمت سيلاً وإن طَفحا

لا تشربَ الماءَ إلا من ذؤابتها
إذا الغمام عليها من علٍ نَضحا

فات المذاكيَّ في بدءٍ وفي عَقِب
سبْقاً إلى الغاية القصوى وما قرِحا

فتىً إذا شئت لا جهْلاً ولا سفهاً
كهلاً إذا شئت لا شيباً ولا جَلَحَا

فَتَّاهُ شرخٌ شبابيٌّ وكهَّله
حِلمٌ إذ شال حلمٌ ناقصٌ رجَحا

في وجهه روضة للحسن مونِقةٌ
ما راد في مثلها طرفٌ ولا سَرحا

طَلُّ الحياءِ عليها واقع أبداً
كاللؤلؤ الرطب لو رقرقتَه سَفحا

وجهٌ إذا ما بدت للناس سُنَّتُهُ
كانت محاسنُهُ حَوْلاً لهم سُبَحَا

أنا الزعيم لمكحولٍ بغُرَّتِهِ
ألّا يرى بعدها بؤساً ولا ترحا

ممن إذا ما تعاطى نيل مكرمة
نالت يداه مَنال الطرف ما طمحا

لو يخطِبُ الشمسَ لم ترغب ببهجتها
عن خير من خطب الأزواجَ أو نكحا

مهما أتى الناسُ من طَول ومن كرمٍ
فإنما دخلوا الباب الذي فتحا

لاقى الرجالُ غبوقَ المجد فاغتبقوا
منه ولاقَى صبوحَ المجد فاصطبحا

خِرقٌ به نشوةٌ من أريحيَّتِهِ
هيهات من منْتشيها أن يقال صحا

يعطي المزاحَ ويعطي الجد حقَّهما
فالموتُ إنْ جدَّ والمعروف إن مزحا

ممن إذا كان لاحِي البخلِ يَعذِره
فما يبالي بِلاحي الجود كيف لحى

إن قال لا قالها للآمرين بها
ولم يقلْها لمن يستمنِح المِنحا

يا بُعْد معناه من معنى اللئام إذا
شَحَوْا بلفظة لا أفواههم وشَحا

لو لم يزد في بسيط الأرض نائلُهُ
لضاق منها علينا كلُّ ما انفسحا

أضحت بجدواه أرضُ الله واسعةً
أضعافَ ما مدَّ منها ربُّها ودَحا

فلاقحاتُ الأماني قد نُتِجْنَ به
وحائلات الأماني قد طوت لَقَحا

لو أن أفعاله الحسنى غدت شِيَةً
للمجد ما عَدَتِ التَّحْجيل والقُرحا

لا تحمدنَّ بليغاً في مدائحه
أفعالُه فسحت في مدحه الفُسَحا

ولو تجاوزه المُدَّاحُ لم يجدوا
في الأرض عنه ولا في القول مُنتدَحا

بُزُرْجُمُهْرُ بني العباس رُسْتُمهم
جلمود خَطْبَيْن ما صكُّوا به رَضحا

ماضي الأداتين من سيف ومن قلم
كبش الكتابة كبش الحرب إن نطحا

وافى عُطاردَ والمريخَ مولدُه
فأَعطَياه من الحظَّينِ ما اقترحا

لهُ من البأسِ حدٌّ لو أشار به
إلى الحديد على علّاتِهِ فلَحا

ويُمن رأيٍ ورفقٍ لو مشى بهما
بين الأنيس وبين الجنَّة اصطلحا

في كفّه قلم ناهيك من قلم
نُبْلاً وناهيك من كف بها اتشحا

يمحو ويثبت أرزاقَ العباد به
فما المقادير إلا ما وحى ومحا

كأنما القلم العُلْويُّ في يده
يُجريه في أيِّ أنحاء الأمور نحا

هذا وإن جمحَت هيجاءُ أَقمحها
نِكْلاً من الشرِّ ما يَكْبَحْ به انكَبحا

يغشَى الوغى فترى قوساً ونابلها
إذ لا تزال ترى قوساً ولا قُزَحَا

ذو رميتين مفدَّاتين واحدة
تصمي الرمايا وأخرى تُوصل المِنحا

يغلغل النبل في الدرع التي رُتقت
رتقاً فلو صُبَّ فيها الماءُ ما رشحا

ويطعن الطعنة النجلاء يتبعها
شخبٌ دَرير إذا لاقَى الحصى ضَرحا

ويضرب الهام ضرباً لا كِفاءَ له
ترى لما طار منه موقعاً طرَحا

لمثل ذلك في الهيجاء من عملٍ
أنحى على الأدواتِ القينُ واجْتَنَحا

يصول منه بمن عادَى خليقتَهُ
وَرْدُ السِّيالِ ترى في لونه صَبَحَا

ليثٌ إذا زأر الليث الهِزَبْر له
لم يحسب الليثَ إلا ثعلباً ضَبحا

عادَى فبادى العدا فيه عداوتَه
ولم يُخافتْ بها نجواه بل صدحا

وقال إذ قعقعوا شَنَّ الوعيد له
لن يرهبَ الليثُ ضأناً قعقعت وذحا

يا من إذا ضاقت الأعطانُ في هَنَةٍ
زادت شدائدُها أعطانَه فَيَحا

ليَهْنَأ الملكَ أن أصلحتَ فاسده
وأن حرست من الإفساد ما صلحا

رددتَهُ جعفريَّ الرأي بعد هوىً
في الواثقيَّة لو لم تثنه جمحا

بِيَارَشوخٍ وفتيانٍ لهم قَدَمٌ
فيمن وَفَى لمواليه ومن نصحا

يا رُبَّ رأيٍ صوابٍ قد فتحتَ لهم
لولاك يا فاتح الأبواب ما انفتحا

ولم تزل معهم في يوم وقعتهم
بالحائنين ونابُ الحرب قد كَلحا

حتى أدِلْتُمْ وهبّتْ ريح نصركمُ
وخاب وجه عدو الحق وافتضخا

وما بغيتم ولكن كنتمُ فئةً
سقيتمُ من بَغى الكأس التي جَدَحا

شهدتُ أن عظيم الترك يومئذٍ
بِيُمنِكَ افتتح الفتحَ الذي فتحا

ما كان إلا كسهمٍ سدَّدته يدٌ
فما تلعثم ذاك السهمُ أن ذبحا

بَصَّرْتَهُ رشْدَه في نصر سادته
بضوء رأيك حتى بان فاتضحا

فليشكروا لك أن كابدتَ دونهمُ
تلك الغمارَ التي تُودي بمن سبحا

نصرتَهُمْ بلسانٍ صادقٍ ويدٍ
قولاً وصَولاً ولقَّيتَ العدا تَرحا

حتى أفأتَ عليهم ظلَّ نعمتهم
عَوداً كما فاء ظلٌّ بعدما مَصحا

ببعض حقك أنْ أصبحت عندهُمُ
مُشاوَرَاً في جسيم الأمر مُنْتَصَحا

أنت الذي ردَّ بعد الله دولتَهم
فليُوفَ كادحُ صدقٍ أجرَ ما كدحا

لولاك ما قام قطب في مُرَكَّبِهِ
أُخرى الليالي ولا دارت عليه رحى

بك استقادتْ مطايا الملك مذعنةً
وأردف الصعبُ منها بعدما رَمَحا

نفسي فداؤك يا من لا مؤمِّله
أكْدى ولا مستظِلٌّ في ذَراه ضَحا

لولاك أصبح في بدوٍ وفي حضرٍ
ديوانُ أهلك بين الناس مطَّرَحا

أضحى بك الشعر حيّاً بعد مِيتَتِهِ
إلا حُشاشةَ نفسٍ عُلِّقت شبحا

لا يسلب الله نعمى أنت لابِسُها
فما مشيتَ بها في أرضه مرحا

كم كاشح لك لا تُجدي عداوته
عليه ما عاش إلا الوَريَ والكَشَحا

ممن ينافس في العلياء صاحبَها
ولو تحمَّل أدنى ثِقْلِها دَلحا

تُعْشِي بضوئك عينيه فَيَنْبَحُهُ
ليَنبَحِ الكلبُ ضوءَ البدر ما نبحا

لما تبسم عنك المجدُ قلت له
قهقِهْ فلا ثَعَلاً تُبدي ولا قلحا

أجراك مُجرٍ فما أخزيت حلبته
بل وجه أيِّ جوادٍ سابقٍ سبحا

قال الإمام وقد درَّت حلوبته
بمثلك استغزَرَ المستغزِرُ اللَّقحا

أتاك راجيك لا كفٌّ له مَرِنت
على السؤال ولا وجه له وَقُحا

على قَعودٍ صحيح الظهر تامِكِهِ
ما كَلَّ من طولِ تَرْحالٍ ولا طَلحا

فانظر إليه بعينٍ طالما ضَرَحتْ
عنها قذى خَلَّة المختل فانضرحا

فما يُجلِّي الذي تكنى به قنصاً
كما تُجَلِّي ابنَ حاجات إذا سنحا

بل طرفُ عينيك أذكى حين تَثْقُبُهُ
للمجد من طرف عينيه إذا لمحا

بك افْتَتحْتُ ونفسي جدّ واثقةٍ
ألا أقول بغبٍّ ساء مفتَتحا

أمطِرْ نداك جنابي يكسُه زهراً
أنت المُحَيَّا بريَّاه إذا نفحا

إن أنت أنهضت حالي بعدما رزَحتْ
فأنت أنهضت ملكاً بعدما رزحا

لا بِدْع أن تُنْهِضَ الرَّزْحَى وتُنْعِشَهُمْ
وأن تَحمَّل عنهم كل ما فدحا

كأنني بك قد خوّلتني أملي
وأنت جذلانُ مملوءٌ به فرحا

أثني عليك بنُعماك التي عَظُمت
وقد وجدت بها في القول منفسَحا

أقول فيما أجيب السائلين به
أيَّانَ ذلك والبرهان قد وضحا

لاقيتُ من لا أبالي بعده أبداً
من ضنَّ عني بمعروفٍ ومن سمحا

ألقيتُ سَجْلِيَ منه إذ مَتَحْتُ به
إلى كريم يُرَوِّي سَجْلَ من مَتَحا

فاضت يداه إلى أن خلتُ سَيْبَتها
بحرين جاشا لحين المدِّ فانتطحا

وجاد جودين أما الكفُّ فانبسطت
بما أنالَ وأما الصدرُ فانشرحا

ورُبَّ معطٍ إذا جادْت أنامله
ضنَّ الضمير بما أعطى وما منحا

عَفَّى كلومَ زماني ثم قلَّمه
عني فأحفاه ثم اقتصّ ما جرحا

وما تصامم عني إذ هتفتُ به
كالناظرين بصوت الهاتف البَحَحا

يا عائفَ الطيرِ من طلّاب نائله
لايُثْنِيَنَّك عنه بارحٌ بَرَحا

عِفِ الثَّناء الذي تُثني عليه به
ولا تَعِف باكراتِ الطير والرَّوَحَا

فإن قَصْرك أن تلقى بعَقْوته
بحراً من العُرف لا كَدْراً ولا نزحا

إذا الوَنَى قيَّد الحَسْرى وعقَّلها
فيمَّمَتْهُ استفادت في الخطا رَوَحا


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:17 PM
شعراتٌ في الرأس بيضٌ ودعْجُ
حلّ رأسي جِيلان روم وزنجُ

طار عن هامتي غراب شباب
وعَلاه مكانَهُ شاهُمُرْجُ

حلّ في صحن هامتي منه لونا
ن كما حلّ رقعةً شَطرنجُ

أيها الشيب لِم حللتَ برأسي
إنما لي عشرٌ وعشرٌ وبَنْجُ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:18 PM
ومجردٍ كالسيف جَرَّد نفسه
لمجرّد يكسوه ما لا يُنسَجُ

ثوبٌ تمزِّقه الأناملُ رقةً
ويُذيبه الماء القَراح فينْهَجُ

فكأنه لما استوى في خصره
نصفان ذا عاجٌ وذا فيروزجُ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:18 PM
مدحتُك مختاراً فلم تكُ طائلاً
فلا تَلْحَيَنِّي إنْ هجوتُك مُحْرَجا

إذا مادحٌ أرَّقْتَ عينيهِ باطلاً
كواكَ بمكْواة الهِجاء فأنضجا

فإن قلت سَمْجٌ ما أتيتَ فصادقٌ
وبخسُك حقّي كان من قبلُ أسمجا

على أنه لا ذنب عند ذوي النُّهى
لناقِد أرضٍ عرَّفَ الناسَ بهرجا

رأى الناسَ يغترُّون منك بظاهرٍ
كذوبٍ فجلَّى منْ غرُورِك ما دَجَا

هجاكَ فلم يترك رجاء لمَنْ رجا
جداكَ ولا بقَّى هجاءً لمن هجا

وقد كان من يرجوك في سجن حيرةٍ
فأَوجَدَهم مِن ذلك السِّجْنِ مخرجا

ألا رُبَّ غِرٍّ باعك النومَ لَيْلَهُ
وراقبَ ضوء الفجر حتى تبلّجا

يدبِّجُ فيك الشعر ضَلّ ضلالهُ
فكافأتَ بالحرمانِ ما كانَ دَبَّجَا


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:19 PM
عيني إلى من أحبُّ تَخْتَلِجُ
والصبر عن حسن وجهه سَمِجُ

طال اشتياقي إلى مُنَعَّمَةٍ
يستعبد القلبَ طرفُها الغَنِجُ

لو طلعتْ في الظلام غُرَّتُها
ظلت سُتُورُ الظلام تنفرجُ

متى أرى خَلْوةً يظلُّ بها
ريقِي بريق الخليل يمتزجُ

يا حُورُ ما للحبيب يفعل بي
أشياء لا يستحلُّها الحَرَجُ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:20 PM
لها ناظرٌ بالسحر في القلب نافثُ
ووجهٌ
تَنُوء به كثبانُ رمل أواعِثُ

يُجاذِبها عند النهوض وينثني
بأعطافها فرعٌ سُخامٌ جُثاجِثُ

كأن صباحاً واضحاً في قِناعها
أناخَ عليه جُنْحُ ليلٍ مُغالثُ

وتبسِمُ عن عِقدين من حَبِّ مزنةٍ
به ماثَ صفوَ الراح بالمسك مائثُ

يغَصُّ بها الخَلخال والعاجُ والبُرى
وأثوابُها بالخَصْر منها غَوارثُ

ربيبة أتراب حِسان كأنها
بناتُ أَداحٍ لم يَشْنهنَّ طامثُ

غرائرُ كالغِزلان حورٌ عيونُها
رخيماتُ دَلٍّ ناعماتٌ خَوانثُ

يَعِدنْ فما يُنجزنَ وعداً لواعدٍ
وهن لميثاق الخليل نواكثُ

غَنِيتُ بها فيهنَّ والشملُ جامعٌ
وأغصانُ عيشي مورقاتٌ أَثائثُ

وللهو مُهتادٌ أنيقٌ وللصبا
مَغانٍ بِهنَّ الغانياتُ لوابثُ

يُمنِّيننا منهنَّ نجحَ مواعدٍ
أكفٌّ بحباتِ القلوب ضَوابثُ

وأعيانُ غِزلانٍ مِراضٍ جُفونُها
لواحظُها في كل نفسٍ عوائثُ

إذا هن قرَّبن الظما من نفوسنا
إلى الرِّيِّ تُلقَى دون ذاك الهنَابثُ

ويحلفنَ لا ينقُضنَ في ذات بيننا
على الدهر معهوداً وهنَّ حوانثُ

وإن نحن أبرمنا القُوى من حِبالنا
أبى الوصلَ دهرٌ بالمحبين عابثُ

ومختلفاتٌ بالنمائمِ بيننا
نوابثُ عن أسرارنا وبواحثُ

يباكرنَ فينا نجعةَ العتبِ بيننا
كما انتجع الوِردَ العِطاشُ اللواهثُ

فبدَّد منّا الشملَ بعد انتظامِهِ
صروفٌ طوتْ أسبابنا وحوادثُ

وكلُّ جديدٍ لا مَحالةَ مُخلِقٌ
وباعثُ هذا الخَلْقِ للخلقِ وارثُ

وهنَّ الليالي حاكِماتٌ على الورى
بنقضٍ ولا يبقى عليهن ماكثُ

وَمَنْ لم ينلْ مُلكَ المكارمِ باللُّهى
فأموالُهُ للشامتينَ مَوارثُ

يسود الفتى ما كان حشوَ ثيابهِ
حِجاً وتُقىً والحلمُ من بعدُ ثالثُ

وغيثٌ على العافينَ منهمرُ الحيا
وليثٌ هصورٌ للعُداة مُلائِثُ

وصفحٌ وإكرامٌ وعقلٌ يَزينُهُ
خلائق لا يَخْزَى بهن دمائثُ

وكَفَّانِ في هذي رَدَى كل ظالمٍ
وفي هذه للمُستغيث مَغَاوثُ

فكن سيداً ذا نعمةٍ غيرَ خاملٍ
وصُن منكَ عِرْضاً أن يسبَّك رافثُ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:20 PM
أَغصانُ بانٍ تحتهنَّ وِعَاثُ
أَنَّى يَنُؤْنَ بنا وهُنَّ دِماثُ

ما في حبائل كيدِهنَّ رَثاثةٌ
لكنْ حبالُ وصَالهنَّ رِثاثُ

حورٌ سحرنَ وما نَفَثنَ بِرُقيةٍ
فبلغنَ ما لا يبلغُ النُفَّاثُ

لحظاتُهنَّ إذا رنونَ إلى الفتى
بلوى ولكنْ ريقُهنَّ غياثُ

قل للفُضيل إذا انتحى في نسجه
لا تَنسجنَّ فغَزلُك الأنكاثُ

لهفي على سبك البريةِ في لظى
لتُميَّزَ الصفواتُ والأخباثُ

فخرا فإنك حين تُذكر في الورى
واقلِبْ كمثل المِسك حين يُماثُ

أفعالُك الأنجاسُ غيرَ مُدافعٍ
عنها كما أقوالُك الأرفاثُ

وإذا سألت الناسَ عنك ولم تكنْ
لتطيبَ حين يُثيرُك البحَّاثُ

قالوا فَتى الكُتَّاب إلا أنهُ
من شَرْطهِ الأنصافُ والأثلاثُ

ما إن تزالُ قَنا العبيد صوادراً
عنه على أطرافها الأَرواثُ

لفضيحةٍ أبداً يُحَلُّ إزارُهُ
وعلى الحُلاق مع البِغاء يُلاثُ

من معشرٍ كَسَبوا الحرامَ فكلُّهُمْ
منهُ شِباعٌ والبطونُ غِراثُ

بل عاملٌ من خلفهِ وأمامِهِ
عَمَلان يُقطع فيهما ويُعاثُ

حُرِبَ العواهرُ بالفياشل فيهما
فصرخنَ لو أنَّ الصريخَ يُغاثُ

لولا الرُّشا منه هنالك والرُّقى
قسماً لما غَلب المبَالَ مَراثُ

هَوِّنْ عليك فإن رِجلكَ شُعبةٌ
من أربعٍ تكفيكَهُنَّ ثلاثُ

لك أن تقومَ على ثلاثك مَرْكباً
وعليَّ أن يتفارسَ الأحداثُ

كم بِتَّ بين أيورهم مُتقسَّماً
حتى كأنك بينها ميراثُ

ما أنت عندي للبلاد بزينةٍ
بل أنت فيها للعبادِ أثاثُ

أنت الفراشُ لمن أضلَّ فراشَهُ
وكذاك طِرزُك للذكورِ إناثُ

يا من سَمادُ قَراحهِ من أرضهِ
لا غيرها وغُلامهُ الحرَّاثُ

يا سوأةً أبداً تُواري سوأة
حتى يواري شخصكَ الأجداث

جَدْعاً لآنُفِ معشرٍ تُضحي لهم
رَيحانةً يا أيها الكُرّاثُ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:21 PM
مطايبُ عيشٍ زايلَتْهُ مخابِثُهْ
ومُقْبِلُ حظٍّ أطلقْته رَوائِثُهْ

ودولةُ إفضالٍ ويُمنٍ وغبطةٍ
كأن حُزونَ الدهر فيها دمائِثُهْ

وغيثٌ أظلّ الأرضَ شرقاً ومغرباً
فقيعانُهُ خُضرُ النبات أَثائثُهْ

فظبيٌ له سِحرانِ طَرفٌ ونَغمةٌ
يُجدُّ بك الإغرامَ حين تعابثُهْ

يُناغمُ أوتاراً فِصاحاً يروقُنا
تأَنِّيه في تصريفها وحثَاحِثُهْ

ويلحظ ألحاظاً مِراضاً كأنها
تُغانجُ من يرنو لها وتُخانثُهْ

فَيسْبيكَ بالسحر الذي في جُفونِهِ
ويُصيبك بالسِّحر الذي هو نافثُهْ

يَحِنٌّ إليه القلبُ وهو سَقامُهُ
ويألفُ ذكِراه الحشا وهو فارثُهْ

يُجيعُ وِشاحَ الدرّ منهُ مَجالُهُ
ويُشبع مِرطَ الخَزِّ منه مَلاوِثُهْ

وقد طلعتْ باليُمن والسعد كلِّه
لنا والثرى ريَّان تندى مباحِثُهْ

ثلاثةُ أعيادٍ فللفطر واحدٌ
وللعُرف ثانيه وللَّهو ثالثُهْ

يُعَيِّدُها فرعٌ من المجد طيِّبٌ
جَناهُ إذا ما الفرعُ جَمَّت خبائثُهْ

ألا فاسقني في الفِطْر كأساً رَويَّةً
لعلَّ لُهاثَ الصوم يُنقَعُ لاهِثُهْ

مُشعْشَعةً يُضحي لها العُودُ ناطقاً
تَنَاغَى مَثانيهِ لنا ومَثالثُهْ

مع ابن وزيرٍ لم يزل ومحلُّهُ
من الفضلِ يرضاهُ النبيُّ ووارِثُهْ

وما كنتُ مكذوباً وما كنتُ كاذباً
لدى الله لو قلتُ النبيُّ وباعثُهْ

من الصالحين المُصلحينَ بيُمنهِ
غدا العيشُ محموداً ولُمَّتْ مشاعِثُهْ

إذا لم يَعِثْ في مالهِ لعُفاتهِ
فما يُعرفُ العَيْثُ الذي هو عائِثُهْ

تَضمَّنَ تذليلَ الزمان فأصبحتْ
أواعِرُهُ ذَلَّت لنا وأواعِثُهْ

وأُيِّدَ بابنٍ مثلهِ في غَنائه
إذا كَثُرت من رَيب دهرٍ كوارثُهْ

أَغرُّ يكنَّى بالحُسين تضمَّنت
محاسنهُ ألا تُغِبَّ مغاوِثُهْ

إذا ما عُبيدُ اللَّه ضاهاهُ قاسمٌ
فثَمَّ قديمُ المجد ضاهاه حادِثُهْ

ألا بُورك الزرعُ الذي هو زارعٌ
من البِرِّ والحرثِ الذي هو حارثُهْ

ويا حالفاً أنْ ما رأى مثلَ قاسمٍ
على ظهريَ الحِنثُ الذي أنت حانثُهْ

بَرِرتَ وعهدِ اللَّه بِرّاً مُبيَّناً
وإن كثُرت من ذي شِقاقٍ هَنابثُهْ

أبى أن يُرى الحقُّ الذي هو باخسٌ
أخاهُ أو العهدُ الذي هو ناكثُهْ

حليمُ عليم إن تجاهلَ دهرُهُ
جوادٌ كريمٌ إن ألحت مغَارِثُهْ

يظلُّ وتدبيرُ الممالِك جِدُّهُ
وبذل العطايا المُنفِساتِ معَابثُهْ

فتى يقتلُ الأموال في سُبل العلا
لتُورثَهُ المجدَ السنِيَّ مَوارثُهْ

ضرورٌ نفوعٌ عاجلُ النفع ثَرُّهُ
على مُعتفيه آجلُ الضَّرِّ رائثُهْ

نهى جودُهُ عن كل سمحٍ وباخلٍ
شَذى القولِ حتى أحسنَ القولَ رافثُهْ

ترى صاحبَيْه ذا سؤالٍ يَميحُهُ
فواضلهُ أو ذا سؤالٍ يُباحِثُهْ

وما يجتني الميسورَ من لا يزورُهُ
ولا اللؤلؤَ المنثور من لا يُحادثُهْ

وإما أغذَّ السيرَ في إثر خُطَّةٍ
فلا العَجزُ ثانيه ولا الشكُّ رائثُهْ

إذا ما تلاقى كيدُهُ وعداتُه
فثَمَّ تلاقى أجدلٌ وأباغثُهْ

وإمّا أراغَ الحزمَ للخطب مرّةً
فلا الحزمُ معييهِ ولا الخطبُ كارثُهْ

أظلُّ إذا لاقيتُ غُرَّةَ وجههِ
ولَيلي نهارٌ ساكنُ الظلِّ ماكِثُهْ

ليقْصُرْ عليه اليوم في ظلّ غِبطةٍ
ولا يَقْصُرِ العمرُ الذي هو لابثُهْ

ولا زال قَصرُ القُفْصِ أعمرَ مَنزلٍ
به وبدهرٍ صالح لا يُماغثُهْ

فما فضلُهُ والمدحُ دعوى ومُدَّعٍ
ولكنْ هما مِسكٌ ذكيٌّ ومَائِثُهْ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:21 PM
ناشدتك اللَّه في قَدري ومنزلتي
لديك لا يتطرَّقْ منهما العبثُ

من صاحبٍ خلطَ الحسنى بسيِّئةٍ
وما الدهاءُ دهاهُ لا ولا اللَّوَثُ

لكن مُزَاحٌ قبيحُ الوجهِ كالِحُهُ
أولى به من بروزِ الصفحة الجَدَثُ

يا من إلى وصله الإسراعُ مُفترضٌ
ومن على وُدّهِ التعويجُ واللَّبَثُ

إن كنتُ عندك قبل اليوم من ذهب
فذلك الصفو لم يعرض له الخَبَثُ

أمرَّ حبلي صَناعُ الكفِّ ماهرُها
فما لمرَّة ذاك الحبل مُنتكَثُ

أنا الذي أقسمت قِدماً خلائقُهُ
ألَّا يشيعَ له سُخفٌ ولا رفَثُ

وحُرمتي بك إن اللَّه عظَّمها
وما أديميَ مما تَقرضُ العُثُثُ

إن الكلام الذي رُعِّثتَهُ شَبَهُ
تستنكف الأُذنُ منه حين تُرتعَثُ

ما كان لي في الذي أنهاهُ زاعِمُهُ
إليك رُقيةُ محتالٍ ولا نَفَثُ

وما سكتُّ اعترافاً بالحديث لهُ
لكن كظمتُ وبي من حرّهٍ لَهثُ

وخِلتُ جبهِيَ بالتكذيبِ ذا ثقةٍ
عُنفاً وإن قال قولاً فيه مُكتَرَثُ

لاسيما ولعلَّ الهزلَ غايتُهُ
لا غيرُهُ ولبذر الجدِّ مُحتَرثُ

ولم أزل سَبِطَ الأخلاق واسعَها
وإن غدوتُ امرأً في لحيتي كَثَثُ

آبائِيَ الرومُ توفيلٌ وتُوفَلِسٌ
ولم يلدنيَ رِبعيٌّ لا شَبَثُ

وما ذهبتُ إلى فخرٍ على أحدٍ
لكنه القول يجري حين يُبتعَثُ

شُحّي عليك اقتضاني العذرَ لا ظمَأٌ
مني إلى مدح أسبابي ولا غَرَثُ

فاحفظ عليَّ مكاني منك واسمُ بهِ
عمّا تُعابُ به الأرواح الجُثَثُ

لا يَحْدُثَنَّ على ما كان لي حَدَثٌ
فإنّ جارك مضمونٌ له الحدثُ

وارفُقْ بخصميَ والمُمْهُ على شَعَثٍ
لا زلتَ ما عشتَ ملموماً بك الشَعَثُ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:22 PM
بَلوتُ عليّاً فألفيتُهُ
وَفِيّاً وألفيتُ قوماً نُكُثْ

فتىً طاب في كلّ أحوالهِ
ونزَّهَهُ اللَّهُ عما خَبُثْ

لإخوانهِ ثُلثا مالهِ
وليس له منهُ إلا الثُّلُثْ

وما زال يحيى كذا قبلَهُ
وهم أهلُ بيتٍ لهذا وُرُثْ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:22 PM
قد قلت للعذَّالِ عند تَتَبُّعي
بالقصِّ شيباً كلَّ يوم يَحدثُ

كثر الخبيثُ من النبات فهُذِّبتْ
منه الأَطايبُ وهي بعدُ ستَخبُثُ

وإخال أنِّي للخضاب محالفٌ
وَهُوَ المحالف لا محالَةَ ينكثُ

أضحى الزمانُ بلمتي مُتَعَبِّثاً
وأمامَ أحداثِ الزمان تَعَبُّثُ

ولما كُرِثْتُ لأن شَيْبيَ شائعٌ
لكنَّ ما يَجْنِي ويُعقِبُ يُكْرِثُ

أصبحتُ في الدنيا أروح وأغتدي
وإخالني في غَيْر أرضي أحرثُ

ولقد تطيبُ مع المشيب معيشةٌ
ويكون من بعد الخُفُوفِ تلبُّثُ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:23 PM
استغفر اللّه من تَرْكي علانيةً
ذنباً هممتُ به في شادنٍ خَنِثِ

ظبي دعتْنيَ عيناهُ ومنطقُهُ
بِنيَّةٍ صدقتْ عن ظاهرٍ عبِثِ

فلم أجِبْهُ وحظِّي في إجابتهِ
لكنْ سكتُّ كأنِّي غير مُكترثِ

لا بل فررْتُ وظلَّ الصيدُ يطلبني
والله ما كنْتُ فيها بالفتى الدَّمِثِ

أقسمتُ باللَّه لمَّا قمتُ محتجِزاً
أنّي انبعَثْتُ بقلبٍ غيرِ منبعثِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:24 PM
يا مادحَ الحقدِ محتالاً له شَبهاً
لقد سلكتَ إليه مسلكاً وَعِثا

لن يَقْلِبَ العيب زَيْناً من يُزَيِّنُهُ
حتى يَرُدَّ كبيراً عاتياً حدثا

قد أبرم اللّه أسبابَ الأمورِ معاً
فلن ترى سبباً منْهنَّ منتكثا

يا دافنَ الحقد في ضِعْفَيْ جوانِحِهِ
ساء الدفينُ الذي أمستْ له جدثا

الحقدُ داءٌ دويٌّ لا دواءَ لهُ
يَرِي الصُّدورَ إذا ما جمره حُرثا

فاسْتَشْفِ منهُ بصفحٍ أو معاتبةٍ
فإنما يبرأ المصدورُ ما نفثا

واجعلْ طلابَك للأَوتار ما عَظُمَت
ولا تكن لصغير الأمر مكترثا

والعَفْوُ أقربُ للتقوى وإن جُرُمٌ
من مجرمٍ جَرَحَ الأكبادَ أو فَرَثا

يكفيك في العفو أن اللّه قرَّظهُ
وَحْياً إلى خير من صلَّى ومن بُعِثَا

شهدتُ أنكَ لو أذنبت ساءكَ أن
تلقى أخاك حقوداً صدرُهُ شَرِثَا

إذَنْ وسرَّكَ أن ينسى الذنوبَ معاً
وأن تصادفَ منه جانباً دَمِثا

فكيف تمدح أمراً كنتَ تكرهُهُ
فَكِّرْ هُديتَ تُمَيِّزْ كلَّ ما اغتلثا

وليس يخفَى من الأشياء أقربُها
إلى السداد إذا ما باحثٌ بحثا

فارجع إلى الحقِّ من قُربٍ ومن أمَمٍ
وَلاَ تَمَنَّ مُنَى طفلٍ إذا مرثا

فمن تثاقل عن حقٍّ فبادَرَهُ
إليه خَصْمٌ سَفَى في وجهه وَحَثا

والفلْجُ للحقِّ والمُدْلي بحجَّتِهِ
إذا الخصيم هناكم للخصيم جَثَا

إني إذا خلط الإخوانُ صالحَهم
بِسَيِّئِ الفعلِ جِدّاً كان أو عبثا

جعلتُ صدري كظرف السَّبْك حينئذٍ
يَسْتخلصُ الفضَّةَ البيضاء لا الخبثا

ولست أجْعَله كالحوض أمدحُهُ
بحفظ ما طابَ من ماء وما خَبَثا

ولا أزيِّنُ عيبي كي أسوِّغَهُ
نفسي ولا أنطق البهتانَ والرَّفثا

تَغْبيبُ ذي العيب عَنْهُ كيْ تُزيِّنَهُ
حِنْثٌ وإنْ هو لم يحلفْ فقد حنثا

والعيبُ عيبان فيمن لا يقبِّحُهُ
فإن تجاهلَ عَيْبَيْهِ فقد ثَلَثَا

لا تجمعنَّ إلى عيبٍ تُعاب به
عَيبَ الخداع فلن تزداد طيبَ نَثَا

كم زخرفَ القولَ من زورٍ وَلبَّسَهُ
على العقول ولكنْ قلَّما لَبِثَا

إن القبيحَ وإن صنَّعْتَ ظاهرَهُ
يعودُ ما لُمَّ منه مرةً شَعِثَا


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:24 PM
بكت شجوها الدنيا فلما تبيَّنتْ
مكانَك منها استبشرت وتَغَنَّتِ

لتَسْتَمْتِعِ الدنيا بوجهك دهرَها
فقد طالما اشتاقت إليك وحَنَّتِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:25 PM
دبَنَفْسَجٌ جُمِعَتْ أوراقُه فحَكى
كُحْلاً تشرَّبَ دمْعاً يومَ تَشْتِيتِ

ولازَوَرْدِيَّةٍ تزهُو بزُرْقَتِهَا
وسطَ الرياض على حُمْرِ اليواقيتِ

كأَنَّها وضِعافُ القُضْب تحملها
أوائلُ النَّار في أطرافِ كِبْريتِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:26 PM
قد كنتُ أبكي على من ماتَ من سَلَفي
وأهلُ وُدِّي جميعٌ غيرُ أشتاتِ

فاليوم إذ فرَّقَتْ بيني وبينَهُمُ
نوىً بكيْتُ على أهل المودَّاتِ

وما حياةُ امرئٍ أَضحَتْ مَدَامِعُهُ
مقسومةً بين أحيَاءٍ وأمواتِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:26 PM
بُليتَ بفلتةٍ فضحكتُ فَلتَهْ
فلا تغضبْ كلا الأمرين بَغْتَهْ

ولي فضلٌ عليك لأن فعلي
بغير أذى عليك فلِمْ كرهتَهْ

أتُسمِعُني الأذى وتُشِمُّنيهِ
وتَجشِمُني رضَى ما قد فعلتَهْ

وتغضبُ إنْ ضحكتُ بغير عمدٍ
ولم تسمعْ أذايَ ولا شَمِمتَهْ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:27 PM
قل للأمير أدامَ اللهُ دولتَهُ
وزادَهُ في علوِّ القدرِ والصيتِ

ماذا يقول امرؤ قال الإلهُ لهُ
من اجتبيتَ لتجديد المواقيتِ

من ذا نُقيمُ مواقيتَ الصلاة به
حتى يقومَ على رغم الطواغيتِ

أترتضي لحقوقي رعي ذي عَوَرٍ
وقد جعلتك رَجماً للعفاريتِ

وقد فتحتُ عليك الشرقَ متصلاً
بالغرب لم تخلُ من نصر وتثبيتِ

ألم يكن قدرُ حقي أن توفِّيَهُ
إلّا أُعَيْوِرَ لا يُهدَى لتوقيتِ

لو كان حقلك ما راعيت موقِفَهُ
إلّا بأعين نُظَّام اليواقيتِ

لكنَّ حقِّيَ خسَّسْتَ الرقيبَ له
فَوَقْتُهُ الدهرَ مأخوذٌ بتنحيتِ

راعيتَ حقي بذي عينٍ مُقَوَّتةٍ
أجريت رزقي عليه غير تقويتِ

ماذا يكون جوابُ المرء حينئذٍ
أعاذك الله من لومٍ وتبكيتِ

طهِّر ثيابك ممن لا يؤهِّلُهُ
عند العُطاس ذوو التقوى لتشميتِ

طهِّر ثيابك ممن لا ثيابَ له
من ذنبه غيرُ أطمارٍ مَهاريتِ

سَيِّرْه عنك إلى رُسْتاق معجلةٍ
أو قفرةٍ من قفار الأرض سختيتِ

معادِنُ الزفت أولى أن تلائمَهُ
يا معدن المسك فانبُذْهُ إلى هِيتِ

أبا عليٍّ وظُلماً ما كُنيتَ بها
لقد ضَللْتَ بأَتياهٍ سباريتِ

كيف النجاة وقد أوغلتَ معتسفاً
ولست بين فيافيها بِخرِّيتِ

أقبلت أعورَ عُوَّاراً تحاربني
وما العواوير أكفاءُ المصاليتِ

ماذا دعاك بلا أجرٍ تطالبُهُ
إلى قتالك قُدَّامَ التوابيتِ

نبَّهتَ حربي وكانت عنك راقدةً
فاصبر لأنكرِ تصبيحٍ وتنبيتِ

كأنني بك قد قابلتَ نائرتي
بالخَرْق تخبط فيه خبطَ عمِّيتِ

كمُتَّقٍ لفحَ نارٍ يستعدُّ لها
بالجهلِ درعينِ من نفطٍ وكبريتِ

فكان عوناً عليه ما استعانَ به
وشتَّتَتْه يداهُ أَيَّ تشتيتِ

أصبحتَ أعيا أخي عِيٍّ وأهذَرَهُ
قُبحاً لكلّ غبيٍّ غير سكِّيتِ

يُلقيك في الغَيِّ عَيٌّ ناطق أبداً
ويسلم المرءُ ذي العِيّ الصَّميميتِ

خُذها تَبوعاً لمن ولَّى مُسوَّمةً
كأنها كوكبٌ في إثر عِفريتِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:27 PM
عزاؤكَ أن الدهرَ ذو فَجعاتِ
وكلُّ جميعٍ صائرٌ لشَتاتِ

لك الخيرُ كم أبصرتَهُ وسمعتَهُ
قرائنَ حيٍّ غيرَ مختلجاتِ

هلِ الناس إلا معشرٌ من سلالةٍ
تعودُ رُفاتاً ثَمَّ أيَّ رفاتِ

مياهٌ مَهينات يؤولُ مآلُها
إلى رِمَمٍ من أعظُمٍ نخراتِ

أرى الدهر ظَهراً لا يزال براكبٍ
وإن زل لم يُؤْمنْ من العثراتِ

ومن عجبٍ أنْ كلما جدَّ ركضُنا
عليه تباعدنا من الطَّلباتِ

وأعجبُ منه حرصُنا كلما خلتْ
سنونا كأنا من بني العشراتِ

نُخلِّف مأمولاتنا وكأننا
نسيرُ إليها لا إلى الغَمراتِ

غُررْنا وأُنذرنا بدهرٍ أَملَّنا
غُروراً وإنذاراً بهاكَ وهاتِ

إذا مجَّ مجاتٍ من الأَري أَعْقبت
بأقصى سهام في أحدِّ حُماتِ

أميْري وأنت المرءُ ينجم رأيهُ
فيسري به السارونَ في الظُّلماتِ

وتعصِفُ ريحُ الخطبِ عند هُبوبها
وأنت كركنِ الطَّودِ ذي الهَضباتِ

عليك بتقوى الله والصبرِ إنهُ
مَعاذٌ وإن الدهر ذو سَطواتِ

وليس حكيمُ القوم بالرَّجل الذي
تكون الرزايا عنده نَقماتِ

فُجعَت فلا عادت إليك فجيعةٌ
كما يُفجَع الأملاك بالملِكاتِ

أصِبْتَ وكلٌّ قد أُصيب بنكبة
يُهاض بها الماضي من النَكباتِ

فلا تجزعَنْ منها وإن كان مثلها
زعيماً بنفرِ الجأشِ ذي السكناتِ

وما نَفْرُ نفسٍ من حلول مصيبةٍ
وقد أيقَنَتْ قِدماً بما هو آتِ

أتوقنُ بالمقدور قبل وقوعِه
وتنفِر نفرَ الغِرِّ ذي الغفلاتِ

لقد أونَست حتى لقد حان أنسُها
بما شاهدت للدهر من وقعاتِ

فما بالها نفرُ الأغرَّاء نفرُها
وقد أُنذِرت من قبلُ بالمَثُلاتِ

من احتسبَ الأقدار أيقن فاستوتْ
لديه منيخات ومنتظَراتِ

هلِ المرءُ في الدنيا الدنيةِ ناظرٌ
سوى فقد حبٍ أو لقاء مَماتِ

ألم تَر غَاراتِ الخطوب مُلِحّةً
فبين مُغاداةٍ وبين ثباتِ

تروحُ وتغدو غير ذات ونيَّةٍ
على حيوان مرة ومَواتِ

وما حركاتُ الدهر في كل طَرفةٍ
بلاهيةٍ عن هذه الحركاتِ

سَيسْقي بني الدنيا كؤوسَ حتوفهم
إلى أن يناموا لا منامَ سُباتِ

وفاءٌ من الأيام لا شك غدرُها
وهل هنّ إلا منجزاتُ عِداتِ

يَعِدْن بغدر ليس بالمُخلفاتِهِ
فقُلْ في وفاءٍ من أخي غَدراتِ

تعزَّ بموت الصِّيد من آل مُصْعب
تجدهُم أُسىً إن شئت أو قدواتِ

تعزَّوا وقد نابتهُمُ كلُّ نوبةٍ
وماتوا فعزَّوا كلَّ ذي حسراتِ

ومن سُنن اللَّه التي سنّ في الورى
إذا جالتِ الآراءُ مُعتبِراتِ

زوالُ أصول الناسِ قبل فروعهم
وتلك وهذي غيرُ ذات ثباتِ

ليبقَى جديدٌ بعد بالٍ وكلُّهم
سَيْبلَى على الصّيفاتِ والشَّتَواتِ

وإن زالَ فرعٌ قبل أصلٍ فإنما
تُعَدُّ من الأحداث والفَلتاتِ

وتلك قضايا الله جلَّ ثناؤه
وليست قضايا الله بالهفواتِ

لِيُعلَم ألَّا موتَ ميتٍ لكَبْرةٍ
ولا عيش حيٍّ لاقتبال نباتِ

وتقديمُ من قَدَّمت شيءٌ بحقِّهِ
فَدَعْ عنك سَحَّ الدمع والزفراتِ

ولا تَسخَطِ الحقَّ الذي وافق الهدى
هوى من له أمسيتَ في كُرباتِ

رُزئتَ التي ودَّت بقاءَك بعدها
وأحيت به في ليلها الدعواتِ

وكانت تَمنَّى أن تُردَّى سريرها
وبعضُ أمانيِّ النفوس مُواتي

فلا تكرهَنْ أن أوتِيَتْ ما تودُّهُ
فكرهُك ما ودت من النكراتِ

ألم تر رُزءَ الدَّهر من قبل كونهِ
كفاحاً إذا فكَّرتَ في الخلواتِ

بلى كنتَ تلقاهُ وإن كان غائباً
بفكرك إن الفكرَ ذو غزواتِ

فما لك كالمَرميِّ من مأمنٍ لهُ
بنَبْلٍ أبَتْه غيرَ مُرتقباتِ

زَعِ القلب إن الفاجعاتِ مصائبٌ
أصابت وكانت قبل مُحتسَباتِ

فإن قلتَ مكروهٌ ألمت فُجاءةً
فما فوجئت نفسٌ مع الخطراتِ

ولا غوفصت نفسٌ ببلوى وقد رأت
عِظاتٍ من الأيام بعد عظاتِ

إذا بغَتتْ أشياءُ قد كان مثلها
قديماً فلا تعتدَّها بغَتَاتِ

جزعتَ وأنت المرءُ يوصف حزمُهُ
ولا بدَّ للأَيقاظِ من رَقَداتِ

فأعقِبْ من النوم التنبُّهَ راشداً
فلا بد للنُّوام من يقظاتِ

ومَن راغم الشيطانَ مثلك لم يُجب
رُقاهُ ولم يَتْبع له خُطواتِ

ومما ينسِّيك الأَسى حسناتُها
وإن كنت منها يا أخا الحسناتِ

فإن ثوابَ الله في رُزء مثلها
لِقاؤُكها في أرفع الدرجاتِ

وذاك إذا قضَّيتَ كلّ لُبانةٍ
من المجد واستمتعتَ بالمُتُعاتِ

مضت بعدما مُدَّتْ على الأرض برهةً
لتُمجِدَ من فيها من البركاتِ

فإن تكُ طوبى راجعت أخواتها
فقد زوِّدت من طيّب الثمراتِ

لعَمرك ما زُفّت إلى قعر حفرةٍ
ولكنها زُفَّت إلى الغُرُفاتِ

ولولاك قلنا من يقومُ مقامها
ومن يؤثِر التقوى على الشبهاتِ

سقاها مع الدمع الذي بُكِيَتْ به
حيا الغيثِ في الروحات والغدواتِ

وصلّى عليها كلما ذرَّ شارقٌ
وحان غروبٌ صاحبُ الصلواتِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:28 PM
أزِرْ صلةً قدَّمْتَها أَخَوَاتِها
وإلا فأطلِقْها تَزُرْ أَخَوَاتِها

ولا تحْسِبَنِّي راضِياً منك بالتي
تَسَخّطَ قبلي معشرٌ أمَّهاتِها

ولم أحْتَقِرْ ما كان مِنْك وإنهُ
لكُثْرٌ إذا عَدَّتْ رجالٌ صِلاتِها

ولكنّهُ في جنبِ جودِك تافهٌ
وفي عين حُرٍّ أبْعَدَتْ غَلَواتِها

أتعطي سوايَ الأمهاتِ من اللُّهى
وَتَخْتصُّني منها بصغرى بناتِها

أبَتْ لي قبولَ الخسف نفسٌ أبيَّةٌ
تبيعُ بعزِّ الموتِ ذلَّ حياتِها


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:28 PM
يا حامدَ الله إذ لم يَكسُهُ نِعَماً
إلا لأوحدَ وقَّاع على النُّكَتِ

يَهْنَئْكَ أنك لم تُنْعِم عليك يَدٌ
دُونٌ وأنكَ لم تُسْلَمْ إلى العَنَتِ

وأنَّ شكرك مرصودٌ بعارفةٍ
أخرى ستأتيك لم تُبخَس ولم تُلَتِ

وكيْفَ يُبخس من أضحى وليس لَه
إلّا إلى وجهِ بِرٍّ وجهُ مُلْتَفَتِ

أعني العلاء الذي لم يجرِ في أمدٍ
إلَّا وفات إلى القصوى ولم يُفَتِ

فَتىً كليلٌ عن الفحشاء مُنْصَلتٌ
على ابتناء المعالي كلّ مُنْصَلَتِ

كم مُفلِتٍ بالعلاءِ الخيرِ من عطبٍ
من بعد ما قَالَ إنِّي غير مُنْفَلتِ

وكلَّحَ الدهرُ من نابيْهِ عنْ عَصَلٍ
فيه المنايا ومن شِدْقيْهِ عن هَرَتِ

فالله يجزيه في دنيا وآخرةٍ
ذِكراً إذا ما أُميت الذكر لم يَمُتِ

يا من يشكُّ إذا عُدَّتْ مَنَاقِبُهُ
يكفيك ما قدَّمَتْ كفَّاه من ثبتِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:29 PM
وجدتُ أبا عبد الإلهِ خليفةً
لصاحبهِ إسحاقَ بعد وفاتِهِ

كفاني وأغناني فلستُ بفاقدٍ
لعمرُك من إسحاق غير حياتِهِ

فيا لكَ من ذُخْرِ امرئٍ لزمانه
مُعَفٍّ على ما كان من نكباتِهِ

حباني به إسحاقُ خيرَ بقيّةٍ
يُخلِّفها المفقودُ من بركاتِهِ

وما كان إلا الغيثَ أحيا بقَطْرِهِ
وولّى فأحيا بعده بنباتِهِ

يُعبِّس والإنصافُ تحت عبوسه
ويضحك والإيناس في ضحكاتِهِ

نَهوضٌ بأعباء الكتابة مُرْفِقٌ
رعيَّتَهُ مستظهرٌ لرُعاتِهِ

ترى كلّ نفسٍ رِيَّها وشفاءَها
إذا رُوِّيت أقلامُه من دواتِهِ

تنال بأنبوبِ البراعة كفُّهُ
ذُرى ما تَعاطى فارسٌ بقناتِهِ

ومن كان فرداً في عظيم غَنائهِ
عن الملك لم يَصغُرْ صغيرُ أداتِهِ

جبى الفيْء للسلطان والفيء فاغتدى
له الرتبةُ العلياءُ فوق جُباتِهِ

رآه أبو العباس أَقومَ قائمٍ
بأعماله عند امتحانِ كُفاتِهِ

وألفى لديه عِفّةً وأمانةً
وإحداهما يكفي امرَأً من ثِقاتِهِ

أراني إذا حاولتُ وصفَ جلالهِ
أو الشكرَ عما كان من فَعلاتِهِ

تشاغلتُ عن شكري له بصفاتِهِ
وأذهلني شكري له عن صِفاتِهِ

فقصَّرتُ في الأمرين والقلب مُضمِرٌ
مودَّتَهُ في مستقرِّ ثباتِهِ

ولو طال مدحي فيه وانكدَّ لم تجز
إطالتي المكتوبَ من حسناتِهِ

ولولا اتِّقائي للتعدِّي زَعمتُهُ
أخا الدهر لا يُغضي إلى أُخرياتِهِ

وما زال يعلُو قدرُهُ قدرَ مدحهِ
وأين مَنالُ الشعرِ من درجاتِهِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:30 PM
صبراً على أشياءَ كُلِّفْتُها
أُعْقِبْتُها الآنَ وسُلِّفْتُها

ويح القوافي ما لها سَفْسَفتْ
حَظِّي كأَنِّي كنتُ سَفْسَفْتُها

ألمْ تكُن هوجاً فسدَّدْتُها
ألم تكن عوجاً فَثَقَّفْتُهَا

كم كلماتٍ حكْتُ أبْرادَهَا
وَسَّطْتُها الحسْنَ وطَرَّفْتُهَا

ما أحْسَنَتْ إن كنتُ حَسَّنْتُهَا
ما ظَرَّفَتْ إن كنت ظرَّفْتُها

أنْحتْ على حظِّي بمِبْرَاتِهَا
شكراً لأني كنتُ أرهَفْتُهَا

فرقَّقَتْهُ حين رقَّقْتُها
وهفْهَفَتْهُ حين هفهَفْتُهَا

وكثَّفتْ دون الغنى سدَّها
حتّى كأنِّي كنتُ كثَّفْتُها

أحلِفُ باللَّه لقد أصْبَحتْ
في الرزق آفتي وما إفْتُها

لمْ أُشكِهَا قطّ بِتَقْصِيرَةٍ
فيها ولا من حَيْفَةٍ حِفْتُهَا

حُرِمتُ في سنِّي وفي مَيْعَتي
قِرَايَ من دنيا تَضيَّفْتُها

لَهْفي على الدنيا وهل لهفةٌ
تُنْصِفُ منها إن تلهَّفْتُهَا

كم أَهَّةٍ لي قد تأوَّهْتُهَا
فيها ومن أُفٍّ تأففتها

أغدُو ولا حالَ تَسَنَّمْتُها
فيها ولا حال تَرَدَّفْتُهَا

أوسعتُها صبراً على لؤْمِها
إذا تَقَصَّتْهُ تَطرَّفْتُهَا

فَيُعْجِزُ الحيلةَ منْزُورُها
إلا إذا ما أنا لطَّفْتُها

قُبحاً لها قبحاً على أنَّهَا
أقبحُ شيءٍ حين كشَّفْتُها

تَعَسَّفَتْني أنْ رَأتْني امرَأً
لم ترني قَطُّ تَعَسَّفْتُها

تَضَعَّفَتْني ومتَى نالني
عونُ أبي الصَّقْرِ تَضَعَّفْتُهَا

أرجوه عن أشياء جرَّبتُهَا
وليس عن طير تَعَيَّفْتُهَا

مقدارُ ما يُلْبِثُ عنِّي الغِنَى
إشارةُ الإصْبع أوْ لَفتُهَا

سَلَّيْتُ نفسي بأفاعِيله
من بعد ما قد كنت أسَّفْتُهَا

وقد يعزّيني شباباً مضى
ومدَّةً للعيشِ أسلفْتُهَا

فكَّرتُ في خمسين عاماً خَلَتْ
كانتْ أمامي ثم خلَّفْتُهَا

تَبَيَّنَتْ لي إذ تَذَنَّبْتُهَا
ولم تَبيَّنْ إذا تأنَّفْتُهَا

أجهلتها إذ هي موفورةٌ
ثم نَضَتْ عني فعُرِّفْتُها

ففرحَةُ الموهوب أعدِمتُها
وترحةُ المسلوب أردفْتُها

لو أن عمري مائةٌ هَدَّني
تذكُّري أنِّيَ نَصَّفْتُها

فكيف والآثارُ قد أصبحت
تُرجف بالعمر إذا قِفْتُها

كنزُ حياةٍ كانَ أنفقتُهُ
على تصاريفَ تصرَّفْتُها

لا عُذر لي في أسفي بعدها
على العطايا عفتها عفْتُها

إلا بلاغاً إن تأبَّيتَهُ
أشقيت نفسي ثم أتلفْتُها

قوتٌ يُقيم الجسم في عفّةٍ
أشعِرتُها قِدْماً وألحفْتُها

وقد كددتُ النفس من بعدما
رفَّهتها قدماً وعَفَّفْتُها

لا طالباً رزقاً سوى مُسْكةٍ
ولو تعدّت ذاك عنَّفْتُها

طالبتُ ما يمسكها مُجملاً
فطفتُ في الأرض وطوَّفْتُها

وناكدَ الجَدُّ فمنّيتُها
وماطلَ الحظ فسوَّفْتُها

وإن أراد اللَّهُ في ملكهُ
جاوزت خَمْسِيَّ فأضعفْتُها

بقدرة اللَّه ويُمْنِ امرئٍ
نعماه عُمْرٌ إن تَلَحَّفْتُها

فيها مَرادٌ إن تَرعَّيتُها
وأيُّ حِرز إن تكهَّفْتُها

يا واحد الناس الذي لم أجد
شَرواهُ في الأرض التي طُفْتُها

إليك أشكو أنني طالبٌ
خابت رِكابي منذ أَوجفْتُهَا

أصبحتُ أرجوك وأخشى الذي
جَرَّبتُ من حالٍ تسلَّفْتُها

فاطرُدْ ليَ الحرفةَ وادعُ الغِنى
واذكر سُموطاً كنت ألَّفْتُها

مَدائحٌ بالحق نمَّقتُها
وليس بالباطل زخرفْتُها

أعتدُّها شكوى تشكيتها
إليك لا زُلفى تَزلَّفْتُها

وكيف أعتدُّ بها زُلفةً
وإن تعمَّلتُ فأحصفْتُها

ولم أُشرِّفك بها بل أرى
بالحق أني بك شرَّفْتُها

ومن مَساعٍ لك ألَّفتها
لا من مساعي الناس لَفَّفْتُها

تعاوَرَتْها فِكَرٌ جمةٌ
أنضيتُها فيك وأزحفْتُها

وأنت لا تَبْخَسُ ذا كُلفةٍ
لا بَلْ ترى أن الغنى رَفْتُهَا

بحقِّ من أعلاك فوقَ الورى
إحلافةً بالحق أحلفْتُها

لا تُخطئَنّي منك في موقفي
سماءُ معروف توكّفْتُها

أنت المُرجَّى للتي رُمتها
أنت المرجى للتي خِفْتُها

كم بُلغةٍ ما دونها بُلغةٌ
قد نافرَتْني إذ تألَّفْتُها

فرُحتُ لا أرجو ولا أبتغي
وتاقت النفسُ فكَفْكَفْتُها

حُملتُ من أمري على صعبةٍ
خلَّيْتُها إذ عزّني كَفْتُها

بل خِفْتُ من كنتُ له راجياً
ورجَّتِ النفسُ فخوّفْتُها

ولم أخفْ في ذاك أنّي متى
وعدتُها رِفدَك أخلفْتُها

لكنني أفرَقُ من حِرْفةٍ
أنكرتُ نفسي منذ عُرِّفْتُها

أقول إذ عنَّفني ناصحٌ
في رفض أثمادٍ ترشَّفْتُها

إن أبا الصقر على بُعدِه
داني العطايا إن تكفَّفْتُها

ثمارُهُ في شُمِّ أغصانِهِ
لكنني إن شئتُ عَطَّفْتُها

لا كَثمارٍ سُمتُ أغْصانَها
إدْناءها مني فقصَّفْتُها

لِبَابِهِ المعمورِ أُسْكُفَّةٌ
لَتُعْتِبَنِّي إن تسكَّفْتُها

الآنَ أسلمتُ إلى نعمةٍ
غنّاء نفساً كنت أقشَفْتُها

قد وعدتني النفس جدوى له
إن شئت بعد اللَّه وظَّفْتُها

تاللَّه لا يَقْصُرُ دون المنى
قِرَى سجاياه التي ضِفْتُها

نُعمى أبي الصقر التي استبشرتْ
نفسي بريَّاها وقد سُفْتُها

خُذها ولا تَبْرَم بها إنني
قرَّطتُها الحسنَ وشنَّفْتُها

بَيِّنَةً من منطق محكمٍ
فَنَّنْتُهَا فيك وصرَّفْتُها

كم نظرةٍ فيها تَقَصَّيتها
كم وقفةٍ فيها توقَّفْتُها

بمجد آبائك أسَّستُها
ومجدِ آلائك شرَّفْتُها

ضَوَّعتُ فيكم كل مشمولة
لكنني من مسككُمْ دُفْتُها

ولم أدعْ في كلّ ما زانها
فلسفةً إلا تفلسفْتُها

إن كنتُ بالتطويل كمَّيتُها
فليس بالتثبيج كيَّفْتُها

لو أن خدّي كان أهلاً لهُ
واستهدفَتْ لي لتَهدَّفْتُها

يا من إذا صُغتُ أماديحَه
جَوَّدتُها فيه وزيّفْتُها

لو أنها ليلٌ لَنوَّرتُهُ
باسمك أو شمسٌ لأَكْسفْتُهَا


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:30 PM
تجنَّتْ فقال الكاشحونَ تجنَّتِ
وضنَّت فقال الناس ويحك ضَنَّتِ

فقلتُ لهم لا تعجلوا بملامتي
فلم تَأتِ ما قُلْتُمْ ولكن أَدلَّتِ

إذا أنتِ جانبتِ الغداة مسرَّتي
وواليتِ أعدائي فأنتِ عَدُوَّتي

سَتَدْرين كيف الهجرُ لو قد أردتُهُ
وإن كنتِ سؤْلي في الحياة ومُنْيَتي


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:31 PM
كيف يا مَنْ بها قِوامُ حياتي
كنت بعدي مُذْ بنتِ يا مولاتي

أعلى العهدِ أنتِ أم حُلْتِ عنه
جعل اللّهُ قبل ذاك مماتي

لستُ أنسى امتناع صبرك للتوْ
ديع والبينُ مُؤذنٌ بشَتاتِ

وانحدارَ الدموع كاللؤلؤ الرطْبِ
هَوى من مدامعٍ قَرِحاتِ

في رياضٍ من الشقائق والنَّسْرين
فوق المراشفِ البارداتِ

والتفاتاً نحوي وقد قبضَتني
عنك أيدي النَّوى حِيال الْتِفاتي

ومقالاً جرى وللشوق في الأحـشاءِ
نارٌ أليمةُ الحُرُقاتِ

حاطكِ اللهُ بالكلاءة والصُّنـعِ
وَوَقَّاكِ أعينَ العائداتِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:32 PM
أبكيتِني فبكيتُ
من غير ذنبٍ جنيْتُ

وقلتِ لي امضِ عنّي
مُصاحَباً فمضيْتُ

ولو أمرتِ بأنّي
أقضي الحياةَ قضَيتُ

أضعْتني فرعيتُ
وخُنتني فوفيتُ

أطعتِ فيَّ الأعادي
وكلّهُمْ قد عصيتُ

فكيف أصبحتِ غَضبَى
لمَّا رضاكِ أتيتُ

فاستضحكتْ ثم قالت
جُنِنْتَ قلتُ رَضَيْتُ

قالت لعلَّ وِصالي
أبيتَ قلتُ أبيتُ

قالت ثَكِلْتُ أبي إن
فَعَلْتَ إن بالَيْتُ

فلم تزل بيَ حتى
إلى هواها ارعويتُ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:32 PM
ومُستقرٍّ على كرسيِّه تَعِبِ
روحي الفداءُ له من مُنْصَبٍ نَصِبِ

رأيته سحراً يقلي زلابيةً
في رقَّةِ القِشْر والتجويف كالقَصَبِ

كأنما زيتُه المَغْليُّ حين بدا
كالكيمياء التي قالوا ولم تُصَبِ

يُلقي العجينَ لُجيناً من أناملهِ
فيستحيلُ شَبابيطاً من الذهبِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:33 PM
وزهَّدني في الناس معرفتي بهم
وطُول اختياري صاحباً بعد صاحبِ

فلم تُرِني الأيامُ خِلّاً يسرُّني
بَواديه إلا ساءني في العواقبِ

ولا صِرتُ أدعوهُ لدفعِ ملمّةٍ
من الدهر إلا كان إحدى النوائبِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:33 PM
ولما رأيتُ الدهرَ يؤذنُ صرفُهُ
بتفريق ما بيني وبين الحبائبِ

رجعت إلى نفسي فوطنتُها على
ركوب جميل الصبر عند النوائبِ

ومن صحِبَ الدنيا على جَوْرِ حُكمها
فأيّامُهُ محفوفةٌ بالمصائبِ

فخذ خُلسةً من كلّ يومٍ تعيشُهُ
وكن حذراً من كامناتِ العواقبِ

ودع عنك ذكَر الفألِ والزجر واطَّرح
تَطيُّر جارٍ أو تفاؤلَ صاحبِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:33 PM
طرِبتُ إلى المِرَاةِ فروَّعتْني
طوالعُ شَيبتينِ ألمَّتا بي

فأمّا شيبةٌ ففزِعت منها
إلى المِقراض حُبّاً للتصابي

وأما شَيبةٌ فصفحتُ عنها
لتشهَدَ بالبراءَة من خضابي

فأعجِبْ بالدليلِ على مَشيبي
أقمتُ به الدليلَ على شبابي


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:34 PM
أصبحتُ في محنٍ للدهر أعظمُها
جفاءُ مِثلك مثلي في نوائبِها

أما عجائبُ دنيانا فقد خَلُقتْ
والظلمُ منك جديدٌ من عجائبِها


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:34 PM
إذا جئتُ أشكو ما بقلبي من الأسى
إلى مؤنسي أبدى القلى وتغضَّبا

وأظهر لي بعد الوصالِ تجنِّياً
فأصبرُ خوفاً منهُ أن يتجنَّبا

وأكتُمُه وجدي وأُجملُ صبوتي
وأخضع كي يرضى وإن كان مذنبا

وفي القلبِ نارٌ من تخوُّف غدرِهِ
تزيدُ على مرّ الليالي تلهُّبا


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:35 PM
أمسى الشبابُ رداءً عنك مستلبا
ولن يدومَ على العصرَين ما اعْتقبا

أعزِرْ عليَّ بأن أضحتْ مناسبُهْ
بُدِّلنَ فيه وفي أيامهِ نُدَبا

سَقياً لأزمانَ لم استسقِ من أسفٍ
لمَّا تولّى ولا بكَّيت ما ذهبا

أيام أستقبلُ المنظورَ مبتهجاً
ولا أَحنُّ إلى المذكور مكتئبا

للَّه درُّك من عهدٍ ومن زمنٍ
لا يَبْعُدا بَعُدا بالرغم أو قَرُبا

إذ أصحبُ الدهرَ مغترّاً بصحبته
إذا أعارَ متاعاً خِلْتُهُ وهَبَا

لا أحسب العيشَ يَبلَى ثوبُ جِدَّتهِ
ولا إخالُ زماني يُعقِبُ العُقَبا

أغدو فأجني ثمار اللهو دانيةً
مثلَ الغصون وأرمي صيدَه كَثَبَا

بينا كذلك إذ هبّت مُزَعزِعةٌ
أضحى لها مُجتَنى اللذَّات مُحتَطَبَا

يا ظبيةً من ظباءٍ كان مسكنُها
في ظلِّ غُصني إذا ظلُّ الضحى الْتَهبا

فيئي إليكِ فقد هزَّته مُعْصفةٌ
لم تَتركْ وَرِقاً منهُ ولا هَدَبَا

أصبحتُ شيخاً له سَمْتٌ وأبَّهةٌ
يدعونني البيضُ عمَّا تارة وأبا

وتلك دعوة إجلالٍ وتكرمةٍ
ودَدْتُ أنِّيَ معتاض بها لَقَبا

قد كنتُ أدعَى ابنَ عمٍّ مرّةً وأخاً
حتَّى تقلَّب صرفُ الدهر فانقلبا

واهاً لذلك في الأنساب من نسبٍ
لكنَّ يا عمِّ لا وَاهاً ولا نسبا

عجبت للمرء لا يحمي حقيقتَهُ
مسلوبةً كيف يحمي بعدها سلبا

قالوا المشيبُ نذيرٌ قلت لا وأبي
لكنْ بشيرٌ يجلِّي وجهُهُ الكُربَا

أليسَ يخبر مَنْ أرسى بساحتِهِ
أن اللَّحاق بحبِّ النفس قد قَرُبا

يا حُسْن هاتيك بشرى عند ذي أسفٍ
على الشبيبة والعيش الذي نضبا

لم يرعَ حقَّ شَبَابٍ كان يصحبُهُ
من لم يُحَبِّبْ إليه فَقْدُهُ العَطَبا

لو لم يجب حفظُهُ إلّا لأنَّ لهُ
حقَّ الرضاع على إخوانه وجبا

أخي وإلفي وتربي كان مولدُنا
معاً وربَّتْني الأيامُ حيث رَبَا

يضمُّنا حجْرُ أُمٍّ في رضاعتنا
وملعبٌ حيث نأتي بيننا اللَّعبا

إن الشباب لمَألوفٌ لصُحْبَتِهِ
تلك القديمة مَبْكيٌّ إذا ذهبا

والشيب مُسْتَوْحَشٌ منه لغربته
والشيْءُ مستوحشٌ منه إذا اغتربا

دع الخلافةَ يا مُعْتَزُّ من كثبٍ
فليس يكسوك منها اللَّهُ ما سَلَبَا

أترتَجي لُبْسَها من بعد خَلْعَكها
هيهات هيهات فات الضرعَ ما حُلِبَا

تاللَّه ما كان يرضاك المليك لها
قبلَ احتقابِك ما أصبحتَ مُحتَقِبا

حتى أدالك عنها ثم أبدلها
كفؤاً رضيّاً لذات اللَه مُنتَجَبا

فكيف يرضاك بعد الموبقات لها
لا كيف لا كيف إلا المينَ والكذبا

هذي خراسان قد جاشت غواربُها
تُزْجي لنصر أخيها عارضاً لَجِبَا

كالبحر ألقى عليه الليلُ كَلْكَلَهُ
وزَعْزَعَتْ جانبيه الريح فاضطربا

خيلٌ عليهنّ آساد مدرّبةٌ
تأجَّموا الأسَلَ الخطِّيَّ لا القَصَبَا

مُسْتَلْئِمُونَ حصيناتٌ مقاتلُهم
مُكَمَّمُونَ حبيكَ البَيضِ واليَلبا

والمصعبيّونَ قومٌ من شمائلهم
قتلُ الملوكِ إذا ما قتلهُمْ وجبا

هم الأُلى يَنصُرُون الحقَّ نُصْرَتَهُ
ولا يبالون فيه عَتْبَ من عتبا

الأوفياءُ إذا ما معشرٌ نَكَثُوا
والجاعلون الرضا للَّه والغضبا

قد جرّب الناسُ قبل اليوم أنَّهُمُ
مُعَوَّدُونَ إذا ما حاربوا الغلبا

يا من جَنَى لأبيه القتل ثم غدا
حرباً لِثَائِرِهِ صدَّقْتَ مَنْ ثلبا

يا أولياءَ عهودِ الشرِّ هَوْنَكُمُ
منْ غالبَ اللَّهَ في سلطانه غُلِبَا

لقد جزيتم أباكم حين كرَّمَكُمْ
بالعهد أسْوَأ ما يجزي البنون أبا

أضحى إمام الهدى أولى به صِلةً
منكم وإن كُنتُمُ أولى به نَسَبَا

هو الذي سلَّ سيفَ الثأر دونكمُ
لا يأتلي للذي ضيَّعْتُمُ طلبا

أقام في الناس عصراً لا يُخيل لها
ولا يُرشِّحُ من أسبابها سببا

وكان للَّه غيبٌ فيه يَحْجُبُهُ
عنَّا وعنه مع الغيب الذي حَجَبا

حراسةً من عدوٍّ أن يكيدَ لَهُ
كيداً يحرِّقُ في نيرانه الحطبا

بل عصمةً من وليِّ الصالحاتِ لهُ
كيلا يُجَشِّمَهُ حِرْصاً ولا تعبا

حتى إذا مهَّدَ اللَّهُ الأمورَ لهُ
وراضَ منْ جَمَحات الملك ما صَعُبا

تبلَّجتْ غُرَّةٌ غَرَّاءُ واضحةٌ
مثلُ الشهاب إذا ما ضَوْؤُه ثَقَبَا


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:36 PM
يا شبابي وأين مني شبابي
آذنتني حِبالُهُ بانقضابِ

دولةٌ يغمِرُ الزمانُ فتاها
سَوَّمَتْ بالسواد سيما الشبابِ

لهف نفسي على نعيمي ولهوي
تحت أفنانِهِ اللِّدانِ الرِّطابِ

ومُعَزٍّ عن الشباب مُؤسٍّ
بمشيبِ اللِّدات والأترابِ

قلتُ لما انتحى يَعُدُّ أساهُ
من مصابٍ شبابُهُ فمُصابِ

ليس تأسو كلومُ غيري كُلومي
ما بهِ ما بهِ وما بيَ ما بي


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:36 PM
على عاقدِ الزُّنارِ تحت قضيبِ
من البانِ مَيَّادٍ وفوق كثيبِ

سلامُ محبٍّ نازحِ الدارِ شَفَّهُ
وأقرحَ عينيهِ فراقُ حبيبِ

سَمِيٌّ لمن أمسى شبيهاً لوجههِ
قريبٌ هواهُ وهو غيرُ قريبِ

تحكَّمَتِ الأيامُ في ذات بيننا
فقلَّلْنَ منه بالفِراق نصيبي

ولي عَبرةٌ موصولةٌ بنحيبِ
ونفسٌ عليه الدهرَ ذاتُ وجيبِ

وقلبٌ نأى عنهُ السُّلُوُّ فسُقمُهُ
طويلٌ قَدَ اَعْيا طبَّ كلِّ طبيبِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:37 PM
الموتُ دون تفَرُّقِ الأحبابِ
وعذابُ نأيهمُ أشدُّ عذابِ

لم تُبْلَ مذ خُلقتْ نفوسُ ذوي الهوى
يوماً بمثل ترحُّلٍ وذَهابِ

بانوا بلُبِّكَ رائحين وخَلَّفوا
لك دمعةً موصولةَ التَّسكابِ

فسقاهُمُ نوءُ السّماك بما سَقوا
خدَّيكَ بالعبرات صوبَ سحابِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:37 PM
سَهِّلْ حجابك أيها المحجوبُ
واعلمْ بأنَّ النائبات تَنوبُ

وتَلقَّ إنعامَ الإله بشكرهِ
فأخو الجحودِ مُنَغَّصٌ مسلوبُ

لا ترضينَّ لمن أتاك بضدِّ ما
ترضى لنفسك إنَّ ذلك حُوبُ

وتَوقَّ ذمَّك إنَّ ما خُوِّلتَهُ
كطلوع شمسٍ حان منهُ غروبُ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:38 PM
أما يستديمُ المرءُ نعمةَ ربّهِ
بإكرامِ أحرارِ الرجالِ ببابِهِ

ويعلم أنَّ الحمدَ والذمَّ للفتى
حذيَّتُهُ في إذنه وحجابِهِ

عجبتُ لمن لَم يَنوِ خَيراً لزائرٍ
ولا بذلَ ما يبغيه من غَلْقِ بابِهِ

وأعجبُ من هذا إباحَةُ عرضهِ
بصَوْن خَسيسَيْ طُعمهِ وشرابِهِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:39 PM
أبا إسحاقَ لا تغضب فأرضَى
بعفوك دون مأمول الثوابِ

أُعيذك أن يقول لك المرجِّي
رضيتُ من الغنيمة بالإيابِ

أسُوءُ الرأي في ابن أبي وأمِّي
نصيبي من عطاياكَ الرغابِ

على أنَّ الفتى لم يَجْنِ ذنباً
إليك ولم يَجُز سنَن الصوابِ

أعِرْه منك إصغاءً وفهماً
يُضِئْ لك عذرُهُ ضوءَ الشِّهابِ

وَهَبْهُ جنى ذنوبَ القومِ طرَّاً
ألم يكُ عن عقاب في حجابِ

وهبْكَ حَتَمْتَ أنّ له عقاباً
ألم يكُ دونَ عتبك من عقابِ

أترضى أن يكونَ هُفُوُّ هافٍ
يزعزعُ طَوْدَ حلمك ذا الهضابِ

تجاوز عن أخي وشقيق نفسي
فجنبي مذ عتَبتَ عليه نابِ

عجبتُ له ولي أنَّا رجَونا
سماءً منك صائبةَ السحابِ

فأخلفتِ الذي نرجو وصبَّتْ
علينا منك صاعقَةَ العذابِ

على أنّا نؤمِّل منك عَوْداً
بفضلك وارعواءً للعتابِ

وما لك مذهبٌ عن ذاك إني
وأنت بحيثُ أنت مِنَ النصابِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:39 PM
ألم ترَ أنني قبل الأَهاجي
أُقدِّمُ في أوائلها النسيبا

لتخرق في المسامع ثمّ يتلو
هجائي مُحْرِقاً يكوي القلوبا

كصاعقةٍ أتتْ في إثر غيثٍ
وضِحْكِ البيضِ تُتْبِعُهُ نحيبا

عجبت لمن تَمَرَّسَ بي اغتراراً
أتاح لنفسهِ سهماً مصيبا

سَأرْهِقُ من تَعَرَّضَ لي صعُوداً
وأكوي مِنْ مياسميَ الجنوبا


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:40 PM
لَحظاتُ أجفانِ الحبيبْ
رُسُل القلوب إلى القلوبْ

والشوقُ يفعل بالعزاء
فعلَ الإنابة بالذنوبْ

لا والذي بجفائهِ
وَصَلَ المدامعَ بالنحيبْ

ما شفَّ جسمي في الهوى
إلا مراقبةُ الرقيبْ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:40 PM
على الطائر الميمون والسعدِ فاركبِ
نجوتَ بإذن اللَّه من كل مَعْطَبِ

وتاب إليك الدهرُ من كل سيِّئٍ
وأعتَبَك المقدارُ ياخيرَ مُعتَبِ

رأى الدهر أنْ لم يهتضم غير نفسهِ
فأقصرَ عمَّا كان غيرَ مؤنَّبِ

بلى قد رماه الناسُ من كلّ جانبٍ
بتأنيبهم إيَّاه رميَ المُحَصَّبِ

ولم ينهَهُ التأنيبُ بل جودُ قادرٍ
رأى أنه منهُ على حدّ مَغضَبِ

وأبصر في إقصارهِ عنك رُشدَهُ
بعاقبةٍ من رأيه المُتعقَّبِ

فكُلْ من ثمارِ العيش أطيبَ مأكلٍ
وَرِدْ من حياض العيش أعذبَ مشربِ

وعش مائةً موفورةً في سعادةٍ
ونعماءَ لا يغتالُها نحسُ كوكبِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:41 PM
ملَكَ النفاقُ طباعَه فتَثَعْلَبا
وأبى السماحةَ لؤمُهُ فاستكلبا

فترى غروراً ظاهراً من تحته
نَكدٌ فَقُبِّح شاهداً ومُغيَّبا

ولَشرُّ من جرَّبتَهُ في حاجةٍ
من لا تزال به مُعنَّىً مُتعبَا

من لا يبيعُك ما تريد ولا يرى
لك حُرمةً إن جئته مُستوهِبا


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:41 PM
أُحذِّرُ أَهلَ الأرضِ حَدَّ ابنِ طالبٍ
فما زال مشحوذاً على من يصاحبُ

وقد جُرِّبتْ منهُ على آلِ مَخْلدٍ
تجاربُ ليستْ مثلهنَّ تجاربُ

أزيرِق مشؤومٌ أحيمرُ قاشِرٌ
لأصحابه نحسٌ على القوم ثاقبُ

وهل أَشْبهَ المرِّيخَ إلا وفعلَهُ
لفعلِ شبيهِ السوءِ شِبهٌ مقاربِ

أعوذ بعزّ اللَّه من أن يضمَّني
وإيّاهُ في الأرض البسيطة جانبُ

شبيهُ قُدارٍ بل قدارٌ شبيهُهُ
وإن قيل كلِّيمٌ وإن قيل كاتبُ

وهل يتمارَى الناسُ في شؤم كاتبٍ
لعينيه لونُ السيفِ والسيفُ قاضبُ

ويُدعَى أَبوه طالباً وكفاكُمُ
به طِيرةً أن المنيّةَ طالبُ

ألا فاهرُبوا من طالبٍ وابنِ طالبٍ
فمِن طالبٍ مثليْهما طارَ هاربُ


إبن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:42 PM
يا أيها المُتعالي عن مَعونتنا
غِنىً بما فيه من ذهن ومن أدبِ

لو استعنتَ بنفسٍ غيرِ أنفُسنا
أو غيرِ نفسك قابلناك بالغضبِ

لكن غَنيتَ بنفسٍ لا كِفاءَ لها
في النظم والنثر من شعر ومن خطبِ

ولا ملامَ على مُرتادِ مصلحةٍ
باع اللُّجينَ بضعفَيهِ من الذهبِ

فاعذِرْ على حسنِ ما ابتعت الخيارَ به
كما عذرناك يا ابن المجد والحسبِ

عُذراً بعذر وإلا رُحتَ مُحتقِباً
لوماً بلوم ولومي شرُّ مُحتقَبِ

وهاك دَرْجَكَ إنّا نابذون به
كما نَبذتَ بما قلناه من كَثَبِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:42 PM
لي صاحبٌ قد كنتُ آمُلُ نفعَهُ
سَبقتْ صواعقُهُ إليَّ صبيبَهُ

رجَّيْتُهُ للنائبات فساءني
حتى جعلتُ النائباتِ حسيبَهُ

ولَما سألتُ زمانَهُ إعناتَهُ
لكن سألتُ زمانه تأديبَهُ

وعسى معوِّجُهُ يكونُ ثِقَافَهُ
ولعلَّ مُمرضَهُ يكونُ طبيبَهُ

يا من بذلتُ له المحبةَ مخلصاً
في كلّ أحوالي وكنتُ حبيبَهُ

ورعيتُ ما يرعى ومِلتُ إلى الذي
وردَتْهُ همَّتُهُ فكنتُ شَريبَهُ

شاركتُهُ في جِدِّهِ ورأيتُهُ
في هزله كُفْئي فكنتُ لعيبَهُ

أيامَ نسرحُ في مَرَادٍ واحدٍ
للعلم تنتجعُ القلوبُ غريبَهُ

وكذاك نشرع في غديرٍ واحدٍ
يصف الصفاءُ لوارديهِ طِيبَهُ

أيسوؤُني مَنْ لم أكنْ لأسوءَهُ
ويُريبني من لم أكن لأُريبَهُ

ما هكذا يرعى الصديقُ صديقَهُ
ورفيقَهُ وشقيقَهُ ونسيبَهُ

أأقولُ شعراً لا يُعابُ شبِيهُهُ
فتكونَ أوّلَ عائبٍ تشبيبَهُ

ما كلُّ من يُعطَى نصيبَ بلاغةٍ
يُنسيهِ من رَعْيِ الصديقِ نصيبَهُ

أَنَفِسْتَ أن أمررتُ عند خصَاصةٍ
سببَ الثراءِ وما وردتُ قليبَهُ

إني أراك لدى الورود مُواثبي
وإذا بدا أمرٌ أراك عقيبَهُ

ولقد رَعَيْتَ الخِصبَ قبلي برهةً
ورعيتُ من مرعى المعاشِ جديبَهُ

فرأيتُ ذلك كلَّه لك تافهاً
وسخطتُ حظَّك واحتقرتُ رغيبَهُ

شهد الذي أبْديتَ أنك كاشحٌ
لكنَّ معرفتي تَرَى تكذيبَهُ

وإذا أرابَ الرأيُ من ذي هفوةٍ
ضمنتْ إنابةُ رأيهِ تأنيبَهُ

ولقد عَمِرْتُ أظنُّ أنك لو بدا
منّي مَعيبٌ لم تكن لِتَعيبَهُ

نُبِّئْتُ قوماً عابني سفهاؤُهُمْ
وشهدتَ مَحْفِلَهُمْ وكنتَ خطيبَهُ

عابوا وعبْتَ بغير حقٍّ منطقاً
لو طال رميُك لم تكن لتصيبَهُ

ونَكِرتُمُ أنْ كان صدرُ قصيدةٍ
ذِكرَايَ غُصْنَ مُنعَّمٍ وكثيبَهُ

فكأنكم لم تسمعوا بمُشَبِّهٍ
قبلي ولم تتعودوا تصويبَهُ

الآنَ حين طلعتُ كلَّ ثَنيَّةٍ
ووطئتُ أبكارَ الكلامِ وَثيبَهُ

يتعنّتُ المتعنِّتُون قصائدي
جَهلَ المرتِّبُ منطقي ترتيبَهُ

الآنَ حين زَأَرْتُ واستمع العدا
زأْري وأَنذرَ كَلْبُ شَرٍّ ذِيبَهُ

يتعرَّضُ المتعرضون عدواتي
حتى يُهِرَّ ليَ المُهِرُّ كَلِيبَهُ

الآن حين سبقتُ كلَّ مسابقٍ
فتركتُ أسرعَ جريهِ تقريبَهُ

يتكلَّف المتكلفون رياضتي
لِيُطِلْ بذاك مُعَجِّبٌ تعجيبَهُ

وَهَبِ القضاءَ كما قضيتَ ألم يكنْ
في محضِ شِعري ما يجيز ضريبَهُ

هلّا وقد ذُوِّقْتَ دَرَّ قريحتي
فذممتَ حَازِرَهُ حَمَدْتَ حليبَهُ

بل هبه عيباً لا يجوز ألم يكن
من حق خِلِّكَ أن تحوط مغيبَهُ

فتكونَ ثَمَّ نصيرَهُ وظهيرَهُ
وخصيم عَائِب شِعْرِهِ ومُجِيبَهُ

بل ما رضيتَ له بتركِك نصرَهُ
حتى نَعَبْتَ مع السَّفِيهِ نعيبَهُ

فَثَلَبْتَ معنى مُحسِنٍ وكلامَهُ
ثلباً جعلتَ كَبَدْيِهِ تعقيبَهُ

حتى كأنك قاصدٌ تعويقَهُ
عمَّا ابتغاهُ وطالبٌ تخييبَهُ

وأمَا ومابيني وبينَكَ إنَّهُ
عهدٌ رعيْتُ بعيدَهُ وقريبَهُ

لولا كراهةُ أن أملِّكَ شهوتي
قهرَ الصديقِ محبتي تلبيبَهُ

أو أن أجاوزَ بالعتاب حدودَهُ
فأكونَ عائبَ صاحبٍ ومَعيبَهُ

سيَّرتُ قافيةً إليك غريبةً
مَنْ سيَّرَتْهُ تضمّنتْ تغريبَهُ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:43 PM
سليمُ الزمان كمنكوبِهِ
وموفورُهُ مثلُ محروبِهِ

وممنوحهُ مثلُ ممنوعِهِ
ومكسوُّهُ مثلُ مسلوبِهِ

ومحبوبُهُ رَهْنُ مكروهِهِ
ومكروهُهُ رهنُ محبوبِهِ

ومأمونُهُ تحت محذورِهِ
ومرجوُّهُ تحت مرهوبِهِ

وريبُ الزمان غداً كائنٌ
وغالبُهُ مثلُ مغلوبِهِ

فلا تهربنَّ إلى ذِلَّةٍ
ذليلُ الزمانِ كمنكوبِهِ

أمَا في الزمان فتىً ماجدٌ
ينفِّسُ كربةَ مَكْرُوبِهِ

سأستُر نفسي أجادَ اللئيمُ
أم ضنَّ عنّي بموهوبِهِ

فَحَظِّي وإن كنتُ مغصوبَهُ
فَسِتْرِيَ لستُ بمغصوبِهِ

ويَنْبُوتِ أرضٍ ترى شوكَهُ
يُطيلُ حماية خَرُّوبِهِ

ترفَّعتُ عن لؤْمِ مَجنِيِّهِ
بنفسي وعن لؤم محطوبِهِ

وآكِلُ أطعمةِ الأدنياء
رهنٌ بأن يستخفُّوا بِهِ

ألم تَرَ صاحبَهُمْ لا يزالُ
فيهم شقيّاً بمصحوبِهِ

إذا امتاحهم أكْلَةً عبَّدُوهُ
تعبيدَ ربٍّ لمربوبِهِ

يخالون أنهمُ بَلَّغُوهُ
بالقوتِ أفضلَ مطلوبِهِ

وأنَّهمُ حرسوا نفسَهُ
بِهِ من غوائلِ مرهوبِهِ

يُذيل مُضيفُهُمُ ضيفَهُ
كملبوسِهِ وكمركوبِهِ

فلا يُؤتِغَنَّ امرُؤٌ عرضَهُ
لمأكولِهِ ولمشروبِهِ

ولا يلتمسْ من خسيسِ الرجالِ
ما خسَّ من فضل مكسوبِهِ

كملتمسٍ من خسيسِ الجذوعِ
قَطْرَ إهالةِ مصلوبِهِ

ووغدٍ وهبتُ له حُكْمَهُ
وأمَّلتُ منكودَ موهوبِهِ

فكنتُ كعابِدِ منحوتِهِ
ومسترزقٍ رزقَ منصوبِهِ

ولو قد ألحَّ عليه الهجاءُ
جَرْجرَ من عضِّ كلُّوبِهِ

ولمَّا غدا كلُّ هذه الورى
وممدوحُهُ مثلُ مندوبِهِ

مدحتُ إلهاً جميلَ الثناءِ
مصدوقُهُ غيرُ مكذوبِهِ

ألا يا فراسِيُّ خذها إليكَ
من ثاقب الحدّ مشبوبِهِ

حليمٍ تَعَوَّذُ من جهلِهِ
إذا ما حُصِبْتَ بِشُؤبوبِهِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:43 PM
وكم عائبٍ قد عابني وهو صادقٌ
وأدبرَ عنّي والذي فيه أَعيَبُ

رماني بسوءٍ لستُ أُعديه صاحبي
ولا هُو ممّا يُستفادُ ويُكسَبُ

وباءَ بسوءٍ فيه يُعديهِ غيرَه
ويجلبُهُ والسوءُ يُعدي ويُجلبُ

وما ذاك إلا ثلبُهُ الناسَ طائعاً
وما بَرِحَ الثُّلَّابُ للناس تُثلَبُ

وكم بين ذي سوءٍ تعدَّاهُ سُوؤُهُ
مُريداً لما يأتيه يبغي ويَشغَبُ

وآخرَ لا يعدوه ما فيه طالبٍ
زوالَ التي تُنعَى عليه وتُندَبُ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:44 PM
صفا لك شِربُ العيشِ غيرَ مُثَرَّبِ
ولا زلتَ تسمو بين بدرٍ وكوكَبِ

تُدبّرُ أمرَ المُلكِ غيرَ مُعنَّفٍ
وتُؤثرُ أمرَ اللَّهِ غيرَ مؤنَّبِ

وتَجبي إلى السلطان أوفى خَراجِهِ
وتكسبُ حمدَ الناسِ من خيرِ مكسَبِ

أحين أَسرتُ الدهرَ بعد عُتوّهِ
وفلَّلتُ منه كلَّ نابٍ ومخلبِ

فأصبحتُ مَكفيّاً همُومي مُزايلاً
غمومي مُوقّىً كُلَّ سوءٍ ومَعطبِ

ولم يبقَ لي إلا تمنِّي بقائِهِ
على الدهرِ ما أرستْ قواعدُ كبكبِ

تهضّمُني أنثى وتَغصِبُ جَهرةً
عَقارى وفي هاتيك أعجبُ مَعْجبِ

لقد أَذكرتْني لامرىءِ القيس قولَه
فإنك لم يَغْلبك مثلُ مُغلَّبِ

وما قَهْرُ أنثى قِرنَ جِدٍّ ولم تكن
لتقهر إلا قِرنَ هزل وملعبِ

عرفنا لها غَصْبَ الغَرير حُقوقَهُ
فما غضبُها حقَّ الحكيم المُدرّبِ

لها كلُّ سلطانٍ على قلبِ أمردٍ
ولم تعطُ سلطاناً على قلب أشيبِ

إليكم شكاتي آل وهب ولم تكن
لتَصمِدَ إلا للوزير المهذَّبِ

لعمري لقد أَعتطيتُمُ العدل حقَّهُ
فلا يتجاوزْهُ ولا يتعتّبِ

له أن يَذُبَّ الليثَ عن ظلم ثعلبٍ
وليس له إذلالُ ليثٍ لثعلبِ

أجِرْني وزيرَ الدين والملك إنني
إليك بحقي هاربٌ كلّ مَهْربِ

توثّبَ خصمٌ واهنُ الركن والقُوى
على أيِّدِ الأركان لم يتَوثّبِ

هو النُّكرُ من وجهين غَصبٌ وبدعةٌ
وفي النكر من وجهين موضعُ مَعْتبِ

وكم غَضبتْ للحقّ منك سجيةٌ
تؤدّب بالتنكير من لم يُؤدَّبِ

فلا تسلمَنّي للأعادي وقولهم
ألا من رأى صقراً فريسةَ أرنبِ

أريد ارتجاعَ الدار لي كيف خَيَّلتْ
بِحُكمٍ مُمِرٍّ أو بلطفٍ مُسبَّبِ

وإن انتزاعَ الحقّ من كفّ غاصبٍ
وقد نَشَبتْ أظفارُهُ كلَّ مَنْشبِ

لَخُطَّةُ فَصلٍ من سديدٍ قضاؤُهُ
وخُطَّةُ فضلٍ من كريمِ المُرَكَّبِ

وإن انتظامَ الفصلِ والفضلِ في يدٍ
لشيءٌ إلى السادات جِدُّ مُحبَّبِ

فرأيك في تيسير أمري بعَزْمةٍ
كوقعةِ مسنونِ الغرارين مِقْضَبِ

وتاللَّه لا أرضى بردّ ظُلامتي
إلى أن أرى لي ألفَ عبدٍ ومركَبِ

وقد ساءني أَنِّي مُحبٌّ مُقرَّبٌ
وأَنْ ليس لي إذنُ المحبّ المقرَّبِ

فماليَ في قلبِ الوزير مُرتَّباً
وفي داره حيرانَ غيرَ مرتّبِ

ولا بد لي من رتبةٍ تُرغمُ العدا
وتسهيل إذنٍ بين أهل ومَرْحبِ

ولو لم أؤملْ منك ذاك وضِعْفهُ
ذهبتُ من التأميل في غير مذهَبِ

فلا ينكرنّ المنكرون تسحّبي
فلولا الجَنابُ السّهلُ لم أتسحَّبِ

أتيتُكَ لم أقصِدْ إلى غير مَقصِدٍ
بأمري ولم أرغبْ إلى غير مَرغَبِ

ولي منك آمالٌ عريضٌ مُرادُها
وواللَّهِ لا كانتْ مطامعَ أشعبِ

فإن أنتَ صدَّقت الرجاءَ ببُغيتي
فكم من رجاءٍ فيك غيرِ مكذَّبِ

وقد صدّق اللَّهُ الرجاءَ وإنما
طلبتُ مزيدَ الخيرِ من خيرِ مَطْلبِ

وعِشْ عيشَ مغشيِّ الفِناءِ محجَّبٍ
جَدا كفِّه في الناس غيرُ محجَّبِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:45 PM
يا غُصُناً من لُؤلُؤٍ رَطْبِ
فيه سرورُ العينِ والقلبِ

أحسنَ بي يومٌ أرانيكُمُ
وما على المحسنِ من عَتبِ

لكنّهُ أعقبني حسرةً
فدمعتي سَكْبٌ على سكْبِ

مظلومَ ما أنت بمظلومةٍ
في حُكمِ أهلِ الشرق والغَربْ

بل إنما المظلومُ عبدٌ لكُمْ
أصبح مقتولاً بلا ذَنْبِ

غَصَبْتِهِ جهراً على قلبهِ
لا تُبْتِ ما عشتِ من الغَصْبِ

ما بالُ من عاداكِ في راحةٍ
وما لمن والاك في كرْبِ

سالمتِ أهلَ الحربِ طُوبَى لَهُمْ
لكنَّ أهلَ السَّلمِ في حَرْبِ

أصبحتِ من وُدي بلا كُلفةٍ
كالرُّوح بين الجَنْبِ والجَنْبِ

أعانني اللّهُ على غُلَّتي
بشَربةٍ من ريقِكِ العذْبِ

يا حُبَّ مظلومةَ لا تنكشف
وازدد فما لي فيكَ من حسبِ

مظلومَ قد أنهبتِ أرواحنا
وكلُّنا راضونَ بالنَّهبِ

ضربُكِ في صوتك لا خارجٌ
عن حدِّه والصوت في الضَّربِ

كأنما وقعُهما في الحشا
وقعُ الحيا في الزمنِ الجَدْبِ

فُقْتِ المُغنِّينَ كما فاقنا
كواكبُ الدنيا بنو وَهْب

حُسْناً وإحساناً قد استجمعا
كلاهما ذو مطلبٍ صَعْبِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:45 PM
لغيرك لا لكَ التفسيرُ أنَّى
يُفسَّرُ لابن بجدتها الغريبُ

كلامُك ما أُترجِمُ لا كلامي
وإن أصبحتُ لي فيه نصيبُ

أأعرفُهُ ولستُ له نسيباً
وتجهلُهُ وأنتَ له نسيبُ

معاذَ اللَّه ليس يَظُنُّ هذا
من القوم الأديبُ ولا الأريبُ

بلى ترجمتُ عن شعري لقومٍ
فصيحُ الشعر عندهُم جليبُ

عساهم أن يُجيلوا الطرف فيه
فإن سألوا أجابهمُ مجيبُ

وإن ضلوا فمُرشدُهُم قريبٌ
وإن سألوه ألفوه يجيبُ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:46 PM
لا أقذَعُ السلطانَ في أيامه
خوفاً لسطوته ومُرِّ عقابِهِ

وإذا الزمانُ أصَابَهُ بصروفِهِ
حاذرتُ رجعتَهُ ووشْكَ مَثابِهِ

وأعُدُّ لؤماً أن أهُمَّ بعَضَّهِ
إذ فلَّتِ الأيامُ من أنيابِهِ

تاللَّه أهجو من هجاهُ زمانُهُ
حَرُمَتْ مُواثَبَتِيهِ عندَ وثابِهِ

فليعلمِ الرؤساءُ أني راهبٌ
للشرّ والمرهوبُ من أسبابِهِ

طَبٌّ بأحكامِ الهجاءِ مُبصِّرٌ
أهلَ السَّفاهِ بزَيغهِ وصوابِهِ

حَرُمَ الهجاءُ على امرئٍ إلا امرَأً
وقَعَ الهجاءُ عليه من أضرابِهِ

أو طالباً قوتاً حماهُ قادرٌ
ظلماً حقوقَ طَعامِهِ وشرابِهِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:46 PM
أغضبَني بالأمس ما سُمتَني
فأرضني منهُ ولا تَغْضَبِ

وكن إذا استُعْتِبتَ من جَفوةٍ
يا ابن علي خيرَ مستعتَبِ

أظهرَ ما تُضمِرُ لي كلَّهُ
حَملُكَ إيّايَ على الأجربِ

وأنني عاتبتُ فيما جرى
عليَّ من ذاك فلم أُعتبِ

بل قلتَ في شِبْداز ما قُلتَهُ
واضِعَ قدري رافِعَ المركَبِ

وبين شِبْدازَ وبرْذَوْنِكُمْ
لي مَركبٌ منِّي لم يُنكَبِ

رِجلَي أولَى بيَ إنِّي امرؤٌ
إذا عَدِمتُ الطِّرف لم أركَبِ

ما أنا بالراضي ببعض الذي
أصبحت ترضَى لي فلا تُكذبِ


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:47 PM
حماهُ الكَرى همٌّ سرى فتأوَّبا
فبات يُراعي النجم حتى تَصوَّبا

أعينيَّ جودا لي فقد جُدْتُ للثرى
بأكثرَ مما تَمنعانِ وأطيبا

بُنِيَّ الذي أهديتُهُ أمسِ للثرى
فلِلّهِ ما أقوى قَناتي وأصلَبا

فإن تمنعاني الدمعَ أرجعْ إلى أسىً
إذا فَتَرتْ عنه الدموعُ تلهَّبا


ابن الرومي

الحمدان
07-25-2024, 01:48 PM
إذا دام للمرء السوادُ ولم تَدُمْ
غَضارتُهُ ظنَّ السوادَ خضابا

فكيف يظنُّ الشيخُ أن خضابَهُ
يُظَّنُّ سواداً أو يُخالُ شَبابا


ابن الرومي
العصر العباسي

الحمدان
07-25-2024, 01:59 PM
أي عزٍ مضى من الإسلام
أي ركنٍ أضحى حديث انهدام

ذاق موتاً محمد بن طغج
هو ليث الشرى وغيث الغمام

فقد الناس مولى الإنعام
فهم سائمون كالأنعام

مات رب العلا وراعي الرعايا
والسرايا وكافل الأيتام

أين ما كنت فيه من عزك البا
ذخ والمرتقى عزيز المرام

أين ذاك الحجاب والملك والهيبة
أين الزحام وقت الزحام

من أميرٍ وقائدٍ وخطيرٍ
ورئيسٍ وماجدٍ وهمام

كلهم مطرقٌ لديك من الهيبة
خوف الإجلال والإعظام

أين تلك الخيام حولك إن عر
ست والأسد حول تلك الخيام

من عديد وعدةٍ لك ما بين
قعودٍ فيها وبين قيام

لم يطق جمعهم دفاع الردى عنك
ولم يمنعوك منع اعتصام

أسلمتك الخيول قسراً وقد كنت
عليها سوراً على الإسلام

خانك السيف وهو يصدر عن أمرك
مستعدياً بغير احتجام

خذل الرمح وهو عونك لو حان
لقاءٌ وثار نقع قتام

لم ترد القسى عنك سهام الحتف
والحتف عندها في السهام

ما وقتك الحراب حرب المنايا
حين وافاك جيشها من أمام

لم يحصنك ما اقتنيت من الآ
لات من جوشن ولا من لام

حكم الموت فيك من بعد ما كنت
ترى حاكماً على الحكام

فقدتك الفسطاط وجداً مدى الدهر
ومن بعدها بلاد الشام

فجعت يثربٌ ومكة والبيت
إلى زمزمٍ أجل والمقام

عم فيك المصاب فاشترك العا
لم في الرزء منه والآلام

حسبنا الله من عزٍ من حكمٍ يجري
على الحاكمين بالأحكام

كل شيءٍ إلى زوالٍ ومن ذا
نال ملك الدنيا بغير اخترام

أين أين الملوك في سالف الدهر
دهتم حوادث الأيام

أين من قد كانوا يخافون في البأس
ويرجون للعطايا الجسام

ليس يبقى إلا الإله تعالى
من له الملك ثابتاً بالدوام

أيهذا الأمير بل يا أبا القاسم
يا بن السميدع القمقام

ارض حكم الإله في الحكم الماضي
وسلم لنافذ الأحكام

وهناك الذي بلغت من الأمر
وما حزته بحسن انتظام

ما كمثل الذي رزئت ولا مثل
الذي قد ملكت في ذا العام

أنت مثل الإخشيد فانهض بما ملكت
بالجد منك والاعتزام


ابن يموت
العصر العباسي

الحمدان
07-25-2024, 02:06 PM
‏سيمضي جُلُّ همِّك بل يزولُ
‏إذا ماكنتَ عن ثقةٍ تقولُ

‏إلى الرحمنِ قد فوَّضتُ أمري
‏ولستُ بغيرِ قوَّتِه أحولُ

‏إذا الدعواتُ قد صعدَتْ بصدقٍ
‏فللرحماتِ حينئذٍ نُزولُ

......

الحمدان
07-25-2024, 02:08 PM
الحُبُّ أَوَّلُ ما يَكونُ لِجاجَةً
تَأتي بِهِ وَتَسوقُهُ الأَقدارُ

حَتّى إِذا اِقتَحَمَ الفَتى لُجَجَ الهَوى
جاءَت أُمورٌ لا تُطاقُ كِبارُ

وَإِذا نَظَرتَ إِلى المُحِبِّ عَرَفتَهُ
وَبَدَت عَلَيهِ مِنَ الهَوى آثارُ

قُل ما بَدا لَكَ أَن تَقولَ فَرُبَّما
ساقَ البلاءَ إِلى الفَتى المِقدارُ

......

الحمدان
07-25-2024, 02:17 PM
وَكيفَ يصونُ الدهـرُ مهجةَ عاقلٍ
وَقدْ أهلكَ الحيينِ عادًا وَجرهمـًا

هوَ الأزلمُ الخداعُ يحفرُ إنْ رعى
وَيَغْدِرُ إِنْ أَوْفَى وَيُصْمِي إِذَا رَمَى

فَكَمْ خَانَ عَهْـدًا واسْتَـبَاحَ أَمَـانَةً
وَأخلفَ وعـدًا وَاستحلَّ محـرما

......

الحمدان
07-25-2024, 02:21 PM
انا المُحاطُ بِأَلطافِ الإلهِ فما
‏خَوفي على الروحِ مِن مُستقبلٍ آتِ

‏مُوَشّحٌ بِرداءِ الصّبرِ ممتلئٌ
‏تفاؤلًا رُغمَ ضِيقي وانكساراتي

‏ما عُدتُ أخشى من الأيامِ تكسِرُني
‏سلّمْتُ أَمري لِرحمنِ السماواتِ

‏والخيرُ فيما قضى ربي بحِكمتهِ
‏راضٍ بأقدارهِ في كُلِّ حالاتي

......

الحمدان
07-25-2024, 02:24 PM
لوكنت تنصف في الهوى ما بيننا
لم تهوى جاريتي ولم تتخيري

وتركت غصنًا مثمرًا بجماله
وجنحت للغصن الذي لم يثمرِ

ولقد علمت بأنني بدر السما
لكن دهيت لشقوتي بالمشتري


ابن زيدون

الحمدان
07-25-2024, 02:25 PM
‏كحلت عيني بالصبح الذي بانا
‏يضاحك الكون إشراقاً وإيمانا

‏ويحمل الفرح الآتي يداعبه
‏وينشر البشر في الآفاق مزدانا

‏ويحمل الأنس للأرواح ينثره
‏عطراً ويرسل أشواقاً وتحنانا

......

الحمدان
07-25-2024, 03:22 PM
هذا مقام فتي اضاع زمانه
في بعض ما شيدت من بنيانه

جاد الزمان له باعطاء المنى
جوداً اضر عليه من حرمانه

فطغى واصغى للوشاة بألفه
واصر مغتراً على هجرانه

والرزء غربة آلف عن ألفه
ليس اغتراب المرء عن اوطانه

فبأي وجه اشتكي دهراً مضى
وزمان وصلك كان من ازمانه

لو حصلت نوب الزمان بأسرها
وصروفه لغرقن في احسانه

أو ليس يستحي امرؤ يزري على
الاخوان وهو يراك في اخوانه

لا ذاق وصلاً من تبرم قبلفه
بمساكن وهواك من سكانه

ان الحياة لحبها يخشى الردى
ولصوبها يرتاد قبل اوانه

فاسلم وتقك السوء نفس متيم
لولاك لم يحمد صروف زمانه

بقيا عرو روحي أقيك به الردى
اذ كان فرعاً انت من اركانه

ان الحكيم لباذل جثمانه
عن روحه بقيا على جثمانه

وكذي الموقي عينه بجفونه
ليصونها مبقي على اجفانه


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:23 PM
فداك اخوك اليوم يوم سرور
بيوم تهادى للظراف كبير

وكل امريء يهدي على قدر الفه
ولست على مقداره بقدير

وروحي وما يحويه ملكي بأسره
حقير ولا ارضى لكم بحقير

وقد رضي الله الثناء لنفسه
جزاءً ولن يرضى لها بصغير

واهديت شكري والثناء مجازياً
وهيهات أن يجزيك شكر نظير

ولكنه جهد المقل وما الذي
حباك بما في وسعه بكفور

ونيروزنا هذا جديد نلاقه
بعفوٍ جديد عن ذنوب شكور

فعرفك الرحمن يمن ابتدائه
ولا زلت مخصوصاً بكل حبور


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:23 PM
أنزه في روض المحاسن مقلتي
وأمنع نفسي أن تنال محرما

وأحمل من ثقل الهوى ما لو أنه
يصب على الصخر الأصم تهدما

وينطق طرفي عن مترجم خاطري
فلولا اختلاسي رده لتكلما

رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم
فما أن أرى حباً صحيحاً مسلما


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:24 PM
لكل امرئٍ ضيفٌ يسر بقربه
وما لي سوى الأحزان والهم من ضيف

له مقلةٌ ترمي القلوب بأسهم
أشد من الضرب المدارك بالسيف

يقول خليلي كيف صبرك بعدنا
فقلت وهل صبر فأسأل عن كيف


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:24 PM
سقى اللَه أياماً لنا وليالياً
لهن بأكفاف الشباب ملاعب

إذ العيش غض والزمان بعزة
وشاهد أوقات المحبين غائب


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:25 PM
نصيحة يوم المهرجان هديةٌ
لمثلك يا مولاي فرض على مثلي

فإن أهد روحي أهد ما أنت ربه
وإن أهد مالي فهو مالك من قبلي

وقد كنت أهديت الجفاء تجلداً
عليك فأهديت الرجوع إلى الوصل

وما علم الرحمن مني خيانةً
لعهدك لا في حال جد ولا هزل

فرأيك في أمر الهدية راشداً
لتحيي قلبي أو تجيز على قتلي


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:25 PM
فإن تكن القلوب إذن تجازي
وأسلك في الهوى سنناً سويا

فما لي أهون الثقلين جمعاً
عليك وأنت أكرمهم عليا

عمرت سنين أستحفي التصافي
ولا أرضى من الوصل الرضيا

فلم تقلع صروف الدهر حتى
حبست عن أن أجي أو أن أحيا

تبغض ما استعطت وعش سليماً
فأنت أحب مخلوقٍ إليا


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:26 PM
أبى لي الوفاء دوام الجفا
وحل الحنين عديم العزا

قعدت إلى الوصل مستعطفاً
وقد كنت قبل شديد الأبا

وأني لفي طول كتم الهوى
وستريه عنك بفرط الجفا

كمن ينفخ البوق مستخفياً
ويضرب بالطبل تحت الكسا

فيا قلب ويحك كن حازماً
إذا تاه رام سبيل النجا

ولا تك ذا عزمةٍ جاهلاً
إذا ما اعتدى لج في الاعتدا

فسل الحقود برعي العهود
وداو الجفاء برعي الوفا

فأوجع من حمل عتب الصفا
زوال الصفاء وقطع الإخا

فسامع هواك وكن مدنفاً
أحب الدواء لحب الشفا


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:26 PM
فلا تهجر أخاك بغير ذنبٍ
فإن الهجر مفتاح السلو

إذا كتم الخليل أخاه سراً
فما فضل الصديق على العدو


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:26 PM
كأن رقيباً منك يرعى خواطري
وآخر يرعى ناظري ولساني

فما عاينت عيناي بعدك منظراً
يسوءك إلا قلت قد رمقاني

ولا بدرت من في بعدك مزحةٌ
لغيرك إلا قلت قد سمعاني

ولا خطرت من ذكر غيرك خطرةٌ
على القلب إلا عرجا بعنان

إذا ما تسلى الغابرون عن الهوى
بشرب مدامٍ أو سماع قيان

وجدت الذي سلي سواي يشوقني
إلى قربكم حتى أمل مكاني

وفتيان صدقٍ قد سئمت لقاءهم
وعففت طرفي عنهم ولساني

وما الزهد أسلى عنهم غير أنني
أراك على الكل الجهات تراني


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:27 PM
أَخوكَ الَّذي أمسى بذكرك مغرما
يتوب إليك اليوم مما تقدما

فإن لم تصله رغبةً في وصاله
ولم تك مشتاقاً فصله تكرما

فقد والذي عافاك مما أبتلي به
تندم لو أرضاك أن يتندما

وباللَه ما كان الصدود الذي مضى
ملالاً ولا كان الجفاء تجهما

فلا تحر بن بالغدر من صد مكرهاً
وأظهر إعراضاً وأبدى تجهما

فلم يلهه عنك السلو وإنما
تأخر لما لم يجد متقدما


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:27 PM
وقد كنت لا أرضى من النيل بالرضا
وأقبل ما فوق الرضا متلوما

فلما تفرقنا وشطت بنا النوى
قنعت بطيفٍ منك يأتي مسلما

فساعفني وهناً خيالك في الكرى
فزار وحيا ثم قام فسلما

بنفسي وأهلي من خيالٍ ألم بي
فداوى سقامي ثم بان فأسقما

فوا حسرتا لم أدر أنى أهتدى لنا
ولم أدر إذ ولى إلى أين يمما

رعاه ضمان اللَه في كل حالةٍ
وإن ذرفت عيني لفرقته دما


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:28 PM
إذا اشتد ما ألقاه هون علتي
رضاي بأن تحيا سليماً وأسقما

فيا من يزيل الخوف عني وفاؤه
بعهدي ومن لولاه لم أمس مغرما

أكان جميلاً أن تراني مهملاً
وتسكت عن أمري ونهيي تبرما

سأرعاك أن أكرمتني أو أهنتني
وحسبك نبلاً أن تهين وتكرما

وأني لأستحيي من اللَه أن أرى
ظلوماً لألفي أو أرى متظلما

سآخذ من نفسي لنفسك حقها
وأصفح أن لم ترع عهدي تكرما

وما بي نفسي وحدها غير أنني
أصون خليلي أن يجور ويظلما

ولو قيل لي اختر نيله أو صلاحه
لآثرت أن يعصى هواي ويسلما

وقد كنت أولى بي من الشوق والهوى
وقد كنت أمضي في الضمير متمما

فما لي قد أبعدت حتى كأنني
عدوٌّ وقد كنت الحبيب المقدما


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:28 PM
إلى اللَه أشكو من بداني بوصله
فلما حوى قلبي براه ببخله

سآجر نفسي عن تقاضيه راضياً
إلى أن أراه ساخطاً بعد فعله

وآخذ منه العفو ما دام باخلاً
وأنهى لساني أن يعود لعذله

فرب اعتذارٍ قد تمنيت أنني
خرست وأني لم أخاطب بمثله


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:29 PM
نصحت لكم حذاراً أن تعابوا
فعاد علي نصحكم وبالا

فإن تك قد مللت فلا تخني
وقل لي إن أجنبك الوصالا

فمن يطلب لصاحبه اختلالاً
لينقض عهده يدرك مقالا

ويمنعني الوفاء لكم بعهدي
وحسن الظن أن أجد اختلالا

وفتزدادون عندي كل وقتٍ
وأنقص عندكم حالاً فحالا

سأصبر أن أطقت الصبر حتى
تمل الهجر أو تهوى الوصالا


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:29 PM
تخير من الإخوان من شئت واتخذ
خليلاً فإني ما أريد خليلا

أتوب إليك اليوم من كل توبةٍ
فقد هنت في عيني وكنت جليلا

إذا لم يجد ألفي عن الغدر مذهباً
وجدت إلى حسن العزاء سبيلا

فواللَه لا أرضيت داعية الهوى
إليك ولا أغضبت فيك عذولا


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:30 PM
بدأت بموعدٍ ورجعت عنه
وكنت أعد وعدك من عطائك

ولم تزل الخواطر عنك تنبي
بأنك لا تدوم على وفائك

فلو كانت عهودك لم تغير
ولم يبد التكدر في صفائك

وفيت بما ابتدأت به ولكن
أظنك قد ندمت على ابتدائك

فإن تك قد ندمت على اصطفائي
فإني ما ندمت على اصطفائك

وإن تك لم تخن فلأي شيءٍ
تغير ما عهدنا من إخائك


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:30 PM
أرقت لبرقٍ من تهامة خافقٍ
كأن سنا إيماضه قلب عاشق

يلوح فازداد اشتياقاً وما أرى
يشوقني لولاك من ضوء بارق

متى تدن لا يملك لي الشوق لوعةً
وأن تنأ عني فالتوهم شائقي

فرأيك في عبدٍ إليك مفره
لتنعشه بالوصل قبل العوائق


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:31 PM
من لي بعطف أخ خلّي الإخاء ورا
ظهرٍ ومن ثم مارى الروح في اللطف

حتى يصيرها أن خيرت تلفاً
وفرقةً منه لم تختر سوى التلف

أغريت بيني وبين الدهر فاحتشدت
بي الخطوب احتشاد المحنق الأسف

حتى إذا أنست نفسي بأنك لي
واستعذبت طيب ذاك المشرب الأنف

أمكنت مني الليالي فانتصفن ومن
يظلم ويمكن من الإنصاف ينتصف

يا قلب وصفك يغري من كلفت به
فأكمد بكتمان ما تلقى ولا تصف

إن كنت لم تشج بالكتمان فاشج به
أو كنت لم تعترف بالصرم فاعترف

قل لليالي ملكت الحكم فاحتكمي
وللمصائب قد مكنت فانتصفي


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:31 PM
يعيرني الواشي بأن لست مدنفاً
كما هو من فرط الصبابة مدنف

فيا كاشحاً قد جاء في زي ناصحٍ
تشاغل بغيري لست ممن يعرف

ولا تلحني فيمن أحب فإنني
أضن به مما تظن وأشغف

سلوه فإني لا أكلم واشياً
أيدري بمن يلحي وفيمن يعنف


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:32 PM
أمن أجل سارٍ في دجى الليل لامع
جفوت جذار البين لين المضاجع

علام تخاف البين والبين راحةٌ
إذا كان قرب الدار ليس بنافع

إذا لم تزل ممن تحب مروعاً
بغدرٍ فإن الهجر ليس برائع


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:32 PM
أراعك برقٌ في دجى الليل لامع
أجل كل ما يلقاه ذو الشوق رابع

أألآن تخشى البرق والألف حاضر
فكيف إذا ما لاح والألف شاسع

وهاجت رياح زدن ذا الشوق صبوةً
وباكرت الأيك الحمام السواجع

وعاشرت أقواماً فلم تلق فيهم
خليلك فاستعصت عليك المدامع

وأصبحت لا تروي من الشعر إذ نأى
هواك وبات الشعر للناس واسع

سوى قول غيلان بن عقبة نادماً
هل الأزمن اللاتي مضين رواجع

هناك تمنى أن عينك لم تكن
وأنك لم ترحل والفك رابع

فكل الذي تلقى يسوؤك أن دنا
وكل الذي تلقى إذا بان فاجع

فيا ويك لا تسرع إلى البين أنه
هو الموت فاحظر غب ما أنت صانع


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:33 PM
أفوض أسبابي إلى اللَه كلها
وأقنع بالمقدور فيها وأرتضي

وأسمع بالتفويض حتى إذا انتهى
ضميري إلى ما بيننا لم أفوض

وباللَه لو خيرت بينك غادراً
وبين كلا الملكين تخيير مقتض

رضيتك حظاً منهما غير أنني
بهذا الذي ترضاه لي غير مرتض


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:33 PM
سقى اللَه رمل القاع وبلاً وديمةً
لتحيي به تلك الرسوم الدوارس

أشوقاً إلى نجدٍ ودون لقائها
أهاويل يخشى قطعها وبسابس

على أن عبد الشوق ليست تهوله
حزون الفيافي والليالي الدوامس

بما حبلت فلتأتني من بلائها
فليس لما يقضي به اللَه حابس


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:34 PM
أمنت عليك صرف الدهر حتى
أناخ بغدره ما لم أحاذر

وجسرني وفاؤك لي أن
أذاقني الردى غب التجاسر

فجئتك شاكراً وأقل حقي
إذا أحسنت أن ألقاك عاذر

وحسبك رتبةً لك من صديقٍ
أتاك بعاتبٍ في زي شاكر


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:34 PM
لقد باعدت عنك أخاً شقيقاً
عليك فلا يغرك حسن صبري

فلو جمع الآنام لكنت فرداً
أحبهم الي بكل سعر

فلا تحسب رعاك اللَه أني
غدرت ولا هممت لكم يغدر

فواللَه العظيم لو أن قلبي
أحب سواك لم أسكنه صدري

وأعظم ما ألاقي منك أني
أدوم على الوفاء ولست تدري


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:34 PM
يا من تجاوز حد السمع والبصر
ومن يفوق ضياء الشمس والقمر

لو كنت تعلم ما ألقى من السهر
وما أقاسي من الأشجان والفكر

وما تضمن قلبي من هواك إذاً
لما رثيت لجسمي من أذى المطر

أنى يضر ندى الأمطار ذا كبد
حرى وقلبٍ بنار الشوق مستعر

لو كان دونك بحر الصين معترضاً
لخلت ذاك سراباً دارس الأثر

ولو أذنت وفيها بيننا سقر
لهون الشوق خوض النار في سقر

ولا تكذبن فما حال تضمنها
قلب المشوق توازي حال منتظر


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:35 PM
أتذكر اليوم ما لاقيت من كمدٍ
أم قد كفاك رسولي بالذي ذكرا

هذا مقام فتى أقصاه مالكه
فحاول الصبر حيناً ثم ما صبرا

بينا يعدد أحقاداً ويضمرها
إذا قاده الشوق حتى جاء معتذرا

لم يجن ذنباً فيدري ما يمحصه
ولا يرى أجلاً للصفح منتظرا

واللَه واللَه لا تشمت أعاديه
فالصفح أجمل بالمولى إذا قدرا


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:35 PM
ألا من لقلبٍ قد دعاه تجاسره
وضاقت به بعد الورود مصادره

تغافل عنه الدهر فاغتر بالمنى
فلما أضاع الحزم كرت عساكره

فأصبح كالمأسور طالت عداته
عليه وذلت بعد عزٍّ عشائره

تجرت عليه النائبات فأصبحت
بكل الردى غير الحمام تبادره

وقد كان صرف الدهر يقبل نحوه
إذا جال في بحرٍ من الفكر خاطره


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:36 PM
أمنت عليك الدهر والدهر غادر
وسكنت قلبي عنك والقلب نافر

وما ذاك عن إلفٍ تخيرت وصله
عليك ولا أني بعهدك غادر

ولكن صرف الدهر قد عجل الردى
وأيأسني من أن تدور الدوائر

فلست أرجيه ولست أخافه
وهل يرتجي ذو اللب ما لا يحاذر

إذا بلغ المكروه بي غاية المدى
فأهون ما تجري إليه المقادر

تناسيت أيام الصفاء التي مضت
لديك على أني لها الدهر ذاكر

أثبت قلبي عنك والود ثابتٌ
وهل تصبر الأحشاء والحزن صابر

إلى اللَه أشكو لا إليك فانه
على رد أيام الصفاء لقادر


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:36 PM
أتوب إليك من نقض العهود
لتؤمن مقلتي من السهود

أسأت فلا تعني بالدعاوي
فهأنذا أقر بلا شهود

وقد كان الجحود علي سهلاً
ولكني أنفت من الجحود

فقل لي لا عدمتك من مسيء
بما استحللت نقض عرى العهود

ألا يا نفس قد أخطأت فيما
أتيت فإن نجوت فلا تعودي

فكم جانٍ تجافى غير جهلٍ
فعاد فلم يذق طعم الهجود


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:37 PM
ألا يا لقومي للهوى المتزايد
وطول اشتياق الراحل المتباعد

رحلت لكي أحظى إذ أبت قادماً
فأوردني الترحال سوء الموارد

كأني لديغٌ حار عن كنه دائه
طبيبٌ فداواه بسم الأساود

فمال مع الداء القديم دواؤه
فيا لك من داءٍ طريفٍ وتالد


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:37 PM
يا غارس الحب بين القلب والكبد
هتكت بالهجر بين الصبر والجلد

إذا دعا اليأس قلبي عنك قال له
حسن الرجاء فلم يصدر ولم يرد

يا من تقوم مقام الموت فرقته
ومن يحل محل الروح من جسدي

قد جاوز الشوق بي أقصى مراتبه
فإن طلبت مزيداً منه لم أجد

واللَه لا ألفت نفسي سواك ولو
فرقت بالهجر بين الروح والجسد

إن توف لي لا أرد ما دمت لي بدلاً
وإن تعزيت لم أركن إلى أحد


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:37 PM
أأيام هذا الدهر كم تعنفين بي
كأن لم تري قبلي معنىً ولا بعدي

نوالاً كرجع الطرف أعجله القذى
وضناً كضن الجفن بالأعين الرمد

فمن بك مشتاقاً إلى نجح موعدٍ
فها أنا مشتاق إلى خلف الوعد

فلا خلف إلا بعد توكيد موعدٍ
ولا وعد إلا عن صفاءٍ من الود

وقد قذفت نفسي أجل حظوظها
لديك وفقد الحظ جزء من الفقد


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:38 PM
وقائلة قد كان عذرك واسعاً
ليالي كان الشعر في الرأس أسودا

فقلت لها والدمع جارٍ كأنه
نظام تعدى سلكه متبددا

لئن كان هذا الشيب غرك فاعلمي
بأني صحبت الشيب مذ كانت أمردا

أبا الشيب ينهي عن مساعدة الهوى
ولولا الهوى ما كنت للشيب مسعدا


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:38 PM
ولما أتونا بالمطايا وقربوا
محامل لم تشدد عليها قيودها

تيممتكم عمداً لأحظى بلحظةٍ
لعلي أن فارقتكم لا أعيدها

فلم أنس إذ قيدت رحل مطيتي
وقلت لحادي الذود لم لا تقودها

كأنك لم تعلم بأن رب لحظةٍ
تفوتك لا تدري متى تستفيدها

فلو لم تكن تهوى الفراق نحرتها
ولم تلتمس عمداً لها من يقودها

فيا عجباً مني ومن صبر مهجتي
علي وقد أعيت على من يكيدها

أضن بها عمن يرى الملك دونها
وأبذلها طوعاً لمن لا يريدها


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:39 PM
دعاني الشوق والركبان قد هجدوا
والشمس في آخر الجوزاء تنقد

والقيظ محتدم والروح منصرم
والرأي مختلف والحتف مطرد

والبيد مغبرة الأرجاء مقفرةٌ
كأن أعلامها في الآل ترتعد

فظلت طوعاً لداعي الشوق أوقظهم
وعل أكثرهم ساهون ما رقدوا

حتى إذا قلت شدوا قال بعضهم
قد جن هذا فخلوا عنه وابتعدوا

يدرون ما وجدوا من حر يومهم
وقت النزول ولا يدرون ما أجد

حر الفراق إذا ما الهجر ساعده
حر تخص به الأحشاء الكبد


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:39 PM
أهيم بذكر الكرخ مني صبابةً
وما بي إلا حب من حل بالكرخ

تجرعت كأساً من صدود محمدٍ
فقد أوهنت عظمي وجازت على المخ

فلست أبالي بالردى بعد فقده
وله يجزع المذبوح من ألم السلخ


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:40 PM
يعاتبني أناس في التصابي
بألبابٍ وأفئدة صحاح

إذا اختلط الظلام وهم سكارى
بكاسات الرقاد إلى الصباح

ولي سكرٌ يجنبني رقادي
فما أدري الغدو من الرواح

بلى في الأرض متسع عريض
ولكن قد منعت من البراح

وما يغني العقاب عيان صيدٍ
إذا كان العقاب بلا جناح


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-25-2024, 03:40 PM
وكم ليلةٍ قد بت أرقب صبحها
وأنجمها في الجو ما تتزحزح

ويماني فوق القلب تبرد حره
ويسراي تحت الخد والعين تسفح

فأصبحت مجهوداً عميداً من الهوى
وقد كان قلبي بالصبابة يطفح

وما علم الواشون عن العدى
بسرٍّ وما مثلي بسرك يصفح

فإن كان هذا القول عذراً قبلته
وإن كان تعذيراً فمثلك يصفح


ابن داود الظاهري
العصر العباسي

الحمدان
07-25-2024, 04:09 PM
أقلِّبُ في يدِ اللاشيءَ نَردي
‏أنا كلُّ احتمالٍ ليسَ يُجدِي

‏لقد حدَّقتُ في المعنى طويلًا
‏ولامستُ الحقيقةَ دونَ قصدِ

‏وكنتُ على الأسى أنفقتُ روحي
‏فماذا بعدُ للأشياءِ عندي

......

الحمدان
07-25-2024, 04:12 PM
‏فكرامتي محفوظةٌ ومشاعري
‏أولى لغيرك بعد ما أهملتَها

‏عُد للغيابِ فإنّ عيني لم تعُد
‏تلك التي تَبكيكَ حين تركتَها

‏فلكُلِّ قلبٍ في الحياة كرامةٌ
‏ولكلّ حبٍ لا يُراعى مُنتهى

‏ما عادت الذكرى تُكدّرُ خاطري
‏أكمِل غيابكَ فالحنينُ قد انتهى

......

الحمدان
07-25-2024, 04:24 PM
فأنا امرؤٌ حطَمَ المراكب كلها
‏ولكل بحرٍ قلت تلك مراكبي

‏آمنت بالكلمات وهي بعيدةٌ
‏وكفرت بالكلمات وهي بجانبي

‏لذّت مصائبيَ العِظام ولم أكن
‏من قبل ألقى لذةً بمصائبي

‏إني لمن قومٍ يحبون الأسى
‏وتوارثوه غائبا عن غائبِ


مهند الجهني

الحمدان
07-25-2024, 04:32 PM
يا أبيض القلب لا تحزن إذا زعموا
أنّ البياض بهــذا العصر تغفيل

إنّ البياض وإن أعيته غربته
أبهى الصفات وفـوق الروح إكليـل

دع السواد الذي يغشى ضمائرهـم
وعش نقيا فداك القال والقيل

......

الحمدان
07-25-2024, 04:41 PM
‏من فرطِ دهشتــهِ لمَّا تلقَّانــي
قال: السلامُ على من كادَ ينساني

وأسبلَ الدَّمعَ من عينيهِ مُتَّكئاً
على الجدارِ وقال: الله يرعاني

فقلتُ: منِّي عليكَ الحُبَّ أرسلهُ
ورحمةُ القلبِ تغشاكم وتغشاني

ثمَّ السلامُ على قلبي بقربكمو
ولا عُدِمتُ هواكم حين تلقاني

......

الحمدان
07-25-2024, 04:42 PM
‏فتحلَّ بالأدبِ النفيسِ، فإنَّهُ
حليٌ يعزُّ بهِ اللّبيبُ و يفخرُ

وَاحْذَرْ مُقَارَنَة َ اللَّئِيمِ وَإِنْ عَلاَ
فالمرءُ يُفسِدُهُ القَرينُ الأحقَرُ

ومِنَ الرِّجالِ مَناسِبٌ مَعروفَة ٌ
تَزكو مَوَدَّتها ، ومِنهُم مُنكَرُ

......

الحمدان
07-25-2024, 04:44 PM
حَمَّلتُ نفسي ذُنُوبًا لستُ أقواها
وَيلي من اللَّوم حين الله أحصاها

أخافُ والله من موتٍ يُبَاغِتُني
والنَّفسُ ترجو من الآمالِ أقصاها

إنَّ المَنِيَّةَ دَينٌ أنت دَافِعُهُ
فاجمع إلى يومِ كَربٍ فيهِ تلقاها

كم نائمٍ تحت تُرْبِ الأرضِ ودَّ إلى
يومٍ على ظَهرِها كيْ يَعْبُد اللهَ

......

الحمدان
07-25-2024, 04:56 PM
‏لا شيءَ عندي كي أدثّرَ وحدتي
إلا زيارةَ مَنْ عرفْتَ وموضعَكْ

خذني إليكَ .. وإنْ نويتَ فراقنا
خذني نديماً في الطريق أودّعكْ

خذني ولو ذكرىً جِواركَ تصطلي
وإذا نويتَ فراقنا .. خذني معك

......

الحمدان
07-25-2024, 05:00 PM
خذني إليكَ إذا أردتَ بقاءَنا
أمّا الفراقَ فما أقولُ لأمنعَكْ

أبقيتَني رغمَ انتظاركَ خائبًا
وأنا الذي لا شيءَ منّي أوجعَك

حسبي بأنّكَ إنْ أردتَ تكلّمًا
أسكَتُّ صرْخاتِ العتابِ لأسمعَك

أُبقيكَ في عيني كأنّكَ واقفٌ
في طرْفها حتى أخافُ لأدمَعَك


......

الحمدان
07-25-2024, 05:44 PM
بَقَّيتُ وَفرِي وَانحَرَفتُ عَنِ العُلَى
وَلَقِيتُ أضيَافِي بِوَجهِ عَبُوسِ

إن لَم أَشُنَّ عَلَى ابنِ هِندٍ غَارَةً
لَم تَخلُ يَوماً مِن نِهَابِ نُفُوسِ

خَيلاً كأَمثَالِ السَّعالِي شُزَّباً
تَعدُو بِبِيضٍ في الكَرِيهَةِ شُوسِ

حَمِيَ الحَدِيدُ عَلَيهِمُ فَكَأنَّهُ
وَمَضَانُ بَرقٍ أَو شُعاعُ شُمُوسِ


مالك الأشتر

الحمدان
07-25-2024, 05:44 PM
أعَائِشُ لَولاَ إنَّنِي كُنتُ طَاوِياً
ثَلاَثاً لأَلفَيتِ ابنَ أُختِكِ هَالِكا

غَدَاةَ يُنَادِي وَالرِّجالُ تَحُوزُهُ
بِأَضعَفِ صَوتٍ اقتُلُوني ومَالِكا

فَلَم يَعرِفُوه إِذ دَعَاهُم وَغَمَّهُ
خِدَبٌّ عَلَيهِ فِي العَجَاجَةِ بَارِكا

فَنَجَّاهُ مِنِّي أَكلُهُ وَشَبَابُهُ
وَأنَّى شَيخٌ لَم أكُن مُتَمَاسِكَا

وَقَالَت عَلَآ أَيّ الخِصَالِ صَرَعتَهُ
بِقَتلٍ أَتَى أم رِدَّةٍ لاَ أَبَالَكَا

أَمِ المُحصَنِ الزَّانِي الَّذِي حَلَّ قَتلُهُ
فَقُلتُ لَهَا لا بُدَّ مِن بَعضِ ذَلِكا


مالك الأشتر

الحمدان
07-25-2024, 05:45 PM
وَسَارَ ابنُ حَربٍ بِالغِوَايَةِ يَبتَغِي
قِتَالَ عَلِيٍّ وَالجُيُوشُ مَعَ الحَفلِ

فَسِرنَا إِلَيهِم جَهرَةً فِي بِلاَدِهِم
فَصُلنَا عَلَيهِم بِالسُّيُوفِ وَبِالنَّبلِ

فَأَهلَكًهُم رَبّي وَفَرَّقَ جَمعَهُم
وَكَانَ لَنَا عَوناً وَذَاقُوا رَدَى الخَبلِ


مالك الأشتر

الحمدان
07-25-2024, 05:45 PM
نَسِيرُ إِلَيكُم بِالقَنَابِلِ والقَنا
وَإِن كَانَ فِيمَا بَينَنَا سَرَفُ القَتلِ

فَلاَ يُرجِعِ اللهُ الَّذِي كَانَ بَينَنا
وَلاَ زَالَ بِالبَغضَا مَرَاجِلُكُم تَغلِي

فَدُونَكُمُ حَرباً عَوَاناً مُلِحَّةً
عَزِيزُكُمُ عِندِي أَذَلُّ مِنَ البَغلِ


مالك الأشتر

الحمدان
07-25-2024, 05:46 PM
إنَّا إِذَا مَا احتَسَبنَا الوَغَى
أَدرَنا الرَّحَى بِصُنُوفِ الحُدُل

وَضَرباً لِهَامَاتِهِم بِالسُّيُوفِ
وَطَعناً لَهُم بِالقَنَا والأَسَل

عَرَانِينُ مِن مَذحِجٍ وَسطَهَا
يَخُوضُونَ أَغمَارَها بِالهَبَل

وَوائلُ تُسعِرُ نِيرَانَها
يُنَادُونَهُم أمرُنَا قَد كَمَل

أَبُو حَسَنٍ صَوتُ خَيشُومِها
بِأَسيَافِهِ كُلُّ حَامٍ بَطَل

عَلَى الحَقِّ فِينَا لَهُ مَنهَجٌ
عَلَى وَاضِحِ القَصدِ لاَ بِالمَيَل


مالك الأشتر

الحمدان
07-25-2024, 05:46 PM
كَيفَ نَرُدُّ نَعثلاً وَقَد قَحَل

سَارَت بِهِ أُمُّ المَنَايَا وَرَحَل

نَحنُ ضَرَبنَا رَأسَهُ حَتَّى انجَفَل

لَمَّا حَكَى حُكمَ الطَّوَاغِيتِ الأُوَل

وَجَارَ فِي الحُكمِ وَجَارَ فِي العَمَل

وَأبدَلَ اللهُ بِهِ خَيرَ البَدَل

أَقدَمَ لِلحَربِ وَأَنكَى لِلبَطَل


مالك الأشتر

الحمدان
07-25-2024, 05:46 PM
لَعَمرُكَ يَا جَرِيرُ لَقَولُ عَمروٍ
وَصَاحِبِهِ مُعَاوِيَةَ الشَّآمِي

وذي كَلَعٍ وَحَوشَبَ ذِي ظُلِيمٍ
أخَفُّ عَلَيَّ من زِفِّ النَّعَامِ

إذَا اجتَمَعُوا عَلَيَّ فَخَلِّ عَنهُم
وَعَن بَازٍ مَخَالِبُهُ دَوَامِي

فَلَستُ بِخَائِفٍ مَا خَوَّفُونِي
وَكَيفَ أَخَافُ أَحلاَمَ النِّيامِ

وَهَمُّهُمُ الَّذِي حَمُوا عَلَيهِ
مِنَ الدُّنيَا وَهَمِّيَ مَا أَمَامِي

فَإِنّ أسلَم أَعُمَّهُم بِحَربٍ
يَشِيبُ لهَولِهَا رَأسُ الغُلاَمِ

وَإِن أهلِك فَقَد قَدَّمتُ أَمراً
أفُوزُ بِفَلجِهِ يَومَ الخِصَامِ

وقَد زَأَرُوا إِليَّ أَوعَدُونِي
وَمَن ذَا مَاتَ مِن خَوفِ الكَلاَمِ


مالك الأشتر

الحمدان
07-25-2024, 05:47 PM
وَأشعَثَ سَجَّادٍ بآيَاتِ رَبِّهِ
قَلِيلِ الاَذَى فِيمَا تَرَى العَينُ مُسلِمِ

شَكَكَتُ لَهُ بالرُّمحِ جَيبَ قَمِيصِهِ
فَخَرَّ صَرِيعاً لِليَدَينِ ولِلفَمِ

عَلى غَيرِ شَيءٍ غَيرَ أَن لَيسَ تَابِعاً
عَلِيّاً ومَن لاَ يَتبَعِ الحَقِّ ينَدَمِ

يُذَكِّرُني حَامِيمَ والرُّمحُ شَارِعٌ
فهَلاَّ تَلاَ حَامِيمَ قَبلَ التَّقَدُّمِ


مالك الاشتر

الحمدان
07-25-2024, 05:47 PM
أَيُّهَا الجَاهِلُ المُسِيءُ الظَّنَّ
لَيسَ مِثلِي تَجُوزُ فِيهِ الظُّنُونُ

لَستُ مِمَّن بَاعَ الهُدَى بِهَواهُ
إنَّ مَن بَاعَ دِينَهُ مَغبُونُ

إنَّمَا يَطلُبُ المَتَاعَ مِنَ النَّاسِ
سَفِيهٌ في رَأيهِ مَفتُونُ

حَسبِيَ اللهُ في الحَوَادِثِ والرُّمحُ
وَسَيفٌ مُهَنَّدٌ مَسنُونُ

وَدِلاَصٌ مِثلُ الأَضَاةِ وَطِرفٌ
أَعوَجِيٌّ كأنَّهُ مَجنُونُ

وَهَوَايَ الَّذِي تَقَرُّبِهِ العَينُ
وَبِالحَقِّ قَد تَقَرُّ العُيُونُ

إنَّ مِثلِي مِنَ الرِّجَالِ قَلِيلٌ
حِينَ يَبدُو مِنَ النِّساءِ البَرِينُ

هكَذا كُنتُ يَا فَوارِسَ لَخمٍ
وَكَذا فِي الَّذِي يَكُونُ أَكُونُ


مالك الاشتر
المخضرمون

الحمدان
07-25-2024, 05:53 PM
نَفَى النَّوْمَ عَنْ عَيْنَيْه نَفْسٌ أَبِيَّةٌ
لَها بينَ أَطْرافِ الأَسِنَّة مَطْلَبُ

بَعِيدُ مَناطِ الْهَمِّ فَالغَرْبُ مَشْرِقٌ
إِذَا مَا رَمَى عَيْنَيْهِ والشَّرْقُ مَغْرِبُ


مَحْمُود سَامِي البَارُوديِّ

الحمدان
07-25-2024, 08:27 PM
لِدارِكِ يا لَيلى سَماءٌ تَجودُها
وَأَنفاسُ ريحٍ كُلَّ يَومٍ تَعودُها

وَإِن خَفَّ مِن تِلكَ الرُسومِ أَنيسُها
وَأَخلَقَ مِن بَعدِ الأَنيسِ جَديدُها

مَنازِلُ لا الأَيّامُ تُعدي عَلى البِلى
رُباها وَلا أَوبُ الخَليطِ يُقيدُها

وَعَهدي بِها مِن قَبلِ أَن تَحكُمَ النَوى
عَلى عَينِها أَلّا تَدومَ عُهودُها

بَعيدَةُ ما بَينَ المُحِبّينَ وَالجَوى
وَمَجموعَةٌ غيدُ اللَيالي وَغيدُها

وَساكِنَةُ الأَرجاءِ يُمرِضُ طَرفُها
وَإِن هِيَ لَم تَعلَم وَيُمرِضُ جيدُها

أَساءَت بِنا إِذ كانَ يَبعُدُ وَعدُها
مِنَ النُجحِ أَحياناً وَيَدنو وَعيدُها

لَها الدَهرُ إِضرارٌ فَإِمّا فِراقُها
مُجِدٌّ لَنا وَجداً وَإِمّا صُدودُها

عَذيرِيَ مِن حارِ بنِ كَعبٍ تَعَسَّفَت
مِنَ الظُلمِ صَعداءً مَهولاً صُعودُها

وَدامَت وَإِن دامَت عَلى عُدَوائِها
فَقائِمُها عَمّا قَليلٍ حَصيدُها

وَما كانَ يَرضى بِالَّذي رَضِيَت بِهِ
لِأَنفُسِها دَيّانُها وَيَزيدُها

وَلِلظُلمِ ما أَمسَت وَعَبدُ يَغوثِها
يُخَزّيهِ غاوي مَذحِجٍ وَرَشيدُها

وَلاقَت عَلى الزابِ الصَغيرِ حُماتُها
حِمامَ المَنايا إِذ عِمادٌ عَميدُها

فَإِن هِيَ لَم تَقنَع بِمَكروهِ ما مَضى
عَلَيها فَعِندَ المُرهَفاتِ مَزيدُها

عَلى أَنَّني أَخشى عَلى دارِ أَمنِها
بَني الرَوعِ تَصطادُ الفَوارِسَ صَيدُها

وَإِن تَجلُبِ المَوتَ الذُعافَ إِلَيهِمِ
كَتائِبُ مِن نَبهانَ مُرٌّ يَقودُها

مُغِذٌّ إِلى الدينَورِ تَحتَ عَجاجَةٍ
تَزاءَرُ في غابِ الرِماحِ أُسودُها

يَهُزُّ سُيوفاً ما تَجِفُّ نِصالُها
وَيَزجُرُ خَيلاً ما تُحَطُّ لُبودُها

وَإِن كَلَّفوهُ أَن يُهينَ كِرامَهُم
فَقَد كَلَّفوهُ خُطَّةً ما يُريدُها

غَدا مُمسِكاً عَنهُم أَعِنَّةَ خَيلِهِ
وَلَو أُطلِقَت كَدَّ النُجومَ كَديدُها

وَمُستَظهِراً بِالعَفوِ مِن قَبلِ أَن تُرى
لَهُ سَطَواتٌ ما يُنادي وَليدُها

فَيُصبِحُ في أَفناءِ سَعدِ بنِ مالِكٍ
وُجوهٌ مِنَ المَخزاةِ سودٌ خُدودُها

أَقيموا بَني الدَيّانِ مِن سُفَهائِكُم
فَقَد طالَ عَن قَصدِ السَبيلِ مَحيدُها

أَما آنَ أَن يَنهى عَنِ الجَهلِ وَالخَنا
قِيامُ المَنايا فيكُمُ وَقُعودُها

قَرابَتُكُم لا تَظلِموها فَتَبعَثوا
عَلَيكُم صُدوراً ما تَموتُ حُقودُها

لَها الحَسَبُ الزاكي الَّذي تَعرِفونَهُ
وَفيها طَريفاتُ العُلا وَتَليدُها

فَلا تَسأَلوها عَن قَديمِ تُراثِها
فَعَسجَدُها مِمّا أَفادَ حَديدُها

ذَوُ النَخِلاتِ الخُضرِ في بَطنِ حائِلٍ
وَفي فَلَجٍ خُطبانُها وَهَبيدُها

وَأَهلُ سُفوحٍ مِن شَمائِلَ تَكتَسي
بِهِم أَرَجاً حَتّى يُشَمَّ صَعيدُها

يَنامونَ عَن أَكفائِهِم وَعَلَيهِمُ
مِنَ اللَهِ نُعمى ما يَنامُ حَسودُها

مَقاماتُهُم أَركانُ رَضوى وَيَذبُلٍ
وَأَيديهِمُ بَأسُ اللَيالي وَجودُها

أَبا خالِدٍ ما جاوَرَ اللَهُ نِعمَةً
بِمِثلِكَ إِلّا كانَ جَمّاً خُلودُها

وَجَدنا خِلالَ الخَيرِ عِندَكَ كُلَّها
وَلَو طُلِبَت في الغَيثِ عَزَّ وُجودُها

وَقَد جَزِعَت جَلدٌ وَلَولاكَ لَم يَكُن
لِيَجزَعَ مِن صَرفِ الزَمانِ جَليدُها

فَأَولِهِمُ نُعمى فَكُلُّ صَنيعَةٍ
رَأَيناكَ تُبديها فَأَنتَ تُعيدُها

قَرابَتُكَ الأَدنَونَ مِن حَيثُ تَنتَمي
وَجيرَتُكَ الداني إِلَيكَ بَعيدُها

أَتَهدِمُ جُرفَيها وَطَودُكَ طَودُها
وَتَنحِتُ فَرعَيها وَعودُكَ عودُها

وَلا غَروَ إِلّا أَن تَكيدَ سَراتَها
وَتَغمِسَ نَصلَ السَيفِ فيمَن يَكيدُها

وَتَنهَضَ في الأَبطالِ تُفني عَديدَها
وَسُؤلُكَ في أَنَّ التُرابَ عَديدُها

إِلَيكَ وُقودُ الحَربِ عِندَ اِبتِدائِها
وَلَيسَ إِذا تَمَّت إِلَيكَ خُمودُها

فَأَقصِر فَفي الإِقصارِ بُقيا فَإِنَّها
مَكارِمُ حَيَّي يَعرُبٍ تَستَفيدُها

وَدونَكَ فَاِختَر في قَبائِلِ مَذحِجٍ
أَتَقهَرُها عَن أَمرِها أَم تَسودُها

أَبَت لَكَ أَن تَأبى المَكارِمَ أُسرَةٌ
أَبوها عَنِ الفِعلِ الدَنِيِّ يَذودُها

وَهَل طَيِّئٌ إِلّا نُجومُ تَوَقَّدَت
عَلى صَفحَتَي لَيلٍ وَأَنتُم سُعودُها

تَطوعُ القَوافِيَ فيكُمُ فَكَأَنَّما
يَسيلُ إِلَيكُم مِن عُلوٍّ قَصيدُها

وَكَم لِيَ مِن مَحبوكَةِ الوَشيِ فيكُمُ
إِذا أُنشِدَت قامَ اِمرُؤٌ يَستَعيدُها


البحتري
العصر العباسي

الحمدان
07-25-2024, 08:28 PM
حاجَةُ ذا الحَيرانِ أَن تُرشِدَه
أَو تَترُكَ اللَومَ الَّذي لَدَّدَه

يَمضي أَخو الحُبِّ عَلى نَهجِهِ
فَنَّدَهُ في الحُبِّ مَن فَنَّدَه

وَيُعرَفُ المَرذولُ مِن غَيرِهِ
بِمَن لَحى المَبتولَ أَو أَسعَدَه

لا أَدَعُ الأُلّافَ أَشتاقُهُم
وَاللَهوَ أَن أَتبَعَ فيهِم دَدَه

وَلا التَصابي أَرتَدي بُردَهُ
وَمَشهَدَ اللَذّاتِ أَن أَشهَدَه

وَالدَهرُ لَونانِ فَهَل مُخلِقٌ
أَبيَضَهُ بَاللُبسِ أَم أَسوَدَه

يا هَل تُرى مُدنِيَةٌ لِلهَوى
بِمَنبِجٍ أَيامُهُ المُبعَدَة

نَشَدتُ هَذا الدَهرَ لَمّا ثَنى
يُصلِحُ مِن شَأني الَّذي أَفسَدَه

مَذَمَّةٌ مِنهُ تَغَمَّدتُها
بِالصَبرِ حَتّى خُيِّلَت مَحمَدَه

فَرَّقَ بَينَ الناسِ في نَجرِهِم
ما يُعظِمُ العَبدُ لَهُ سَيِّدَه

وَأَنجُمُ الأُفقِ نِظامٌ ذَلا
ما خالَفَت أَنحُسُهُ أَسعَدَه

لا أَحفِلُ الأَشباحَ حَتّى أَرى
بَيانَ ما تَأتي بِهِ الأَفئِدَه

وَالبُخلُ غُلٌّ آسِرٌ بَعضُهُم
يَقصُرُ عَن نَيلِ المَساعي يَدَه

وَمُغرَمٌ بِالمَنعِ أُغرِمتُ بِال
إِعراضِ عَن أَبوابِهِ الموصَدَه

أَصونُ نَفساً لا أَرى بَذلَها
حَظّاً وَأَخلاقاً سَمَت مُصعِدَه

ما اِستَنَّ عَبدُ اللَهِ أُكرومَةً
إِلّا وَقَد نازَعَها مَخلَدَه

أُنظُر إِلى كُلِّ الَّذي جاءَهُ
فَإِنَّهُ بَعضُ الَّذي عَوَّدَه

سَوابِقٌ مِن شَرَفٍ أَوَّلٍ
أَكَّدَهُ الأَعشى بِما أَكَّدَه

وَالمَجدُ قَد يَأبِقُ مِن أَهلِهِ
لَولا عُرى الشِعرِ الَّذي قَيَّدَه

إِذا تَأَمَّلتَ فَتى مَذحِجٍ
مَلَأتَ عَيناً رَمَقَت سُؤدَدَه

واحِدُ دَهرٍ إِن بَدا نائِلاً
ثَنّاهُ في الأَقوامِ أَو رَدَّدَه

مَتى اِختَبَرناهُ حَمِدنا وَقَد
يُخرِجُ ما في السَيفِ مَن جَرَّدَه

تَرى بِهِ الحُسّادُ مِن سَروِهِ
ناراً عَلى أَكبادِهِم موقَدَه

إِنَّ القَناني وَإِنَّ النَدى
تِربا اِصطِحابٍ وَأُخَيّا لِدَه

تَعاقَدا حِلفاً عَلى وَفرِ ذي
وَفرٍ إِذا جَمَّعَهُ بَدَّدَه

فَالفِعلُ فَوتَ القَولِ إِن فاضَ في
عارِفَةٍ وَالجودُ فَوتَ الجِدَه

أَنجَحَ ما قَدَّمَ مِن مَوعِدِ
مُشَيَّعٌ يُصدِرُ ما أَورَدَه

إِذا اِبتَلى يَومَ جَداهُ اِمرُؤٌ
أَغناهُ عَن أَن يَتَرَجّى غَدَه

طَولٌ إِذا لَم يَستَطِع شُكرُهُ
هَمَّ لَئيمُ القَومِ أَن يَجحَدَه

يُشرِقُ بِشراً وَهوَ في مَغرَمٍ
لَو مُنِيَ البَدرُ بِهِ رَبَّدَه

ضَوءٌ لَو اَنَّ الفَلَكَ اِزدادَ في
أَنجُمِهِ مِنهُ لَما أَنفَدَه

بَقيتَ مَرغوباً إِلَيهِ وَإِن
جِئتَ بِبِنتِ الجَبَلِ المُؤيِدَه

ما كُنتُ أَخشاكَ عَلى مِثلِها
أَن تُسقِطَ الرِزقَ وَتَنسى العِدَه

إِن كانَ عَن وَهمٍ رَضينا الَّذي
تَسخَطُهُ أَو كانَ عَن مَوجِدِه


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:29 PM
أَجِرني مِنَ الواشي الَّذي جارَ وَاِعتَدى
وَغابِرِ شَوقٍ غارَ بي ثُمَّ أَنجَدا

وَإِلّا فَأَسعِدني بِدَمعِكَ إِنَّهُ
يُهَوِّنُ ما بي أَن أَرى لِيَ مُسعِدا

سَقى الغَيثُ أَجراعاً عَهِدتُ بِجَوِّها
غَزالاً تُراعيهِ الجَآذِرُ أَغيَدا

إِذا ما الكَرى أَهدى إِلَيَّ خَيالَهُ
شَفى قُربُهُ التَبريحَ أَو نَقَعَ الصَدى

إِذا اِنتَزَعَتهُ مِن يَدَيَّ اِنتِباهَةٌ
عَدَدتُ حَبيباً راحَ مِنِّيَ أَو غَدا

وَلَم أَرَ مِثلَينا وَلا مِثلَ شَأنِنا
تُعَذَّبُ أَيقاظاً وَنَنعَمُ هُجَّدا

تَصعَدُ أَنفاسي جَوىً وَتَشَوُّقاً
إِذا البَرقُ مِن غَربِيِّ دِجلَةَ أَصعَدا

وَما ذاكَ إِلّا لَوعَةٌ لَكَ زادُها
تَنائي الدِيارَ جِدَّةً وَتَوَقُّدا

فَمَن غابَ يَنوي نِيَّةً عَن حَبيبِهِ
وَهَجراً فَإِنّي غِبتُ عَنكَ لِأَشهَدا

وَما القُربُ في بَعضِ المَواطِنِ لِلَّذي
يَرى الحَزمَ إِلّا أَن يَشِطَّ وَيَبعُدا

إِلى ابنِ أَميرِ المُؤمِنينَ تَناهَبَت
بِنا العيسُ دَيجوراً مِنَ اللَيلِ أَسوَدا

إِلى مُنعِمٍ لا الجودُ عَنهُ بِعازِبٍ
بَطيءٍ وَلا المَعروفُ مِنهُ بِأَنكَدا

رَأَينا بَني الأَمجادِ في كُلِّ مَعشَرٍ
فَكانوا لِعَبدِ اللَهِ في المَجدِ أَعبَدا

عَلَيهِ مِنَ المُعتَزِّ بِاللَهِ بَهجَةٌ
أَضاءَت فَلَو يَسري بِها الرَكبُ لَاهتَدى

إِذا ما اِنتَمى ناصى المَجَرَّةَ وَاِعتَزى
إِلى أَنجُمٍ ما زِلنَ لِلمُلكِ أَسعُدا

إِلى خُلَفاءِ سُنَّةٍ قَد تَنافَسوا
لِتَثقُلَ في أَعناقِهِم وَتُرَدَّدا

يَروقُ العُيونَ الناظِراتِ بِطَلعَةٍ
مِنَ الحُسنِ لَو وافى بِها البَدرَ باعَدا

لَهُ في قُلوبِ الأَولِياءِ مَحَبَّةٌ
تَعُدُّ بِها الأَعداءُ جُنداً مُجَنَّدا

تَأَمَّل أَمينَ اللَهِ فَرطَ جَلالَةٍ
وَأُبَّهَةٍ تَبدو عَلَيهِ إِذا بَدا

إِذا أَعجَبَتكَ اليَومَ مِنهُ خَليقَةٌ
مُهَذَّبَةٌ أَعطاكَ أَمثالَها غَدا

طُلوبٌ لِأَقصى غايَةٍ بَعدَ غايَةٍ
إِذا قُلتَ يَوماً قَد تَناهى تَزَيَّدا

سُرِرنا بِأَن أَمَّرتَهُ وَنَصَبتَهُ
لَنا عَلَماً نَأوي إِلى ظِلِّهِ غَدا

وَأَبهَجَنا ضَربُ الدَنانيرِ بِاسمِهِ
وَتَقليدُهُ مِن أَمرِنا ما تَقَلَّدا

وَلِم لا يُرى ثانيكَ في السُلطَةِ الَّتي
خُصِصتَ بِها ثانيكَ في الجودِ وَالنَدى

حَقيقٌ بِأَن تَرمي بِهِ الجانِبَ الَّذي
يَهُمُّ وَأَن تُفضي إِلَيهِ وَتَعهَدا

وَمِثلُكَ حاطَ المُسلِمينَ بِمِثلِهِ
سَداداً وَلَم يُهمِل رَعِيَّتَهُ سُدى

فَلَو دامَ شَيءٌ آخِرُ الدَهرِ سَرَّنا
غِنىً عَنهُ مَوجودٌ وَدُمتَ مُخَلَّدا

أَبِن فَضلَهُ وَاِشهَر نَباهَةَ قَدرِهِ
وَأَبقِ لَهُ في الناسِ ذِكراً مُجَدَّدا

فَلَلسَيفُ مَسلولاً أَشَدُّ مَهابَةً
وَأَظهَرَ إِفرِنداً مِنَ السَيفِ مُغمَدا

بَقيتَ تُرَجّيهِ وَعاشَ مُؤَمَّلاً
يُراعي اِتِّصالاً مِن حَياتِكَ سَرمَدا

لَقَد ساوَرَت خَيلَ المُساوِرِ عُصبَةً
أَفاءَت عَلَيهِ الطَعنَ غَضّاً مُجَدَّدا

حَمَوهُ سُهولَ الأَرضِ مِن كُلِّ جانِبٍ
فَظَلَّ شَريداً في الجِبالِ مُطَرَّدا

عُلوجٌ وَأَعرابٌ يُرَجّونَ حائِناً
أَضاعَ الحِجى حَتّى طَغى وَتَمَرَّدا

يُسَمّونَهُ بِاِسمِ الخَليفَةِ بَعدَ ما
رَعى الضَأنَ فيهِم ذا مَشيبٍ وَأَمرَدا

فَلِم لَم تَزَعهُ الوازِعاتُ وَيَجتَنِب
عَداوَةَ مَنصورِ اليَدَينِ عَلى العِدى

وَلَو شاوَرَ الأَيّامَ قَبلَ خُروجِهِ
نَهَينَ اِبنَ أُمِّ الكَلبِ أَن يَتَوَرَّدا

كَأَنّي بِهِ إِمّا قَتيلاً مُضَرَّجاً
بِأَيدي المَوالى أَو أَسيراً مُقَيَّدا


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:29 PM
وَجَدنا خِلالَ أَبي صالِحٍ
شَبائِهَ ما شِدنَ مِن مَجدِهِ

حَوى عَن أَبيهِ الَّذي حازَهُ
أَبوهُ المُهَذَّبُ عَن جَدِّهِ

عَفافٌ يَعودُ عَلى بَدإِهِ
وَهَديٌ يَسيرُ عَلى قَصدِهِ

فَأَيُّ عُلاً لَم يَنَل فَخرَها
وَجَزلٍ مِنَ النَيلِ لَم يُسدِهِ

هُوَ الغَيثُ يُنهَلُّ في صَوبِهِ
دِراكاً وَيَعذُبُ في وِردِهِ

لَقَد عَلِقَت مِنهُ آمالُنا
بِحَبلِ غَريبِ النَدى فَردِهِ

مُنانا وَحاجَتُنا أَن يَعِززَ
وَأَن يَمنَعَ اللَهُ مِن فَقدِهِ

أَبا صالِحٍ أَنتَ مَن لا يَدَللُ
يَومَ الفَعالِ عَلى نِدِّهِ

فَذاكَ البَخيلُ مِنَ النائِباتِ
وَصَرفِ اللَيالي وَلا تَفدِهِ

أَتَصطَنِعُ اليَومَ أُكرومَةً
إِلى مُثمِرٍ لَكَ مِن وُدِّهِ

فَقَد شارَفَ النُجحَ مِن سَيِّدٍ
إِذا جادَ بِالعُرفِ لَم يُكدِهِ

وَأَمرُ أَبي الفَضلِ في حاجَتي
بِما فُزتَ بِالشَطرِ مِن حَمدِهِ

فَمِن عِندِكَ القَولُ مُستَأنِفاً
لِتَقتَبِلَ الفِعلَ مِن عِندِهِ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:30 PM
يا عارِضاً مُتَلَفِّعاً بِبُرودِهِ
يَختالُ بَينَ بُروقِهِ وَرُعودِهِ

لَو شِئتَ عُدتَ بِلادَ نَجدٍ عَودَةً
فَنَزَلتَ بَينَ عَقيقِهِ وَزَرودِهِ

لِتَجودَ في رَبعٍ بِمُنعَرَجِ اللِوى
قَفرٍ تَبَدَّلَ وَحشَهُ مِن غيدِهِ

رَفَعَ الفِراقُ قِبابَهُم فَتَحَمَّلوا
بِفُؤادِ مُختَبِلِ الفُؤادِ عَنيدِهِ

وَأَنَ الفِداءُ لِمُرهَفٍ غَضِّ الصِبا
توهيهِ حَملُ وِشاحِهِ وَعُقودِهِ

قَصُرَت تَحِيَّتُهُ فَجادَ بِخَدِّهِ
يَومَ الفِراقِ لَنا وَضَنَّ بِجيدِهِ

عُنِيَت بِهِ عَينُ الرَقيبِ فَلَم تَدَع
مِن نَيلِهِ المَطلوبِ غَيرَ زَهيدِهِ

وَلَوِ اِستَطاعَ لَكانَ يَومُ وِصالِهِ
لِلمُستَهامِ مَكانَ يَومِ صُدودِهِ

ما تُنكِرُ الحَسناءُ مِن مُتَوَغِّلٍ
في اللَيلِ يَخلِطُ أَينَهُ بِسُهودِهِ

قَد لَوَّحَت مِنهُ السُهوبُ وَأَثَّرَت
في يُمنَتَيهِ وَعَنسِهِ وَقُتودِهِ

فَلِفِضَّةِ السَيفِ المُحَلّى حُسنُهُ
مُتَقَلَّداً وَمَضاؤُهُ لِحَديدِهِ

أَعلى بَنو خاقانَ مَجداً لَم تَزَل
أَخلاقُهُم حُبُساً عَلى تَشييدِهِ

وَإِلى أَبي الحَسَنِ اِنصَرَفتُ بِهِمَّتي
عَن كُلِّ مَنزورِ النَوالِ زَهيدِهِ

أُثني بِنِعمَتِهِ الَّتي سَبَقَت لَهُ
وَمَزيدِهِ مِن قَبلِ حينِ مَزيدِهِ

وَعُلُوِّهِ في المَكرُماتِ فَجودُهُ
فيها طَوالَ الدَهرِ فَوقَ وُجودِهِ

إِن قَلَّ حَمدٌ عادَ في تَكثيرِهِ
أَو رَثَّ مَجدٌ عادَ في تَجديدِهِ

حِفظاً عَلى مِنهاجِهِ المُفضي إِلى
أَمَدِ العُلى وَتَقَيُّلاً لِجُدودِهِ

وَإِذا أَشارَ إِلى الأَعاجِمِ أَعرَبَت
عَن طارِفِ الحَسَبِ الكَريمِ تَليدِهِ

عَن مُستَقِرٍّ في مَراتِبِ مَجدِهِم
في بازِخٍ نائي المَحَلِّ بَعيدِهِ

تَجري خَلائِقُهُ إِذا جَمَدَ الحَيا
بِغَليلِ شانِئِهِ وَغَيظِ حَسودِهِ

يَفدي عُبَيدَ اللَهِ مِن حُسّادِهِ
مَن باتَ يَربَأُ عَنهُمُ بِعَبيدِهِ

أَرِجُ النَدى يَنبَثُّ في مَعروفِهِ
مِن عَرفِهِ وَيَزيدُ في تَوكيدِهِ

وَمُبَجَّلٌ وَسَطَ الرِجالِ خُفوفُهُم
لِقِيامِهِ وَقِيامُهُم لِقُعودِهِ

وَالدَهرُ يَضحَكُ مِن بَشاشَةِ بِشرِهِ
وَالعَيشُ يَرطُبُ عَن نَضارَةِ عودِهِ

وَنَصيحَةُ السُلطانِ مَوقِعُ طَرفِهِ
وَنَجِيُّ فِكرَتِهِ وَحُلمُ هُجودِهِ

إِن أَوقَعَ الكُتّابَ أَمرٌ مُشكِلٌ
في حَيرَةٍ رَجَعوا إِلى تَسديدِهِ

وَالحَزمُ يَذهَبُ غَيرَ مُلتاثٍ إِلى
تَصويبِهِ في الرَأيِ أَو تَصعيدِهِ

أَوفى عَلى ظُلَمِ الشُكوكِ فَشَقَّها
كَالصُبحِ يَضرِبُ في الدُجى بِعَمودِهِ

نَعتَدُّهُ ذُخرَ العُلا وَعَتادَها
وَنَراهُ مِن كَرَمِ الزَمانِ وَجودِهِ

فَاللَهُ يُبقيهِ لَنا وَيَحوطُهُ
وَيُعِزُّهُ وَيَزيدُ في تَأييدِهِ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:30 PM
شُغلانِ مِن عَذلِ وَمِن تَفنيدِ
وَرَسيسِ حُبٍّ طارِفٍ وَتَليدِ

وَأَما وَأَرآمِ الظِباءِ لَقَد نَأَت
بِهَواكَ أَرآمُ الظِباءِ الغيدِ

طالَعنَ غَوراً مِن تِهامَةَ وَاِعتَلى
عَنهُنَّ رَملا عالِجٍ وَزَرودِ

لَمّا مَشَينَ بِذي الأَراكِ تَشابَهَت
أَعطافُ قُضبانٍ بِهِ وَقُدودِ

في حُلَّتي حِبرٍ وَرَوضٍ فَاِلتَقى
وَشيانِ وَشيُ رُباً وَوَشيُ بُرودِ

وَسَفَرنَ فَاِمتَلَأَت عُيونٌ راقَها
وَردانِ وَردُ جَناً وَوَردُ خُدودِ

وَضَحِكنَ فَاغتَرَفَ الأَقاحي مِن نَدىً
غَضٍّ وَسَلسالِ الرِضابِ بَرودِ

نَرجو مُقارَبَةَ الحَبيبِ وَدونُهُ
وَخدٌ يُبَرِّحُ بِالمَهارى القودِ

وَمَتى يُساعِدُنا الوِصالُ وَدَهرُنا
يَومانِ يَومُ نَوىً وَيَومُ صُدودِ

طَلَبَت أَميرَ المُؤمِنينَ رِكابُنا
مِن مَنزَعٍ لِلطالِبينَ بَعيدِ

فَالخِمسُ بَعدَ الخِمسِ يَذهَبُ عِرضُهُ
في سَيرِها وَالبيدُ بَعدَ البيدِ

نَجلو بِغُرَّتِهِ الدُجى فَكَأَنَّنا
نَسري بِبَدرٍ في الدَآدي السودِ

حَتّى وَرَدنا بَحرَهُ فَتَقَطَّعَت
غُلَلُ الظَما عَن بَحرِهِ المَورودِ

في حَيثِ يَعتَصِرُ النَدى مِن عودِهِ
وَيُرى مَكانُ السُؤدُدِ المَنشودِ

عَجِلٌ إِلى نُجحِ الفَعالِ كَأَنَّما
يُمسي عَلى وِترٍ مِنَ المَوعودِ

يَعلو بِقَدرٍ في القُلوبِ مُعَظَّمِ
أَبَداً وَعِزٍّ في النُفوسِ جَديدِ

في هَضبَةِ الإِسلامِ حَيثُ تَكامَلَت
أَنصارُهُ مِن عُدَّةٍ وَعَديدِ

مُتَرادِفينَ عَلى سُرادِقِ أَغلَبٍ
تَعنو لَهُ نَظَرُ المُلوكِ الصيدِ

جَوٌّ إِذا رُكِزَ القَنا في أَرضِهِ
أَيقَنتَ أَنَّ الغابَ غابُ أُسودِ

وَإِذا السِلاحُ أَضاءَ فيهِ حَسِبتَهُ
بَرّاً تَأَلَّقَ فيهِ بَحرُ حَديدِ

وَمُدَرَّبينَ عَلى اللِقاءَ يَشُفُّهُم
شَوقٌ إِلى يَومِ الوَغى المَوعودِ

لَحِقَت خُطاهُ الخالِعينَ وَأَثقَبَت
عَزَماتُهُ في الصَخرَةِ الصَيخودِ

وَرَمى سَوادَ الأَرمَنينَ وَقَد عَدا
في عُقرِ دارِهِمِ قُدارُ ثَمودِ

فَغَدَوا حَصيداً لِلسُيوفِ تَكُبُّهُم
أَطرافُهُنَّ وَقائِماً كَحَصيدِ

أَحيا الخَليفَةُ جَعفَرٌ بِفَعالِهِ
أَفعالَ آباءٍ لَهُ وَجُدودِ

تَتَكَشَّفُ الأَيّامُ مِن أَخلاقِهِ
عَن هَديِ مَهدِيٍّ وَرُشدِ رَشيدِ

وَلَهُ وَراءَ المُذنِبينَ وَدونَهُم
عَفوٌ كَظِلِّ المُزنَةِ المَمدودِ

وَأَناةُ مُقتَدِرٍ تُكَفكِفُ بَأسَهُ
وَقَفاتُ حِلمٍ عِندَهُ مَوجودِ

أَمسَكنَ مِن رَمَقِ الجَريحِ وَرُمنَ أَن
يُحيينَ مِن نَفسِ القَتيلِ المودي

حاطَ الرَعِيَّةَ حينَ ناطَ أُمورُها
بِثَلاثَةٍ بَكَروا وُلاةَ عُهودِ

قُدّامَهُم نورُ النَبِيِّ وَخَلفَهُم
هَديُ الإِمامِ القائِمِ المَحمودِ

لَن يَجهَلَ الساري المَحَجَّةَ بَعدَ ما
رُفِعَت لَنا مِنهُم بُدورُ سُعودُ

كانوا أَحَقَّ بِعَقدِ بَيعَتِها ضُحاً
وَبِنَظمِ لُؤلُؤِ تاجِها المَعقودِ

عُرِفوا بِسيماها فَلَيسَ لِمُدَّعٍ
مِن غَيرِهِم فيها سِوى الجُلمودِ

فَنِيَت أَحاديثُ النُفوسِ بِذِكرِها
وَأَفاقَ كُلُّ مُنافِسٍ وَحَسودِ

وَاليَأسُ إِحدى الراحَتَينِ وَلَن تَرى
تَعَباً كَظَنِّ الخائِبِ المَكدودِ

فَاِسلَم أَميرَ المُؤمِنينَ وَلا تَزَل
مُستَعلِياً بِالنَصرِ وَالتَأَييدِ

نَعتَدُّ عِزَّكَ عِزَّ دينِ مُحَمَّدٍ
وَنَرى بَقاءَكَ مِن بَقاءِ الجودِ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:31 PM
العَيشُ في لَيلِ دارَيّا إِذا بَرَدا
وَالراحُ نَمزُجُها بِالماءِ مِن بَرَدى

قُل لِلإِمامِ الَّذي عَمَّت فَواضِلُهُ
شَرقاً وَغَرباً فَما نُحصي لَها عَدَدا

اللَهُ وَلّاكَ عَن عِلمٍ خِلافَتَهُ
وَاللَهُ أَعطاكَ ما لَم يُعطِهِ أَحَدا

وَما بَعَثتَ عِتاقَ الخَيلِ في سَفَرٍ
إِلّا تَعَرَّفتَ فيهِ اليُمنَ وَالرَشَدا

أَمّا دِمَشقُ فَقَد أَبدَت مَحاسِنَها
وَقَد وَفى لَكَ مُطريها بِما وَعَدا

إِذا أَرَدتَ مَلَأتَ العَينَ مِن بَلَدٍ
مُستَحسَنٍ وَزَمانٍ يُشبِهُ البَلَدا

يُمسي السَحابُ عَلى أَجبالِها فِرَقاً
وَيُصبِحُ النَبتُ في صَحرائِها بَدَدا

فَلَستَ تُبصِرُ إِلّا واكِفاً خَضِلاً
أَو يانِعاً خَضِراً أَو طائِراً غَرِدا

كَأَنَّما القَيظُ وَلّى بَعدَ جيأَتِهِ
أَوِ الرَبيعُ دَنا مِن بَعدِ ما بَعُدا

يا أَكثَرَ الناسِ إِحساناً وَأَعرَضَهُم
سَيبَن وَأَطوَلَهُم في المَكرُماتِ يَدا

ما نَسأَلُ اللَهَ إِلّا أَن تَدومَ لَكَ
النَعماءُ فينا وَأَن تَبقى لَنا أَبَدا


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:31 PM
أُنَبّيكِ عَن عَيني وَطولِ سُهادِها
وَحَرقَةِ قَلبي بِالجَوى وَاِتِّقادِها

وَأَنَّ الهُمومَ اِعتَدنَ بَعدَكِ مَضجَعي
وَأَنتِ الَّتي وَكَّلتِني بِاِعتِيادِها

خَليلَيَّ إِنّي ذاكِرٌ عَهدَ خُلَّةٍ
تَوَلَّت وَلَم أُذمِم حَميدَ وِدادِها

فَواعَجَباً ما كانَ أَقصَرَ دَهرِها
لَدَيَّ وَأَدنى قُربِها مِن بِعادِها

وَكُنتُ أَرى أَنَّ الرَدى قَبلَ بَينِها
وَأَنَّ اِفتِقادَ العَيشِ قَبلَ اِفتِقادِها

بِنَفسِيَ مَن عادَيتُ مِن أَجلِ فَقدِهِ
بِلادي وَلَولا فَقدُهُ لَم أُعادِها

فَلا سُقِيَت غَيثاً دِمَشقَ وَلا غَدَت
عَليها غَوادي مُزنَةٍ لِعِهادِها

وَقَد سَرَّني أَنَّ الخَليفَةَ جَعفَراً
غَدا زاهِداً في أَهلِها وَبِلادِها

إِمامٌ إِذا أَمضى الأُمورَ تَتابَعَت
عَلى سَنَنٍ مِن قَصدِها وَسَدادِها

وَما غَيَّرَت مِنهُ الخِلافَةُ شيمَةً
وَقَد أَمكَنَتهُ عَنوَةً مِن قِيادِها

وَمازالَتِ الأَعداءُ تَعلَمُ أَنَّهُ
يُجاهِدُها في اللَهِ حَقَّ جِهادِها

وَلَمّا طَغَت في دارِها الرومُ وَاِعتَدَت
سَفاهاً رَماها جَعفَرٌ بِحَصادِها

أَعَدَّ لَها فُرسانَ جَيشٍ عَرَمرَمٍ
عِدادُ حَصى البَطحاءِ دونَ عِدادِها

كَتارِبُ نَصرُ اللَهِ أَمضى سِلاحِهَ
وَعاجِلُ تَقوى اللَهِ أَكثَرُ زادِها

فَلا تَكثِرِ الرومُ التَشَكّى فَإِنَّهُ
يُراوِحُها بِالخَيلِ إِن لَم يُغادِها

وَلَم أَرَ مِثلَ الخَيلِ أَجلى لِغَمرَةٍ
إِذا اِختَلَفَت في كَرِّها وَطِرادِها

بَقيتُ أَميرَ المُؤمِنينَ وَأَنفَدَت
حَياتُكَ عُمرَ الدَهرِ قَبلَ نَفادِها


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:32 PM
سَلامٌ عَلَيكُم لا وَفاءٌ وَلا عَهدُ
أَما لَكُمُ مِن هَجرِ أَحبابِكُم بُدُّ

أَأَحبابَنا قَد أَنجَزَ البَينُ وَعدَهُ
وَشيكاً وَلَم يُنجَز لَنا مِنكُمُ وَعدُ

أَأَطلالَ دارِ العامِرِيَّةِ بِاللِوى
سَقَت رَبعَكِ الأَنواءُ ما فَعَلَت هِندُ

أَدارَ اللِوى بَينَ الصَريمَةِ وَالحِمى
أَما لِلهَوى إِلّا رَسيسَ الجَوى قَصدُ

بِنَفسِيَ مَن عَذَّبتُ نَفسي بِحُبِّهِ
وَإِن لَم يَكُن مِنهُ وِصالٌ وَلا وُدُّ

حَبيبٌ مِنَ الأَحبابِ شَطَّت بِهِ النَوى
وَأَيُّ حَبيبٍ ما أَتى دونَهُ البُعدُ

إِذا جُزتَ صَحراءَ الغُوَيرِ مُغَرِّباً
وَجازَتكَ بَطحاءَ السَواجيرِ يا سَعدُ

فَقُل لِبَني الضَحّاكِ مَهلاً فَإِنَّني
أَنَ الأُفعُوانُ الصِلُّ وَالضَيغَمُ الوَردُ

بَني واصِلٍ مَهلاً فَإِنَّ اِبنَ أُختِكُم
لَهُ عَزَماتٌ هَزلُ آرائِها جِدُّ

مَتى هِجتُموهُ لا تَهيجوا سِوى الرَدى
وَإِن كانَ خِرقاً ما يُحَلُّ لَهُ عَقدُ

مَهيباً كَنَصلِ السَيفِ لَو قُذِفَت بِهِ
ذُرى أَجَإٍ ظَلَّت وَأَعلامُهُ وَهدُ

يَوَدُّ رِجالٌ أَنَّني كُنتُ بَعضَ مَن
طَوَتهُ المَنايا لا أَروحُ وَلا أَغدو

وَلَولا اِحتِمالي ثِقلَ كُلِّ مُلِمَّةٍ
تَسوءُ الأَعادي لَم يَوَدّوا الَّذي وَدّوا

ذَريني وَإِيّاهُم فَحَسبي صَريمَتي
إِذا الحَربُ لَم يُقدَح لِمُخمِدِها زَندُ

وَلي صاحِبٌ عَضبُ المَضارِبِ صارِمٍ
طَويلُ النَجادِ ما يُفَلُّ لَهُ حَدُّ

وَباكِيَةٍ تَشكو الفِراقَ بِأَدمُعٍ
تُبادِرُها سَحّاً كَما اِنتَثَرَ العِقدُ

رَشادَكَ لا يَحزُنكَ بَينُ اِبنِ هِمَّةٍ
يَتوقُ إِلى العَلياءِ لَيسَ لَهُ نَدُّ

فَمَن كانَ حُرّاً فَهوَ لِلعَزمِ وَالسُرى
وَلِلَّيلِ مِن أَفعالِهِ وَالكَرى عَبدُ

وَلَيلٍ كَأَنَّ الصُبحَ في أُخرَياتِهِ
حُشاشَةُ نَصلٍ ضَمَّ إِفرِندَهُ غِمدُ

تَسَربَلتُهُ وَالذِئبُ وَسنانُ هاجِعٌ
بِعَينِ اِبنِ لَيلٍ ما لَهُ بِالكَرى عَهدُ

أُثيرَ القَطا الكُدرِيَّ عَن جَثَماتِهِ
وَتَألَفُني فيهِ الثَعالِبُ وَالرُبدُ

وَأَطلَسَ مِلءِ العَينِ يَحمِلُ زَورَهُ
وَأَضلاعَهُ مِن جانِبَيهِ شَوى نَهدُ

لَهُ ذَنَبٌ مِثلُ الرَشاءِ يَجُرُّهُ
وَمَتنٌ كَمَتنِ القَوسِ أَعوَجَ مُنئَدُّ

طَواهُ الطَوى حَتّى اِستَمَرَّ مَريرُهُ
فَما فيهِ إِلّا العَظمُ وَالروحُ وَالجِلدُ

يُقَضقِضُ عُصلا في أَسِرَّتِها الرَدى
كَقَضقَضَةِ المَقرورِ أَرعَدَهُ البَردُ

سَما لي وَبي مِن شِدَّةِ الجوعِ ما بِهِ
بِبَيداءَ لَم تُحسَس بِها عيشَةٌ رَغدُ

كِلانا بِها ذِئبٌ يُحَدِّثُ نَفسَهُ
بِصاحِبِهِ وَالجَدُّ يُتعِسُهُ الجَدُّ

عَوى ثُمَّ أَقعى وَاِرتَجَزتُ فَهِجتُهُ
فَأَقبَلَ مِثلَ البَرقِ يَتبَعُهُ الرَعدُ

فَأَوجَرتُهُ خَرقاءَ تَحسِبُ ريشَها
عَلى كَوكَبٍ يَنقَضُّ وَاللَيلُ مُسوَدُ

فَما اِزدادَ إِلّا جُرأَةً وَصَرامَةً
وَأَيقَنتُ أَنَّ الأَمرَ مِنهُ هُوَ الجِدُّ

فَأَتبَعتُها أُخرى فَأَضلَلتُ نَصلَها
بِحَيثُ يَكونُ اللُبُّ وَالرُعبُ وَالحِقدُ

فَخَرَّ وَقَد أَورَدتُهُ مَنهَلَ الرَدى
عَلى ظَمَإٍ لَو أَنَّهُ عَذُبَ الوِردُ

وَقُمتُ فَجَمَّعتُ الحَصى وَاِشتَوَيتُهُ
عَلَيهِ وَلِلرَمضاءِ مِن تَحتِهِ وَقدُ

وَنِلتُ خَسيساً مِنهُ ثُمَّ تَرَكتُهُ
وَأَقلَعتُ عَنهُ وَهوَ مُنعَفِرٌ فَردُ

لَقَد حَكَمَت فينا اللَيالي بِجورِها
وَحُكمُ بَناتِ الدَهرِ لَيسَ لَهُ قَصدُ

أَفي العَدلِ أَن يَشقى الكَريمُ بِجورِها
وَيَأخُذَ مِنها صَفوَها القُعدُدُ الوَغدُ

ذَرينِيَ مِن ضَربِ القِداحِ عَلى السُرى
فَعَزمِيَ لا يَثنيهِ نَحسٌ وَلا سَعدُ

سَأَحمِلُ نَفسي عِندَ كُلِّ مُلِمَّةٍ
عَلى مِثلِ حَدِّ السَيفِ أَخلَصَهُ الهِندُ

لِيَعلَمَ مَن هابَ السُرى خَشيَةَ الرَدى
بِأَنَّ قَضاءَ اللَهِ لَيسَ لَهُ رَدُّ

فَإِن عِشتَ مَحموداً فَمِثلي بَغى الغِنى
لِيَكسِبَ مالاً أَو يُنَث لَهُ حَمدُ

وَإِن مِتُّ لَم أَظفَر فَلَيسَ عَلى اِمرِئٍ
غَدا طالِباً إِلّا تَقَصّيهِ وَالجَهدُ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:52 PM
بِأَنفُسِنا لا بِالطَوارِفِ وَالتُلدِ
نَقيكَ الَّذي تُخفي مِنَ الشَكوِ أَو تُبدي

بِنا مَعشَرَ العُوّادِ ما بِكَ مِن أَذىً
وَإِن أَشفَقوا مِمّا أَقولُ فَبي وَحدي

ظَلِلنا نَعودُ المَجدَ مِن وَعكِكَ الَّذي
وَجَدتَ وَقُلنا اِعتَلَّ عُضوٌ مِنَ المَجدِ

وَلَم نُنصِفِ اللَيثَ اِقتَسَمنا نَوالَهُ
وَلَم نَقتَسِم حُمّاهُ إِذ أَقبَلَت تَردي

بَدَت صُفرَةٌ في لَونِهِ إِنَّ حَمدَهُم
مِنَ الدُرِّ ما اِصفَرَّت نَواحيهِ في العِقدِ

وَحَرَّت عَلى الأَيدي مَجَسَّةُ كَفِّهِ
كَذَلِكَ مَوجُ البَحرِ مُلتَهِبُ الوَقدِ

وَلَستَ تَرى عودَ الأَراكَةِ خائِفاً
سَمومَ الرِياحِ الآخِذاتِ مِنَ الرَندِ

وَما الكَلبُ مَحموماً وَإِن طالَ عُمرُهُ
أَلا إِنَّما الحُمّى عَلى الأَسَدِ الوَردِ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:53 PM
تَعِستُ فَما لَي مِن وَفاءٍ وَلا عَهدِ
وَلَستُ بِأَهلٍ مِن أَخِلّايَ لِلوُدِّ

وَلا أَنا راعٍ لِلإِخاءِ وَلا مَعي
حِفاظٌ لِذي قُربٍ لَعَمري وَلا بُعدِ

وَلا أَنا في حُكمِ الوِدادِ بِمُنصِفٍ
وَلا صادِقٍ فيما أُؤَكِّدُ مِن وَعدِ

وَلا لِيَ تَميِيزٌ وَلَستُ بِمُهتَدٍ
سَبيلاً يُؤَدّي في التَصافي إِلى القَصدِ

وَلا فِيَّ خَيرٌ يَرتَجيهِ مَعاشِري
وَلا أَنا ذو فِعلٍ سَديدٍ وَلا رُشدِ

وَلا واصِلٌ مَن غابَ عَنّي نَسيتُهُ
وَإِن وَصَلَ الإِخوانُ كافَأتُ بِالصَدِّ

وَإِن كاتَبوني لَم أُجِبهُم بِلَفظَةٍ
فَهَذي خِلالٌ قَد خُصِصتُ بِها وَحدي

كَأَنّي إِذا بانَ الصَديقُ عَدُوُّهُ
وَحينَ أُلاقيهِ فَأَطوَعُ مِن عَبدِ

وَما ذاكَ أَنّي زائِلٌ عَن مَوَدَّةٍ
وَلا ناقِضٌ يَوماً لِعَهدٍ وَلا عَقدِ

ولَكِنَّ طَبعاً لَيسَ لي فيهِ حيلَةٌ
وَلا مَذهَبٌ في الهَزلِ عِندي وَلا الجِدِّ

فَلِلناسِ مِن مِثلي إِذا كُنتُ هاكَذا
قَطوعاً مَنوعاً جافِياً مائِتا بُدِّ

وَلَو كانَ إِخواني إِذا ما قَطَعتُهُم
يُجازونَ بِالهِجرانِ هَجراً وَبِالصَدِّ

وَيَسلونَ عَن ذِكري وَلا يَحسَبونَني
صَديقاً وَيولوني الجَفاءَ عَلى عَمدِ

لَتُبتُ وَلَكِنّي بُليتُ بِمَعشَرٍ
مِنَ السادَةِ الغُرِّ الكِرامِ ذَوي المَجدِ

فَقَد أَفسَدوني بِاِحتِمالِ تَلَوُّني
وَكَثرَةِ تَغييري عَلى كُلِّ ذي وُدِّ

وَزادوا بِبَذلِ الصَفحِ عَن كُلِّ زَلَّةٍ
أَتَيتُ بِها وَالعَفوِ في كُلِّ ما أُبدي

فَما نَفَعَ التَوبيخُ مِن ذي مَوَدَّةٍ
وَلا لَومُهُ يُغني وَلا عَتبُهُ يُجدي

فَمَن كانَ ذا صَبرٍ عَلى ما وَصَفتُهُ
فَقَد فازَ بِالأَجرِ الجَزيلِ وَبِالحَمدِ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:54 PM
كَفاني اللَهُ شَرَّكَ يا صَدودُ
وَأُشمِتَ لي بِكَ الوَصلُ الجَديدُ

لَعَلَّ سُرورَ أَيّامٍ تَوَلَّت
بِبَهجَتِها يَعودُ كَما نُريدُ

فَيُقبِلُ مُدبِرٌ وَلّى حَميداً
وَيَنقَطِعُ الصُدودُ فَلا يَعودُ

أُؤَمِّلُها وَأَفرَقُها جَميعاً
وَأَقرَبُ ما أُؤَمِّلُهُ بَعيدُ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:54 PM
إِنَّ شِعري سارَ في كُلِّ بَلَد
وَاِشتَهى رِقَّتَهُ كُلُّ أَحَد

قُلتُ شِعراً في الغَواني حَسَناً
تَرَكَ الشِعرَ سِواهُ قَد كَسَد

أَهلُ فَرغانَةَ قَد غَنَّوا بِهِ
وَقُرى السوسِ وَأَلطا وَسَنَد

وَقُرى طَنجَةَ وَالسُدِّ الَّذي
بِمَغيبِ الشَمسِ شِعري قَد وَرَد

زَعَمَت عَثمَةُ أَنّي لَم أَجِد
في هَواها قُلتُ بَل وَجدي أَشَدّ

لَيتَ مَن لامَ مُحِبّاً في الهَوى
قيدَ في الناسِ بِحَبلٍ مِن مَسَد

مِرطُ عَثّامَةَ مَسدولٌ عَلى
كَفَلٍ مِثلَ الكَثيبِ المُلتَبِد

أَيُّها السائِلُ عَن لَذَّتِنا
لَذَّةُ العَيشِ الرَعابيبُ الخُرُد

وَغِناءٌ حَسَنٌ مِن قَينَةٍ
وَرَياحينُ وَراحٌ تُستَجَدّ

ذاكَ أَشهى مِن رُكوبي بَغلَةً
كُلَما حادَت لِسَرجي قُلتُ عَد

أَو رُكوبي الفَرَسَ الموجَ الَّذي
كُلَّما رَكَّضَ بي قُلتُ أَجِدّ

مَركَبُ الكَعثَبِ فيهِ لَذَّةٌ
وَشَفاءٌ لِلفَتى مِمّا يَجِد


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:55 PM
يا ثَقيلاً عَلى القُلوبِ إِذا عَننَ
لَها أَيقَنَت بِطولِ الجِهادِ

يا قَذىً في العُيونِ يا غُلَّةَ بَينَ
التَراقي حَزّارَةً في الفُؤادِ

يا طُلوعَ العَدُوِّ ما بَينَ إِلفٍ
يا غَريماً أَتى عَلى ميعادِ

يا رُكوداً في يَومِ غَيمٍ وَصَيفٍ
يا وُجوهَ التِجارِ يَومَ الكَسادِ

خَلِّ عَنّا فَإِنَّما أَنتَ فينا
واوُ عَمرٍو أَو كَالحَديثِ المُعادِ

إِمضِ في غَيرِ صُحبَةِ اللَهِ ما عِشتَ
مُلَقّىً في كُلِّ فَجٍّ وَوادِ

يَتَخَطّى بِكَ المَهامَةِ وَالبيدِ
دَليلٌ أَعمى كَثيرُ الرُقادِ

خَلفَكَ الثائِرُ المُصَمِّمِ بِالسَيفِ
وَرِجلاكَ فَوقَ شَوكِ القَتادِ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:56 PM
لِأَبي عَلِيٍّ في حَداثَتِهِ
فَضلٌ سَيُذكَرُ آخِرَ الأَبَدِ

حَفِظَ القَديمَ فَلَيسَ يَسبِقُهُ
أَحَدٌ إِلى التَعظيمِ لِلأَحَدِ

لَزِمَ المَشايِخَ مِلَّةً قَدُمَت
بانَت فَضيلَتُها عَلى الوَلَدِ

فَإِذا عَزَمتَ عَلى مَساءَتِهِم
فَاِجهَر بِلَم يولَد وَلَم يَلِدِ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:56 PM
لَجَّ مَن قَد هَوَيتُهُ في الصُدودِ
وَجَرى بَعدَ ذاكَ طَيرُ السُعودِ

وَقَضى اللَهُ أَن أَذوبَ وَأَبلى
وَالبَلى مِن وَراءِ كُلِّ جَديدِ

وَالهَوى في الصِبا قَريبٌ مِنَ الرُشدِ
وَلَيسَ القَريبُ مِثلَ البَعيدِ

رُبَّما كُنتُ لِلأَوانِسِ زيراً
مُستَهاماً بِكُلِّ بَيضاءَ رودِ

كَم جَمَعتُ الرَحيقَ وَالريقَ مِنها
وَكِلانا قَتيلُ صَنجِ وُعودِ

وَكِلانا قَد أَحدَثَ الراحُ فيهِ
زَهوَ عيسى اِبنِ خالِدِ اِبنِ الوَليدِ

فارِسٌ يَضرِبُ الفَوارِسَ بِالسَيفِ
إِذا ما اِتَقَت جِبالُ الحَديدِ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:57 PM
أَقولُ لَهُ وَقَد أَغرى بِلَومي
يَكُرُّ بِمَبدَإٍ مِنّي مُعادِ

مَلَأتُ يَدي مِنَ الدُنيا مِراراً
فَما طَمِعَ العَواذِلُ في اِقتِصادي

وَما وَجَبَت عَلَيَّ زَكاةُ مالٍ
وَهَل تَجِبُ الزَكاةُ عَلى جَوادِ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:57 PM
تَصَدَّت لَنا دَعدٌ وَصَضَّت عَلى عَمدِ
وَأَقبِل بِها عِندَ التَصَدّي وَفي الصَدِّ

شَكَوتُ إِلَيها الوَجدَ يَومَ تَعَرَّضَت
فَأُبتُ وَقَد حُمِّلتُ وَجداً عَلى وَجدِ

سَلاها بِمَ اِستَحلَلتِ قَتلَ أَخي هَوىً
صَفا لَكِ مِنهُ ما يُجِنُّ وَما يُبدي

أَلا إِنَّما دَعدٌ لِقَلبِكَ فِتنَةٌ
فَإِلّا تَدَعها تَلقَ حَتفَكَ في دَعدِ

وَقِدماً زَجَرتُ النَفسَ عَنها فَخالَفَت
إِلَيها عَلى قُربٍ مِنَ الدارِ أَو بُعدِ

وَما زادَني إِلّا اِشتِياقاً صُدودُها
وَإِلّا وَفاءً وَاِصطِباراً عَلى العَهدِ

يُذَكِّرُنيها الرِئمُ وَالغُصنُ وَالمَها
وَيُذكِرُنيها البَدرُ في المَطلَعِ السَعدِ

فَلِلرِئمِ عَيناها وَلِلبَدرِ وَجهُها
وَلِلغُصنِ مِنها ما حَكاهُ مِنَ القَدِّ

وَما اِبتَسَمَت إِلّا خَفا البَرقُ لامِعاً
ذَطوفاً لَأَبصارِ الرُناةِ عَلى قَصدِ

سَلامٌ عَلَيها قَد شَجيتُ بِبُعدِها
فَلا هِيَ تُدنيني وَلا أَنا بِالجَلدِ

وَغَرَّ أُناساً مِنِّيَ الحِلمُ بُرهَةً
وَفي الحِلمِ ما يُعلي وَفي الهِلمِ ما يُردي

فَإِن أُبدِ حِلماً لا أَكُن مُتَضائِلاً
وَإِن أَنتَقِم أُقدِم عَلى الأَسَدِ الوَردِ

وَكَيفَ أُخَشّى بِالهِجاءِ مِنَ العِدى
وَلي مِقوَلٌ أَمضى مِنَ الصارِمِ الفَردِ

وَقَد عاجَمَتني الحادِثاتُ فَصادَفَت
صَبوراً عَلى اللَأواءِ مُنشَحِذِ الحَدِّ

يُلاقونَني بِالبِشرِ وَالرَحبِ خُدعَةً
وَكُلُّ طَوى كَشحَيهِ مِنّي عَلى حِقدِ

وَكَيفَ اِنخِداعُ الذِئبِ وَالذِئبُ خادِعٌ
خَتولٌ عَلى الحالاتِ لِلبَطَلِ النَجدِ

يُعِدّونَ لي الإِرجافَ ما غِبتُ عَنهُمُ
تَشَفِّيَ غِمرٍ لا يَريمُ وَلا يُجدي

وَما رُمتُ مِنهُم جانِباً فَوَجَدتُهُ
مَنيعاً وَلا أَعمَلتُ في صَعبِهِم جُهدي

وَلَكِنَّني أُغضي إِلى وَقتِ غِرَّةٍ
فَأَهتَبِلُ المَغرورَ مُقتَنِصاً وَحدي

وَمَن يُعجِلِ الأَعداءَ قَبلَ تَمَكُّنِ
فَذاكَ الَّذي لَم يَبنِ أَمراً عَلى وَكدِ

وَقَد فاتَهُم شَأوي بِتَقصيرِ شَأوِهِم
فَلَم يَملِكوا سَبقي وَلَم يَملِكوا رَدّي

لِيَهنَأ أَخِلّايَ الَّذينَ أَوَدُّهُم
ذَخائِرُ ما في الصَدرِ مِن صادِقِ الوِدِّ

فَما أَنا بِالقالي وَلا الطَرِفِ الَّذي
إِذا وَدَّ أَلهاهُ الطَريفُ عَنِ التَلدِ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:58 PM
بِطولِ ضَنى جِسمي بِكُم وَتَبَلُّدي
بِقُوَّةِ حُبِّيكُم وَضِعفِ تَجَلُّدي

بِحُبّي بِذُلّي بِالجَوى بِتَحَيُّري
بِسُقمي بِضَعفي بِاِتِّصالِ تَلَدُّدي

بِما أَنزَلَ اللَهُ العَظيمُ جَلالُهُ
قُراناً عَلى لَفظِ النَبِيِّ مُحَمَّدِ

تَرَفَّق فَإِنّي المَرءُ أَوهَنتَ جِسمَهُ
بِلا خَطَإٍ قَد كانَ بَل بِتَعَمُّدِ

تَصَدَّق عَلى مِسكينِكُم بِنَوالِكُم
فَهاأَنَذا مَمدودَةً نَحوَكُم يَدي


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:58 PM
كُنتَ المُعَزّى بِفَقدي
وَعِشتَ ما عِشتَ بَعدي

أَهدى إِلَيَّ أَخٌ لي
سُلَيلَ مِسكٍ وَوَردِ

أَرَقَّ مِن لَفظِ صَبٍّ
شَكا حَرارَةَ وَجدِ

كأَنَّهُ إِن تَجِئنا
بِلا اِنتِظارٍ وَوَعدِ

فَاِخلَع عَلَيَّ سُروراً
بِكَونِكَ اليَومَ عِندي


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:59 PM
وَرَوضٍ كَساهُ الطَلُّ وَشياً مُجَدَّداً
فَأَضحى مُقيماً لِلنُفوسِ وَمُقعِدا

إِذا ما اِنسِكابُ الماءِ عايَنتَ خِلتَهُ
وَقَد كَسَّرَتهُ راحَةُ الريحِ بُرِّدا

وَإِن سَكَنَت عَنهُ حَسِبتَ صَفاءَهُ
حُساماً صَقيلاً صافِيَ المَتنِ جُرِّدا

وَغَنَّت بِهِ وُرقُ الحَمائِمُ حَولَنا
غِناءً يُنَسّيكَ الغَريضَ وَمَعبَدا

فَلا تَجفُوَنَّ الدَهرَ مادامَ مُسعِداً
وَمَدَّ السُرى ما قَد حَباكَ بِهِ يَدا

وَخُذها مُداماً مِن غَزالٍ كَأَنَّهُ
إِذا ما سَقى بَدراً تَحَمَّلَ فَرقَدا


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 08:59 PM
إِذا الغَمامُ حَداهُ البارِقُ الساري
وَاِنهَلَّ مِن ديمَةٍ وَطفاءَ مِدرارِ

وَحاكَ إِشراقُهُ طَوراً وَظُلمَتُهُ
ما حاكَ مِن نَمَطَي رَوضٍ وَأَنوارِ

فَجادَ أَرضَكِ في غَربِ السَماوَةِ مِن
أَرضٍ وَدارَكِ بِالعَلياءِ مِن دارِ

وَإِن بَخِلتِ فَلا وَصلٌ وَلا صِلَةٌ
إِلّا اِهتِداءَ خَيالٍ مِنكِ زَوّارِ

لَأَشكَلَ القَمَرُ الساري عَلَيَّ فَما
بَيَّنتُ طَلعَتَهُ مِن طَيفِكِ الساري

إِذ ضارَعَ البَدرَ في حُسنٍ وَفي صِفَةٍ
وَطالَعَ البَدرَ في وَقتٍ وَمِقدارِ

لَيلٌ تَقَضّى وَما أَدرَكتُ مَأرُبَتي
مِنَ اللِقاءِ وَلا قَضَّيتُ أَوطاري

إِمّا اِطَّرَفتُ إِلى حُبّيكَ فَرطَ هَوىً
ثانٍ يُكَثِّرَ مِن وَجدي وَتَذكاري

فَطالَما اِمتَدَّ في غَيِّ الصِبا سَنَني
وَاِشتَدَّ في الحُبِّ تَغريري وَإِخطاري

هَوىً أُعَفّي عَلى آثارِهِ بِهَوىً
كَمُطفِئٍ مِن لَهيبِ النارِ بِالنارِ

قَد ضاعَفَ اللَهُ لِلدُنيا مَحاسِنَها
بِمُلكِ مُنتَخَبٍ لِلمُلكِ مُختارِ

مُقابَلٍ في بَني العَبّاسِ إِن نُسِبوا
في أَنجُمٍ شُهِرَت مِنهُم وَأَقمارِ

يُريكَ شَمسَ الضُحى لَألاءُ غُرَّتِهِ
إِذا تَبَلَّجَ في بِشرٍ وَإِسفارِ

أَولى الرَعِيَّةَ نُعمى بَعدَ مَبأَسَةٍ
تَمَّت عَلَيهِم وَيُسراً بَعدَ إِعسارِ

أَنقَذتَهُم يا أَمينَ اللَهِ مُفتَلِتاً
وَهُم عَلى جُرُفٍ مِن أَمرِهِم هارِ

أَعطَينَهُم بِبنِ يَزدادَ الرِضا فَأَوَوا
مِنهُ إِلى قائِمٍ بِالعَدلِ أَمّارِ

رَدَّ المَظالِمَ فَاِنتاشَ الضَعيفَ وَقَد
غَصَّت بِهِ لَهَواتُ الضَيغَمِ الضاري

يَأسو الجِراحَةَ مِن قَومٍ وَقَد دَمِيَت
مِنهُم غَواشِمُ أَنيابٍ وَأَظفارِ

يُرضيكَ والِيَ تَدبيرٍ وَمُبتَغِياً
نُصحاً وَمُعجِلَ إيرادٍ وَإِصدارِ

فَاللَهُ يَحفَظُ عَبدَ اللَهِ إِنَّ لَهُ
فَضلَ السَماحِ وَزَندَ السُؤدَدِ الواري

زَكَت صَنائِعُهُ عِندي وَأَنعُمُهُ
كَما زَكَت مِدَحي فيهِ وَأَشعاري

إيهاً أَبا صالِحٍ وَالبَحرُ مُنتَسِبٌ
إِلى نَوالِكَ في سيحٍ وَإِغزارِ

حَكى عَطاؤُكَ جَدواهُ وَجَمَّتَهُ
فَيضاً بِفَيضٍ وَتَيّاراً بِتَيّارِ

أَأَرهَبُ الدَهرَ أَو أَخشى تَصَرُّفَهُ
وَالمُستَعينُ مُعيني فيهِ أَو جاري

وَأَنتَ ما أَنتَ في رِفدي وَحَيِّطَتي
قِدماً وَإيجابِ تَقديمي وَإيثاري

فَكَيفَ تُمهِلُ أَسبابي وَتَغفُلُ عَن
حَظّي وَتَرضى بِإِسلامي وَإِخفاري

تَأَتَّ في رَسمِيَ الجاري بِعارِفَةٍ
كَما تَأَتَّيتَ لي في رِزقِيَ الجارِ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 09:00 PM
أَبا سَعيدٍ وَفي الأَيّامِ مُعتَبَرُ
وَالدَهرُ في حالَتَيهِ الصَفوُ وَالكَدَرُ

ما لِلحَوادِثِ لا كانَت غَوائِلُها
وَلا أَصابَ لَها نابٌ وَلا ظُفُرُ

تَعَزَّ بِالصَبرِ وَاِستَبدِل إِسىً بِأَسىً
فَالشَمسُ طالِعَةٌ إِن غُيِّبَ القَمَرُ

وَهَل خَلا الدَهرُ أولاهُ وَآخِرُهُ
مِن قائِمٍ بِهُدىً مُذ كُوِّنَ البَشَرُ

إيهاً عَزاءَكَ لا تُغلَب عَلَيهِ فَما
يَستَعذِبُ الصَبرَ إِلّا الحَيَّةُ الذَكَرُ

فَلَم يَمُت مَن أَميرُ المُؤمِنينَ لَهُ
بَقِيَّةٌ وَإِنِ اِستَولى بِهِ القَدَرُ

مَضى الإِمامُ وَأَضحى في رَعِيَّتِهِ
إِمامُ عَدلٍ بِهِ يُستَنزَلُ المَطَرُ

إِنَّ الخَليفَةَ هارونَ الَّذي وَقَفَت
في كُنهِ آلائِهِ الأَوهامُ وَالفِكَرُ

أَلفاكَ في نَصرِهِ صُبحاً أَضاءَ لَهُ
لَيلٌ مِنَ الفِتنَةِ الطَخياءِ مُعتَكِرُ

سَكَّنتَ حَدَّ أُناسٍ فَلَّ حَدَّهُمُ
حَدٌّ مِنَ السَيفِ لا يُبقي وَلا يَذَرُ

كُنتَ المُسارِعَ في تَوكيدِ بَيعَتِهِ
حَتّى تَأَكَّدَ مِنها العَقدُ وَالمِرَرُ

وَدَعوَةٍ لِأَصَمِّ القَومِ مُسمِعَةٍ
يُصغي إِلَيها الهُدى وَالنَصرُ وَالظَفَرُ

أَقَمتَها لِأَميرِ المُؤمِنينِ بِما
في نَصلِ سَيفِكَ إِذ جاءَت بِها البُشُرُ

فَاِسلَم جُزيتَ عَنِ الإِسلامِ مِن مَلِكٍ
خَيراً فَأَنتَ لَهُ عِزٌّ وَمُفتَخَ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 09:00 PM
سَأَلتُكَ بِالكُمَيتِيِّ الصَغيرِ
وَصورَةِ وَجهِهِ الحَسَنِ المُنيرِ

وَما يَحويهِ مِن خُلُقٍ رَضِيٍّ
يُشادُ بِهِ وَمِن أَدَبٍ كَبيرُ

وَتَجويدِ الحُروفِ إِذا اِبتَداها
مُقَوَّمَةً وَتَعديلِ السُطورِ

أَلَم تَعلَم بِأَنَّ بَني فُراتٍ
أُلو العَلياءِ وَالشَرَفِ الكَبيرِ

وَأَنَّ عَلى أَبي العَبّاسَ سيما
تُخَبِّرُ مِنهُ عَن كَرَمٍ وَخيرِ

إِذا عُرِضَت مَحاسِنُهُ عَلَينا
شَكَرناهُ عَلى نُصحِ الشَكورِ

نُؤَمِّلُهُ لِرَغبَتِنا إِلَيهِ
وَنَأمَلُهُ وَزيراً لِلوَزيرِ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 09:01 PM
نَصَبُّ إِلى طيبِ العِراقِ وَحُسنِها
وَيَمنَعُ مِنها قَيظُها وَحَرورُها

هِيَ الأَرضُ نَهواها إِذا طابَ فَصلُها
وَنَهرُبُ مِنها حينَ يَحمى هَجيرُها

عَشيقَتُنا الأُولى وَخُلَّتُنا الَّتي
تُحَبُّ وَإِن أَضحَت دِمَشقُ تُغيرُها

عَنيتُ بِشَرقِ الأَرضِ قَدماً وَغَربِها
أُجَوِّبُ في آفاقِها وَأَسيرُها

فَلَم أَرَ مِثلَ الشامِ دارَ إِقامَةٍ
لِراحٍ تُغاديها وَكَأسٍ تُديرُها

مِصَحَّةُ أَبدانٍ وَنُزهَةُ أَعيُنٍ
وَلَهوُ نُفوسٍ ضائِمٌ وَسُرورُها

مُقَدَّسَةٌ جادَ الرَبيعُ بِلادَها
فَفي كُلِّ دارٍ رَوضَةٌ وَغَديرُها

تَباشَرَ قُطراها وَأَضعَفَ حُسنَها
بِأَنَّ أَميرَ المُؤمِنينِ يَزورُها

تَوَجَّهتَ مَصحوباً إِلَيها بِعَزمَةٍ
مَضى بِسَدادٍ بَدؤُها وَأَخيرُها

وَفي سَنَةٍ قَد طالَعَتكَ سُعودُها
وَقابَلَكَ النَيروزُ وَهوَ بَشيرُها

فَصِلها بِأَعوامٍ تَوالى وَلا تَزَل
مُقَدَّسَةً أَيامُها وَشُهورُها

وَعِش أَبَداً لِلمَكرُماتِ وَلِلعُلا
فَأَنتَ ضِياءُ المَكرُماتِ وَنورُها


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 09:02 PM
أَعجِب لِظُلمِ زَمانِنا المُتَواتِرِ
وَلِأَوَّلٍ مِمّا يُريكَ وَآخِرِ

تَاللَهِ أوخَذُ بِالخَراجِ وَضَيعَتي
لَحمٌ يُطَرَّحُ في مَخالِبِ طائِرِ

وَيُغِلُّها قَومٌ وَأُعطي خَرجَها
حُكمٌ لَعَمرِكَ غَيرُ عَدلٍ ظاهِرِ

صَلّى الإِلَهُ عَلى سَدومَ فَلَم يَكُن
في جَنبِ قِصَّتِنا سَدومُ بِجائِرِ

أَبلِغ أَبا العَبّاسِ حَيثُ أَحَلَّ مَن
حَلَبٍ مَكانَ الغَيثِ فينا الماطِرِ

أَتَجورُ عَن نَظَرٍ لَنا مِن بَعدِ ما
سُمّيتَ مِن نَظَرٍ لَنا بِالناظِرِ

وَمَنَعتَني الإِنصافَ مِنكَ وَلَم تَكُن
تَأباهُ في بَرٍّ وَلا في فاجِرِ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 09:02 PM
مَغنى مَنازِلِها الَّتي بِمُشَقَّرِ
مَرَّت عَلَيهِ جَنوبُ غَيثٍ مُمطِرٍ

غَيثٌ أَذابَ البَرقُ شَحمَةَ مُزنِهِ
فَالريحُ تَنظِمُ فيهِ حَبَّ الجَوهَرِ

وَكَأَنَّما طارَت بِهِ ريهُ الصَبا
مِن بَعدِ ما اِنغَمَسَت بِهِ في العَنبَرِ

وَيُضيءُ تَحسِبُ أَنَّ ماءَ غَمامِهِ
قَمَرٌ تَقَطَّعَ في إِناءٍ أَخضَرِ

مَن ذا رَأى غَيثاً تَأَزَّرَ بَرقُهُ
في عارِضٍ عُريانَ لَم يَتَأَزَّرِ

أَو نِعمَةً ثُعَلِيَّةً يَمَنِيَّةً
بِمُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثَينِ وَجَعفَرِ

زَينٌ لِمَملَكَةٍ وَلَم يَعلَم بِهِ
ذيبٌ خُزاعِيُّ الهَوى وَالمَحضَرِ

ذَرِبُ اللِسانِ كَأَنَّهُ مِن خَثعَمٍ
ثَبتُ الجَنانِ كَأَنَّهُ مِن حِميَرِ

فَاِقتَصَّ مِن سُؤرِ النُبوَّةِ سُؤرَةً
دَلَّت عَلى سُؤَرِ النَبِيِّ الأَزهَرِ

في هَؤُلاءِ غَدا الزَمانُ مُمَنَّعاً
يَحمي حَقيقَتَهُ بِأَكرَمِ مَعشَرِ

قَومٌ إِذا جَرّوا الرِماحَ تَكَسَّروا
غَيظاً إِذا رَجَعَت وَلَم تَتَكَسَّرِ

لا يَقرَبونَ الطيبَ إِلّا بِالقَنا
وَتَدورُ كَأسُهُمُ لَهُم في مِغفَرِ

وَتَكادُ تَنتَقِصُ السُيوفُ مِنَ الأَسى
فَتَخورُ أَنفُسُهُم وَلَم تَتَخَيَّرِ

مُتَكَبِّراتٌ أَن تَكونَ لَهُ قِرىً
وَإِذا بَقينَ بَقينَ لَم تَتَكَبَّرِ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 09:03 PM
إِذا كانَ يَومي لَيسَ يَوماً لِقَهوَةٍ
وَلا يَومَ فِتيانٍ فَما هُوَ مِن عُمري

وَإِن كانَ مَعموراً بِعودٍ وَقَهوَةٍ
فَذَلِكَ مَسروري لَعَمري مِنَ الدَهرِ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 09:03 PM
في الشَيبِ زَجرٌ لَهُ لَو كانَ يَنزَجِرُ
وَواعِظٌ مِنهُ لَولا أَنَّهُ حَجَرُ

اِبيَضَّ ما اِسوَدَّ مِن فَودَيهِ وَاِرتَجَعَت
جَلِيَّةُ الصُبحِ ما قَد أَغفَلَ السَحَرُ

وَلِلفَتى مُهلَةٌ في الحُبِّ واسِعَةٌ
ما لَم يَمُت في نَواحي رَأسِهِ الشَعرُ

قالَت مَشيبٌ وَعِشقٌ دُحتَ بَينَهُما
وَذاكَ في ذاكَ ذَنبٌ لَيسَ يُغتَفَرُ

وَعَيَّرَتني سِجالَ العُدمِ جاهِلَةً
وَالنَبعُ عُريانُ ما في فَرعِهِ ثَمَرُ

وَما الفَقيرُ الَّذي عَيَّرتِ آوِنَةً
بَلِ الزَمانُ إِلى الأَحرارِ مُفتَقِرُ

عَزّى عَنِ الحَظِّ أَنَّ العَجزَ يُدرِكُهُ
وَهَوَّنَ العُسرَ عِلمي في مَنِ اليُسُرُ

لَم يَبقَ مِن جُلِّ هَذا الناسِ باقِيَةً
يَنالُها الوَهمُ إِلّا هَذِهِ الصُوَرُ

بُخلٌ وَجَهلٌ وَحَسبُ المَرءِ واحِدَةٌ
مِن تينِ حَتّى يُعَفّى خَلفَهُ الأَثَرُ

إِذا مَحاسِنِيَ اللاتي أُدِلُّ بِها
كانَت ذُنوبي فَقُل لي كَيفَ أَعتَذِرُ

أَهُزُّ بِالشِعرِ أَقواماً ذَوي وَسَنٍ
في الجَهلِ لَو ضُرِبوا بِالسَيفِ ما شَعَروا

عَلَيَّ نَحتُ القَوافي مِن مَقاطِعِها
وَما عَلَيَّ لَهُم أَن تَفهَمَ البَقَرُ

لَأَرحَلَنَّ وَآمالي مُطَرَّحَةٌ
بِسُرَّ مَن راءَ مُستَبطاً لَها القَدَرُ

أَبَعدَ عِشرينَ شَهراً لا جَدىً فَيُرى
بِهِ اِنصِرافٌ وَلا وَعدٌ فَيُنتَظَرُ

لَولا عَلِيُّ بنَ مُرٍّ لَاِستَمَرَّ بِنا
خِلفٌ مِنَ العَيشِ فيهِ الصابُ وَالصَبِرُ

عُذنا بِأَروَعَ أَقصى نَيلِهِ كَثَبٌ
عَلى العُفاةِ وَأَدنى سَعيِهِ سَفَرُ

أَلَحَّ جوداً وَلَم تَضرُر سَحائِبُهُ
وَرُبَّما ضَرَّ في إِلحاحِهِ المَطَرُ

لا يُتعِبُ النائِلُ المَبذولُ هِمَّتَهُ
وَكَيفَ يُتعِبُ عَينَ الناظِرِ النَظَرُ

بَدَت عَلى البَدوِ نُعمى مِنهُ سابِغَةٌ
وَفراءُ يَحضُرُ أُخرى مِثلَها الحَضَرُ

مَواهِبٌ ما تَجَشَّمنا السُؤالَ لَها
إِنَّ الغَمامَ قَليبٌ لَيسَ يُحتَقَرُ

يُهابُ فينا وَما في لَحظِهِ شَرَرٌ
وَسطَ النَدِيِّ وَلا في خَدِّهِ صَعَرُ

بَردُ اَحَشا وَهَجيرُ الرَوعِ مُحتَفِلٌ
وَمَسعَرٌ وَشَهابُ الحَربِ مُستَعِرُ

إِذا اِرتَقى في أَعالي الرَأيِ لاحَ لَهُ
ما في الغُيوبِ الَّتي تَخفى فَتَستَتِرُ

تَوَسَّطَ الدَهرَ أَحوالاً فَلا صِغَرٌ
عَنِ الخُطوبِ الَّتي تَعرو وَلا كِبَرُ

كَالرُمحِ أَذرُعُهُ عَشرٌ وَواحِدَةٌ
فَلَيسَ يُزرى بِهِ طولٌ وَلا قِصَرُ

مُجَرِّبٌ طالَما أَشجَت عَزائِمُهُ
ذَوي الحِجى وَهوَ غِرٌّ بَينَهُم غُمُرُ

آراؤُهُ اليَومَ أَسيافٌ مُهَنَّدَةٌ
وَكانَ كَالسَيفِ إِذ آراؤُهُ زُبَرُ

وَمِصعِدٌ في هِضابِ المَجدِ يَطلَعُها
كَأَنَّهُ لِسِكونِ الجَأشِ مُنحَدِرُ

مازالَ يَسبِقُ حَتّى قالَ حاسِدُهُ
لَهُ طَريقٌ إِلى العَلياءِ مُختَصَرُ

حُلوٌ حَميتٌ مَتى تَجنِ الرَضا خُلُقاً
مِنهُ وَمُرٌّ إِذا أَحفَظتَهُ مَقِرُ

نَهَيتُ حُسّادَهُ عَنهُ وَقُلتُ لَهُم
السَيلُ بِاللَيلِ لا يُبقي وَلا يَذَرُ

كُفّوا وَإِلّا كَفَفتُم مُضمِري أَسَفٍ
إِذا تَنَمَّرَ في إِقدامِهِ النَمِرُ

أَلوى إِذا شابَكَ الأَعداءَ كَدَّهُمُ
حَتّى يَروحُ وَفي أَظفارِهِ الظَفَرُ

وَاللَومُ أَن تَدخُلوا في حَدِّ سَخطَتِهِ
عِلماً بِأَن سَوفَ يَعفو حينَ يَقتَدِرُ

جافي المَضاجِعِ لا يَنفَكُّ في لَجَبٍ
يَكادُ يُقمِرُ مَن لَآلائِهِ القَمَرُ

إِذا خُطامَةُ سارَت فيهِ آخِذَةٌ
خِطامَ نَبهانَ وَهيَ الشَوكُ وَالشَجَرُ

رَأَيتَ مَجداً عِياناً في بَني أُدَدٍ
إِذ مَجدُ كُلِّ قَبيلٍ دونَهُم خَبَرُ

أَحسِن أَبا حَسَنٍ بِالشِعرِ إِذ جَعَلَت
عَلَيكَ أَنجُمُهُ بِالمَدحِ تَنتَثِرُ

فَقَد أَتَتكَ القَوافي غِبَّ فائِدَةٍ
كَما تَفَتَّحُ غِبَّ الوابِلِ الزَهَرُ

فيها العَقائِقُ وَالعِقيانُ إِن لُبِسَت
يَومَ التَباهي وَفيها الوَشيُ وَالحِبَرُ

وَمَن يَكُن فاخِراً بِالشِعرِ يُمدَحُ في
أَضعافِهِ فَبِكَ الأَشعارُ تَفتَخِرُ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 09:04 PM
أَناةً أَيُّها الفَلَكُ المُدارُ
أَنَهبٌ ما تَطَرَّفُ أَم جُبارُ

سَتَفنى مِثلَ ما تُفني وَتَبلى
كَما تُبلي فَيُدرَكُ مِنكَ ثارُ

تُنابُ النائِباتُ إِذا تَناهَت
وَيَدمُرُ في تَصَرُّفِهِ الدَمارُ

وَما أَهلُ المَنازِلِ غَيرُ رَكبٍ
مَطاياهُم رَواحٌ وَاِبتِكارُ

لَنا في الدَهرِ آمالٌ طِوالٌ
نُرَجّيها وَأَعمارٌ قِصارُ

وَأَهوِن بِالخُطوبِ عَلى خَليعٍ
إِلى اللَذاتِ لَيسَ لَهُ عِذارُ

فَآخِرُ يَومِهِ سُكرٌ تَجَلّى
غَوايَتُهُ وَأَوَّلُهُ خُمارُ

وَيَومٍ بِالمَطيرَةِ أَمطَرَتنا
سَماءٌ صَوبُ وابِلِها العُقارُ

نَزَلنا مَنزِلَ الحَسَنِ بنِ وَهبٍ
وَقَد دَرَسَت مَغانِهِ القِفارُ

تَلَقَّينا الشِتاءَ بِهِ وَزُرنا
بَناتَ اللَهوِ إِذ قَرُبَ المَزارُ

أَقَمنا أَكلُنا أَكلُ اِستِلابٍ
هُناكَ وَشُربُنا شُربٌ بِدارُ

تَنازَعنا المُدامَةَ وَهيَ صِرفٌ
وَأَعجَلنا الطَبائِخَ وَهيَ نارُ

وَلَم يَكُ ذاكَ سُخفاً غَيرَ أَنّي
رَأَيتُ الشَربَ سُخفُهُمُ الوَقارُ

رَضينا مِن مُخارِقَ وَاِبنِ خَيرٍ
بِصَوتِ الأَثلِ إِذ مَتَعَ النَهارُ

تُزَعزِعُهُ الشَمالُ وَقَد تَوافى
عَلى أَنفاسِها قَطرٌ صِغارُ

غَداةَ دُجُنَّةٍ لِلغَيثِ فيها
خِلالَ الرَوضِ حَجٌّ وَاِعتِمارُ

كَأَنَّ الريحَ وَالمَطَرَ المُناجي
خَواطِرَها عِتابٌ وَاِعتِذارُ

كَأَنَّ مُدارَ دِجلَةَ إِذ تَوافَت
بِأَجمَعِها هِلالٌ أَو سِوارُ

أَما وَأَبي بَني حارِ بنِ كَعبٍ
لَقَد طَرَدَ الزَمانُ بِهِم فَساروا

أَصابَ الدَهرُ دَولَةَ آلِ وَهبٍ
وَنالَ اللَيلُ مِنهُم وَالنَهارُ

أَعارَهُمُ رِداءَ العِزِّ حَتّى
تَقاضاهُم فَرَدّوا ما اِستَعاروا

وَما كانوا فَأَوجُهُهُم بُدورٌ
لِمُختَبِطٍ وَأَيدِهِم بِحارُ

وَإِنَّ عَوائِدَ الأَيّامِ فيها
لِما هاضَت بَوادِؤُها اِنجِبارُ


البحتري

الحمدان
07-25-2024, 09:04 PM
عَذيرِيَ مِن صَرفِ اللَيالي الغَوادِرِ
وَوَقعِ رَزايا كَالسُيوفِ البَواتِرِ

وَسَيرِ النَدى إِذ بانَ مِنّا مُوَدِّعاً
فَلا يَبعَدَن مِن مُستَقِلٍّ وَسائِرِ

أَجِدَّكَ ما تَنفَكُّ تَشكو قَضِيَّةً
تُرَدُّ إِلى حُكمٍ مِنَ الدَهرِ جائِرِ

يَنالُ الفَتى ما لَم يُؤَمِّل وَرُبَّما
أَتاحَت لَهُ الأَقدارُ ما لَم يُحاذِرِ

عَلى أَنَّهُ لا مُرتَجاً كَمُحَمَّدٍ
وَلا سَلَفٌ في الذاهِبينَ كَطاهِرِ

سَحابا عَطاءٍ مِن مُقيمٍ وَمُقلِعٍ
وَنَجما ضِياءٍ مِن مُنيفٍ وَغائِرِ

فَلِلَّهِ قَبرٌ في خُراسانَ أَدرَكَت
نَواحيهِ أَقطارَ العُلا وَالمَآثِرِ

تُطارُ عَراقيبُ الجِيادِ إِزاءَهُ
وَيُسقى صُباباتِ الدِماءِ المَوائِرِ

مُقيمٌ بِأَدنى أَبرَشَهرَ وَطولُهُ
عَلى قَصوِ آفاقِ البِلادِ الظَواهِرِ

جَرى ضونَهُ العَصرانِ تَسفي تُرابَها
عَلَيهِ أَعاصيرُ الرِياحِ الخَواتِرِ

سَقى جودَهُ جودُ الغَمامِ وَمَن رَأى
حَياً ماطِراً تَسقيهِ ديمَةُ ماطِرِ

صَوائِبُ مُزنٍ تَغتَدي مِن شَبائِهٍ
لِأَخلاقِهِ في جودِها وَنَظائِرِ

يَصُبنَ عَلى عَهدٍ مِنَ الدَهرِ صالِحٍ
تَقَضّى وَفَينانٍ مِنَ العَيشِ ناضِرِ

فَتىً لَم يُغِبَّ الجودَ رِقبَةَ عاذِلٍ
وَلَم يُطفِإِ الهَيجاءَ خَوفَ الجَرائِرِ

وَلَم يُرَ يَوماً قادِراً غَيرَ صافِحٍ
وَلا صافِحاً عَن زَلَّةٍ غَيرَ قادِرِ

أَحَقّاً بِأَنَّ اللَيثَ بَعدَ اِبتِزازِهِ
نُفوسَ العِدى مِن شاسِعٍ وَمُجاوِرِ

مُخِلٌّ بِتَصريفِ الأَعِنَّةِ طارِكٌ
لِقاءَ الزُحوفِ وَاِقتِيادَ العَساكِرِ

وَمُنصَرِفٌ عَنِ المَكارِمِ وَالعُلا
وَقَد شَرَعَت فَوتَ العُيونِ النَواظِرِ

كَأَن لَم يُنِف نَجدَ المَعالي وَلَم تُغِر
زَراياهُ في أَرضِ العَدُوِّ المُغاوِرِ

وَلَم يَتَبَسَّم لِلعَطايا فَتَنبَري
مَواهِبُ أَمثالُ الغُيوثِ البَواكِرِ

وَلَم يَدَّرِع وَشيَ الحَديدِ فَيَلتَقِي
عَلى شَابِكِ الأَنيابِ شاكي الأَظافِرِ

عَلى مَلِكٍ مااِنفَكَّ شَمسَ أَسِرَّةٍ
تُعارُ بِهِ ضَوءً وَبَدرَ مَنابِرِ

أَزالَت حِجابَ المُلكِ عَنهُ رَزِيَّةٌ
تَهَجَّمُ أَخياسَ الأُسودِ الخَوادِرِ

مُسَلَّطَةٌ لَم يَتَّإِر لِوُقُوعِها
بِساعٍ وَلَم يُنجَد عَلَيها بِناصِرِ

يُؤَسّي الأَداني عَنهُ أَن لَيسَ عِندَهُم
نَكيرٌ سِوى سَكبِ الدُموعِ البَوادِرِ

يُبَكّي بِشَجوِ الأَكرَمينَ تَسَلَّبَت
عَليهِ أَعِزّاءُ المُلوكِ الأَكابِرِ

تَخَوَّنَهُ خَطبٌ تَخَوَّنَ قَبلَهُ
حُسَينَ النَدى وَالسُؤدَدِ المُتَواتِرِ

عَميدَ خُراسانَ اِنبَرى لَهُما الرَدى
بِعامِدَتَينِ مِن صُنوفِ الدَوائِرِ

بَني مُسعَبٍ هَل تُقرِنونَ لِحادِثِات
نَوائِبِ أَو تُغنونَ حَتفَ المَقادِرِ

وَهَل في تَمادي الدَمعِ رَجعٌ لِذاهِبٍ
إِذا فاتَ أَو تَجدِيدُ عَهدٍ لِداثِرِ

وَهَل تَرَكَ الدَهرُ الحُسَينَ بنَ مُصعَبٍ
فَيَبقى عَلى الدَهرِ الحُسَينُ بنُ طاهِرِ

وَما أَبقَتِ الأَيّامُ وَجداً لِواجِدٍ
كَما أَنَّها لَم تُبقِ صَبراً لِصابِرِ

أُسىً كَثُرَت حَتّى اِطمَأَنَّ لَها الجَوى
وَأَرزاءُ فَجعٍ قَدحُها في الضَمائِرِ


البحتري
العصر العباسي

الحمدان
07-25-2024, 09:09 PM
لمتابعيني قدر لو ماتكلمت
وبـالقلب شيً ما نطق به لساني

للي يواصل أو يتابعني بصمت
شكـــري وتقديري وجـــل إمتناني

الحمدان .....

الحمدان
07-25-2024, 09:10 PM
إنَّ الغَواني جَنَّةٌ رَيْحانُها
نَضرُ الحياةِ فأينَ عنها نَعْزِفُ

لَولا مَلاحَتَهُنَّ ما كانَتْ لَنا
دُنيا نَلَذُّ بها ولا نَتَصَرَّفُ


الحسين بن مُطَير

الحمدان
07-25-2024, 09:12 PM
تَلُمُّ كَأسِي وَمَن أَهوَى وَخَاطِرَتِي
وَمَا تَجِيشُ وَبَيتَ الشِّعرِ وَالوَرَقَا

أَيَّامَ نَعكِفُ بِالحُسنَى عَلَى سَمَرٍ
نُسَاقِطُ اللَّغوَ فِيهِ كَيفَمَا اتَّفَقَا

إذْ مِسكَةُ الرَّبَوَاتِ الخُضرِ تُوسِعُنَا
بِمَا تَفَتَّقَ مِن أنسَامِهَا عَبَقَا


أبو فرات

الحمدان
07-25-2024, 09:13 PM
نَظَرَت بِمُقلَةِ شَادِنٍ مُتَرَبِّبٍ
أَحوَى أَحَمِّ المُقلَتَينِ مُقَلَّدِ

وَالنَّظمُ فِي سِلكٍ يُزَيَّنُ نَحرَهَا
ذَهَبٌ تَوَقَّدُ كَالشِّهَابِ المُوقَدِ


النَّابغة الذُّبياني

الحمدان
07-25-2024, 09:17 PM
يا فتح ، شابَ الدمعُ في عيوننا

و لم يزل خنجرُ إسرائيلَ في ظهورنا

و لم نزل نبحثُ في الظلامْ ، عن قبورنا

و لم نزل كالأمس أغبياءْ

نُردِدُ الخرافَةَ البلهاءْ

( الصبرُ مفتاحَ الفرجْ )

و لمْ نزل نظنُّ أنَّ النصرْ

وليمةً تأتي لنا و نحنُ في سريرنا

و لم نزل نقعد مِنْ سنينْ

على رصيف الأمم المتحدة

نشحذُ مِنْ لجانها ، الحليبَ و الطحينْ

و الذلَّ و السردينْ

و الملابسَ المستعملةْ

و لم نزل نمضغُ ساذجينْ

حكمتنا المفضلةْ :

( الصبرُ مفتاحَ الفرجْ )

إنَّ الرصاصَ وحدهُ

لا الصبرَ مفتاحَ الفرجْ

يا ربنا :

نرفضُ أنْ نكونَ بعد اليومَ طيبينْ

فالطيبونَ كلهمْ أنصافَ ميتينْ

هُم سرقوا بلادنا

هُم قتلوا أولادنا

فاسمح لنا ، يا ربنا

نكونُ قاتلينْ

يا ثأرنا

نرفض أن نكونَ كالخراف وادعينْ

يا طبلنا يا زارنا يا قاتنا

نرفضُ أنْ نظلَّ مسطولينَ ، دائخينْ

يا شِعرَنا كُنْ غاضباً

يا نثرَنا كُنْ غاضباً

يا عقلَنا كُنْ غاضباً

فعصرنا الذي نعيشُ ، عصرَ غاضبينْ

يا حقدَنا ، كُنْ حارقاً

كي لا نصيرَ كلَنا قَطيعَ لاجئينْ

نزار قباني

الحمدان
07-25-2024, 09:20 PM
ما كانَ هجرًا ولا كِبرًا وليسَ أذى
‏أستغفرُ الله هل أقوى فأؤذيكَ؟

‏كانت ظروفًا ثقالًا لو علمتَ بها
‏تبكي عليَّ كما أبكي.. وأبكيكَ

......

الحمدان
07-25-2024, 09:24 PM
من قدّرك قدِّره
و ارفع مقامه زياده

و من جفاك اعذره
حتى تنال الرياده

العمر لا تهدره
ما في إعاده إفاده

المصطفى ما اطهره
حبه و ذكره عباده


بقلمي

الحمدان
07-25-2024, 09:28 PM
فإن الأخت في الدُنيا ربيع
وما وصف العذوبةِ فيه كاف

وإن الأخت في الدنيا شفاء
كشهدٍ سال مُختلفًا وصاف

......

الحمدان
07-25-2024, 09:57 PM
‏أسندت ضعفي إلى ربي فقواني
ومن سواه يعين المتعب العاني

فوضت أمري لـه ربي فألهمني
رشدي وحررني من قيدأحزاني

يارب لي حاجةفي النفس تعلمها
وأنت أعلم ياربي بأشجاني

استرعيوبي وابدل عيشتي رغدا
وكن معينا لأحبابي وخلاني

تولني واهدني واكتب لنافرجا
وإن زللت فزد يارب إيماني

......

الحمدان
07-25-2024, 09:59 PM
‏والنفس إنك إن تكن عزّزتها
سلكت بك العزّ الذّي لك ينصرُ

ارفع مقامك لا تكن متخاذلاً
إن الذي يهوى العلا لا يُقهر

.......

الحمدان
07-25-2024, 10:03 PM
‏وعند الله تفريج البلايا
وعند الله للأسقام طبُّ

سيُنزل لطفه يسراً ونوراً
ويؤتينا الكريمُ كما نحبُّ

......

الحمدان
07-25-2024, 10:05 PM
لك المحبة في أسمى مراتبها
‏يا خيرَ من سال في أوصافهِ القلمُ

‏عليك صلى إلهي كلما لمعت
‏في الأفق بارقةٌ وانهلّت الدِّيَمُ

اللهم صل وسلم على محمد
‏ماذكره الذاكرون
‏وما غفل عن ذكره الغافلون
ٖ

الحمدان
07-25-2024, 10:07 PM
سلامٌ على كلّ شيءٍ جميلٍ
أضعناهُ سعياً إلى أجملِ

على كلّ قلبٍ سَعى نحونا
فلم نحتضنهُ، ولم نَقبَلِ

على راحلٍ لم نلوّح لهُ
على قادمٍ دون مُستَقبِل

بقلمي
ٖ

الحمدان
07-25-2024, 10:11 PM
‏أنت المُجيبُ إذا ناداك محتاجُ
‏أنت الرجا إن بدا في الأمر إحراجُ

‏سبحانك اللهُ مَن نرجو ويسمعُنا
‏والذُّلُّ في بابه للروحِ معراجُ

‏يا مالك الملك حاجاتٌ لك ارتفعَتْ
‏ما ثَمّ إلاّك يُرجَى منهُ إفراجُ

......

الحمدان
07-25-2024, 10:12 PM
إن الصــلاة على النبــي وآله
يشدو بها من شاء أن يتعطرا

صلوا على خير البرية تغنموا
عشرًا يصليها المليك الأعظمُ

الحمدان
07-25-2024, 10:14 PM
‏الأَمْرُ للهِ وَالأَقْدَارُ نَافِذَةٌ
وَنَحْنُ مَا بَيْنَ إِقْبَالٍ وَإِعْرَاضِ

عَجِيْبَةٌ هَذِهِ الدُّنْيَا مَرَاكِبُهَا
تَجْرِيْ بِنَا فَوْقَ أَشْلَاءٍ وَأَنْقَاضِ

نَفِرُّ مِنْ كَبَدٍ فِيْهَا إِلَىٰ كَبَدٍ
وَلَيْسَ يَرْتَاحُ إِلَّا القَانِعُ الرَّاضِي

......

الحمدان
07-25-2024, 10:16 PM
الله خصّ محمداً و اختارهُ
أعلى على كلّ الورى مقدارهُ

أعطاهُ فضلًا لا يُرام و زادهُ
فاز المحب إذا اقتفى آثارهُ

أكرم به نوراً يضيء لحائرٍ
فاقرأ شمائله و ذق أنوارهُ

صلى عليه الله ما طيفٌ سرى
أو حنّ مشتاق له أو زارهُ

الحمدان
07-25-2024, 10:25 PM
أسيلة معقد السمطين منها
وريّاً حيث تعتقد الحِقابا

أباحت ثمّ حازت من فؤادي
شِعاب الحُبِ إن لهُ شِعابا

......

الحمدان
07-25-2024, 10:36 PM
.
وتُشرِقُ الشمسُ في الدُّنيا لِتُخبرَنا
‏أنّ الصباحَ مَليءٌ بالبشاراتِ

‏ما ضاقتِ الأرضُ إلّا جاءَنا فَرَجٌ
‏كالغَيثِ يهطلُ مِن ربِّ السّماواتِ

......

الحمدان
07-25-2024, 11:12 PM
أسيلة معقد السمطين منها
وريّاً حيث تعتقد الحِقابا

أباحت ثمّ حازت من فؤادي
شِعاب الحُبِ إن لهُ شِعابا

......

الحمدان
07-25-2024, 11:55 PM
ماذا يَهيجُكَ مِن دارٍ بِمَحنِيَةٍ
كَالبُردِ غَيَّرَ مِنها الجِدَّةَ العُصُرُ

عَفَّت مَعارِفَها ريحٌ تُنَسِّفُها
حَتّى كَأَنَّ بَقايا رَسمِها سُطُرُ

أَزرى بِجِدَّتِها بَعدي وَغَيَّرَها
هوجُ الرِياحِ الَّتي تَغدو وَتَبتَكِرُ

دارٌ لِواضِحَةِ الخَدَّيَنِ ناعِمَةٍ
غَرثى الوَشاحِ لَها في دَلِّها خَفَرُ

كَأَنَّها دُرَّةٌ أَغلى التِجارُ بِها
مَكنونَةٌ رَبِحوا فيها وَما خَسِروا

قُل لِلخَليفَةِ موسى إِنَّ نائِلَهُ
جَزلٌ هَنِيٌّ وَما في سَيبِهِ كَدَرُ

مُتَوَّجٌ بِالهُدى بِالحَمدِ مُلتَحِفٌ
مُسَربَلٌ بِالنَدى بِالمَجدِ مُتَّزِرُ

موسى الَّذي بَذَلَ المَعروفَ يُنهِبُهُ
في الناسِ فَالجودُ مِن كَفَّيهِ يَنهَمِرُ

أَشَمُّ تَنميهِ آباءٌ جَحاجِحَةٌ
شُمُّ الأُنوفِ عَلى ما نابَهُم صَيَروا

لَن يُؤمِنَ الناسُ مَن لَم يُؤمِنوا أَبَداً
وَاللَهُ يُؤمِنُ مَن آوَوا نَصَروا

لا يَكسِرُ الناسُ ما شَدّوا جَبائِرَهُ
وَلَيسَ يُجبَرُ طولَ الدَهرِ مَن كَسَروا

أَنتَ الدَعامَةُ يا موسى إِذا اِحتَدَمَت
نيرانُها وَحُماةُ الحَربِ تَجتَزِرُ

وَإِن غَضِبتَ فَما في الناسِ مِن بَشَرٍ
إِلّا عَلى خَطَر ما مِثلُهُ خَطَرُ

ما مُخدِرٌ خَدِرٌ مُستَأسِدٌ أَسَدٌ
ضُبارِمٌ خادِرٌ ذو صَولَةٍ زَئِرُ

غَضَنفَرٌ غَضِفٌ قِرضابَةٌ ثَقِفٌ
مُستَرعِبٌ لِقُلوبِ الناسِ مُصطَبَرُ

ذو بُرثُنٍ شَرِثٍ ضَخمٌ مُزَوَّرُهُ
خُبَعثَنُ الخَلقِ في أَخلاقِهِ زَعَرُ

جَأبُ الشَراسيفِ رَحبُ الجَوفِ مُفتَرِسٌ
عِندَ التَجاوُلِ لِلأَقرانِ مُهتَصِرُ

عَفَرنَسٌ أَهرَتُ الشِدقَينِ ذو حَنَقٍ
لِلقِرنِ عِندَ لِقا الأَقرانِ مُقتَسِرُ

جَهمُ المُحَيّا هَموسٌ لا يُنَهنِهُهُ
صَوتُ الرِجالِ وَلا لِلزَجرِ يَنزَجِرُ

في خَطمِهِ خَنَسٌ في أَنفِهِ فَطَسٌ
كَأَنَّما وَجهُهُ مِن هَضبَةٍ حَجَرُ

ذو أَلَّةٍ قَيسَرِيٌّ حينَ تَبرِزُهُ
غَشَمشَمِيٌّ فَلا يُبقي وَلا يَذَرُ

بِبالِغٍ عُشرَ عُشرٍ مِن شَجاعَتِهِ
إِذا تَنازَلَتِ الأَبطالُ وَاِشتَجَروا

بَل أَنتَ أَجرَأُ مِنهُ في تَقَدُّمِهِ
وَأَنتَ أَقدَمُ مِنهُ حينَ يَجتَئِرُ

بَل لَو يُلاقيكِ أَضحى اللَيلُ مِن فَرَقِ
وَخيفَةً مِنكَ لا قى يَومَهُ القَدَرُ

يا خَيرَ مَن عَقَدَت كَفّاهُ حُجزَتَهُ
وَخَيرَ مَن قَلَّدَتهُ أَمرَها مُضَرُ

إِلّا النَبِيَّ رَسولَ اللَهِ أَنَّ لَهُ
فَضلاً وَأَنتَ بِذاكَ الفَضلِ تَفتَخِ


ابن الأشد البهدلي

الحمدان
07-25-2024, 11:56 PM
قُل لِلَيّالي ما أَرَدتِ فَاِصنَعي
إِنَّ الَّذي أَبلَيتِهِ لَن يَرجِعِ

مِنَ الشَبابِ فَأَجِدّي أَو دَعي
وَأَنتِ قَد أَودَعتِ شَرَّ مودَعِ

تَقَرُّحٌ في بَدَني وَأَضلُعي
وَضَعفُ صُلبي وَاِشتِكاءُ أَخدَعي

بِوَجَعٍ نَظيرُهُ لَم أَيجَعِ
ما فِيَّ يا عاذِلُ مِن مُستَمتَعِ

أَنَحَلَني كَرُّ اللَيالي الرُجَّعِ
تِسعينَ قَد وَصَلتُها بِأَربَعِ

وَيحَكِ كُفّي عَن مَلامي وَاِربَعي
وَحَقَّ ما أُلقي إِلَيكَ فَاِسمَعي

إِنّي لَو عُمِّرتُ عُمرَ الأَصمَعِيِّ
وَعُمرَ لُقمانَ وَعُمرَ تُبَّعِ

وَنِسرِ لُقمانَ الهِجَفِّ الأَقرَعِ
ما كانَ بُدٌّ مِن تَبَوّي مَضجَعي

في عَرضِ شِبرَينِ وَخَمسِ أَذرُعِ
في مَضجَعٍ ساكِنهُ لَم يَهجَعِ


ابن الأشد البهدلي

الحمدان
07-25-2024, 11:57 PM
فديتك لو لم تكن لي قريبا
وكنت أمرأ أجنبياً غريبا

مع البر منك وما تنجز
به مستخفاً اليك اللبيبا

لما أن جعلت لخلقٍ سواك
مثل نصيبك مني نصيبا

وكنت المقدم ممن أود
وازداد حقك عندي وجوبا

تلطف لما قد تكلمت فيه
فما زلت في الحاج شهماً نجيبا

وراوض أبا حسنٍ ان رأيت
واحتل برفقك حتى يجيبا

فان هو صار الى ما تريد
والا استعنت عليه الحبيبا

ومن لا يخالف ما أشتهيه
لتلفيه من غير شكٍ مجيبا

يودك خاقان وداً عجيبا
كذاك الأديب يود الاديبا

وانت تكافيه لابل تزيد
عليه وتجمع فيه ضروبا

تثيب أخاك على الود منه
وذو اللب يأنف ألا يثيبا

ولا سيما اذ براه الاله كالبدر
يدعو اليه القلوبا

يرى المتمني له ردفه
كثيباً وأعلاه يحكي القضيبا

وقد فاق في العلم والفهم منه
كما تم ملحاً وحسناً وطيبا

ويبلغ فيما يقولون ليس
يعاف اذا ناولوه القضيبا

ولكنه وافق الزاهدين
فخاب وقد ظن أن لن يخيبا

وان ركب المرء فيه هواه
عاث فتطهيره ان يتوبا

اذ زارت الشاة ذئباً طبيبا
فلا تأمنن على الشاة ذيبا

وعند الطبيب شفاء السقيم
اذا أعتل يوماً وجاء الطبيبا

ولست ترى فارساً في الأنام
الا وثوبا يجيد الركوبا


إبراهيم اليزيدي

الحمدان
07-25-2024, 11:57 PM
يا مسعدي بسيحان فديتكما
حثا المدامة في أكناف سيحانا

نهر كريم من الفردوس مخرجه
بذاك خبرنا من كان أنبانا

لا تحسداني رواحاً أو مباكرةً
طيب المسير على سيحان أحيانا

بشط سيحان انسان كلفت به
نفسي تقي ذلك الانسان انسانا

رياه ريحاننا والكأس معملة
لا شيء أطيب من رياه ريحانا

حثا شرابكما حتى أرى بكما
سكراً فاني قد أمسيت سكرانا

ريا الحبيب وكأسٌ من معتقة
يهيجان لنفس الصب أحزانا

سقياً لسيحان من نهرٍ ومن وطنٍ
وساكنيه من السكان من كانا

هم الذين عقدنا الود بينهم
وبيننا وهم في دير مرانا


إبراهيم اليزيدي

الحمدان
07-25-2024, 11:58 PM
انا المذنب الخطأ والعفو واسعٌ
ولو لم يكن ذنبٌ لما عرف العفو

سكرت فأبدت مني الكأس بعض ما
كرهت وما ان يستوي السكر والصحو

ولا سيما اذ كنت عند خليفةٍ
وفي مجلسٍ ما أن يليق به اللغو

ولولا حميا الكأس كان احتمال ما
بدهت به لا شك فيه هو السرو

تنصلت من ذنبي تنصل ضارعٍ
الى من لديه يغفر العمد والسهو

فان تعف عني تلف خطوي واسعاً
وألا يكن عفو فقد قصر الخطو


براهيم اليزيدي

الحمدان
07-26-2024, 02:40 AM
لحا اللَه راياً زيّن البعد عنكم
وهمّة قلب رخّصت في التقلّب

يطيب خبيث العيش بالقرب منكم
ويخبث عندي بعدكم كلّ طيب

نأيت بشخص في البلاد مشرّق
وقلب اليكم بالحنين مغرّب


وجيه الدولة الحمداني

الحمدان
07-26-2024, 01:54 PM
لقَد حازَني وَجْدٌ بمَنْ حازَهُ بُعْدُ
فيَا لَيْتَني بُعدٌ ويا لَيتَهُ وَجْدُ

أُسَرّ بتَجديدِ الهَوَى ذِكْرَ ما مضَى
وإنْ كانَ لا يَبقَى له الحجرُ الصّلدُ

سُهادٌ أتانا منكِ في العَينِ عِنْدَنَا
رُقادٌ وقُلاّمٌ رَعَى سَرْبُكمْ وَرْدُ

مُمَثَّلَةٌ حتى كأنْ لمْ تُفارِقي
وحتى كأنّ اليأسَ من وَصْلكِ الوَعدُ

وحتى تَكادي تَمْسَحينَ مَدامعي
ويَعْبَقُ في ثَوْبيَّ من رِيحِكِ النَّدُّ

إذا غَدَرَتْ حَسناءُ وفّتْ بعَهدها
فمِنْ عَهدِها أن لا يَدومَ لها عَهدُ

وإنْ عَشِقَتْ كانتْ أشَدّ صَبابَةً
وإن فَرِكتْ فاذهبْ فما فِركها قَصدُ

وإنْ حقَدَتْ لم يَبقَ في قَلبِها رِضًى
وإنْ رَضِيَتْ لم يَبقَ في قَلبِها حِقدُ

كذلِكَ أخلاقُ النّساءِ ورُبّمَا
يَضِلُّ بها الهادي ويخفى بها الرّشدُ

ولكنّ حُبّاً خامَرَ القَلْبَ في الصِّبَا
يَزيدُ على مَرّ الزّمانِ ويَشْتَدُّ

سَقَى ابنُ عَليٍّ كلَّ مُزنٍ سقَتكمُ
مُكافأةً يَغْدو إلَيْها كمَا تَغدُو

لتَرْوَى كمَا تُرْوي بلاداً سكَنْتِها
ويَنْبُتَ فيها فَوْقَكِ الفَخرُ والمجدُ

بمن تَشخَصُ الأبصارُ يوْمَ رُكوبِهِ
ويُخْرَقُ من زَحْمٍ على الرّجلِ البُرْدُ

وتُلْقي وما تَدري البَنانُ سِلاحَها
لكَثْرَةِ إيماءٍ إلَيْهِ إذا يَبدُو

ضَرُوبٌ لهامِ الضّارِبي الهامِ في الوَغى
خَفيفٌ إذا ما أثقَلَ الفَرسَ اللِّبْدُ

بَصِيرٌ بأخذِ الحَمدِ من كلّ مَوْضِعٍ
ولَوْ خَبَأتْهُ بَينَ أنْيابِها الأُسْدُ

بتَأميلِهِ يَغنى الفَتى قَبْلَ نَيْلِهِ
وبالذّعْرِ من قبلِ المهنّدِ يَنْقَدُّ

وسَيْفي لأنْتَ السّيفُ لا ما تَسُلّهُ
لضرْبٍ وممّا السّيفُ منهُ لكَ الغِمدُ

ورُمْحي لأنْتَ الرّمحُ لا ما تَبُلّهُ
نجيعاً ولوْلا القَدحُ لم يُثقِبِ الزَّنْدُ

منَ القاسِمينَ الشّكرَ بَيني وبَينَهمْ
لأنّهُمُ يُسدَى إلَيهِمْ بأنْ يُسدُوا

فشُكري لهم شُكرانِ: شكرٌ على النّدى
وشكرٌ على الشّكرِ الذي وَهبوا بَعْدُ

صِيامٌ بأبْوابِ القِبابِ جِيادُهُمْ
وأشْخاصُها في قَلبِ خائِفِهمْ تَعدُو

وأنْفُسُهُمْ مَبْذولَةٌ لوُفُودِهم
وأموالهُمْ في دارِ مَنْ لم يَفِدْ وَفْدُ

كأنّ عَطِيّاتِ الحُسَينِ عَساكِرٌ
ففيها العِبِدَّى والمُطَهَّمَةُ الجُرْدُ

أرَى القمرَ ابنَ الشّمسِ قد لبسَ العُلى
رُوَيْدَكَ حتى يَلْبَسَ الشّعَرَ الخَدُّ

وغالَ فُضُولَ الدّرْعِ مِن جَنَباتها
على بَدَنٍ قَدُّ القَنَاةِ لَهُ قَدُّ

وباشَرَ أبْكارَ المَكارِمِ أمْرَداً
وكانَ كَذا آباؤهُ وهُمُ مُرْدُ

مَدَحْتُ أباهُ قَبْلَهُ فشَفَى يَدي
مِنَ العُدم مَنْ تُشفَى به الأعينُ الرُّمدُ

حَبَاني بأثْمانِ السّوابِقِ دونَهَا
مَخافةَ سَيرِي إنّها للنّوَى جُنْدُ

وشَهْوَةَ عَوْدٍ إنَّ جُودَ يَمينِهِ
ثُنَاءٌ ثُنَاءٌ والجَوادُ بها فَرْدُ

فلا زِلْتُ ألقَى الحاسِدينَ بمِثْلِها
وفي يدهم غَيضٌ وفي يديَ الرِّفْدُ

وعِندي قَباطيّ الهُمَامِ ومَالُهُ
وعندَهُمُ ممّا ظَفِرْتُ بهِ الجَحدُ

يَرومُونَ شأوي في الكَلامِ وإنّمَا
يحاكي الفتى فيما خَلا المَنطقَ القِرْدُ

فَهُمْ في جُموعٍ لا يراها ابنُ دأيَةٍ
وهم في ضَجيجٍ لا يُحسّ به الخلدُ

ومني استفادَ النّاسُ كُلَّ غَريبَةٍ
فجازوا بتَرْكِ الذّمّ إن لم يكنْ حمدُ

وجَدْتُ عَليّاً وابنَهُ خيرَ قوْمِهِ
وهم خيرُ قوْمٍ واستوَى الحُرُّ والعبدُ

وأصْبَحَ شِعري منهُما في مكانِهِ
وفي عُنُقِ الحَسْناءِ يُستَحسنُ العِقدُ


المتنبي
العصر العباسي

الحمدان
07-26-2024, 01:54 PM
أَمِن كُلِّ شَيءٍ بَلَغتَ المُرادا
وَفي كُلِّ شَأوٍ شَأَوتَ العِبادا

فَماذا تَرَكتَ لِمَن لَم يَسُد
وَماذا تَرَكتَ لِمَن كانَ سادا

كَأَنَّ السُمانى إِذا ما رَأَتكَ
تَصَيَّدُها تَشتَهي أَن تُصادا


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 01:55 PM
أَوَدُّ مِنَ الأَيّامِ مالا تَوَدُّهُ
وَأَشكو إِلَيها بَينَنا وَهيَ جُندُهُ

يُباعِدنَ حِبّاً يَجتَمِعنَ وَوَصلُهُ
فَكَيفَ بِحِبٍّ يَجتَمِعنَ وَصَدُّهُ

أَبى خُلُقُ الدُنيا حَبيباً تُديمُهُ
فَما طَلَبي مِنها حَبيباً تَرُدُّهُ

وَأَسرَعُ مَفعولٍ فَعَلتَ تَغَيُّراً
تَكَلُّفُ شَيءٍ في طِباعِكَ ضِدُّهُ

رَعى اللَهُ عيساً فارَقَتنا وَفَوقَها
مَهاً كُلُّها يولى بِجَفنَيهِ خَدُّهُ

بِوادٍ بِهِ ما بِالقُلوبِ كَأَنَّهُ
وَقَد رَحَلوا جيدٌ تَناثَرَ عِقدُهُ

إِذا سارَتِ الأَحداجُ فَوقَ نَباتِهِ
تَفاوَحَ مِسكُ الغانِياتِ وَرَندُهُ

وَحالٍ كَإِحداهُنَّ رُمتُ بُلوغَها
وَمِن دونِها غَولُ الطَريقِ وَبُعدُهُ

وَأَتعَبُ خَلقِ اللَهِ مَن زادَ هَمُّهُ
وَقَصَّرَ عَمّا تَشتَهي النَفسُ وُجدُهُ

فَلا يَنحَلِل في المَجدِ مالُكَ كُلُّهُ
فَيَنحَلَّ مَجدٌ كانَ بِالمالِ عَقدُهُ

وَدَبِّرهُ تَدبيرَ الَّذي المَجدُ كَفُّهُ
إِذا حارَبَ الأَعداءَ وَالمالُ زَندُهُ

فَلا مَجدَ في الدُنيا لِمَن قَلَّ مالُهُ
وَلا مالَ في الدُنيا لِمَن قَلَّ مَجدُهُ

وَفي الناسِ مَن يَرضى بِمَيسورِ عَيشِهِ
وَمَركوبُهُ رِجلاهُ وَالثَوبُ جِلدُهُ

وَلَكِنَّ قَلباً بَينَ جَنبَيَّ مالَهُ
مَدىً يَنتَهي بي في مُرادٍ أَحُدُّهُ

يَرى جِسمَهُ يُكسى شُفوفاً تَرُبُّهُ
فَيَختارُ أَن يُكسى دُروعاً تَهُدُّهُ

يُكَلِّفُني التَهجيرَ في كُلِّ مَهمَهٍ
عَليقي مَراعيهِ وَزادِيَ رُبدُهُ

وَأَمضى سِلاحٍ قَلَّدَ المَرءُ نَفسَهُ
رَجاءُ أَبي المِسكِ الكَريمِ وَقَصدُهُ

هُما ناصِرا مَن خانَهُ كُلُّ ناصِرٍ
وَأُسرَةُ مَن لَم يُكثِرِ النَسلَ جَدُّهُ

أَنا اليَومَ مِن غِلمانِهِ في عَشيرَةٍ
لَنا والِدٌ مِنهُ يُفَدّيهِ وُلدُهُ

فَمَن مالِهِ مالُ الكَبيرِ وَنَفسُهُ
وَمَن مالِهِ دَرُّ الصَغيرِ وَمَهدُهُ

نَجُرُّ القَنا الخَطِيَّ حَولَ قِبابِهِ
وَتَردي بِنا قُبُّ الرِباطِ وَجُردُهُ

وَنَمتَحِنُ النُشّابَ في كُلِّ وابِلٍ
دَوِيُّ القِسِيِّ الفارِسِيَّةِ رَعدُهُ

فَإِلّا تَكُن مِصرُ الشَرى أَو عَرينُهُ
فَإِنَّ الَّذي فيها مِنَ الناسِ أُسدُهُ

سَبائِكُ كافورٍ وَعِقيانُهُ الَّذي
بِصُمِّ القَنا لا بِالأَصابِعِ نَقدُهُ

بَلاها حَوالَيهِ العَدُوُّ وَغَيرُهُ
وَجَرَّبَها هَزلُ الطِرادِ وَجِدُّهُ

أَبو المِسكِ لا يَفنى بِذَنبِكَ عَفوُهُ
وَلَكِنَّهُ يَفنى بِعُذرِكَ حِقدُهُ

فَيا أَيُّها المَنصورُ بِالجَدِّ سَعيُهُ
وَيا أَيُّها المَنصورُ بِالسَعيِ جَدُّهُ

تَوَلّى الصِبا عَنّي فَأَخلَفتُ طيبَهُ
وَما ضَرَّني لَمّا رَأَيتُكَ فَقدُهُ

لَقَد شَبَّ في هَذا الزَمانِ كُهولُهُ
لَدَيكَ وَشابَت عِندَ غَيرِكَ مُردُهُ

أَلا لَيتَ يَومَ السَيرِ يُخبِرُ حَرُّهُ
فَتَسأَلَهُ وَاللَيلَ يُخبِرُ بَردُهُ

وَلَيتَكَ تَرعاني وَحَيرانُ مُعرِضٌ
فَتَعلَمَ أَنّي مِن حُسامِكَ حَدُّهُ

وَأَنّي إِذا باشَرتُ أَمراً أُريدُهُ
تَدانَت أَقاصيهِ وَهانَ أَشَدُّهُ

وَما زالَ أَهلُ الدَهرِ يَشتَبِهونَ لي
إِلَيكَ فَلَمّا لُحتَ لي لاحَ فَردُهُ

يُقالُ إِذا أَبصَرتُ جَيشاً وَرَبُّهُ
أَمامَكَ رَبٌّ رَبُّ ذا الجَيشِ عَبدُهُ

وَأَلقى الفَمَ الضَحّاكَ أَعلَمُ أَنَّهُ
قَريبٌ بِذي الكَفِّ المُفَدّاةِ عَهدُهُ

فَزارَكَ مِنّي مَن إِلَيكَ اِشتِياقُهُ
وَفي الناسِ إِلّا فيكَ وَحدَكَ زُهدُهُ

يُخَلِّفُ مَن لَم يَأتِ دارَكَ غايَةً
وَيَأتي فَيَدري أَنَّ ذَلِكَ جُهدُهُ

فَإِن نِلتُ ما أَمَّلتُ مِنكَ فَرُبَّما
شَرِبتُ بِماءٍ يَعجِزُ الطَيرَ وِردُهُ

وَوَعدُكَ فِعلٌ قَبلَ وَعدٍ لِأَنَّهُ
نَظيرُ فَعالِ الصادِقِ القَولِ وَعدُهُ

فَكُن في اِصطِناعي مُحسِناً كَمُجَرِّبٍ
يَبِن لَكَ تَقريبُ الجَوادِ وَشَدُّهُ

إِذا كُنتَ في شَكٍّ مِنَ السَيفِ فَاِبلُهُ
فَإِمّا تُنَفّيهِ وَإِمّا تُعِدُّهُ

وَما الصارِمُ الهِندِيُّ إِلّا كَغَيرِهِ
إِذا لَم يُفارِقهُ النِجادُ وَغِمدُهُ

وَإِنَّكَ لَلمَشكورُ في كُلِّ حالَةٍ
وَلَو لَم يَكُن إِلّا البَشاشَةَ رِفدُهُ

فَكُلُّ نَوالٍ كانَ أَو هُوَ كائِنٌ
فَلَحظَةُ طَرفٍ مِنكَ عِندِيَ نِدُّهُ

وَإِنّي لَفي بَحرٍ مِنَ الخَيرِ أَصلُهُ
عَطاياكَ أَرجو مَدَّها وَهيَ مَدُّهُ

وَما رَغبَتي في عَسجَدٍ أَستَفيدُهُ
وَلَكِنَّها في مَفخَرٍ أَستَجِدُّهُ

يَجودُ بِهِ مَن يَفضَحُ الجودَ جودُهُ
وَيَحمَدُهُ مَن يَفضَحُ الحَمدَ حَمدُهُ

فَإِنَّكَ ما مَرَّ النُحوسُ بِكَوكَبٍ
وَقابَلتَهُ إِلّا وَوَجهُكَ سَعدُهُ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 01:56 PM
رِضاكَ رِضايَ الَّذي أوثِرُ
وَسِرُّكَ سِرّي فَما أُظهِرُ

كَفَتكَ المُروأَةُ ما تَتَّقي
وَآمَنَكَ الوُدُّ ما تَحذَرُ

وَسِرُّكُمُ في الحَشا مَيِّتٌ
إِذا أُنشِرَ السِرُّ لا يُنشَرُ

كَأَنّي عَصَت مُقلَتي فيكُمُ
وَكاتَمَتِ القَلبَ ما تُبصِرُ

وَإِفشاءُ ما أَنا مُستَودَعٌ
مِنَ الغَدرِ وَالحُرِّ لا يَغدِرُ

إِذا ما قَدَرتُ عَلى نَطقَةٍ
فَإِنّي عَلى تَركِها أَقدَرُ

أُصَرِّفُ نَفسي كَما أَشتَهي
وَأَملِكُها وَالقَنا أَحمَرُ

دَواليكَ يا سَيفَها دَولَةً
وَأَمرَكَ يا خَيرَ مَن يَأمُرُ

أَتاني رَسولُكَ مُستَعجِلاً
فَلَبّاهُ شِعري الَّذي أَذخَرُ

وَلَو كانَ يَومَ وَغىً قاتِماً
لَلَبّاهُ سَيفِيَ وَالأَشقَرُ

فَلا غَفَلَ الدَهرُ عَن أَهلِهِ
فَإِنَّكَ عَينٌ بِها يَنظُرُ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 01:56 PM
أَرى ذَلِكَ القُربَ صارَ اِزوِرارا
وَصارَ طَويلُ السَلامِ اِختِصارا

تَرَكتَني اليَومَ في خَجلَةٍ
أَموتُ مِراراً وَأَحيا مِرارا

أُسارِقُكَ اللَحظَ مُستَحيِياً
وَأَزجُرُ في الخَيلِ مُهري سِرارا

وَأَعلَمُ أَنّي إِذا ما اِعتَذَرتُ
إِلَيكَ أَرادَ اِعتِذاري اِعتِذارا

كَفَرتُ مَكارِمَكَ الباهِراتِ
إِن كانَ ذَلِكَ مِنّي اِختِيارا

وَلَكِن حَمى الشِعرَ إِلّا القَليلَ
هَمٌّ حَمى النَومَ إِلّا غِرارا

وَما أَنا أَسقَمتُ جِسمي بِهِ
وَما أَنا أَضرَمتُ في القَلبِ نارا

فَلا تُلزِمَنّي ذُنوبَ الزَمانِ
إِلَيَّ أَساءَ وَإِيّايَ ضارا

وَعِندي لَكَ الشُرُدُ السائِراتُ
لا يَختَصِصنَ مِنَ الأَرضِ دارا

قَوافٍ إِذا سِرنَ عَن مِقوَلي
وَثَبنَ الجِبالَ وَخُضنَ البِحارا

وَلي فيكَ ما لَم يَقُل قائِلٌ
وَما لَم يَسِر قَمَرٌ حَيثُ سارا

فَلَو خُلِقَ الناسُ مِن دَهرِهِم
لَكانوا الظَلامَ وَكُنتَ النَهارا

أَشَدُّهُمُ في النَدى هِزَّةً
وَأَبمَدُهُم في عَدُوٍّ مُغارا

سَما بِكَ هَمِّيَ فَوقَ الهُمومِ
فَلَستُ أَعُدُّ يَساراً يَسارا

وَمَن كُنتَ بَحراً لَهُ يا عَلِيُّ
لَم يَقبَلِ الدُرَّ إِلّا كِبارا


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 01:57 PM
ظُلمٌ لِذا اليَومِ وَصفٌ قَبلَ رُؤيَتِهِ
لا يَصدُقُ الوَصفُ حَتّى يَصدُقُ النَظَرُ

تَزاحَمَ الجَيشُ حَتّى لَم يَجِد سَبَباً
إِلى بِساطِكَ لي سَمعٌ وَلا بَصَرُ

فَكُنتُ أَشهَدَ مُختَصٍّ وَأَغيَبَهُ
مُعايِناً وَعِياني كُلُّهُ خَبَرُ

اليَومَ يَرفَعُ مَلكُ الرومِ ناظِرَهُ
لِأَنَّ عَفوَكَ عَنهُ عِندَهُ ظَفَرُ

وَإِن أَجَبتَ بِشَيءٍ عَن رَسائِلِهِ
فَما يَزالُ عَلى الأَملاكِ يَفتَخِرُ

قَدِ اِستَراحَت إِلى وَقتٍ رِقابُهُمُ
مِنَ السُيوفِ وَباقي القَومِ يَنتَظِرُ

وَقَد تُبَدِّلُها بِالقَومِ غَيرُهُمُ
لِكَي تَجِمَّ رُؤوسَ القَومِ وَالقَصرُ

تَشبيهُ جودِكَ بِالأَمطارِ غادِيَةً
جودٌ لِكَفِّكَ ثانٍ نالَهُ المَطَرُ

تَكَسَّبُ الشَمسُ مِنكَ النورَ طالِعَةً
كَما تَكَسَّبَ مِنها نورَهُ القَمَرُ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 01:57 PM
طِوالُ قَناً تُطاعِنُها قِصارُ
وَقَطرُكَ في نَدىً وَوَغىً بِحارُ

وَفيكَ إِذا جَنى الجاني أَناةٌ
تُظَنُّ كَرامَةً وَهِيَ اِحتِقارُ

وَأَخذٌ لِلحَواصِرِ وَالبَوادي
بِضَبطٍ لَم تُعَوَّدهُ نِزارُ

تَشَمَّمُهُ شَميمَ الوَحشِ إِنساً
وَتُنكِرُهُ فَيَعروها نِفارُ

وَما اِنقادَت لِغَيرِكَ في زَمانٍ
فَتَدري ما المَقادَةَ وَالصِغارُ

فَقَرَّحتِ المَقاوِدُ ذِفرَيَيها
وَصَعَّرَ خَدَّها هَذا العِذارُ

وَأَطمَعَ عامِرَ البُقيا عَلَيها
وَنَزَّقَها اِحتِمالُكَ وَالوَقارُ

وَغَيَّرَها التَراسُلُ وَالتَشاكي
وَأَعجَبَها التَلَبُّبُ وَالمُغارُ

جِيادٌ تَعجِزُ الأَرسانُ عَنها
وَفُرسانٌ تَضيقُ بِها الدِيارُ

وَكانَت بِالتَوَقُّفِ عَن رَداها
نُفوساً في رَداها تُستَشارُ

وَكُنتَ السَيفَ قائِمُهُ إِلَيهِم
وَفي الأَعداءِ حَدُّكَ وَالغِرارُ

فَأَمسَت بِالبَدِيَّةِ شَفرَتاهُ
وَأَمسى خَلفَ قائِمِهِ الحِيارُ

وَكانَ بَنو كِلابٍ حَيثُ كَعبٌ
فَخافوا أَن يَصيروا حَيثُ صاروا

تَلَقَّوا عِزَّ مَولاهُم بِذُلٍّ
وَسارَ إِلى بَني كَعبٍ وَساروا

فَأَقبَلَها المُروجَ مُسَوَّماتٍ
ضَوامِرَ لا هِزالَ وَلا شِيارُ

تُثيرُ عَلى سَلَميَةَ مُسبَطِرّاً
تَناكَرُ نَحتَهُ لَولا الشِعارُ

عَجاجاً تَعثُرُ العِقبانُ فيهِ
كَأَنَّ الجَوَّ وَعثٌ أَو خَبارُ

وَظَلَّ الطَعنُ في الخَيلَينِ خَلساً
كَأَنَّ المَوتَ بَينَهُما اِختِصارُ

فَلَزَّهُمُ الطِرادُ إِلى قِتالٍ
أَحَدُّ سِلاحِهِم فيهِ الفِرارُ

مَضَوا مُتَسابِقي الأَعضاءِ فيهِ
لِأرؤسِهِم بِأَرجُلِهِم عِثارُ

يَشُلُّهُمُ بِكُلِّ أَقَبَّ نَهدٍ
لِفارِسِهِ عَلى الخَيلِ الخِيارُ

وَكُلِّ أَصَمَّ يَعسِلُ جانِباهُ
عَلى الكَعبَينِ مِنهُ دَمٌ مُمارُ

يُغادِرُ كُلَّ مُلتَفِتٍ إِلَيهِ
وَلَبَّتُهُ لِثَعلَبِهِ وَجارُ

إِذا صَرَفَ النَهارُ الضَوءَ عَنهُم
دَجا لَيلانِ لَيلٌ وَالغُبارُ

وَإِن جُنحُ الظَلامِ اِنجابَ عَنهُم
أَضاءَ المَشرَفِيَّةُ وَالنَهارُ

يُبَكّي خَلفَهُم دَثرٌ بُكاهُ
رُغاءٌ أَو ثُؤاجٌ أَو يُعارُ

غَطا بِالعِثيَرِ البَيداءَ حَتّى
تَحَيَّرَتِ المَتالي وَالعِشارُ

وَمَرّوا بِالجَباةِ يَضُمُّ فيها
كِلا الجَيشَينِ مِن نَقعٍ إِزارُ

وَجاؤوا الصَحصَحانَ بِلا سُروجٍ
وَقَد سَقَطَ العِمامَةُ وَالخِمارُ

وَأُرهِقَتِ العَذارى مُردَفاتٍ
وَأَوطِئَتِ الأُصَيبِيَةُ الصِغارُ

وَقَد نُزِحَ الغُوَيرُ فَلا غُوَيرٌ
وَنِهيا وَالبُيَيضَةُ وَالجِفارُ

وَلَيسَ بِغَيرِ تَدمُرَ مُستَغاثٌ
وَتَدمُرُ كَاِسمِها لَهُمُ دَمارُ

أَرادوا أَن يُديروا الرَأيَ فيها
فَصَبَّحَهُم بِرَأيٍ لا يُدارُ

وَجَيشٍ كُلَّما حاروا بِأَرضٍ
وَأَقبَلَ أَقبَلَت فيهِ تَحارُ

يَحُفُّ أَغَرَّ لا قَوَدٌ عَلَيهِ
وَلا دِيَةٌ تُساقُ وَلا اِعتِذارُ

تُريقُ سُيوفُهُ مُهَجَ الأَعادي
وَكُلُّ دَمٍ أَراقَتهُ جُبارُ

فَكانوا الأُسدَ لَيسَ لَها مَصالٌ
عَلى طَيرٍ وَلَيسَ لَها مَطارُ

إِذا فاتوا الرِماحَ تَناوَلَتهُم
بِأَرماحٍ مِنَ العَطَشِ القِفارُ

يَرَونَ المَوتَ قُدّاماً وَخَلفاً
فَيَختارونَ وَالمَوتُ اِضطِرارُ

إِذا سَلَكَ السَماوَةَ غَيرُ هادٍ
فَقَتلاهُم لِعَينَيهِ مَنارُ

وَلَو لَم تُبقِ لَم تَعِشِ البَقايا
وَفي الماضي لِمَن بَقِيَ اِعتِبارُ

إِذا لَم يُرعِ سَيِّدُهُم عَلَيهِم
فَمَن يُرعي عَلَيهِم أَو يَغارُ

تُفَرِّقُهُم وَإِيّاهُ السَجايا
وَيَجمَعُهُم وَإِيّاهُ النِجارُ

وَمالَ بِها عَلى أَرَكٍ وَعُرضٍ
وَأَهلُ الرَقَّتَينِ لَها مَزارُ

وَأَجفَلَ بِالفُراتِ بَنو نُمَيرٍ
وَزَأرُهُمُ الَّذي زَأَروا خُوارُ

فَهُم حِزَقٌ عَلى الخابورِ صَرعى
بِهِم مِن شُربِ غَيرِهِمِ خُمارُ

فَلَم يَسرَح لَهُم في الصُبحِ مالٌ
وَلَم توقَد لَهُم بِاللَيلِ نارُ

حِذارَ فَتىً إِذا لَم يَرضَ عَنهُم
فَلَيسَ بِنافِعٍ لَهُمُ الحِذارُ

تَبيتُ وُفودُهُم تَسري إِلَيهِ
وَجَدواهُ الَّتي سَأَلوا اِغتِفارُ

فَخَلَّفَهُم بِرَدِّ البيضِ عَنهُم
وَهامُهُمُ لَهُ مَعَهُم مُعارُ

وَهُم مِمَّن أَذَمَّ لَهُم عَلَيهِ
كَريمُ العِرقِ وَالحَسَبُ النُضارُ

فَأَصبَحَ بِالعَواصِمِ مُستَقِرّاً
وَلَيسَ لِبَحرِ نائِلِهِ قَرارُ

وَأَضحى ذِكرُهُ في كُلِّ أَرضٍ
تُدارُ عَلى الغِناءِ بِهِ العُقارُ

تَخِرُّ لَهُ القَبائِلُ ساجِداتٍ
وَتَحمَدُهُ الأَسِنَّةُ وَالشِفارُ

كَأَنَّ شُعاعَ عَينِ الشَمسِ فيهِ
فَفي أَبصارِنا مِنهُ اِنكِسارُ

فَمَن طَلَبَ الطِعانَ فَذا عَلِيٌّ
وَخَيلُ اللَهِ وَالأَسَلُ الحِرارُ

يَراهُ الناسُ حَيثُ رَأَتهُ كَعبٌ
بِأَرضٍ ما لِنازِلِها اِستِتارُ

يُوَسِّطُهُ المَفاوِزَ كُلَّ يَومٍ
طِلابُ الطالِبينَ لا الاِنتِظارُ

تَصاهَلُ خَيلُهُ مُتَجاوِباتٍ
وَما مِن عادَةِ الخَيلِ السِرارُ

بَنو كَعبٍ وَما أَثَّرتَ فيهِم
يَدٌ لَم يُدمِها إِلّا السِوارُ

بِها مِن قِطعَةٍ أَلَمٌ وَنَقصٌ
وَفيها مِن جَلالَتِهِ اِفتِخارُ

لَهُم حَقٌّ بِشِركِكَ في نِزارٍ
وَأَدنى الشِركِ في أَصلٍ جِوارُ

لَعَلَّ بَنيهِمِ لِبَنيكَ جُندٌ
فَأَوَّلُ قُرَّحِ الخَيلِ المِهارُ

وَأَنتَ أَبَرُّ مَن لَو عُقَّ أَفنى
وَأَعفى مِن عُقوبَتِهِ البَوارُ

وَأَقدَرُ مَن يُهَيِّجُهُ اِنتِصارٌ
وَأَحلَمُ مَن يُحَلِّمُهُ اِقتِدارُ

وَما في سَطوَةِ الأَربابِ عَيبٌ
وَلا في ذِلَّةِ العُبدانِ عارُ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 01:58 PM
طِوالُ قَناً تُطاعِنُها قِصارُ
وَقَطرُكَ في نَدىً وَوَغىً بِحارُ

وَفيكَ إِذا جَنى الجاني أَناةٌ
تُظَنُّ كَرامَةً وَهِيَ اِحتِقارُ

وَأَخذٌ لِلحَواصِرِ وَالبَوادي
بِضَبطٍ لَم تُعَوَّدهُ نِزارُ

تَشَمَّمُهُ شَميمَ الوَحشِ إِنساً
وَتُنكِرُهُ فَيَعروها نِفارُ

وَما اِنقادَت لِغَيرِكَ في زَمانٍ
فَتَدري ما المَقادَةَ وَالصِغارُ

فَقَرَّحتِ المَقاوِدُ ذِفرَيَيها
وَصَعَّرَ خَدَّها هَذا العِذارُ

وَأَطمَعَ عامِرَ البُقيا عَلَيها
وَنَزَّقَها اِحتِمالُكَ وَالوَقارُ

وَغَيَّرَها التَراسُلُ وَالتَشاكي
وَأَعجَبَها التَلَبُّبُ وَالمُغارُ

جِيادٌ تَعجِزُ الأَرسانُ عَنها
وَفُرسانٌ تَضيقُ بِها الدِيارُ

وَكانَت بِالتَوَقُّفِ عَن رَداها
نُفوساً في رَداها تُستَشارُ

وَكُنتَ السَيفَ قائِمُهُ إِلَيهِم
وَفي الأَعداءِ حَدُّكَ وَالغِرارُ

فَأَمسَت بِالبَدِيَّةِ شَفرَتاهُ
وَأَمسى خَلفَ قائِمِهِ الحِيارُ

وَكانَ بَنو كِلابٍ حَيثُ كَعبٌ
فَخافوا أَن يَصيروا حَيثُ صاروا

تَلَقَّوا عِزَّ مَولاهُم بِذُلٍّ
وَسارَ إِلى بَني كَعبٍ وَساروا

فَأَقبَلَها المُروجَ مُسَوَّماتٍ
ضَوامِرَ لا هِزالَ وَلا شِيارُ

تُثيرُ عَلى سَلَميَةَ مُسبَطِرّاً
تَناكَرُ نَحتَهُ لَولا الشِعارُ

عَجاجاً تَعثُرُ العِقبانُ فيهِ
كَأَنَّ الجَوَّ وَعثٌ أَو خَبارُ

وَظَلَّ الطَعنُ في الخَيلَينِ خَلساً
كَأَنَّ المَوتَ بَينَهُما اِختِصارُ

فَلَزَّهُمُ الطِرادُ إِلى قِتالٍ
أَحَدُّ سِلاحِهِم فيهِ الفِرارُ

مَضَوا مُتَسابِقي الأَعضاءِ فيهِ
لِأرؤسِهِم بِأَرجُلِهِم عِثارُ

يَشُلُّهُمُ بِكُلِّ أَقَبَّ نَهدٍ
لِفارِسِهِ عَلى الخَيلِ الخِيارُ

وَكُلِّ أَصَمَّ يَعسِلُ جانِباهُ
عَلى الكَعبَينِ مِنهُ دَمٌ مُمارُ

يُغادِرُ كُلَّ مُلتَفِتٍ إِلَيهِ
وَلَبَّتُهُ لِثَعلَبِهِ وَجارُ

إِذا صَرَفَ النَهارُ الضَوءَ عَنهُم
دَجا لَيلانِ لَيلٌ وَالغُبارُ

وَإِن جُنحُ الظَلامِ اِنجابَ عَنهُم
أَضاءَ المَشرَفِيَّةُ وَالنَهارُ

يُبَكّي خَلفَهُم دَثرٌ بُكاهُ
رُغاءٌ أَو ثُؤاجٌ أَو يُعارُ

غَطا بِالعِثيَرِ البَيداءَ حَتّى
تَحَيَّرَتِ المَتالي وَالعِشارُ

وَمَرّوا بِالجَباةِ يَضُمُّ فيها
كِلا الجَيشَينِ مِن نَقعٍ إِزارُ

وَجاؤوا الصَحصَحانَ بِلا سُروجٍ
وَقَد سَقَطَ العِمامَةُ وَالخِمارُ

وَأُرهِقَتِ العَذارى مُردَفاتٍ
وَأَوطِئَتِ الأُصَيبِيَةُ الصِغارُ

وَقَد نُزِحَ الغُوَيرُ فَلا غُوَيرٌ
وَنِهيا وَالبُيَيضَةُ وَالجِفارُ

وَلَيسَ بِغَيرِ تَدمُرَ مُستَغاثٌ
وَتَدمُرُ كَاِسمِها لَهُمُ دَمارُ

أَرادوا أَن يُديروا الرَأيَ فيها
فَصَبَّحَهُم بِرَأيٍ لا يُدارُ

وَجَيشٍ كُلَّما حاروا بِأَرضٍ
وَأَقبَلَ أَقبَلَت فيهِ تَحارُ

يَحُفُّ أَغَرَّ لا قَوَدٌ عَلَيهِ
وَلا دِيَةٌ تُساقُ وَلا اِعتِذارُ

تُريقُ سُيوفُهُ مُهَجَ الأَعادي
وَكُلُّ دَمٍ أَراقَتهُ جُبارُ

فَكانوا الأُسدَ لَيسَ لَها مَصالٌ
عَلى طَيرٍ وَلَيسَ لَها مَطارُ

إِذا فاتوا الرِماحَ تَناوَلَتهُم
بِأَرماحٍ مِنَ العَطَشِ القِفارُ

يَرَونَ المَوتَ قُدّاماً وَخَلفاً
فَيَختارونَ وَالمَوتُ اِضطِرارُ

إِذا سَلَكَ السَماوَةَ غَيرُ هادٍ
فَقَتلاهُم لِعَينَيهِ مَنارُ

وَلَو لَم تُبقِ لَم تَعِشِ البَقايا
وَفي الماضي لِمَن بَقِيَ اِعتِبارُ

إِذا لَم يُرعِ سَيِّدُهُم عَلَيهِم
فَمَن يُرعي عَلَيهِم أَو يَغارُ

تُفَرِّقُهُم وَإِيّاهُ السَجايا
وَيَجمَعُهُم وَإِيّاهُ النِجارُ

وَمالَ بِها عَلى أَرَكٍ وَعُرضٍ
وَأَهلُ الرَقَّتَينِ لَها مَزارُ

وَأَجفَلَ بِالفُراتِ بَنو نُمَيرٍ
وَزَأرُهُمُ الَّذي زَأَروا خُوارُ

فَهُم حِزَقٌ عَلى الخابورِ صَرعى
بِهِم مِن شُربِ غَيرِهِمِ خُمارُ

فَلَم يَسرَح لَهُم في الصُبحِ مالٌ
وَلَم توقَد لَهُم بِاللَيلِ نارُ

حِذارَ فَتىً إِذا لَم يَرضَ عَنهُم
فَلَيسَ بِنافِعٍ لَهُمُ الحِذارُ

تَبيتُ وُفودُهُم تَسري إِلَيهِ
وَجَدواهُ الَّتي سَأَلوا اِغتِفارُ

فَخَلَّفَهُم بِرَدِّ البيضِ عَنهُم
وَهامُهُمُ لَهُ مَعَهُم مُعارُ

وَهُم مِمَّن أَذَمَّ لَهُم عَلَيهِ
كَريمُ العِرقِ وَالحَسَبُ النُضارُ

فَأَصبَحَ بِالعَواصِمِ مُستَقِرّاً
وَلَيسَ لِبَحرِ نائِلِهِ قَرارُ

وَأَضحى ذِكرُهُ في كُلِّ أَرضٍ
تُدارُ عَلى الغِناءِ بِهِ العُقارُ

تَخِرُّ لَهُ القَبائِلُ ساجِداتٍ
وَتَحمَدُهُ الأَسِنَّةُ وَالشِفارُ

كَأَنَّ شُعاعَ عَينِ الشَمسِ فيهِ
فَفي أَبصارِنا مِنهُ اِنكِسارُ

فَمَن طَلَبَ الطِعانَ فَذا عَلِيٌّ
وَخَيلُ اللَهِ وَالأَسَلُ الحِرارُ

يَراهُ الناسُ حَيثُ رَأَتهُ كَعبٌ
بِأَرضٍ ما لِنازِلِها اِستِتارُ

يُوَسِّطُهُ المَفاوِزَ كُلَّ يَومٍ
طِلابُ الطالِبينَ لا الاِنتِظارُ

تَصاهَلُ خَيلُهُ مُتَجاوِباتٍ
وَما مِن عادَةِ الخَيلِ السِرارُ

بَنو كَعبٍ وَما أَثَّرتَ فيهِم
يَدٌ لَم يُدمِها إِلّا السِوارُ

بِها مِن قِطعَةٍ أَلَمٌ وَنَقصٌ
وَفيها مِن جَلالَتِهِ اِفتِخارُ

لَهُم حَقٌّ بِشِركِكَ في نِزارٍ
وَأَدنى الشِركِ في أَصلٍ جِوارُ

لَعَلَّ بَنيهِمِ لِبَنيكَ جُندٌ
فَأَوَّلُ قُرَّحِ الخَيلِ المِهارُ

وَأَنتَ أَبَرُّ مَن لَو عُقَّ أَفنى
وَأَعفى مِن عُقوبَتِهِ البَوارُ

وَأَقدَرُ مَن يُهَيِّجُهُ اِنتِصارٌ
وَأَحلَمُ مَن يُحَلِّمُهُ اِقتِدارُ

وَما في سَطوَةِ الأَربابِ عَيبٌ
وَلا في ذِلَّةِ العُبدانِ عارُ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 01:58 PM
بَقِيَّةُ قَومٍ آذَنوا بِبَوارِ
وَأَنضاءُ أَسفارٍ كَشَربِ عُقارِ

نَزَلنا عَلى حُكمِ الرِياحِ بِمَسجِدٍ
عَلَينا لَها ثَوباً حَصىً وَغُبارِ

خَليلَيَّ ما هَذا مُناخاً لِمِثلِنا
فَشُدّا عَلَيها وَاِرحَلا بِنَهارِ

وَلا تُنكِرا عَصفَ الرِياحِ فَإِنَّها
قِرى كُلِّ ضَيفٍ باتَ عِندَ سِوارِ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 01:59 PM
إِذا لَم تَجِد ما يَبتُرُ الفَقرَ قاعِداً
فَقُم وَاِطلُبِ الشَيءَ الَّذي يَبتُرُ العُمرا

هُما خَلَّتانِ ثَروَةٌ أَو مَنِيَّةٌ
لَعَلَّكَ أَن تُبقي بِواحِدَةٍ ذِكرا


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 01:59 PM
حاشى الرَقيبَ فَخانَتهُ ضَمائِرُهُ
وَغَيَّضَ الدَمعَ فَاِنهَلَّت بَوادِرُهُ

وَكاتِمُ الحُبِّ يَومَ البَينِ مُنهَتِكٌ
وَصاحِبُ الدَمعِ لا تَخفى سَرائِرُهُ

لَولا ظِباءُ عَدِيٍّ ما شُغِفتُ بِهِم
وَلا بِرَبرَبِهِم لَولا جَآذِرُهُ

مِن كُلِّ أَحوَرَ في أَنيابِهِ شَنَبٌ
خَمرٌ يُخامِرُها مِسكٌ تُخامِرُهُ

نَعجٌ مَحاجِرُهُ دُعجٌ نَواظِرُهُ
حُمرٌ غَفائِرُهُ سودٌ غَدائِرُهُ

أَعارَني سُقمَ عَينَيهِ وَحَمَّلَني
مِنَ الهَوى ثِقلَ ما تَحوي مَآزِرُهُ

يا مَن تَحَكَّمَ في نَفسي فَعَذَّبَني
وَمَن فُؤادي عَلى قَتلي يُضافِرُهُ

بِعَودَةِ الدَولَةِ الغَرّاءِ ثانِيَةً
سَلَوتُ عَنكَ وَنامَ اللَيلَ ساهِرُهُ

مِن بَعدِ ما كانَ لَيلي لا صَباحَ لَهُ
كَأَنَّ أَوَّلَ يَومِ الحَشرِ آخِرُهُ

غابَ الأَميرُ فَغابَ الخَيرُ عَن بَلَدٍ
كادَت لِفَقدِ اِسمِهِ تَبكي مَنابِرُهُ

قَدِ اِشتَكَت وَحشَةَ الأَحياءِ أَربُعُهُ
وَخَبَّرَت عَن أَسى المَوتى مَقابِرُهُ

حَتّى إِذا عُقِدَت فيهِ القِبابُ لَهُ
أَهَلَّ لِلَّهِ باديهِ وَحاضِرُهُ

وَجَدَّدَت فَرَحاً لا الغَمُّ يَطرُدُهُ
وَلا الصَبابَةُ في قَلبٍ تُجاوِرُهُ

إِذا خَلَت مِنكَ حِمصٌ لا خَلَت أَبَداً
فَلا سَقاها مِنَ الوَسمِيِّ باكِرُهُ

دَخَلتَها وَشُعاعُ الشَمسِ مُتَّقِدُ
وَنورُ وَجهِكَ بَينَ الخَلقِ باهِرُهُ

في فَيلَقٍ مِن حَديدٍ لَو قَذَفتَ بِهِ
صَرفَ الزَمانِ لَما دارَت دَوائِرُهُ

تَمضي المَواكِبُ وَالأَبصارُ شاخِصَةٌ
مِنها إِلى المَلِكِ المَيمونِ طائِرُهُ

قَد حِرنَ في بَشَرٍ في تاجِهِ قَمَرٌ
في دِرعِهِ أَسَدٌ تَدمى أَظافِرُهُ

حُلو خَلائِقُهُ شوسٍ حَقائِقُهُ
تُحصى الحَصى قَبلَ أَن تُحصى مَآثِرُهُ

تَضيقُ عَن جَيشِهِ الدُنيا وَلَو رَحُبَت
كَصَدرِهِ لَم تَبِن فيها عَساكِرُهُ

إِذا تَغَلغَلَ فِكرُ المَرءِ في طَرَفٍ
مِن مَجدِهِ غَرِقَت فيهِ خَواطِرُهُ

تَحمى السُيوفُ عَلى أَعدائِهِ مَعَهُ
كَأَنَّهُنَّ بَنوهُ أَو عَشائِرُهُ

إِذا اِنتَضاها لِحَربٍ لَم تَدَع جَسَداً
إِلّا وَباطِنُهُ لِلعَينِ ظاهِرُهُ

فَقَد تَيَقَّنَ أَنَّ الحَقَّ في يَدِهِ
وَقَد وَثِقنَ بِأَنَّ اللَهَ ناصِرُهُ

تَرَكنَ هامَ بَني عَوفٍ وَثَعلَبَةٍ
عَلى رُؤوسٍ بِلا ناسٍ مَغافِرُهُ

فَخاضَ بِالسَيفِ بَحرَ المَوتِ خَلفَهُمُ
وَكانَ مِنهُ إِلى الكَعبَينِ زاخِرُهُ

حَتّى اِنتَهى الفَرَسُ الجاري وَما وَقَعَت
في الأَرضِ مِن جُثَثِ القَتلى حَوافِرُهُ

كَم مِن دَمٍ رَوِيَت مِنهُ أَسِنَّتُهُ
وَمُهجَةٍ وَلَغَت فيها بَواتِرُهُ

وَحائِنٍ لَعِبَت سُمرُ الرِماحِ بِهِ
فَالعَيشُ هاجِرُهُ وَالنَسرُ زائِرُهُ

مَن قالَ لَستَ بِخَيرِ الناسِ كُلِّهِمِ
فَجَهلُهُ بِكَ عِندَ الناسِ عاذِرُهُ

أَو شَكَّ أَنَّكَ فَردٌ في زَمانِهِمِ
بِلا نَظيرٍ فَفي روحي أُخاطِرُهُ

يا مَن أَلوذُ بِهِ فيما أُؤَمِّلُهُ
وَمَن أَعوذُ بِهِ مِمّا أُحاذِرُهُ

وَمَن تَوَهَّمتُ أَنَّ البَحرَ راحَتُهُ
جوداً وَأَنَّ عَطاياهُ جَواهِرُهُ

لا يَجبُرُ الناسُ عَظماً أَنتَ كاسِرُهُ
وَلا يَهيضونَ عَظماً أَنتَ جابِرُهُ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:00 PM
أَريقُكِ أَم ماءُ الغَمامَةِ أَم خَمرُ
بِفِيَّ بَرودٌ وَهوَ في كَبِدي جَمرُ

أَذا الغُصنُ أَم ذا الدِعصِ أَم أَنتِ فِتنَةٌ
وَذَيّا الَّذي قَبَّلتُهُ البَرقُ أَم ثَغرُ

رَأَت وَجهَ مَن أَهوى بِلَيلٍ عَواذِلي
فَقُلنَ نَرى شَمساً وَما طَلَعَ الفَجرُ

رَأَينَ الَّتي لِلسِحرِ في لَحَظاتِها
سُيوفٌ ظُباها مِن دَمي أَبَداً حُمرُ

تَناهى سُكونُ الحُسنِ في حَرَكاتِها
فَلَيسَ لِراءٍ وَجهَها لَم يَمُت عُذرُ

إِلَيكَ اِبنَ يَحيى اِبنِ الوَليدِ تَجاوَزَت
بِيَ البيدَ عيسٌ لَحمُها وَالدَمُ الشِعرُ

نَضَحتُ بِذِكراكُم حَرارَةَ قَلبِها
فَسارَت وَطولُ الأَرضِ في عَينِها شِبرُ

إِلى لَيثِ حَربٍ يُلحِمُ اللَيثَ سَيفُهُ
وَبَحرِ نَدىً في مَوجِهِ يَغرَقُ البَحرُ

وَإِن كانَ يُبقي جودُهُ مِن تَليدِهِ
شَبيهاً بِما يُبقي مِنَ العاشِقِ الهَجرُ

فَتىً كُلَّ يَومٍ تَحتَوي نَفسَ مالِهِ
رِماحُ المَعالي لا الرُدَينِيَّةُ السُمرُ

تَباعَدَ ما بَينَ السَحابِ وَبَينَهُ
فَنائِلُها قَطرٌ وَنائِلُهُ غَمرُ

وَلَو تَنزِلُ الدُنيا عَلى حُكمِ كَفِّهِ
لَأَصبَحَتِ الدُنيا وَأَكثَرُها نَزرُ

أَراهُ صَغيراً قَدرَها عُظمُ قَدرِهِ
فَما لِعَظيمٍ قَدرُهُ عِندَهُ قَدرُ

مَتى ما يُشِر نَحوَ السَماءِ بِوَجهِهِ
تَخِرَّ لَهُ الشِعرى وَيَنخَسِفِ البَدرُ

تَرَ القَمَرَ الأَرضِيَّ وَالمَلِكَ الَّذي
لَهُ المُلكُ بَعدَ اللَهِ وَالمَجدُ وَالذِكرُ

كَثيرُ سُهادِ العَينِ مِن غَيرِ عِلَّةٍ
يُؤَرِّقُهُ فيما يُشَرِّفُهُ الفِكرُ

لَهُ مِثَنٌ تُفني الثَناءَ كَأَنَّما
بِهِ أَقسَمَت أَن لا يُؤَدّى لَها شُكرُ

أَبا أَحمَدٍ ما الفَخرُ إِلّا لِأَهلِهِ
وَما لِاِمرِئٍ لَم يُمسِ مِن بُحتُرٍ فَخرُ

هُمُ الناسُ إِلّا أَنَّهُم مِن مَكارِمٍ
يُغَنّي بِهِم حَضرٌ وَيَحدو بِهِم سَفرُ

بِمَن أَضرِبُ الأَمثالَ أَم مَن أَقيسُهُ
إِلَيكَ وَأَهلُ الدَهرِ دونَكَ وَالدَهرُ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:00 PM
إِنّي لَأَعلَمُ وَاللَبيبُ خَبيرُ
أَنَّ الحَياةَ وَإِن حَرَصتَ غُرورُ

وَرَأَيتُ كُلّاً ما يُعَلِّلُ نَفسَهُ
بِتَعِلَّةٍ وَإِلى الفَناءِ يَصيرُ

أَمُجاوِرَ الديماسِ رَهنَ قَرارَةٍ
فيها الضِياءُ بِوَجهِهِ وَالنورُ

ما كُنتُ أَحسَبُ قَبلَ دَفنِكَ في الثَرى
أَنَّ الكَواكِبَ في التُرابِ تَغورُ

ما كُنتُ آمُلُ قَبلَ نَعشِكَ أَن أَرى
رَضوى عَلى أَيدي الرِجالِ تَسيرُ

خَرَجوا بِهِ وَلِكُلِّ باكٍ خَلفَهُ
صَعَقاتُ موسى يَومَ دُكَّ الطورُ

وَالشَمسُ في كَبِدِ السَماءِ مَريضَةٌ
وَالأَرضُ واجِفَةٌ تَكادُ تَمورُ

وَحَفيفُ أَجنِحَةِ المَلائِكِ حَولُهُ
وَعُيونُ أَهلِ اللاذِقِيَّةِ صورُ

حَتّى أَتَوا جَدَثاً كَأَنَّ ضَريحَهُ
في قَلبِ كُلِّ مُوَحِّدٍ مَحفورُ

بِمُزَوَّدٍ كَفَنَ البِلى مِن مُلكِهِ
مُغفٍ وَإِثمِدُ عَينِهِ الكافورُ

فيهِ الفَصاحَةُ وَالسَماحَةُ وَالتُقى
وَالبَأسُ أَجمَعُ وَالحِجى وَالخَيرُ

كَفَلَ الثَناءُ لَهُ بِرَدِّ حَياتِهِ
لَمّا اِنطَوى فَكَأَنَّهُ مَنشورُ

وَكَأَنَّما عيسى اِبنُ مَريَمَ ذِكرُهُ
وَكَأَنَّ عازَرَ شَخصُهُ المَقبورُ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:01 PM
أَصبَحتَ تَأمُرُ بِالحِجابِ لِخِلوَةٍ
هَيهاتَ لَستَ عَلى الحِجابِ بِقادِرِ

مَن كانَ ضَوءُ جَبينِهِ وَنَوالُهُ
لَم يُحجَبا لَم يَحتَجِب عَن ناظِرِ

فَإِذا اِحتَجَبتَ فَأَنتَ غَيرُ مُحَجَّبٍ
وَإِذا بَطَنتَ فَأَنتَ عَينُ الظاهِرِ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:01 PM
زَعَمتَ أَنَّكَ تَنفي الظَنَّ عَن أَدَبي
وَأَنتَ أَعظَمُ أَهلِ العَصرِ مِقدارا

إِنّي أَنا الذَهَبُ المَعروفُ مَخبَرُهُ
يَزيدُ في السَبكِ لِلدينارِ دينارا


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:02 PM
عَذيري مِن عَذارى مِن أُمورِ
سَكَنَّ جَوانِحي بَدَلَ الخُدورِ

وَمُبتَسِماتِ هَيجاواتِ عَصرٍ
عَنِ الأَسيافِ لَيسَ عَنِ الثُغورِ

رَكِبتُ مُشَمِّراً قَدَمي إِلَيها
وَكُلَّ عُذافِرٍ قَلِقِ الضُفورِ

أَواناً في بُيوتِ البَدوِ رَحلي
وَآوِنَةً عَلى قَتَدِ البَعيرِ

أُعَرِّضُ لِلرِماحِ الصُمِّ نَحري
وَأَنصِبُ حُرَّ وَجهي لِلهَجيرِ

وَأَسري في ظَلامِ اللَيلِ وَحدي
كَأَنّي مِنهُ في قَمَرٍ مُنيرِ

فَقُل في حاجَةٍ لَم أَقضِ مِنها
عَلى شَغَفي بِها شَروى نَقيرِ

وَنَفسٍ لا تُجيبُ إِلى خَسيسِ
وَعَينٍ لا تُدارُ عَلى نَظيرِ

وَكَفٍّ لا تُنازِعُ مَن أَتاني
يُنازِعُني سِوى شَرَفي وَخَيري

وَقِلَّةِ ناصِرٍ جوزيتَ عَنّي
بِشَرٍّ مِنكَ يا شَرَّ الدُهورِ

عَدُوّي كُلُّ شَيءٍ فيكَ حَتّى
لَخِلتُ الأُكمَ موغَرَةَ الصُدورِ

فَلَو أَنّي حُسِدتُ عَلى نَفيسٍ
لَجُدتَ بِهِ لِذي الجَدِّ العَثورِ

وَلَكِنّي حُسِدتُ عَلى حَياتي
وَما خَيرُ الحَياةِ بِلا سُرورِ

فَيا اِبنَ كَرَوَّسٍ يا نِصفَ أَعمى
وَإِن تَفخَر فَيا نِصفَ البَصيرِ

تُعادينا لِأَنّا غَيرُ لُكنٍ
وَتُبغِضُنا لِأَنّا غَيرُ عورِ

فَلَو كُنتَ اِمرَأً يُهجى هَجَونا
وَلَكِن ضاقَ فِترٌ عَن مَسيرِ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:03 PM
مَبيتي مِن دِمَشقَ عَلى فِراشِ
حَشاهُ لي بِحَرِّ حَشايَ حاشِ

لَقى لَيلٍ كَعَينِ الظَبيِ لَوناً
وَهَمٍّ كَالحُمَيّا في المُشاشِ

وَشَوقٍ كَالتَوَقُّدِ في فُؤادِ
كَجَمرٍ في جَوانِحَ كَالمِحاشِ

سَقى الدَمُ كُلَّ نَصلٍ غَيرِ نابٍ
وَرَوّى كُلَّ رُمحٍ غَيرِ راشِ

فَإِنَّ الفارِسَ المَنعوتَ خَفَّت
لِمُنصِلِهِ الفَوارِسُ كَالرِياشِ

فَقَد أَضحى أَبا الغَمَراتِ يُكنى
كَأَنَّ أَبا العَشائِرِ غَيرُ فاشِ

وَقَد نُسِيَ الحُسَينُ بِما يُسَمّى
رَدى الأَبطالِ أَو غَيثَ العِطاشِ

لَقوهُ حاسِراً في دِرعِ صَربٍ
دَقيقِ النَسجِ مُلتَهِبِ الحَواشي

كَأَنَّ عَلى الجَماجِمِ مِنهُ ناراً
وَأَيدي القَومِ أَجنِحَةُ الفَراشِ

كَأَنَّ جَوارِيَ المُهَجاتِ ماءٌ
يُعاوِدُها المُهَنَّدُ مِن عُطاشِ

فَوَلَّوا بَينَ ذي روحٍ مُفاتٍ
وَذي رَمَقٍ وَذي عَقلٍ مُطاشِ

وَمُنعَفِرٍ لِنَصلِ السَيفِ فيهِ
تَواري الضَبِّ خافَ مِنِ اِحتِراشِ

يُدَمّي بَعضُ أَيدي الخَيلِ بَعضاً
وَما بِعُجايَةٍ أَثَرُ اِرتِهاشِ

وَرائِعُها وَحيدٌ لَم يَرُعهُ
تَباعُدُ جَيشِهِ وَالمُستَجاشِ

كَأَنَّ تَلَوِّيَ النُشّابِ فيهِ
تَلَوّي الخوصِ في سَعَفِ العِشاشِ

وَنَهبُ نُفوسِ أَهلِ النَهبِ أَولى
بِأَهلِ المَحدِ مِن نَهبِ القُماشِ

تُشارِكُ في النَدامِ إِذا نَزَلنا
بِطانٌ لا تُشارِكُ في الجِحاشِ

وَمِن قَبلِ النِطاحِ وَقَبلَ ياني
تَبينُ لَكَ النِعاجُ مِنَ الكِباشِ

فَيا بَحرَ البُحورِ وَلا أُوَرّي
وَيا مَلِكَ المُلوكِ وَلا أَحاشي

كَأَنَّكَ ناظِرٌ في كُلِّ قَلبٍ
فَما يَخفى عَلَيكَ مَحَلُّ غاشِ

أَأَصبِرُ عَنكَ لَم تَبخَل بِشَيءٍ
وَلَم تَقبَل عَلَيَّ كَلامَ واشِ

وَكَيفَ وَأَنتَ في الرُؤَساءِ عِندي
عَتيقُ الطَيرِ ما بَينَ الخِشاشِ

فَما خاشيكَ لِلتَكذيبِ راجٍ
وَلا راجيكَ لِلتَخيّبِ خاشي

تُطاعِنُ كُلُّ خَيلٍ كُنتَ فيها
وَلَو كانوا النَبيطَ عَلى الجِحاشِ

أَرى الناسَ الظَلامَ وَأَنتَ نورٌ
وَإِنّي مِنهُمُ لَإِلَيكَ عاشِ

بُليتُ بِهِم بَلاءَ الوَردِ يَلقى
أُنوفاً هُنَّ أَولى بِالخِشاشِ

عَلَيكَ إِذا هُزِلتَ مَعَ اللَيالي
وَحَولَكَ حينَ تَسمَنُ في هِراشِ

أَتى خَبَرُ الأَميرِ فَقيلَ كَرّوا
فَقُلتُ نَعَم وَلَو لَحِقوا بِشاشِ

يَقودُهُمُ إِلى الهَيجا لَجوجٌ
يُسِنُّ قِتالُهُ وَالكَرُّ ناشي

وَأَسرِجَتِ الكُمَيتُ فَناقَلَت بي
عَلى إِعقاقِها وَعَلى غِشاشي

مِنَ المُتَمَرِّداتِ تُذَبُّ عَنها
بِرُمحي كُلُّ طائِرَةِ الرَشاشِ

وَلَو عُقِرَت لَبَلَّغَني إِلَيهِ
حَديثٌ عَنهُ يَحمِلُ كُلَّ ماشِ

إِذا ذُكِرَت مَواقِفُهُ لِحافٍ
وَشيكَ فَما يُنَكِّسُ لِاِنتِقاشِ

تُزيلُ مَخافَةَ المَصبورِ عَنهُ
وَتُلهي ذا الفِياشِ عَنِ الفِياشِ

وَما وُجِدَ اِشتِياقٌ كَاِشتِياقي
وَلا عُرِفَ اِنكِماشٌ كَاِنكِماشي

فَسِرتُ إِلَيكَ في طَلَبِ المَعالي
وَسارَ سِوايَ في طَلَبِ المَعاشِ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:04 PM
مَضى اللَيلُ وَالفَضلُ الَّذي لَكَ لا يَمضي
وَرُؤياكَ أَحلى في العُيونِ مِنَ الغُمضِ

عَلى أَنَّني طُوِّقتُ مِنكَ بِنِعمَةٍ
شَهيدٌ بِها بَعضي لِغَيري عَلى بَعضي

سَلامُ الَّذي فَوقَ السَمَواتِ عَرشُهُ
تُخَصُّ بِهِ يا خَيرَ ماشٍ عَلى الأَرضِ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:05 PM
لا عَدِمَ المُشَيِّعَ المُشَيَّعُ
لَيتَ الرِياحَ صَنَّعٌ ما تَصنَعُ

بَكَرنَ ضَرّا وَبَكَرتَ تَنفَعُ
وَسَجسَجٌ أَنتَ وَهُنَّ زَعزَعُ

وَواحِدٌ أَنتَ وَهُنَّ أَربَعُ
وَأَنتَ نَبعٌ وَالمُلوكُ خِروَعُ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:05 PM
غَيري بِأَكثَرِ هَذا الناسِ يَنخَدِعُ
إِن قاتَلوا جَبُنوا أَو حَدَّثوا شَجُعوا

أَهلُ الحَفيظَةِ إِلّا أَن تُجَرِّبُهُم
وَفي التَجارِبِ بَعدَ الغَيِّ ما يَزَعُ

وَما الحَياةُ وَنَفسي بَعدَ ما عَلِمَت
أَنَّ الحَياةَ كَما لا تَشتَهي طَبَعُ

لَيسَ الجَمالُ لِوَجهٍ صَحَّ مارِنُهُ
أَنفُ العَزيزِ بِقَطعِ العِزِّ يُجتَدَعُ

أَأَطرَحُ المَجدَ عَن كِتفي وَأَطلُبُهُ
وَأَترُكُ الغَيثَ في غِمدي وَأَنتَجِعُ

وَالمَشرَفِيَّةُ لا زالَت مُشَرَّفَةً
دَواءُ كُلِّ كَريمٍ أَوهِيَ الوَجَعُ

وَفارِسُ الخَيلِ مَن خَفَّت فَوَقَّرَها
في الدَربِ وَالدَمُ في أَعطافِها دَفعُ

وَأَوحَدَتهُ وَما في قَلبِهِ قَلَقٌ
وَأَغضَبَتهُ وَما في لَفظِهِ قَذَعُ

بِالجَيشِ تَمتَنِعُ الساداتُ كُلُّهُمُ
وَالجَيشُ بِاِبنِ أَبي الهَيجاءِ يَمتَنِعُ

قادَ المَقانِبَ أَقصى شُربِها نَهَلٌ
عَلى الشَكيمِ وَأَدنى سَيرِها سِرَعُ

لا يَعتَقي بَلَدٌ مَسراهُ عَن بَلَدٍ
كَالمَوتِ لَيسَ لَهُ رِيٌّ وَلا شِبَعُ

حَتّى أَقامَ عَلى أَرباضِ خَرشَنَةٍ
تَشقى بِهِ الرومُ وَالصُلبانُ وَالبِيَعُ

لِلسَبيِ ما نَكَحوا وَالقَتلِ ما وَلَدوا
وَالنَهبِ ما جَمَعوا وَالنارِ ما زَرَعوا

مُخلىً لَهُ المَرجُ مَنصوباً بِصارِخَةٍ
لَهُ المَنابِرُ مَشهوداً بِها الجُمَعُ

يُطَمِّعُ الطَيرَ فيهِم طولُ أَكلِهِمُ
حَتّى تَكادَ عَلى أَحيائِهِم تَقَعُ

وَلَو رَآهُ حَوارِيّوهُمُ لَبَنوا
عَلى مَحَبَّتِهِ الشَرعَ الَّذي شَرَعوا

ذَمَّ الدُمُستُقُ عَينَيهِ وَقَد طَلَعَت
سودُ الغَمامِ فَظَنّوا أَنَّها قَزَعُ

فيها الكُماةُ الَّتي مَفطومُهُا رَجُلُ
عَلى الجِيادِ الَّتي حَولِيُّها جَذَعُ

تَذري اللُقانُ غُباراً في مَناخِرِها
وَفي حَناجِرِها مِن آلِسٍ جُرَعُ

كَأَنَّها تَتَلَقّاهُم لِتَسلُكَهُم
فَالطَعنُ يَفتَحُ في الأَجوافِ ما تَسَعُ

تَهدي نَواظِرَها وَالحَربُ مُظلِمَةٌ
مِنَ الأَسِنَّةِ نارٌ وَالقَنا شَمَعُ

دونَ السِهامِ وَدونَ القُرِّ طافِحَةً
عَلى نُفوسِهِمِ المُقوَرَّةُ المُزُعُ

إِذا دَعا العِلجُ عِلجاً حالَ بَينَهُما
أَظمى تُفارِقُ مِنهُ أُختَها الضِلَعُ

أَجَلُّ مِن وَلَدِ الفُقّاسِ مُنكَتِفٌ
إِذ فاتَهُنَّ وَأَمضى مِنهُ مُنصَرِعُ

وَما نَجا مِن شِفارِ البيضِ مُنفَلِتٌ
نَجا وَمِنهُنَّ في أَحشائِهِ فَزَعُ

يُباشِرُ الأَمنَ دَهراً وَهوَ مُختَبَلٌ
وَيَشرَبُ الخَمرَ حَولاً وَهوَ مُمتَقَعُ

كَم مِن حُشاشَةِ بِطريقٍ تَضَمَّنَها
لِلباتِراتِ أَمينٌ مالَهُ وَرَعُ

يُقاتِلُ الخَطوَ عَنهُ حينَ يَطلُبُهُ
وَيَطرُدُ النَومَ عَنهُ حينَ يَضطَجِعُ

تَغدو المَنايا فَلا تَنفَكُّ واقِفَةً
حَتّى يَقولَ لَها عودي فَتَندَفِعُ

قُل لِلدُمُستُقِ إِنَّ المُسلَمينَ لَكُم
خانوا الأَميرَ فَجازاهُم بِما صَنَعوا

وَجَدتُموهُم نِياماً في دِمائِكُمُ
كَأَنَّ قَتلاكُمُ إِيّاهُمُ فَجَعوا

ضَعفى تَعِفُّ الأَيادي عَن مِثالِهِمِ
مِنَ الأَعادي وَإِن هَمّوا بِهِم نَزَعوا

لا تَحسَبوا مَن أَسَرتُم كانَ ذا رَمَقٍ
فَلَيسَ يَأكُلُ إِلّا المَيِّتَ الضَبُعُ

هَلّا عَلى عَقَبِ الوادي وَقَد صَعِدَت
أُسدٌ تَمُرُّ فُرادى لَيسَ تَجتَمِعُ

تَشُقُّكُم بِفَتاها كُلُّ سَلهَبَةٍ
وَالضَربُ يَأخُذُ مِنكُم فَوقَ ما يَدَعُ

وَإِنَّما عَرَّضَ اللَهُ الجُنودَ بِكُم
لِكَي يَكونوا بِلا فَسلٍ إِذا رَجَعوا

فَكُلُّ غَزوٍ إِلَيكُم بَعدَ ذا فَلَهُ
وَكُلُّ غازٍ لِسَيفِ الدَولَةِ التَبَعُ

يَمشي الكِرامُ عَلى آثارِ غَيرِهِمِ
وَأَنتَ تَخلُقُ ما تَأتي وَتَبتَدِعُ

وَهَل يَشينُكَ وَقتٌ كُنتَ فارِسَهُ
وَكانَ غَيرَكَ فيهِ العاجِزُ الضَرَعُ

مَن كانَ فَوقَ مَحَلِّ الشَمسِ مَوضِعَهُ
فَلَيسَ يَرفَعُهُ شَيءٌ وَلا يَضَعُ

لَم يُسلِمِ الكَرُّ في الأَعقابِ مُهجَتَهُ
إِن كانَ أَسلَمَها الأَصحابُ وَالشِيَعُ

لَيتَ المُلوكَ عَلى الأَقدارِ مُعطِيَةٌ
فَلَم يَكُن لِدَنيءٍ عِندَها طَمَعُ

رَضيتُ مِنهُم بِأَن زُرتَ الوَغى فَرَأوا
وَأَن قَرَعتَ حَبيكَ البيضِ فَاِستَمِعوا

لَقَد أَباحَكَ غِشّاً في مُعامَلَةٍ
مَن كُنتَ مِنهُ بِغَيرِ الصِدقِ تَنتَفِعُ

الدَهرُ مُعتَذِرٌ وَالسَيفُ مُنتَظِرٌ
وَأَرضُهُم لَكَ مُصطافٌ وَمُرتَبَعُ

وَما الجِبالُ لِنَصرانٍ بِحامِيَةٍ
وَلَو تَنَصَّرَ فيها الأَعصَمُ الصَدَعُ

وَما حَمِدتُكَ في هَولٍ ثَبَتَّ لَهُ
حَتّى بَلَوتُكَ وَالأَبطالُ تَمتَصِعُ

فَقَد يُظَنُّ شُجاعاً مَن بِهِ خَرَقٌ
وَقَد يُظَنُّ جَباناً مَن بِهِ زَمَعُ

إِنَّ السِلاحَ جَميعُ الناسِ تَحمِلُهُ
وَلَيسَ كُلُّ ذَواتِ المِخلَبِ السَبُعُ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:06 PM
حُشاشَةُ نَفسٍ وَدَّعَت يَومَ وَدَّعوا
فَلَم أَدرِ أَيَّ الظاعِنَينِ أُشَيِّعُ

أَشاروا بِتَسليمٍ فَجُدنا بِأَنفُسٍ
تَسيلُ مِنَ الآماقِ وَالسِمِ أَدمُعُ

حَشايَ عَلى جَمرٍ ذَكِيٍّ مِنَ الهَوى
وَعَينايَ في رَوضٍ مِنَ الحُسنِ تَرتَعُ

وَلَو حُمِّلَت صُمُّ الجِبالِ الَّذي بِنا
غَداةَ اِفتَرَقنا أَو شَكَت تَتَصَدَّعُ

بِما بَينَ جَنبَيَّ الَّتي خاضَ طَيفُها
إِلَيَّ الدَياجي وَالخَلِيّونَ هُجَّعُ

أَتَت زائِراً ما خامَرَ الطيبُ ثَوبَها
وَكَالمُسكِ مِن أَردانِها يَتَضَوَّعُ

فَما جَلَسَت حَتّى اِنثَنَت توسِعُ الخُطا
كَفاطِمَةٍ عَن دَرِّها قَبلَ تُرضِعُ

فَشَرَّدَ إِعظامي لَها ما أَتى بِها
مِنَ النَومِ وَاِلتاعَ الفُؤادُ المُفَجَّعُ

فَيا لَيلَةً ما كانَ أَطوَلَ بِتُّها
وَسُمُّ الأَفاعي عَذبُ ما أَتَجَرَّعُ

تَذَلَّل لَها وَاِخضَع عَلى القُربِ وَالنَوى
فَما عاشِقٌ مَن لا يَذِلُّ وَيَخضَعُ

وَلا ثَوبُ مَجدٍ غَيرَ ثَوبِ اِبنِ أَحمَدٍ
عَلى أَحَدٍ إِلّا بِلُؤمٍ مُرَقَّعُ

وَإِنَّ الَّذي حابى جَديلَةَ طَيِّئٍ
بِهِ اللَهُ يُعطي مَن يَشاءُ وَيَمنَعُ

بِذي كَرَمٍ ما مَرَّ يَومٌ وَشَمسُهُ
عَلى رَأسِ أَوفى ذِمَّةً مِنهُ تَطلُعُ

فَأَرحامُ شِعرٍ يَتَصِلنَ لَدُنَّهُ
وَأَرحامُ مالٍ لا تَني تَتَقَطَّعُ

فَتىً أَلفُ جُزءٍ رَأيُهُ في زَمانِهِ
أَقَلُّ جُزَيءٍ بَعضُهُ الرَأيُ أَجمَعُ

غَمامٌ عَلَينا مُمطِرٌ لَيسَ يُقشِعُ
وَلا البَرقُ فيهِ خُلَّباً حينَ يَلمَعُ

إِذا عَرَضَت حاجٌ إِلَيهِ فَنَفسُهُ
إِلى نَفسِهِ فيها شَفيعٌ مُشَفَّعٌ

خَبَت نارُ حَربٍ لَم تَهِجها بَنانُهُ
وَأَسمَرُ عُريانٌ مِنَ القِشرِ أَصلَعُ

نَحيفُ الشَوى يَعدو عَلى أُمِّ رَأسِهِ
وَيَحفى فَيَقوى عَدوُهُ حينَ يُقطَعُ

يَمُجُّ ظَلاماً في نَهارٍ لِسانُهُ
وَيُفهِمُ عَمَّن قالَ ما لَيسَ يَسمَعُ

ذُبابُ حُسامٍ مِنهُ أَنجى ضَريبَةً
وَأَعصى لِمَولاهُ وَذا مِنهُ أَطوَعُ

فَصيحٌ مَتى يَنطِق تَجِد كُلَّ لَفظَةٍ
أُصولَ البَراعاتِ الَّتي تَتَفَرَّعُ

بِكَفِّ جَوادٍ لَو حَكَتها سَحابَةٌ
لَما فاتَها في الشَرقِ وَالغَربِ مَوضِعُ

وَلَيسَ كَبَحرِ الماءِ يَشتَقُّ قَعرَهُ
إِلى حَيثُ يَفنى الماءُ حوتٌ وَضِفدَعُ

أَبَحرٌ يَضُرُّ المُعتَفينَ وَطَعمُهُ
زُعاقٌ كَبَحرٍ لا يَضُرُّ وَيَنفَعُ

يَتيهُ الدَقيقُ الفِكرِ في بُعدِ غَورِهِ
وَيَغرَقُ في تَيّارِهِ وَهوَ مِصقَعُ

أَلا أَيُّها القَيلُ المُقيمُ بِمَنبِجٍ
وَهِمَّتُهُ فَوقَ السِماكَينِ توضِعُ

أَلَيسَ عَجيباً أَنَّ وَصفَكَ مُعجِزٌ
وَأَنَّ ظُنوني في مَعاليكَ تَظلَعُ

وَأَنَّكَ في ثَوبٍ وَصَدرُكَ فيكُما
عَلى أَنَّهُ مِن ساحَةِ الأَرضِ أَوسَعُ

وَقَلبُكَ في الدُنيا وَلَو دَخَلَت بِنا
وَبِالجِنِّ فيهِ ما دَرَت كَيفَ تَرجِعُ

أَلا كُلُّ سَمحٍ غَيرَكَ اليَومَ باطِلٌ
وَكُلُّ مَديحٍ في سِواكَ مُضَيَّعٌ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:07 PM
شَوقي إِلَيكَ نَفى لَذيذَ هُجوعي
فارَقتَني فَأَقامَ بَينَ ضُلوعي

أَوَ ما وَجَدتُم في الصَراةِ مُلوحَةً
مِمّا أُرَقرِقُ في الفُراتِ دُموعي

ما زِلتُ أَحذَرُ مِن وَداعِكَ جاهِداً
حَتّى اِغتَدى أَسَفي عَلى التَوديعِ

رَحَلَ العَزاءُ بِرِحلَتي فَكَأَنَّما
أَتبَعتُهُ الأَنفاسَ لِلتَشيّعِ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:07 PM
مُلِثَّ القَطرِ أَعطِشها رُبوعاً
وَإِلّا فَاِسقِها السَمَّ النَقيعا

أُسائِلُها عَنِ المُتَدَيِّريها
فَلا تَدري وَلا تُذري دُموعاً

لَحاها اللَهُ إِلّا ماضِيَيها
زَمانَ اللَهوِ وَالخَودَ الشُموعا

مُنَعَّمَةٌ مُمَنَّعَةٌ رَداحٌ
يُكَلِّفُ لَفظُها الطَيرَ الوُقوعا

تُرَفِّعُ ثَوبَها الأَردافُ عَنها
فَيَبقى مِن وِشاحَيها شَسوعا

إِذا ماسَت رَأَيتَ لَها اِرتِجاجاً
لَهُ لَولا سَواعِدُها نَزوعا

تَأَلَّمُ دَرزَهُ وَالدَرزُ لَينٌ
كَما تَتَأَلَّمُ العَضبَ الصَنيعا

ذِراعاها عَدُوّا دُملُجَيها
يَظُنُّ ضَجيعُها الزَندَ الضَجيعا

كَأَنَّ نِقابَها غَيمٌ رَقيقٌ
يُضيءُ بِمَنعِهِ البَدرَ الطُلوعا

أَقولُ لَها اِكشِفي ضُرّي وَقولي
بِأَكثَرَ مِن تَدَلُّلِها خُضوعا

أَخِفتِ اللَهَ في إِحياءِ نَفسٍ
مَتى عُصِيَ الإِلَهُ بِأَن أُطيعا

غَدا بِكَ كُلُّ خِلوٍ مُستَهاماً
وَأَصبَحَ كُلُّ مَستورٍ خَليعا

أُحِبُّكِ أَو يَقولوا جَرَّ نَملٌ
ثَبيراً وَاِبنُ إِبراهيمَ ريعا

بَعيدُ الصيتِ مُنبَثُّ السَرايا
يُشَيِّبُ ذِكرُهُ الطِفلَ الرَضيعا

يَغُضُّ الطَرفَ مِن مَكرٍ وَدَهيٍ
كَأَنَّ بِهِ وَلَيسَ بِهِ خُشوعا

إِذا اِستَعطَيتَهُ ما في يَدَيهِ
فَقَدكَ سَأَلتَ عَن سِرٍّ مُذيعا

قَبولُكَ مِنَّهُ مَنٌّ عَلَيهِ
وَإِلّا يَبتَدِئ يَرَهُ فَظيعا

لِهونِ المالِ أَفرَشَهُ أَديماً
وَلِلتَفريقِ يَكرَهُ أَن يَضيعا

إِذا ضَرَبَ الأَميرُ رِقابَ قَومٍ
فَما لِكَرامَةٍ مَدَّ النُطوعا

فَلَيسَ بِواهِبٍ إِلّا كَثيراً
وَلَيسَ بِقاتِلٍ إِلّا قَريعا

وَلَيسَ مُؤَدِّباً إِلّا بِنَصلِ
كَفى الصَمصامَةُ التَعَبَ القَطيعا

عَلِيٌّ لَيسَ يَمنَعُ مِن مَجيءِ
مُبارِزَهُ وَيَمنَعُهُ الرُجوعا

عَلِيٌّ قاتِلُ البَطَلِ المُفَدّى
وَمُبدِلُهُ مِنَ الزَرَدِ النَجيعا

إِذا اِعوَجَّ القَنا في حامِليهِ
وَجازَ إِلى ضُلوعِهِمِ الضُلوعا

وَنالَت ثَأرَها الأَكبادُ مِنهُ
فَأَولَتهُ اِندِقاقاً أَو صُدوعا

فَحِد في مُلتَقى الخَيلَينِ عَنهُ
وَإِن كُنتَ الخُبَعثِنَةَ الشِحيعا

إِنِ اِستَجرَأتَ تَرمُقُهُ بَعيداً
فَأَنتَ اِسطَعتَ شَيئاً ما اِستُطيعا

وَإِن مارَيتَني فَاِركَب حِصاناً
وَمَثِّلهُ تَخِرَّ لَهُ صَريعا

غَمامٌ رُبَّما مَطَرَ اِنتِقاماً
فَأَقحَطَ وَدقُهُ البَلَدَ المَريعا

رَآني بَعدَ ما قَطَعَ المَطايا
تَيَمُّمُهُ وَقَطَّعَتِ القُطوعا

فَصَيَّرَ سَيلُهُ بَلَدي غَديراً
وَصَيَّرَ خَمرُهُ سَنَتي رَبيعا

وَجاوَدَني بِأَن يَعطي وَأَحوي
فَأَغرَقَ نَيلُهُ أَخذي سَريعا

أَمُنسِيَّ السُكونَ وَحَضرَمَوتا
وَوالِدَتي وَكِندَةَ وَالسَبيعا

قِدِ اِستَقصَيتَ في سَلبِ الأَعادي
فَرُدَّ لَهُم مِنَ السَلبِ الهُجوعا

إِذا ما لَم تُسِر جَيشاً إِلَيهِم
أَسَرتَ إِلى قُلوبِهِمِ الهُلوعا

رَضوا بِكَ كَالرِضا بِالشَيبِ قَسراً
وَقَد وَخَطَ النَواصِيَ وَالفُروعا

فَلا عَزَلٌ وَأَنتَ بِلا سِلاحٍ
لِحاظُكَ ما تَكونُ بِهِ مَنيعا

لَوِ اِستَبدَلتَ ذِهنَكَ مِن حُسامٍ
قَدَدتَ بِهِ المَغافِرَ وَالدُروعا

لَوِ اِستَفرَغتَ جُهدَكَ في قِتالٍ
أَتَيتَ بِهِ عَلى الدُنيا جَميعا

سَمَوتَ بِهِمَّةٍ تَسمو فَتَسمو
فَما تُلفى بِمَرتَبَةٍ قَنوعا

وَهَبكَ سَمَحتَ حَتّى لا جَوادٌ
فَكَيفَ عَلَوتَ حَتّى لا رَفيعا


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:08 PM
أَرَكائِبَ الأَحبابِ إِنَّ الأَدمُعا
تَطِسُ الخُدُودَ كَما تَطِسنَ اليَرمَعا

فَاِعرِفنَ مَن حَمَلَت عَلَيكُنَّ النَوى
وَاِمشينَ هَوناً في الأَزِمَّةِ خُضَّعا

قَد كانَ يَمنَعُني الحَياءُ مِنَ البُكا
فَاليَومَ يَمنَعُهُ البُكا أَن يَمنَعا

حَتّى كَأَنَّ لِكُلِّ عَظمٍ رَنَّةً
في جِلدِهِ وَلِكُلِّ عِرقٍ مَدمَعا

وَكَفى بِمَن فَضَحَ الجَدايَةَ فاضِحاً
لِمُحِبِّهِ وَبِمَصرَعي ذا مَصرَعا

سَفَرَت وَبَرقَعَها الفِراقُ بِصُفرَةٍ
سَتَرَت مَحاجِرَها وَلَم تَكُ بُرقُعا

فَكَأَنَّها وَالدَمعُ يَقطُرُ فَوقَها
ذَهَبٌ بِسِمطى لُؤلُؤٍ قَد رُصِّعا

كَشَفَت ثَلاثَ ذَوائِبٍ مِن شَعرِها
في لَيلَةٍ فَأَرَت لَيالِيَ أَربَعا

وَاِستَقبَلَت قَمَرَ السَماءِ بِوَجهِها
فَأَرَتنِيَ القَمَرَينِ في وَقتٍ مَعا

رُدّي الوِصالَ سَقى طُلولَكِ عارِضٌ
لَو كانَ وَصلُكِ مِثلَهُ ما أَقشَعا

زَجَلٌ يُريكِ الجَوَّ ناراً وَالمَلا
كَالبَحرِ وَالتَلَعاتِ رَوضاً مُمرِعا

كَبَنانِ عَبدِ الواحِدِ الغَدَقِ الَّذي
أَروى وَآمَنَ مَن يَشاءُ وَأَفزَعا

أَلِفَ المُروءَةَ مُذ نَشا فَكَأَنَّهُ
سُقِيَ اللِبانَ بِها صَبِيّاً مُرضَعا

نُظِمَت مَواهِبُهُ عَلَيهِ تَمائِما
فَاِعتادَها فَإِذا سَقَطنَ تَفَزَّعا

تَرَكَ الصَنائِعَ كَالقَواطِعِ بارِقاتٍ
وَالمَعالِيَ كَالعَوالِيَ شُرَّعا

مُتَبَسِّماً لِعُفاتِهِ عَن واضِحٍ
تَغشى لَوامِعُهُ البُروقَ اللُمَّعا

مُتَكَشِّفاً لِعُداتِهِ عَن سَطوَةٍ
لَو حَكَّ مَنكِبُها السَماءَ لَزَعزَعا

الحازِمَ اليَقِظَ الأَغَرَّ العالِمَ ال
فَطِنَ الأَلَدَّ الأَريَحِيَّ الأَروَعا

الكاتِبَ اللَبِقَ الخَطيبَ الواهِبَ ال
نَدُسَ اللَبيبَ الهِبرِزِيَّ المِصقَعا

نَفسٌ لَها خُلُقُ الزَمانِ لِأَنَّهُ
مُفني النُفوسِ مُفَرِّقٌ ما جَمَّعا

وَيَدٌ لَها كَرَمُ الغَمامِ لِأَنَّهُ
يَسقي العِمارَةَ وَالمَكانَ البَلقَعا

أَبَداً يُصَدِّعُ شَعبَ وَفرٍ وافِرِ
وَيَلُمُّ شَعبَ مَكارِمٍ مُتَصَدِّعا

يَهتَزُّ لِلجَدوى اِهتِزازَ مُهَنَّدٍ
يَومَ الرَجاءِ هَزَزتَهُ يَومَ الوَعى

يا مُغنِياً أَمَلَ الفَقيرِ لِقائُهُ
وَدُعائُهُ بَعدَ الصَلاةِ إِذا دَعا

أَقصِر وَلَستَ بِمُقسِرٍ جُزتَ المَدى
وَبَلَغتَ حَيثُ النَجمُ تَحتَكَ فَاِربَعا

وَحَلَلتَ مِن شَرَفِ الفَعالِ مَواضِعاً
لَم يَحلُلِ الثَقَلانِ مِنها مَوضِعا

وَحَوَيتَ فَضلَهُما وَما طَمِعَ اِمرُؤٌ
فيهِ وَلا طَمِعَ اِمرُؤٌ أَن يَطمَعا

نَفَذَ القَضاءُ بِما أَرَدتَ كَأَنَّهُ
لَكَ كُلَّما أَزمَعتَ شَيئاً أَزمَعا

وَأَطاعَكَ الدَهرُ العَصِيُّ كَأَنَّهُ
عَبدٌ إِذا نادَيتَ لَبّى مُسرِعا

أَكَلَت مَفاخِرُكَ المَفاخِرَ وَاِنثَنَت
عَن شَأوِهِنَّ مَطِيُّ وَصفي ظُلَّعا

وَجَرَينَ مَجرى الشَمسِ في أَفلاكِها
فَقَطَعنَ مَغرِبَها وَجُزنَ المَطلَعا

لَو نيطَتِ الدُنيا بِأُخرى مِثلِها
لَعَمَمنَها وَخَشينَ أَن لا تَقنَعا

فَمَتى يُكَذَّبُ مُدَّعٍ لَكَ فَوقَ ذا
وَاللَهُ يَشهَدُ أَنَّ حَقّاً ما اِدَّعى

وَمَتى يُؤَدّي شَرحَ حالِكَ ناطِقٌ
حَفِظَ القَليلَ النَزرَ مِمّا ضَيَّعا

إِن كانَ لا يُدعى الفَتى إِلّا كَذا
رَجُلاً فَسَمِّ الناسَ طُرّاً إِصبَعا

إِن كانَ لا يَسعى لِجودٍ ماجِدٌ
إِلّا كَذا فَالغَيثُ أَبخَلُ مَن سَعى

قَد خَلَّفَ العَبّاسُ غُرَّتَكَ اِبنَهُ
مَرأىً لَنا وَإِلى القِيامَةِ مَسمَعا


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:08 PM
الحُزنُ يُقلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَردَعُ
وَالدَمعُ بَينَهُما عَصِيٌّ طَيِّعُ

يَتَنازَعانِ دُموعَ عَينِ مُسَهَّدٍ
هَذا يَجيءُ بِها وَهَذا يَرجِعُ

النَومُ بَعدَ أَبي شُجاعٍ نافِرٌ
وَاللَيلُ مُعيٍ وَالكَواكِبُ ظُلَّعُ

إِنّي لَأَجبُنُ مِن فِراقِ أَحِبَّتي
وَتُحِسُّ نَفسي بِالحِمامِ فَأَشجَعُ

وَيَزيدُني غَضَبُ الأَعادي قَسوَةً
وَيُلِمُّ بي عَتبُ الصَديقِ فَأَجزَعُ

تَصفو الحَياةُ لِجاهِلٍ أَو غافِلٍ
عَمّا مَضى فيها وَما يُتَوَقَّعُ

وَلِمَن يُغالِطُ في الحَقائِقِ نَفسَهُ
وَيَسومُها طَلَبَ المُحالِ فَتَطمَعُ

أَينَ الَّذي الهَرَمانِ مِن بُنيانِهِ
ما قَومُهُ ما يَومُهُ ما المَصرَعُ

تَتَخَلَّفُ الآثارُ عَن أَصحابِها
حيناً وَيُدرِكُها الفَناءُ فَتَتبَعُ

لَم يُرضِ قَلبَ أَبي شُجاعٍ مَبلَغٌ
قَبلَ المَماتِ وَلَم يَسَعهُ مَوضِعُ

كُنّا نَظُنُّ دِيارَهُ مَملوءَةً
ذَهَباً فَماتَ وَكُلُّ دارٍ بَلقَعُ

وَإِذا المَكارِمُ وَالصَوارِمُ وَالقَنا
وَبَناتُ أَعوَجَ كُلُّ شَيءٍ يَجمَعُ

المَجدُ أَخسَرُ وَالمَكارِمُ صَفقَةً
مِن أَن يَعيشَ لَها الكَريمُ الأَروَعُ

وَالناسُ أَنزَلُ في زَمانِكَ مَنزِلاً
مِن أَن تُعايِشَهُم وَقَدرُكَ أَرفَعُ

بَرِّد حَشايَ إِنِ اِستَطَعتَ بِلَفظَةٍ
فَلَقَد تَضُرُّ إِذا تَشاءُ وَتَنفَعُ

ما كانَ مِنكَ إِلى خَليلٍ قَبلَها
ما يُستَرابُ بِهِ وَلا ما يوجِعُ

وَلَقَد أَراكَ وَما تُلِمُّ مُلِمَّةٌ
إِلّا نَفاها عَنكَ قَلبٌ أَصمَعُ

وَيَدٌ كَأَنَّ قِتالَها وَنَوالَها
فَرضٌ يَحِقُّ عَلَيكَ وَهوَ تَبَرُّعُ

يا مَن يُبَدِّلُ كُلَّ يَومٍ حُلَّةً
أَنّى رَضيتَ بِحُلَّةٍ لا تُنزَعُ

ما زِلتَ تَخلَعُها عَلى مَن شاءَها
حَتّى لَبِستَ اليَومَ مالا تَخلَعُ

ما زِلتَ تَدفَعُ كُلَّ أَمرٍ فادِحٍ
حَتّى أَتى الأَمرُ الَّذي لا يُدفَعُ

فَظَلِلتَ تَنظُرُ لا رِماحُكَ شُرَّعٌ
فيما عَراكَ وَلا سُيوفُكَ قُطَّعُ

بِأَبي الوَحيدُ وَجَيشُهُ مُتَكاثِرٌ
يَبكي وَمِن شَرِّ السِلاحِ الأَدمُعُ

وَإِذا حَصَلتَ مِنَ السِلاحِ عَلى البُكا
فَحَشاكَ رُعتَ بِهِ وَخَدَّكَ تَقرَعُ

وَصَلَت إِلَيكَ يَدٌ سَواءٌ عِندَها ال
بازي الأُشَيهِبُ وَالغُرابُ الأَبقَعُ

مَن لِلمَحافِلِ وَالجَحافِلِ وَالسُرى
فَقَدَت بِفَقدِكَ نَيِّراً لا يَطلَعُ

وَمَنِ اِتَّخَذتَ عَلى الضُيوفِ خَليفَةً
ضاعوا وَمِثلَكَ لا يَكادُ يُضَيِّعُ

قُبحاً لِوَجهِكَ يا زَمانُ فَإِنَّهُ
وَجهٌ لَهُ مِن كُلِّ قُبحٍ بُرقُعُ

أَيَموتُ مِثلُ أَبي شُجاعٍ فاتِكٌ
وَيَعيشُ حاسِدُهُ الخَصِيُّ الأَوكَعُ

أَيدٍ مُقَطَّعَةٌ حَوالي رَأسِهِ
وَقَفاً يَصيحُ بِها أَلا مَن يَصفَعُ

أَبقَيتَ أَكذَبَ كاذِبٍ أَبقَيتَهُ
وَأَخَذتَ أَصدَقَ مَن يَقولُ وَيَسمَعُ

وَتَرَكتَ أَنتَنَ ريحَةٍ مَذمومَةٍ
وَسَلَبتَ أَطيَبَ ريحَةٍ تَتَضَوَّعُ

فَاليَومَ قَرَّ لِكُلِّ وَحشٍ نافِرٍ
دَمُهُ وَكانَ كَأَنَّهُ يَتَطَلَّعُ

وَتَصالَحَت ثَمَرُ السِياطِ وَخَيلُهُ
وَأَوَت إِلَيها سوقُها وَالأَذرُعُ

وَعَفا الطِرادُ فَلا سِنانٌ راعِفٌ
فَوقَ القَناةِ وَلا حُسامٌ يَلمَعُ

وَلّى وَكُلُّ مُخالِمٍ وَمُنادِمٍ
بَعدَ اللُزومِ مُشَيِّعٌ وَمُوَدِّعُ

مَن كانَ فيهِ لِكُلِّ قَومٍ مَلجَأً
وَلِسَيفِهِ في كُلِّ قَومٍ مَرتَعُ

إِن حَلَّ في فُرسٍ فَفيها رَبُّها
كِسرى تَذِلُّ لَهُ الرِقابُ وَتَخضَعُ

أَو حَلَّ في رومٍ فَفيها قَيصَرٌ
أَو حَلَّ في عُربٍ فَفيها تُبَّعُ

قَد كانَ أَسرَعَ فارِسٍ في طَعنَةٍ
فَرَساً وَلَكِنَّ المَنِيَّةَ أَسرَعُ

لا قَلَّبَت أَيدي الفَوارِسِ بَعدَهُ
رُمحاً وَلا حَمَلَت جَواداً أَربَعُ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:09 PM
بِأَبي مَن وَدِدتُهُ فَاِفتَرَقنا
وَقَضى اللَهُ بَعدَ ذاكَ اِجتِماعا

فَاِفتَرَقنا حَولاً فَلَمّا اِلتَقَينا
كانَ تَسليمُهُ عَلَيَّ وَداعا


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:09 PM
مَوقِعُ الخَيلِ مِن نَداكَ طَفيفُ
وَلَوَ أَنَّ الجِيادَ فيها أُلوفُ

وَمِنَ اللَفظِ لَفظَةٌ تَجمَعُ الوَصفَ
وَذاكَ المُطَهَّمُ المَعروفُ

مالَنا في النَدى عَلَيكَ اِختِيارٌ
كُلُّ ما يَمنَحُ الشَريفُ شَريفُ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:10 PM
أَهوِن بِطولِ الثَواءِ وَالتَلَفِ
وَالسِجنِ وَالقَيدِ يا أَبا دُلَفِ

غَيرَ اِختِيارٍ قَبِلتُ بِرَّكَ بي
وَالجوعُ يُرضي الأُسودَ بِالجِيَفِ

كُن أَيُّها السِجنُ كَيفَ شِئتَ فَقَد
وَطَّنتُ لِلمَوتِ نَفسَ مُعتَرِفِ

لَو كانَ سُكنايَ فيكَ مَنقَصَةً
لَم يَكُنِ الدُرُّ ساكِنَ الصَدَفِ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:10 PM
بِهِ وَبِمِثلِهِ شُقَّ الصُفوفُ
وَزَلَّت عَن مُباشِرِهِ الحُتوفُ

فَدَعهُ لَقىً فَإِنَّكَ مِن كِرامٍ
جَواشِنُها الأَسِنَّةُ وَالسُيوفُ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:11 PM
وَمُنتَسِبٍ عِندي إِلى مَن أُحِبُّهُ
وَلِلنُبلِ حَولي مِن يَدَيهِ حَفيفُ

فَهَيَّجَ مِن شَوقي وَما مِن مَذَلَّةٍ
حَنَنتُ وَلَكِنَّ الكَريمَ أَلوفُ

وَكُلُّ وِدادٍ لا يَدومُ عَلى الأَذى
دَوامَ وِدادي لِلحُسَينِ ضَعيفُ

فَإِن يَكُنِ الفِعلُ الَّذي ساءَ واحِداً
فَأَفعالُهُ اللائي سَرَرنَ أُلوفُ

وَنَفسي لَهُ نَفسي الفِداءُ لِنَفسِهِ
وَلَكِنَّ بَعضَ المالِكينَ عَنيفُ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:11 PM
أَعدَدتُ لِلغادِرينَ أَسيافا
أَجدَعُ مِنهُم بِهِنَّ آنافا

لا يَرحَمُ اللَهُ أَرؤُساً لَهُم
أَطَرنَ عَن هامِهِنَّ أَقحافا

ما يَنقِمُ السَيفُ غَيرَ قِلَّتِهِم
وَأَن تَكونَ المِئُونَ آلافا

يا شَرَّ لَحمٍ فَجَعتُهُ بِدَمٍ
وَزارَ لِلخامِعاتِ أَجوافا

قَد كُنتَ أُغنيتَ عَن سُؤالِكَ بي
مَن زَجَرَ الطَيرَ لي وَمَن عافا

وَعَدتُ ذا النَصلِ مَن تَعَرَّضَهُ
وَخِفتُ لَمّا اِعتَرَضتَ إِخلافا

لا يُذكَرُ الخَيرُ إِن ذُكِرتَ وَلا
تُتبِعُكَ المُقلَتانِ تَوكافا

إِذا اِمرُؤٌ راعَني بِغَدرَتِهِ
أَورَدتُهُ الغايَةَ الَّتي خافا


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:12 PM
أَيَدري الرَبعُ أَيَّ دَمٍ أَراقا
وَأَيَّ قُلوبِ هَذا الرَكبِ شاقا

لَنا وَلِأَهلِهِ أَبَداً قُلوبٌ
تَلاقى في جُسومٍ ما تَلاقى

وَما عَفَتِ الرِياحُ لَهُ مَحَلّاً
عَفاهُ مَن حَدا بِهِمِ وَساقا

فَلَيتَ هَوى الأَحِبَّةِ كانَ عَدلاً
فَحَمَّلَ كُلَّ قَلبٍ ما أَطاقا

نَظَرتُ إِلَيهِمُ وَالعَينُ شَكرى
فَصارَت كُلُّها لِلدَمعِ ماقا

وَقَد أَخَذَ التَمامُ البَدرُ فيهِم
وَأَعطاني مِنَ السَقَمِ المُحاقا

وَبَينَ الفَرعِ وَالقَدَمَينِ نورٌ
يَقودُ بِلا أَزِمَّتِها النِياقا

وَطَرفٌ إِن سَقى العُشّاقَ كَأساً
بِها نَقصٌ سَقانيها دِهاقا

وَخَصرٌ تَثبُتُ الأَبصارُ فيهِ
كَأَنَّ عَلَيهِ مِن حَدَقِ نِطاقا

سَلي عَن سيرَتي فَرَسي وَسَيفي
وَرُمحي وَالهَمَلَّعَةِ الدِفاقا

تَرَكنا مِن وَراءِ العيسِ نَجداً
وَنَكَّبنا السَماوَةَ وَالعِراقا

فَما زالَت تَرى وَاللَيلُ داجٍ
لِسَيفِ الدَولَةِ المَلِكِ ائتِلاقا

أَدِلَّتُها رِياحُ المِسكِ مِنهُ
إِذا فَتَحَت مَناخِرَها اِنتِشاقا

أَباحَكِ أَيُّها الوَحشُ الأَعادي
فَلِم تَتَعَرَّضينَ لَهُ الرِفاقا

وَلَو تَبَّعتِ ما طَرَحَت قَناهُ
لَكَفَّكِ عَن رَذايانا وَعاقا

وَلَو سِرنا إِلَيهِ في طَريقٍ
مِنَ النيرانِ لَم نَخَفِ اِحتِراقا

إِمامٌ للِائمَّةِ مِن قُرَيشٍ
إِلى مَن يَتَّقونَ لَهُ شِقاقا

يَكونُ لَهُم إِذا غَضِبوا حُساماً
وَلِلهَيجاءِ حينَ تَقومُ ساقا

فَلا تَستَنكِرَنَّ لَهُ اِبتِساماً
إِذا فَهِقَ المَكَرُّ دَماً وَضاقا

فَقَد ضَمِنَت لَهُ المُهَجَ العَوالي
وَحَمَّلَ هَمَّهُ الخَيلَ العِتاقا

إِذا أُنعِلنَ في آثارِ قَومٍ
وَإِن بَعُدوا جَعَلنَهُمُ طِراقا

وَإِن نَقَعَ الصَريخُ إِلى مَكانٍ
نَصَبنَ لَهُ مُؤَلَّلَةً دِقاقا

فَكانَ الطَعنُ بَينَهُما جَواباً
وَكانَ اللَبثُ بَينَهُما فُواقا

مُلاقِيَةً نَواصيها المَنايا
مُعَوَّدَةً فَوارِسُها العِناقا

تَبيتُ رِماحُهُ فَوقَ الهَوادي
وَقَد ضَرَبَ العَجاجُ لَها رِواقا

تَميلُ كَأَنَّ في الأَبطالِ خَمراً
عُلِلنَ بِها اِصطِباحاً وَاِغتِباقا

تَعَجَّبَتِ المُدامُ وَقَد حَساها
فَلَم يَسكَر وَجادَ فَما أَفاقا

أَقامَ الشِعرُ يَنتَظِرُ العَطايا
فَلَمّا فاقَتِ الأَمطارَ فاقا

وَزَنّا قيمَةَ الدَهماءِ مِنهُ
وَوَفَّينا القِيانَ بِهِ الصَداقا

وَحاشا لِاِرتِياحِكَ أَن يُبارى
وَلِلكَرَمِ الَّذي لَكَ أَن يُباقى

وَلَكِنّا نُداعِبُ مِنكَ قَرماً
تَراجَعَتِ القُرومُ لَهُ حِقاقا

فَتىً لا تَسلُبُ القَتلى يَداهُ
وَيَسلُبُ عَفوُهُ الأَسرى الوَثاقا

وَلَم تَأتِ الجَميلَ إِلَيَّ سَهواً
وَلَم أَظفَر بِهِ مِنكَ اِستِراقا

فَأَبلِغ حاسِدِيَّ عَلَيكَ أَنّي
كَبا بَرقٌ يُحاوِلُ بي لَحاقا

وَهَل تُغني الرَسائِلُ في عَدوٍّ
إِذا ما لَم يَكُنَّ ظُبىً رِقاقا

إِذا ما الناسُ جَرَّبَهُم لَبيبٌ
فَإِنّي قَد أَكَلتُهُمُ وَذاقا

فَلَم أَرَ وُدَّهُم إِلّا خِداعاً
وَلَم أَرَ دينَهُم إِلّا نِفاقا

يُقَصِّرُ عَن يَمينِكَ كُلُّ بَحرٍ
وَعَمّا لَم تُلِقهُ ما أَلاقا

وَلَولا قُدرَةُ الخَلّاقِ قُلنا
أَعَمداً كانَ خَلقُكَ أَم وِفاقا

فَلا حَطَّت لَكَ الهَيجاءُ سَرجاً
وَلا ذاقَت لَكَ الدُنيا فِراقا


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:12 PM
لِعَينَيكِ ما يَلقى الفُؤادُ وَما لَقي
وَلِلحُبِّ مالَم يَبقَ مِنّي وَما بَقي

وَما كُنتُ مِمَّن يَدخُلُ العِشقُ قَلبَهُ
وَلَكِنَّ مَن يُبصِر جُفونَكِ يَعشَقِ

وَبَينَ الرِضا وَالسُخطِ وَالقُربِ وَالنَوى
مَجالٌ لِدَمعِ المُقلَةِ المُتَرَقرِقِ

وَأَحلى الهَوى ما شَكَّ في الوَصلِ رَبُّهُ
وَفي الهَجرِ فَهوَ الدَهرَ يُرجو وَيُتَّقي

وَغَضبى مِنَ الإِدلالِ سَكرى مِنَ الصِبا
شَفَعتُ إِلَيها مِن شَبابي بِرَيِّقِ

وَأَشنَبَ مَعسولِ الثَنِيّاتِ واضِحٍ
سَتَرتُ فَمي عَنهُ فَقَبَّلَ مَفرِقي

وَأَجيادِ غِزلانٍ كَجيدِكِ زُرنَني
فَلَم أَتَبَيَّن عاطِلاً مِن مُطَوَّقِ

وَما كُلُّ مَن يَهوى يَعِفُّ إِذا خَلا
عَفافي وَيُرضي الحِبَّ وَالخَيلُ تَلتَقي

سَقى اللَهُ أَيّامَ الصِبا ما يَسُرُّها
وَيَفعَلُ فِعلَ البابِلِيِّ المُعَتَّقِ

إِذا ما لَبِستَ الدَهرَ مُستَمتِعاً بِهِ
تَخَرَّقتَ وَالمَلبوسُ لَم يَتَخَرَّقِ

وَلَم أَرَ كَالأَلحاظِ يَومَ رَحيلِهِم
بَعَثنَ بِكُلِّ القَتلِ مِن كُلِّ مُشفِقِ

أَدَرنَ عُيوناً حائِراتٍ كَأَنَّها
مُرَكَّبَةٌ أَحداقُها فَوقَ زِئبَقٍ

عَشِيَّةَ يَعدونا عَنِ النَظَرِ البُكا
وَعَن لَذَّةِ التَوديعِ خَوفُ التَفَرُّقِ

نُوَدِّعُهُم وَالبَينُ فينا كَأَنَّهُ
قَنا اِبنِ أَبي الهَيجاءِ في قَلبِ فَيلَقِ

قَواضٍ مَواضٍ نَسجُ داوُودَ عِندَها
إِذا وَقَعَت فيهِ كَنَسجِ الخَدَرنَقِ

هَوادٍ لِأَملاكِ الجُيوشِ كَأَنَّها
تَخَيَّرُ أَرواحَ الكُماةِ وَتَنتَقي

تَقُدُّ عَلَيهِم كُلَّ دِرعٍ وَجَوشَنٍ
وَتَفري إِلَيهِم كُلَّ سورٍ وَخَندَقِ

يُغيرُ بِها بَينَ اللُقانِ وَواسِطٍ
وَيُركِزُها بَينَ الفُراتِ وَجِلِّقِ

وَيُرجِعُها حُمراً كَأَنَّ صَحيحَها
يُبَكّي دَماً مِن رَحمَةِ المُتَدَقِّقِ

فَلا تُبلِغاهُ ما أَقولُ فَإِنَّهُ
شُجاعٌ مَتى يُذكَر لَهُ الطَعنُ يَشتَقِ

ضَروبٌ بِأَطرافِ السُيوفِ بَنانُهُ
لَعوبٌ بِأَطرافِ الكَلامِ المُشَقَّقِ

كَسائِلِهِ مَن يَسأَلُ الغَيثَ قَطرَةً
كَعاذِلِهِ مَن قالَ لِلفَلَكِ اِرفُقِ

لَقَد جُدتَ حَتّى جُدتَ في كُلِّ مِلَّةٍ
وَحَتّى أَتاكَ الحَمدُ مِن كُلِّ مَنطِقِ

رَأى مَلِكُ الرومِ اِرتِياحَكَ لِلنَدى
فَقامَ مَقامَ المُجتَدي المُتَمَلِّقِ

وَخَلّى الرِماحَ السَمهَرِيَّةَ صاغِراً
لِأَدرَبَ مِنهُ بِالطِعانِ وَأَحذَقِ

وَكاتَبَ مِن أَرضٍ بَعيدٍ مَرامُها
قَريبٍ عَلى خَيلٍ حَوالَيكَ سُبَّقِ

وَقَد سارَ في مَسراكَ مِنها رَسولُهُ
فَما سارَ إِلّا فَوقَ هامٍ مُفَلَّقِ

فَلَمّا دَنا أَخفى عَلَيهِ مَكانَهُ
شُعاعُ الحَديدِ البارِقِ المُتَأَلِّقِ

وَأَقبَلَ يَمشي في البِساطِ فَما دَرى
إِلى البَحرِ يَمشي أَم إِلى البَدرِ يَرتَقي

وَلَم يَثنِكَ الأَعداءُ عَن مُهَجاتِهِم
بِمِثلِ خُضوعٍ في كَلامٍ مُنَمَّقِ

وَكُنتَ إِذا كاتَبتَهُ قَبلَ هَذِهِ
كَتَبتَ إِلَيهِ في قَذالِ الدُمُستُقِ

فَإِن تُعطِهِ مِنكَ الأَمانَ فَسائِلٌ
وَإِن تُعطِهِ حَدَّ الحُسامِ فَأَخلِقِ

وَهَل تَرَكَ البيضُ الصَوارِمُ مِنهُمُ
أَسيراً لِفادٍ أَو رَقيقاً لِمُعتِقِ

لَقَد وَرَدوا وِردَ القَطا شَفَراتِها
وَمَرّوا عَلَيها زَردَقاً بَعدَ زَردَقِ

بَلَغتُ بِسَيفِ الدَولَةِ النورِ رُتبَةً
أَثَرتُ بِها مابَينَ غَربٍ وَمَشرِقِ

إِذا شاءَ أَن يَلهو بِلِحيَةِ أَحمَقٍ
أَراهُ غُباري ثُمَّ قالَ لَهُ اِلحَقِ

وَما كَمَدُ الحُسّادِ شَيئاً قَصَدتُهُ
وَلَكِنَّهُ مَن يَزحَمِ البَحرَ يَغرَقِ

وَيَمتَحِنُ الناسَ الأَميرُ بِرَأيِهِ
وَيُغضي عَلى عِلمٍ بِكُلِّ مُمَخرِقِ

وَإِطراقُ طَرفِ العَينِ لَيسَ بِنافِعٍ
إِذا كانَ طَرفُ القَلبِ لَيسَ بِمُطرِقِ

فَيا أَيُّها المَطلوبُ جاوِرهُ تَمتَنِع
وَيا أَيُّها المَحرومُ يَمِّمهُ تُرزَقِ

وَيا أَجبَنَ الفُرسانِ صاحِبهُ تَجتَرِئ
وَيا أَشجَعَ الشُجعانِ فارِقهُ تَفرَقِ

إِذا سَعَتِ الأَعداءُ في كَيدِ مَجدِهِ
سَعى جَدُّهُ في كَيدِهِم سَعيَ مُحنَقِ

وَما يَنصُرُ الفَضلُ المُبينُ عَلى العِدا
إِذا لَم يَكُن فَضلَ السَعيدِ المُوَفَّقِ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:13 PM
تَذَكَّرتُ ما بَينَ العُذَيبِ وَبارِقِ
مَجَرَّ عَوالينا وَمَجرى السَوابِقِ

وَصُحبَةَ قَومٍ يَذبَحونَ قَنيصَهُم
بِفَضلَةِ ما قَد كَسَّروا في المَفارِقِ

وَلَيلاً تَوَسَّدنا الثَوِيَّةَ تَحتَهُ
كَأَنَّ ثَراها عَنبَرٌ في المَرافِقِ

بِلادٌ إِذا زارَ الحِسانَ بِغَيرِها
حَصا تُربِها ثَقَّبنَهُ لِلمَخانِقِ

سَقَتني بِها القُطرُبُّلِيَّ مَليحَةٌ
عَلى كاذِبٍ مِن وَعدِها ضَوءُ صادِقِ

سُهادٌ لِأَجفانٍ وَشَمسٌ لِناظِرٍ
وَسُقمٌ لِأَبدانٍ وَمِسكٌ لِناشِقِ

وَأَغيَدُ يَهوى نَفسَهُ كُلُّ عاقِلٍ
عَفيفٍ وَيَهوى جِسمَهُ كُلُّ فاسِقِ

أَديبٌ إِذا ما جَسَّ أَوتارَ مِزهَرٍ
بَلا كُلَّ سَمعٍ عَن سِواها بِعائِقِ

يُحَدِّثُ عَمّا بَينَ عادٍ وَبَينَهُ
وَصُدغاهُ في خَدَّي غُلامٍ مُراهِقِ

وَما الحُسنُ في وَجهِ الفَتى شَرَفاً لَهُ
إِذا لَم يَكُن في فِعلِهِ وَالخَلائِقِ

وَما بَلَدُ الإِنسانِ غَيرُ المُوافِقِ
وَلا أَهلُهُ الأَدنَونَ غَيرُ الأَصادِقِ

وَجائِزَةٌ دَعوى المَحَبَّةِ وَالهَوى
وَإِن كانَ لا يَخفى كَلامُ المُنافِقِ

بِرَأيِ مَنِ اِنقادَت عُقَيلٌ إِلى الرَدى
وَإِشماتِ مَخلوقٍ وَإِسخاطِ خالِقِ

أَرادوا عَلِيّاً بِالَّذي يُعجِزُ الوَرى
وَيوسِعُ قَتلَ الجَحفَلِ المُتَضايِقِ

فَما بَسَطوا كَفّاً إِلى غَيرِ قاطِعٍ
وَلا حَمَلوا رَأساً إِلى غَيرِ فالِقِ

لَقَد أَقدَموا لَو صادَفوا غَيرَ آخِذٍ
وَقَد هَرَبوا لَو صادَفوا غَيرَ لاحِقِ

وَلَمّا كَسا كَعباً ثِياباً طَغَوا بِها
رَمى كُلَّ ثَوبٍ مِن سِنانٍ بِخارِقِ

وَلَمّا سَقى الغَيثَ الَّذي كَفَروا بِهِ
سَقى غَيرَهُ في غَيرِ تِلكَ البَوارِقِ

وَما يوجِعُ الحِرمانُ مِن كَفِّ حارِمٍ
كَما يوجِعُ الحِرمانُ مِن كَفِّ رازِقِ

أَتاهُم بِها حَشوَ العَجاجَةِ وَالقَنا
سَنابِكُها تَحشو بُطونَ الحَمالِقِ

عَوابِسَ حَلّى يابِسُ الماءِ حُزمَها
فَهُنَّ عَلى أَوساطِها كَالمَناطِقِ

فَلَيتَ أَبا الهَيجا يَرى خَلفَ تَدمُرٍ
طِوالَ العَوالي في طِوالِ السَمالِقِ

وَسَوقَ عَليٍّ مِن مَعَدٍّ وَغَيرِها
قَبائِلَ لا تُعطي القُفِيَّ لِسائِقِ

قُشَيرٌ وَبَلعَجلانِ فيها خَفِيَّةٌ
كَراءَينِ في أَلفاظِ أَلثَغَ ناطِقِ

تُخَلِّيهِمِ النِسوانُ غَيرَ فَوارِكٍ
وَهُم خَلَّوِ النِسوانَ غَيرَ طَوالِقِ

يُفَرِّقُ ما بَينَ الكُماةِ وَبَينَها
بِضَربٍ يُسَلّي حَرُّهُ كُلَّ عاشِقِ

أَتى الظُعنَ حَتّى ما تَطيرُ رَشاشَةٌ
مِنَ الخَيلِ إِلّا في نُحورِ العَواتِقِ

بِكُلِّ فَلاةٍ تُنكِرُ الإِنسَ أَرضُها
ظَعائِنُ حُمرُ الحَليِ حُمرُ الأَيانِقِ

وَمَلمومَةٌ سَيفِيَّةٌ رَبَعِيَّةٌ
يَصيحُ الحَصى فيها صِياحَ اللَقالِقِ

بَعيدَةُ أَطرافِ القَنا مِن أُصولِهِ
قَريبَةُ بَينَ البيضِ غُبرُ اليَلامِقِ

نَهاها وَأَغناها عَنِ النَهبِ جودُهُ
فَما تَبتَغي إِلّا حُماةَ الحَقائِقِ

تَوَهَّمَها الأَعرابُ سَورَةَ مُترَفٍ
تُذَكِّرُهُ البَيداءُ ظِلَّ السُرادِقِ

فَذَكَّرتَهُم بِالماءِ ساعَةَ غَبَّرَت
سَماوَةُ كَلبٍ في أُنوفِ الحَزائِقِ

وَكانوا يَروعونَ المُلوكَ بِأَن بَدَوا
وَأَن نَبَتَت في الماءِ نَبتَ الغَلافِقِ

فَهاجوكَ أَهدى في الفَلا مِن نُجومِهِ
وَأَبدى بُيوتاً مِن أَداحي النَقانِقِ

وَأَصبَرَ عَن أَمواهِهِ مِن ضِبابِهِ
وَآلَفَ مِنها مُقلَةً لِلوَدائِقِ

وَكانَ هَديراً مِن فُحولٍ تَرَكتَها
مُهَلَّبَةَ الأَذنابِ خُرسَ الشَقاشِقِ

فَما حَرَموا بِالرَكضِ خَيلَكَ راحَةً
وَلَكِن كَفاها البَرُّ قَطعَ الشَواهِقِ

وَلا شَغَلوا صُمَّ القَنا بِقُلوبِهِم
عَنِ الرِكزِ لَكِن عَن قُلوبِ الدَماسِقِ

أَلَم يَحذَروا مَسخَ الَّذي يَمسَخُ العِدا
وَيَجعَلُ أَيدي الأُسدِ أَيدي الخَرانِقِ

وَقَد عايَنوهُ في سِواهُم وَرُبَّما
أَرى مارِقاً في الحَربِ مَصرَعَ مارِقِ

تَعَوَّدَ أَن لا تَقضَمَ الحَبَّ خَيلُهُ
إِذا الهامُ لَم تَرفَع جُنوبَ العَلائِقِ

وَلا تَرِدَ الغُدرانَ إِلّا وَماؤُها
مِنَ الدَمِ كَالرَيحانِ تَحتَ الشَقائِقِ

لَوَفدُ نُمَيرٍ كانَ أَرشَدَ مِنهُمُ
وَقَد طَرَدوا الأَظعانَ طَردَ الوَسائِقِ

أَعَدّوا رِماحاً مِن خُضوعٍ فَطاعَنوا
بِها الجَيشَ حَتّى رَدَّ غَربَ الفَيالِقِ

فَلَم أَرَ أَرمى مِنهُ غَيرَ مُخاتِلٍ
وَأَسرى إِلى الأَعداءِ غَيرَ مُسارِقِ

تُصيبُ المَجانيقُ العِظامُ بِكَفِّهِ
دَقائِقَ قَد أَعيَت قِسِيَّ البَنادِقِ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:14 PM
أَرَقٌ عَلى أَرَقٍ وَمِثلِيَ يَأرَقُ
وَجَوىً يَزيدُ وَعَبرَةٌ تَتَرَقرَقُ

جُهدُ الصَبابَةِ أَن تَكونَ كَما أَرى
عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلبٌ يَخفِقُ

ما لاحَ بَرقٌ أَو تَرَنَّمَ طائِرٌ
إِلّا اِنثَنَيتُ وَلي فُؤادٌ شَيِّقُ

جَرَّبتُ مِن نارِ الهَوى ما تَنطَفي
نارُ الغَضى وَتَكِلُّ عَمّا تُحرِقُ

وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتّى ذُقتُهُ
فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ

وَعَذَرتُهُم وَعَرَفتُ ذَنبِيَ أَنَّني
عَيَّرتُهُم فَلَقيتُ فيهِ ما لَقوا

أَبَني أَبينا نَحنُ أَهلُ مَنازِلٍ
أَبَداً غُرابُ البَينِ فيها يَنعَقُ

نَبكي عَلى الدُنيا وَما مِن مَعشَرٍ
جَمَعَتهُمُ الدُنيا فَلَم يَتَفَرَّقوا

أَينَ الأَكاسِرَةُ الجَبابِرَةُ الأُلى
كَنَزوا الكُنوزَ فَما بَقينَ وَلا بَقوا

مِن كُلِّ مَن ضاقَ الفَضاءُ بِجَيشِهِ
حَتّى ثَوى فَحَواهُ لَحدٌ ضَيِّقُ

خُرسٌ إِذا نودوا كَأَن لَم يَعلَموا
أَنَّ الكَلامَ لَهُم حَلالٌ مُطلَقُ

وَالمَوتُ آتٍ وَالنُفوسُ نَفائِسٌ
وَالمُستَغِرُّ بِما لَدَيهِ الأَحمَقُ

وَالمَرءُ يَأمُلُ وَالحَياةُ شَهِيَّةٌ
وَالشَيبُ أَوقَرُ وَالشَبيبَةُ أَنزَقُ

وَلَقَد بَكَيتُ عَلى الشَبابِ وَلِمَّتي
مُسوَدَّةٌ وَلِماءِ وَجهِيَ رَونَقُ

حَذَراً عَلَيهِ قَبلَ يَومِ فِراقِهِ
حَتّى لَكِدتُ بِماءِ جَفنِيَ أَشرَقُ

أَمّا بَنو أَوسِ اِبنِ مَعنِ اِبنِ الرِضا
فَأَعَزُّ مَن تُحدى إِلَيهِ الأَينُقُ

كَبَّرتُ حَولَ دِيارِهِم لَمّا بَدَت
مِنها الشُموسُ وَلَيسَ فيها المَشرِقُ

وَعَجِبتُ مِن أَرضٍ سَحابُ أَكُفِّهِم
مِن فَوقِها وَصُخورُها لا تورِقُ

وَتَفوحُ مِن طيبِ الثَناءِ رَوائِحٌ
لَهُمُ بِكُلِّ مَكانَةٍ تُستَنشَقُ

مِسكِيَّةُ النَفَحاتِ إِلّا أَنَّها
وَحشِيَّةٌ بِسِواهُمُ لا تَعبَقُ

أَمُريدَ مِثلِ مُحَمَّدٍ في عَصرِنا
لا تَبلُنا بِطِلابِ ما لا يُلحَقُ

لَم يَخلُقِ الرَحمَنُ مِثلَ مُحَمَّدٍ
أَبَداً وَظَنّي أَنَّهُ لا يَخلُقُ

يا ذا الَّذي يَهَبُ الجَزيلَ وَعِندَهُ
أَنّي عَلَيهِ بِأَخذِهِ أَتَصَدَّقُ

أَمطِر عَلَيَّ سَحابَ جودِكَ ثَرَّةً
وَاِنظُر إِلَيَّ بِرَحمَةٍ لا أَغرَقُ

كَذَبَ اِبنُ فاعِلَةٍ يَقولُ بِجَهلِهِ
ماتَ الكِرامُ وَأَنتَ حَيٌّ تُرزَقُ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:14 PM
أَيَّ مَحَلٍّ أَرتَقي
أَيَّ عَظيمٍ أَتَّقي

وَكُلُّ ما قَد خَلَقَ الـ
لاهُ وَما لَم يَخلُقِ

مُحتَقَرٌ في هِمَّتي
كَشَعرَةٍ في مَفرِقي


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:15 PM
هُوَ البَينُ حَتّى ما تَأَنّى الحَزائِقُ
وَيا قَلبِ حَتّى أَنتَ مِمَّن أُفارِقُ

وَقَفنا وَمِمّا زادَ بَثّاً وُقوفُنا
فَريقَي هَوىً مِنّا مَشوقٌ وَشائِقُ

وَقَد صارَتِ الأَجفانُ قَرحى مِنَ البُكا
وَصارَ بَهاراً في الخُدودِ الشَقائِقُ

عَلى ذا مَضى الناسُ اِجتِماعٌ وَفُرقَةٌ
وَمَيتٌ وَمَولودٌ وَقالٍ وَوامِقُ

تَغَيَّرَ حالي وَاللَيالي بِحالِها
وَشِبتُ وَما شابَ الزَمانُ الغُرانِقُ

سَلِ البيدَ أَينَ الجِنُّ مِنّا بِجَوزِها
وَعَن ذي المَهاري أَينَ مِنها النَقانِقُ

وَلَيلٍ دَجوجِيٍّ كَأَنّا جَلَت لَنا
مُحَيّاكَ فيهِ فَاِهتَدَينا السَمالِقُ

فَما زالَ لَولا نورُ وَجهِكَ جُنحُهُ
وَلا جابَها الرُكبانُ لَولا الأَيانِقُ

وَهَزٌّ أَطارَ النَومَ حَتّى كَأَنَّني
مِنَ السُكرِ في الغَرزَينِ ثَوبٌ شُبارِقُ

شَدَوا بِاِبنِ إِسحاقَ الحُسَينِ فَصافَحَت
ذَفارِيَها كيرانُها وَالنَمارِقُ

بِمَن تَقشَعِرُّ الأَرضُ خَوفاً إِذا مَشى
عَلَيها وَتَرتَجُّ الجِبالُ الشَواهِقُ

فَتىً كَالسَحابِ الجونِ يُخشى وَيُرتَجى
يُرَجّى الحَيا مِنها وَتُخشى الصَواعِقُ

وَلَكِنَّها تَمضي وَهَذا مُخَيِّمٌ
وَتَكذِبُ أَحياناً وَذا الدَهرِ صادِقُ

تَخَلّى مِنَ الدُنيا لِيُنسى فَما خَلَت
مَغارِبُها مِن ذِكرِهِ وَالمَشارِقُ

غَذا الهِندُوانِيّاتِ بِالهامِ وَالطُلى
فَهُنَّ مَداريها وَهُنَّ المَخانِقُ

تَشَقَّقُ مِنهُنَّ الجُيوبُ إِذا غَزا
وَتُخضَبُ مِنهُنَّ اللُحى وَالمَفارِقُ

يُجَنَّبُها مَن حَتفُهُ عَنهُ غافِلٌ
وَيَصلى بِها مَن نَفسُهُ مِنهُ طالِقُ

يُحاجى بِهِ ما ناطِقٌ وَهوَ ساكِتٌ
يُرى ساكِتاً وَالسَيفُ عَن فيهِ ناطِقُ

نَكِرتُكَ حَتّى طالَ مِنكَ تَعَجُّبي
وَلا عَجَبٌ مِن حُسنِ ما اللَهُ خالِقُ

كَأَنَّكَ في الإِعطاءِ لِلمالِ مُبغِضٌ
وَفي كُلِّ حَربٍ لِلمَنِيَّةِ عاشِقُ

أَلا قَلَّما تَبقى عَلى ما بَدا لَها
وَحَلَّ بِها مِنكَ القَنا وَالسَوابِقُ

سَيُحيِ بِكَ السُمّارُ ما لاحَ كَوكَبٌ
وَيَحدو بِكَ السُفّارُ ما ذَرَّ شارِقُ

خَفِ اللَهَ وَاِستُر ذا الجَمالَ بِبُرقُعٍ
فَإِن لُحتَ ذابَت في الخُدورِ العَواتِقُ

فَما تَرزُقُ الأَقدارُ مَن أَنتَ حارِمٌ
وَلا تَحرِمُ الأَقدارُ مَن أَنتَ رازِقُ

وَلا تَفتُقُ الأَيّامُ ما أَنتَ راتِقُ
وَلا تَرتُقُ الأَيّامُ ما أَنتَ فاتِقُ

لَكَ الخَيرُ غَيري رامَ مِن غَيرِكَ الغِنى
وَغَيري بِغَيرِ اللاذِقِيَّةِ لاحِقُ

هِيَ الغَرَضُ الأَقصى وَرُؤيَتُكَ المُنى
وَمَنزِلُكَ الدُنيا وَأَنتَ الخَلائِقُ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:15 PM
وَجَدتُ المُدامَةَ غَلّابَةً
تُهَيِّجُ لِلقَلبِ أَشواقُهُ

تُسيءُ مِنَ المَرءِ تَأديبَهُ
وَلَكِن تُحَسِّنُ أَخلاقَهُ

وَأَنفَسُ ما لِلفَتى لُبُّهُ
وَذو اللُبِّ يَكرَهُ إِنفاقَهُ

وَقَد مُتُّ أَمسِ بِها مَوتَةً
وَلا يَشتَهي المَوتَ مَن ذاقَهُ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:16 PM
قالوا لَنا ماتَ إِسحاقُ فَقُلتُ لَهُم
هَذا الدَواءُ الَّذي يَشفي مِنَ الحُمُقِ

إِن ماتَ ماتَ بِلا فَقدٍ وَلا أَسَفٍ
أَو عاشَ عاشَ بِلا خَلقٍ وَلا خُلُقِ

مِنهُ تَعَلَّمَ عَبدٌ شَقَّ هامَتَهُ
خَونَ الصَديقِ وَدَسَّ الغَدرِ في المَلَقِ

وَحَلفَ أَلفِ يَمينٍ غَيرَ صادِقَةٍ
مَطرودَةٍ كَكُعوبِ الرُمحِ في نَسَقِ

ما زِلتُ أَعرِفُهُ قِرداً بِلا ذَنَبٍ
صِفراً مِنَ البَأسِ مَملوءًا مِنَ النَزَقِ

كَريشَةٍ بِمَهَبِّ الريحِ ساقِطَةٍ
لا تَستَقِرُّ عَلى حالٍ مِنَ القَلَقِ

تَستَغرِقُ الكَفُّ فَودَيهِ وَمَنكِبَهُ
وَتَكتَسي مِنهُ ريحَ الجَورَبِ العَرِقِ

فَسائِلوا قاتِليهِ كَيفَ ماتَ لَهُم
مَوتاً مِنَ الضَربِ أَو مَوتاً مِنَ الفَرَقِ

وَأَينَ مَوقِعُ حَدِّ السَيفِ مِن شَبَحٍ
بِغَيرِ رَأسٍ وَلا جِسمٍ وَلا عُنُقِ

لَولا اللِئامُ وَشَيءٌ مِن مُشابَهَةٍ
لَكانَ أَلأَمَ طِفلٍ لُفَّ في خِرَقِ

كَلامُ أَكثَرِ مَن تَلقى وَمَنظَرُهُ
مِمّا يَشُقُّ عَلى الآذانِ وَالحَدَقِ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:17 PM
رُبَّ نَجيعٍ بِسَيفِ الدَولَةِ اِنسَفَكا
وَرُبَّ قافِيَةٍ غاظَت بِهِ مَلِكا

مَن يَعرِفُ الشَمسَ لا يُنكِر مَطالِعَها
أَو يُبصِرُ الخَيلَ لا يَستَكرِمِ الرَمَكا

تَسُرُّ بِالمالِ بَعضَ المالِ تَملِكُهُ
إِنَّ البِلادَ وَإِنَّ العالَمينَ لَكا


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:17 PM
إِنَّ هَذا الشِعرَ في الشِعرِ مَلَك
سارَ فَهوَ الشَمسُ وَالدُنيا فَلَك

عَدَلَ الرَحمَنُ فيهِ بَينَنا
فَقَضى بِاللَفظِ لي وَالحَمدِ لَك

فَإِذا مَرَّ بِأُذني حاسِدٍ
صارَ مِمَّن كانَ حَيّا فَهَلَك


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:18 PM
أَما تَرى ما أَراهُ أَيُّها المَلِكُ
كَأَنَّنا في سَماءِ مالَها حُبُكُ

الفَرقَدُ اِبنُكَ وَالمِصباحُ صاحِبُهُ
وَأَنتَ بَدرُ الدُجى وَالمَجلِسُ الفَلَكُ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:18 PM
بَكيتُ يا رَبعُ حَتّى كِدتُ أَبكيكا
وَجُدتُ بي وَبِدَمعي في مَغانيكا

فَعِم صَباحاً لَقَد هَيَّجتَ لي شَجَناً
وَاِردُد تَحِيَّتَنا إِنّا مُحَيّوكا

بِأَيِّ حُكمِ زَمانٍ صِرتَ مُتَّخِذاً
رِئمَ الفَلا بَدَلاً مِن رِئمِ أَهليكا

أَيّامَ فيكَ شُموسٌ ما اِنبَعَثنَ لَنا
إِلّا اِبتَعَثنَ دَماً بِاللَحظِ مَسفوكا

وَالعَيشُ أَخضَرُ وَالأَطلالُ مُشرِفَةٌ
كَأَنَّ نورَ عُبَيدِ اللَهِ يَعلوكا

نَجا اِمرُؤٌ يا اِبنَ يَحيى كُنتَ بُغيَتَهُ
وَخابَ رَكبُ رِكابٍ لَم يَأُمّوكا

أَحيَيتَ لِلشُعَراءِ الشِعرَ فَاِمتَدَحوا
جَميعَ مَن مَدَحوهُ بِالَّذي فيكا

وَعَلَّموا الناسَ مِنكَ المَجدَ وَاِقتَدَروا
عَلى دَقيقِ المَعاني مِن مَعانيكا

فَكُن كَما أَنتَ يا مَن لا شَبيهَ لَهُ
أَو كَيفَ شِئتَ فَما خَلقٌ يُدانيكا

شُكرُ العُفاةِ لِما أَولَيتَ أَوجَدَني
إِلى نَداكَ طَريقَ العُرفِ مَسلوكا

وَعُظمُ قَدرِكَ في الآفاقِ أَوهَمَني
أَنّي بِقِلَّةِ ما أَثنَيتُ أَهجوكا

كَفى بِأَنَّكَ مِن قَحطانَ في شَرَفٍ
وَإِن فَخَرتَ فَكُلٌّ مِن مَواليكا

وَلَو نَقَصتُ كَما قَد زِدتُ مِن كَرَمٍ
عَلى الوَرى لَرَأَوني مِثلَ شانيكا

لَبّى نَداكَ لَقَد نادى فَأَسمَعَني
يَفديكَ مِن رَجُلٍ صَحبي وَأَفديكا

ما زِلتَ تُتبِعُ ما تولي يَداً بِيَدٍ
حَتّى ظَنَنتُ حَياتي مِن أَياديكا

فَإِن تَقُل ها فَعاداتٌ عُرِفتَ بِها
أَو لا فَإِنَّكَ لا يَسخو بِها فوكا


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:19 PM
تُهَنّا بِصورٍ أَم نُهَنِّئُها بِكَ
وَقَلَّ الَّذي صورٌ وَأَنتَ لَهُ لَكا

وَما صَغُرَ الأُردُنُّ وَالساحِلُ الَّذي
حُبيتَ بِهِ إِلّا إِلى جَنبِ قَدرِكا

تَحاسَدَتِ البُلدانُ حَتّى لَوَ أَنَّها
نُفوسٌ لَسارَ الشَرقُ وَالغَربُ نَحوَكا

وَأَصبَحَ مِصرٌ لا تَكونُ أَميرَهُ
وَلَو أَنَّهُ ذو مُقلَةٍ وَفَمٍ بَكى


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:20 PM
يا أَيُّها المَلِكُ الَّذي نُدَماؤُهُ
شُرَكاؤُهُ في مِلكِهِ لا مُلكِهِ

في كُلِّ يَومٍ بَينَنا دَمُ كَرمَةٍ
لَكَ تَوبَةٌ مِن تَوبَةٍ مِن سَفكِهِ

وَالصِدقُ مِن شِيَمِ الكِرامِ فَنَبِّنا
أَمِنَ الشَرابِ تَتوبُ أَم مِن تَركِهِ


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:20 PM
قَد بَلَغتَ الَّذي أَرَدتَ مِنَ البِر
رِ وَمِن حَقِّ ذا الشَريفِ عَلَيكا

وَإِذا لَم تَسِر إِلى الدارِ في وَقـ
ـتِكَ ذا خِفتُ أَن تَسيرَ إِلَيكا


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:20 PM
لَئِن كانَ أَحسَنَ في وَصفِها
لَقَد تَرَكَ الحُسنَ في الوَصفِ لَك

لِأَنَّكَ بَحرٌ وَإِنَّ البِحارَ
لَتَأنَفَ مِن مَدحِ هَذي البِرَك

كَأَنَّكَ سَيفُكَ لا ما مَلَكتَ
يَبقى لَدَيكَ وَلا ما مَلَك

فَأَكثَرُ مِن جَريِها ما وَهَبتَ
وَأَكثَرُ مِن مائِها ما سَفَك

أَسَأتَ وَأَحسَنتَ عَن قُدرَةٍ
وَدُرتَ عَلى الناسِ دَورَ الفَلَك


المتنبي

الحمدان
07-26-2024, 02:21 PM
نُعِدُّ المَشرَفِيَّةَ وَالعَوالي
وَتَقتُلُنا المَنونُ بِلا قِتالِ

وَنَرتَبِطُ السَوابِقَ مُقرَباتٍ
وَما يُنجينَ مِن خَبَبِ اللَيالي

وَمَن لَم يَعشَقِ الدُنيا قَديماً
وَلَكِن لا سَبيلَ إِلى الوِصالِ

نَصيبُكَ في حَياتِكَ مِن حَبيبٍ
نَصيبُكَ في مَنامِكَ مِن خَيالِ

رَماني الدَهرُ بِالأَرزاءِ حَتّى
فُؤادي في غِشاءٍ مِن نِبالِ

فَصِرتُ إِذا أَصابَتني سِهامٌ
تَكَسَّرَتِ النِصالُ عَلى النِصالِ

وَهانَ فَما أُبالي بِالرَزايا
لِأَنّي ما اِنتَفَعتُ بِأَن أُبالي

وَهَذا أَوَّلُ الناعينَ طُرّاً
لِأَوَّلِ مَيتَةٍ في ذا الجَلالِ

كَأَنَّ المَوتَ لَم يَفجَع بِنَفسٍ
وَلَم يَخطُر لِمَخلوقٍ بِبالِ

صَلاةُ اللَهِ خالِقِنا حَنوطٌ
عَلى الوَجهِ المُكَفَّنِ بِالجَمالِ

عَلى المَدفونِ قَبلَ التُربِ صَوناً
وَقَبلَ اللَحدِ في كَرَمِ الخِلالِ

فَإِنَّ لَهُ بِبَطنِ الأَرضِ شَخصاً
جَديداً ذِكرُناهُ وَهُوَ بالي

وَما أَحَدٌ يُخَلَّدُ في البَرايا
بَلِ الدُنيا تَؤولُ إِلى زَوالِ

أَطابَ النَفسَ أَنَّكَ مُتَّ مَوتاً
تَمَنَّتهُ البَواقي وَالخَوالي

وَزُلتِ وَلَم تَرى يَوماً كَريهاً
يُسَرُّ الروحُ فيهِ بِالزَوالِ

رِواقُ العِزِّ حَولَكِ مُسبَطِرٌّ
وَمُلكُ عَلِيٍّ اِبنِكِ في كَمالِ

سَقى مَثواكَ غادٍ في الغَوادي
نَظيرُ نَوالِ كَفِّكِ في النَوالِ

لِساحيهِ عَلى الأَجداثِ حَفشٌ
كَأَيدي الخَيلِ أَبصَرَتِ المَخالي

أُسائِلُ عَنكِ بَعدَكِ كُلَّ مَجدٍ
وَما عَهدي بِمَجدٍ عَنكِ خالي

يَمُرُّ بِقَبرِكِ العافي فَيَبكي
وَيَشغَلُهُ البُكاءُ عَنِ السُؤالِ

وَما أَهداكِ لِلجَدوى عَلَيهِ
لَوَ أَنَّكِ تَقدِرينَ عَلى فَعالِ

بِعَيشِكِ هَل سَلَوتِ فَإِنَّ قَلبي
وَإِن جانَبتُ أَرضَكِ غَيرُ سالي

نَزَلتِ عَلى الكَراهَةِ في مَكانٍ
بَعُدتِ عَنِ النُعامى وَالشَمالِ

تُحَجَّبُ عَنكِ رائِحَةُ الخُزامى
وَتُمنَعُ مِنكِ أَنداءُ الطِلالِ

بِدارٍ كُلُّ ساكِنِها غَريبٌ
طَويلُ الهَجرِ مُنبَتُّ الحِبالِ

حَصانٌ مِثلُ ماءِ المُزنِ فيهِ
كَتومُ السِرِّ صادِقَةُ المَقالِ

يُعَلِّلُها نِطاسِيُّ الشَكايا
وَواحِدُها نِطاسِيُّ المَعالي

إِذا وَصَفوا لَهُ داءً بِثَغرٍ
سَقاهُ أَسِنَّةَ الأَسلِ الطِوالِ

وَلَيسَت كَالإِناثِ وَلا اللَواتي
تُعَدُّ لَها القُبورُ مِنَ الحِجالِ

وَلا مَن في جَنازَتِها تِجارٌ
يَكونُ وَداعُها نَفضَ النِعالِ

مَشى الأُمَراءُ حَولَيها حُفاةً
كَأَنَّ المَروَ مِن زِفِّ الرِئالِ

وَأَبرَزَتِ الخُدورُ مُخَبَّآتٍ
يَضَعنَ النَقسَ أَمكِنَةَ الغَوالي

أَتَتهُنَّ المُصيبَةُ غافِلاتٍ
فَدَمعُ الحُزنِ في دَمعِ الدَلالِ

وَلَو كانَ النِساءُ كَمَن فَقَدنا
لَفُضِّلَتِ النِساءُ عَلى الرِجالِ

وَما التَأنيثُ لِاِسمِ الشَمسِ عَيبٌ
وَلا التَذكيرُ فَخرٌ لِلهِلالِ

وَأَفجَعُ مَن فَقَدنا مَن وَجَدنا
قُبَيلَ الفَقدِ مَفقودَ المِثالِ

يُدَفِّنُ بَعضُنا بَعضاً وَتَمشي
أَواخِرُنا عَلى هامِ الأَوالي

وَكَم عَينٍ مُقَبَّلَةِ النَواحي
كَحيلٌ بِالجَنادِلِ وَالرِمالِ

وَمُغضٍ كانَ لا يُغدي لِخِطبٍ
وَبالٍ كانَ يُفكِرُ في الهُزالِ

أَسَيفَ الدَولَةِ اِستَنجِد بِصَبرٍ
وَكَيفَ بِمِثلِ صَبرِكَ لِلجِبالِ

فَأَنتَ تُعَلِّمُ الناسَ التَعَزّي
وَخَوضَ المَوتِ في الحَربِ السِجالِ

وَحالاتُ الزَمانِ عَلَيكَ شَتّى
وَحالُكَ واحِدٌ في كُلِّ حالِ

فَلا غيضَت بِحارُكَ يا جَموماً
عَلى عَلَلِ الغَرائِبِ وَالدِخالِ

رَأَيتُكَ في الَّذينَ أَرى مُلوكاً
كَأَنَّكَ مُستَقيمٌ في مُحالِ

فَإِن تَفُقِ الأَنامَ وَأَنتَ مِنهُم
فَإِنَّ المِسكَ بَعضُ دَمِ الغَزالِ


المتنبي .. العصر العباسي

الحمدان
07-26-2024, 02:35 PM
‏إِذَا كُنْتَ فِي قَوْمٍ فَصَاحِبْ خَيَارَهُمْ
وَلَا تَصْحَبِ الأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي
.
عَنِ المَرءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ
فَكُلّ قَرِينٍ بالمُقَارِنِ يَقْتَدِي

......

الحمدان
07-26-2024, 02:36 PM
كم ليلةٍ قد بت أرقب صبحها
وأنجمها في الجو ما تتزحزح

ويمناي فوق القلب تبرد حره
ويسراي تحت الخد والعين تسفح


ابن داود الظاهري

الحمدان
07-26-2024, 03:04 PM
وَكانوا لَنا أَصدِقاءَ مَضوا
تَفانوا جَميعاً فَما خَلَّدوا

تَساقَوا جَميعاً كُؤوسَ المَنون
فَماتَ الصَديقُ وَماتَ العَدُّو


الجاحظ

الحمدان
07-26-2024, 03:05 PM
يَكونُ الخالُ في وَجهِ مَليح
فَيَكسوهُ المِلاحَةِ وَالجَمالا

وَلَستَ تَملِ مِن نَظَرَ إِلَيهِ
فَكَيفَ إِذا رَأَيتَ الوَجهَ خالا


الجاحظ

الحمدان
07-26-2024, 03:05 PM
بَدا حينَ أَثرى بِاِخوانِهِ
فَقَلَّلَ عَنهُم شَباةَ العَدَم

وَذِكرُهُ الدَهرُ صَرفُ الزَمانِ
فَبادَرَ قَبلَ اِنتِقالِ النِعَم

فَتى خَصَّهُ اللَهُ بِالمَكرُماتِ
فَمازَجَ مِنهُ الحَيا بِالكَرَم

إِذا هِمَةُ قَصَّرَت عَن يَدِ
تَناوَلَها بِجَزيلِ الهِمَم

وَلا يَنكَتُ الأَرضَ عِندَ السُؤالِ
لِيَقطَعَ زُوارِهِ مِن نِعَم


الجاحظ

الحمدان
07-26-2024, 03:07 PM
لَئِن قَدَّمتَ قَبلي رِجالً فَطالَما
مَشيتُ عَلى رِسلي فَكُنتُ المُقدِما

وَلكِنَّ هذا الدَهرَ تَأتي صُروفَهُ
فَتُبرِمُ مَنقوضاً وَتَنقِضُ مُبرِما


الجاحظ

الحمدان
07-26-2024, 03:07 PM
إِنَّ اِبنَ يَحيى عَبيدَ اللَهِ أَمَّنَني
مِنَ الحَوادِثَ بَعدَ الخَوفِ مِن زَمَني

فَلَستُ أَحذَرُ حُسّادي وَإِن كَثَروا
ما دُمتُ مُمسِكَ حَبلِ مِن أَبي الحَسَنِ


الجاحظ